إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

الاثنين، 21 سبتمبر 2015

المكسيك والدستور ولجنة خمسين طرطور

https://www.youtube.com/watch?v=-52PtIc4uWM

بقلم: عبد الرحمن يوسف

شاهدت المؤتمر الصحفي الذي عقد في القاهرة بين وزير خارجية الانقلاب المدعو "سامح شكري"، وبين معالي وزيرة خارجية المكسيك السيدة المحترمة "كلوديا رويس ماسيو" منذ يومين، وحين شاهدت أداء الوزيرين جرت في ذهني مقارنة لا إرادية بين الوزيرين.

شعرت وأنا أنظر للوزيرة المكسيكية أنني أمام مسؤول حقيقي، في دولة حقيقية، ولكني حين نظرت للأخ "سامح" شعرت بقرف وخجل، إنه رجل جاهل، لا يحسن الحديث بالعربية، ولا الإنجليزية، علقت مراسلة جريدة الواشنطن بوست على أدائه بأنه "يقرأ بيانا دون أن يفهمه"!

المقارنة بين الوزيرين قادتني إلى المقارنة بين الرئيسين، أنظر في صورة الرئيس المكسيكي فأرى رئيسا حقيقيا، يتصرف كمسؤول عن شعب يبلغ عدده أكثر من (110) مليون نسمة، فتحرك فورا لكي يعرف ما الذي حدث لمواطنيه المساكين الذين قتلتهم القوات المسلحة المصرية، لم يتركهم كما تتصرف الدولة المصرية (ورئيسها الهمام) مع مواطنيها المساكين، يتركون فريسة للموت في أعالي البحار، وأعالي الجبال، وفي حوادث السيارات، بل تقتلهم الدولة قتلا، ثم يمنع النشر في القضية، ويكفى على الخبر ماجور.

تاريخ منصب الرئاسة في المكسيك يشعرك بقدر من الاطمئنان، الانتخابات نزيهة، لا أحد يفوز بـ98% كما يحدث في البلدان المتخلفة

في الانتخابات الرئاسية التي جرت في يوليو 2000 كانت المرة الأولى التي يفوز بها حزب معارض، فاز بها "فيسينتي فوكس كيساد" مرشح الحزب الثوري المؤسسي (لأول مرة منذ سبعين عاما)، (مواليد 2 يوليو 1942) وشغل منصب رئيس المكسيك بين سنة 2000 حتي 2006.

من حسن حظ المكسيك أن الرئيس قد أكمل فترته الرئاسية، ولم تر المكسيك انقلابا عسكريا لصالح أعداء المكسيك، يقوده مجموعة من العساكر عملاء الولايات المتحدة الأمريكية، ليحافظوا على ثرواتهم التي أكلوها من قوت الشعب.

بعد ذلك جاء إلى سدة رئاسة المكسيك السيد "فيليبي دي خيسوس كالديرون هينوهوسا"، وتولى منصبه في 1 ديسمبر 2006 وتم انتخابه لفترة رئاسية واحدة لمدة 6 سنوات انتهت في 2012.
تم ترشيحه للانتخابات عن حزب الحركة القومية، والذي ينتمي لجناح يمين الوسط وأحد أكثر الأحزاب اليمينية المحافظة في المكسيك وأحد أهم ثلاثة أحزاب في البلاد.

كالديرون أعلن رئيسا "بشكل رسمي" بعد انتخابات شابها جدل كبير حول النتائج خاصة من قبل المرشح المنافس "أندرياس مانويل لوبيز أوبرادور" الذي رفض الإقرار بنتائج الانتخابات واعتبر نفسه وأنصاره، الفائز الحقيقي فيها، وأن تزويرا ومخالفات شابت هذه الانتخابات، ورغم ذلك لم يحاول الجيش المكسيكي التدخل لحسم الخلاف في ذلك الحين أو بعدها بعام أو عامين، بل خضع الجميع لنتيجة الانتخابات، وأكمل الرئيس فترته الرئاسية حتى عام 2012.

بعد ذلك ... وفي عام 2012 وصل إلى الرئاسة الرئيس الحالي، السياسي الشاب "إنريكه بينيا نييتو"، وهو من مواليد 20 يوليو 1966، (بالمناسبة الحد الأدنى لسن الترشح لمنصب رئيس الدولة وفقاً للدستور المكسيكي هو 35 عاماً فقط)، وهو عضو في الحزب الثوري المؤسساتي، شغل منصب حاكم ولاية مكسيكو بين 2005-2011، وتولى مهام منصبه رسمياً في 1 ديسمبر 2012.

حين أنظر إلى صورة السيد "سيسي" رئيس جمهورية الأمر الواقع في مصر وأحاول أن أقارن بينه وبين الرئيس المكسيكي... تنتحر المقارنة، فلا أرى إلا رجلا يضمر الشر لشعبه، لا همّ له سوى البقاء في السلطة، وفي سبيل ذلك يرتكب سائر الموبقات، وآخر ما ينوي ارتكابه هو تعديل الدستور الذي تم تزويره أصلا وفقا لشهادة السيد محمد أبو الغار في الفيديو الشهير، إنه رجل يزور دستورا ليصل إلى السلطة، وبعد أن يصل إليها من الطبيعي أن يحتقر هذا الدستور، وبسبب ذكائه المحدود تأخر في اكتشاف عيوب هذا الدستور (بالنسبة لطاغية مستبد)، فيقرر تعديله.

إنه رجل يحتقر النوايا الحسنة، ويُعَيِّرُ المصريين بحسن نية من كتب الدستور!

إن مقارنة تاريخ مؤسسة الرئاسة في مصر وتاريخها في المكسيك تصل بك أيضا إلى نتيجة مخجلة!
المقارنة بين الرئيسين قادتني إلى المقارنة بين الدستورين المكسيكي المصري... ويا حسرة علينا!
المكسيك... اسمها (الولايات المتحدة المكسيكية)، دولة في الطرف الجنوبي من أمريكا الشمالية، جمهورية دستورية فيدرالية، حجمها حوالي ضعف حجم مصر، حيث تفوق مساحتها تقريبا المليوني كيلومتر مربع، سكانها أكثر من 112 مليون نسمة

المكسيك ليست دولة رائدة في الديمقراطية والحريات، ولكنها في نهاية الأمر دولة تحاول أن تتقدم، تحاول أن تقتدي بجارتها البرازيل، أو بالولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتجرأ سياسي مكسيكي على مقارنة أحوال بلده بأنها أفضل (من كوبا والهندوراس(!

دستور المكسيك يمنح المواطن حقوقا كثيرة، بعضها قد يستغرب المواطن المصري منه، فهو يمنحه حق حرية التنقل، بدون الحصول على تصريح من بعض ضباط أمن الدولة، فالمادة (11) تقول:

)لكل شخص الحق في دخول الجمهورية أو الخروج منها أو التنقل عبر أراضيها أو تغيير مكان إقامته (أو إقامتها)، دون الحاجة إلى خطاب أمني، أو جواز سفر، أو إذن بالمرور الآمن، أو أي متطلب شبيه بذلك(.

يمنع الدستور المكسيكي محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية بأي شكل من الأشكال، حتى لو تورطوا في جريمة عسكرية، بل يكون الاختصاص حينها للمحكمة المدنية المناظرة للمحكمة العسكرية المختصة، وذلك واضح في المادة (13(

كما يمنع دستور المكسيك السلطة القضائية في احتجاز المعارضين أو السجناء إلى الأبد على ذمة أي قضايا ... تخيل!!!

فالمادة (17) تقول بالنص:

(لكل شخص الحق في (العدالة السريعة)، والكاملة والحيادية التي تقدّمها المحاكم، والتي تكون مفتوحة لإقامة العدل في تلك الأوقات وبموجب تلك الظروف التي ينص عليها القانون)

أما المادة (18) فتقول:

(يُسمح بالاحتجاز الوقائي فقط في حالات الجرائم التي يُعاقَب عليها بالسجن. ويكون مكان مثل ذلك الاحتجاز واضحاً ومنفصلاً تماماً عن المكان المستخدم لقضاء أحكام السجن)، وفائدة هذه المادة أنها تمنع الدولة من احتجاز المواطنين في أماكن احتجاز أسوأ من زرائب الحيوانات، حتى يتعفن الناس فيها، أو يصابوا بالجرب، أو يموتوا تعذيبا، أو من الأمراض ونقص الأدوية... كما يحدث في بعض الدول المتخلفة!
المادة (22) أضحكتني... تقول:

(تُحظَر العقوبة بالإعدام أو قطع الأطراف أو التشويه أو الوشم أو الجلد أو الضرب بالعصي أو التعذيب من أي نوع كان، أو الغرامات المفرطة، أو مصادرة الممتلكات أو أي عقوبة غير اعتيادية أو مفرطة)!

أما المناصب المدنية فهي محظورة تماما على العسكريين، فتوضح المادة (129) أنه لا يجوز لأي مسؤول عسكري، في زمن السلم، أن يؤدي أية وظائف باستثناء تلك المرتبطة مباشرة بالمسائل العسكرية

لم أجد كذلك أي مواد مخصصة لتوضيح كيفية الموافقة على تعيين وزير الدفاع وحصانة من يشغل المنصب، يبدو أنهم يعاملون من يشغل هذا المنصب على أنه إنسان، وليس نصف إله كما عندنا.
رئيس الدولة أيضا مجرد إنسان، ليس إلها كما يطمح بعض الحمقى عندنا، يأتي إلى موقعه ويجلس فيه ستة أعوام، ولا يجدد له أصلا، ولا يمكن أن يعاد انتخابه

تقول المادة (83):

(يستلم الرئيس مهام منصبه في الأول من كانون الأول/ديسمبر ولفترة ست سنوات، ولا يجوز لمواطن شغل منصب رئيس الجمهورية بالانتخاب العام، أو بتعيينه رئيساً مؤقتاً أو انتقالياً أو بديلاً بأي حال من الأحوال، شغل ذلك المنصب مرة أخرى).

والأغرب من ذلك المادة (85) حيث تفترض تلك المادة أن أمرا ما قد حدث بحيث تعذر استلام الرئيس (الجديد) لمهام منصبه، فإنها تفرض على الرئيس الذي أكمل مدته أن يرحل، أي أنه لا مجال لبقاء أي شخص في سدة الرئاسة أكثر من ست سنوات مهما حدث، وعلى البرلمان أن ينتخب شخصا آخر.

حين قرأت دستور المكسيك، تذكرت أنني قد دعيت لأحد المؤتمرات التي نظمت لنقاش دستور (لجنة الخمسين) في نوفمبر عام 2013، كنت وحدي ضد قاعة كاملة ممتلئة بالهراء، فيها بعض أعضاء اللجنة المزعومة، وقلت في ذلك اليوم في كلمة مسجلة للتاريخ (إن لجنة الخمسين مجموعة من الأشخاص بعضهم عاش طول حياته في العار، ومجموعة أخرى يختمون حياتهم بالعار، ومجموعة أخرى يبدأون حياتهم بالعار(! 

أعضاء لجنة الخمسين اليوم أصابتهم حالة (خرس جماعي)، فبعد أن كذبوا على الأمة المصرية بدستورهم المزعوم... لا نجد أحدا منهم يدافع عن هذا الدستور (وهو دستور مزور في كتابته، وفي إجراءات التصويت عليه(

أتذكر كلمتي في المؤتمر الذي ذكرته آنفا... قلت فيها بالحرف الواحد "هذا الدستور مصيره تحت أحذية جيل الشباب"، ولم يتجرأ أحد على الرد (الفيديو في نهاية المقالة)، بل أصيب الحضور بحالة (خزي جماعي)، ولم يكن ذلك أمرا مفاجئا بالنسبة لي، بل كانت المفاجأة أن من وضع الدستور تحت الأحذية لم يكن شباب مصر، بل كان العجل الذي عبدته لجنة الخمسين المزعومة!

خلاصة ما أريد أن أقوله... لقد أصبحت مصر أطلال دولة، فنحن أمام دستور مزور، لا يجرؤ أحد على الدفاع عنه، حتى لجنة الخمسين (طرطور) لم ينطق منها شخص واحد!

جرت بيني وبين أحد أعضاء لجنة الخمسين مناظرة شهيرة، وقال فيها إنه أعظم دساتير الدنيا، وإن عيوبه ليست أكثر من (برغوث في لحاف)، فهل نحرق اللحاف من أجل برغوث؟

كان ردي عليه أن اللحاف فيه أفعى، وها هي الأفعى قد التهمت اللحاف بمن يلتحف به، بل إنها قد التهمت طراطير لجنة الخمسين جميعا!

أعود للمؤتمر الصحفي... إن الفارق بين جهل السيد "سامح شكري" وضعفه، وبين قوة وصلابة السيدة "كلوديا رويس ماسيو" هو الفارق بين الديمقراطية والاستبداد، هو الفارق بين المسؤول الذي جاء بأصوات الناس، وبين "الشماشرجي" الذي جاء به سيده السفاح الذي يقتل الأبرياء كل يوم لكي يوطد سلطانه، ولا يعلم أنه يسعى إلى نهاية ستكون عبرة للأولين والآخرين.

حين قرأت دستور المكسيك وجدت كثيرا من المواد والأفكار التي من الممكن أن نستفيد بها بعد إسقاط هذا النظام العميل، ولكن المادة التي فاتنا أن نضعها في سائر دساتيرنا الماضية... كانت مادة صادمة وهامة، ولا بد أن توضع في دستورنا القادم بشكل صريح، لكي لا يظن أي أحمق أن المصريين عبيد لإحسانه أو سجانه، إنها المادة الأولى في الدستور المكسيكي:

)يُحظر الرِّقُ في الولايات المتحدة المكسيكية، يحصل العبيد الذين يدخلون الأراضي الوطنية من الخارج على حريتهم، بموجب هذا القانون وحده، ويتمتعون بالحماية التي توفّرها القوانين(!

(انتهى المقال)

تعليق:
حينما بدأ الشاعر الشاب عبد الرحمن يوسف حملته ضد عبد الفتاح السيسي شعرت بشيء من الحيرة، فهو أحد رفاق الدرب على طريق البحث في أمر الشأن المصري والبحث عن حل يضع مصر على أول الطريق.

 اعتقدت أن الشاعر - الذي كان شابا قبل أن يشيبوه – قد ضل الطريق، فهو يرى العيوب ولا يرى أو يقترح الحلول. ورأيت في عبد الفتاح السيسي الوطني الشريف القادر على القيادة، قبل أن أكتشف أنه أقدر على القوادة، أي "التعريص" باللغة الدارجة.

قد يسألني القارئ -  وله كل الحق في السؤال -  لماذا غيرت رأيك؟ ولماذا والعياذ بالله ترى في عبد الفتاح السيسي قوادا وليس قائدا؟ إليك الجواب:

(1)  عبد الفتاح السيسي جزء لا يتجزأ من قيادة الجيش المصري الفاسدة التي انتقاها العميل الصهيوني محمد حسني مبارك، ولو افترضنا جدلا أنه ليس لصا مثل معظمهم فلن يمكنه الخروج على مخططاتهم وأهدافهم وسياستهم العامة التي باعت مصر للصهيونية الأمريكية، حتى لو أراد.
(2)  اللص الخائن –  محمد حسني مبارك –  ما زال حرا طليقا ولن يتم إعدامه ليكون عبرة لغيره، وبدلا من ذلك استمرت عمليات التعريص والتهجيص في صورة محاكمات هزلية مدبرة لخداع الشعب المصري، وتمت تبرئة كل أعضاء عصابته من السفاحين واللصوص والخونة من أمثال حبيب العادلي وصفوت الشريف، على سبيل المثال لا الحصر.
(3)  تمت تصفية ثورة يناير التي لم ير العالم كله مثيلا لها ولقدرتها على إسقاط دولة الظلم، واتهموا شبابها بالخيانة والعمالة لأنهم قبلوا تمويل وكالة المخابرات الأمريكية، وكأن السيسي نفسه لم يتعامل مع تلك الوكالة أو يقبل المعونة الأمريكية.
(4)  امتلأت السجون بالأبرياء واختفي كل الشرفاء من على شاشات الإعلام الرسمي والخاص ولم يبق سوى الحثالة التي تدفعنا لاستقراء الأخبار الصحيحة من المصادر الأجنبية. أين المحامي الشريف أمير سالم وأين الأدلة التي قدمها للنيابة العامة؟
(5)  لم تتم الإدانة الحقيقية لمحمد مرسي العياط لأنه شريكهم في التمثيلية الهزلية التي انطلت على الشعب المصري الساذج ودفعته إلى "الثورة الثانية" في اليوم المشئوم 25 يونيه 2013 الذي ثبت أقدام "الاستعمار الداخلي" الذي يضع الجيش فوق الشعب.
(6)  عبد الفتاح السيسي حليف واضح للصهيونية الأمريكية يحظى بتأييدها ولا يستطيع الخروج عليها. زياراته المتكررة للعالم الخارجي مجرد دعاية للاستهلاك المحلي.
(7)  مشاكل مصر الاقتصادية تتفاقم ولن يصلحها جهل الحكم العسكري الذي يعيش على الدعاية المزيفة بينما يستمر الانهيار ويكتوي المواطن العادي بنار الفشل الاقتصادي.
(8) تستمر دولة السيسي في طباعة أوراق النقد المصري التي يتبعها ارتفاع الأسعار وهبوط سعر الجنيه وارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للدخول التي لا ترتفع بنفس المعدل إلا لضباط الجيش المصري، العاملين منهم والمتقاعدين. أي يستمر طحن محدودي الدخل لصالح ضباط الجيش الذين يمكن تسميتهم "المستعمرين الجدد".

الأحد، 6 سبتمبر 2015

القلب الشجاع


 بقلم: عبد الرحمن يوسف
هل تذكر فيلم القلب الشجاع؟ أيوه ... بطولة وإخراج (ميل جيبسون)، يحكي قصة البطل (ويليام والاس) وحربه المستعرة ضد الإنجليز، وقيادته لشعب أسكتلندا.
بغض النظر عن الحقيقي والمخترَع في قصة (ويليام والاس)، حيث إن جزء كبيرا من الفيلم لا يطابق أحداث التاريخ، إلا أن القصة واقعية جدا، وهو من الأفلام التي تأثرت بها في حياتي، من أكثر ما أثر في نفسي من هذا الفيلم هو كيفية دخول أو (تورُّط) ويليام والاس في مقاومة الإنجليز.
لقد حاول (ويليام والاس) بكل الطرق أن يكون مواطنا من الذين يمشون (جنب الحيط)، ووافق على سائر قوانين الظلم، ولم يفكر في أي لحظة من اللحظات أن يقاوم، فضلا عن أن يقود المقاومة، ناهيك عن أن يكون شهيدها وملهمها!
لقد رضي أن يعيش مزارعا بسيطا في بيت صغير في قريته، وأن يدفع الضرائب الظالمة لنبيل من نبلاء الإنجليز يستعبد الناس في تلك القرية، بل إنه لم يفكر في مقاومة القانون الظالم الذي يعطي حق الليلة الأولى في الزواج للنبلاء الإنجليز، وكل ما استطاع أن يفعله أن يتزوج حبيبته سرا، لكي لا يشاركه فيها أحد.
فماذا كانت النتيجة؟
لقد جَرُّوهُ إلى الحرب جَرًّا، ودفعوه لمقاومتهم دفعا، فقتلوا حبيبته، وخربوا بيته، وهذه عبرة لكل من يظن أن الحياة في ظل الاستبداد ممكنة، أو أن التطبيع مع الأنظمة العسكرية وارد، هذا وهم، ولن ينجو أحد – مهما حاول – من بطش هؤلاء الظلمة أبدا.
الحياة في مصر الآن، في ظل حكم العسكر، تحت قيادة رئيس جمورية الأمر الواقع عبدالفتاح "سيسي" ... تشبه حياة (ويليام والاس) الأسكتلندي تحت حكم الإنجليز في القرن الثالث عشر، وكل من يظن أنه يستطيع أن يعيش في ظل هذا النظام دون أن يصاب في مقتل ... كل من يظن ذلك واهم، عبيط، ساذج !!!
ستعيش أيها المواطن المصري تعمل في وظيفتك الحكومية التي تدر عليك دخلا قليلا ثابتا، ثم تفاجأ بأن قانونا للخدمة المدنية قد صدر، لكي ينغص عليك حياتك، ويسهل للحكومة الخلاص منك وإلقاءك في الشارع دون حقوق أو ضمانات، دون تأمين صحي أو اجتماعي، وبعد أن اقتطعت منك الدولة آلاف الجنيهات لصناديق التأمين الاجتماعي ... ستفاجأ بأن الحكومة قد سرقت أموال الضمان الاجتماعي، وأن معاشك (الذي هو ملاليم) لن تحصل عليه، وإذا حصلت عليه فسوف تكتشف أن العملة قد انهارت، وأن هذا المعاش لا يكفيك (عيش حاف
سترى في الوقت نفسه مرتبات العسكريين في الجيش والشرطة والقضاء تتضاعف، وتتساقط عليهم البدلات والمكافآت من السماء كأنها المنُّ والسلوى ... وإذا فكرت في الشكوى سيقال لك مافيش ... استحمل علشان مصر.
لو قررت أن تصبر، وأن تستثمر في تعليم أبناءك، ستكتشف أن الأماكن في التعليم محجوزة لأبناء الذوات، وابنك المسكين رغم اجتهاده تم تبديل ورقة إجابته مع ابن فلان أو علان من الواصلين، فحصل على صفر (مثل الطالبة المجدة مريم ملاك) أو على أقل مما يستحق.

وإذا افترضنا أن ابنك استطاع أن يحصل على مجموع، فستجد أن كثيرا من الكليات محرمة عليه أصلا، مثل الكليات العسكرية وغيرها، ولكن الأسوأ أن هناك كثيرا من الكليات قد حرموها على أبناء كثير من المصريين بسبب قانون التوزيع الجغرافي الظالم، الذي يحرم أبناء الأقاليم من دخول عدد من كليات القمة.
من المؤسف أن هذا القانون سيطبق على أبنائك أنت فقط، أما أبناء الضباط والقضاة فسوف تستثنيهم الجامعات بشكل رسمي ... بنفوذ آبائهم ... بلدهم ... والحجة هي الأمن القومي!
وإذا افترضنا أن ابنك تمكن من دخول أي كلية من كليات القاع (أو القمة حتى) فستفاجأ بأنه قد فصل من التعليم فصلا نهائيا دون حكم قضائي، هكذا ... بمزاج مجموعة من البلطجية الذين وصلوا لأعلى المناصب في الجامعة، يفصل الطلبة فصلا نهائيا من الجامعات، لأي سبب كان.
وإذا تمكن من إنهاء دراسته، وكان من المتفوقين ... فستجد التعيين في الجامعة من نصيب أبناء الأساتذة فقط، وابنك سيلقى في الشارع.
إذا افترضنا أنك ستتحرر من كل ذلك، وستبدأ عملا مستقلا، أرض الله واسعة، والرزق "يحب الخفية" ... "اسع يا عبد ... وانا اسعى معاك" ... هذا كلام أفلام، فالحقيقة أن الضرائب ستثقل كاهلك، والرشاوى ستقصم ظهرك، لأنك من الضعفاء، ليس لك ظهر، ولن تجد حقا لك في أي شيء دون أن تمر بكلب من كلاب السلطة ينهش من لحمك الحي ما ينهش.
وفي الوقت نفسه ستجد الأموال تنهمر على أصحاب الواسطة، وعلى اللواءات المتقاعدين الذين ينافسونك في كل المجالات، وستجد نفسك مجرد فأر وسط مجموعة من الأسود.
توزع عليهم الأراضي برخص التراب، ويأخذون دعما ماديا مباشرا لصادراتهم من الدولة، ويستثنون من الضرائب والإجراءات بكل الطرق الرسمية وغير الرسمية، تفصل من أجلهم القوانين تفصيلا، أما أنت ... فلا بد أن يطبق عليك القانون، ولا بد أن ترشوهم وأن تتذلل لهم لكي يقبلوا بتطبيق القانون، وحتى إذا فعلت ذلك ... فلن تربح، لأن رأس مالك لن يتحمل كل هذه الإتاوات التي لا تنتهي.
إذا شكوت بعد كل هذا الظلم بالتظاهر أو بوقفة احتجاجية ... ستصبح من المعارضين، إرهابيا، دمك حلال، عرضك حلال، أموالك حلال، سمعتك حلال
ستدخل أي قسم شرطة، يعلم الله هل ستخرج منه حيا؟ أم ستخرج بعاهة؟ أم قد تظل فيه سنوات حتى ينتبه أحد لوجودك فيه؟! من الممكن أن تختفي اختفاء قسريا كما حدث لآلاف المواطنين غيرك.
في الوقت نفسه ... ستجد أمناء الشرطة يتظاهرون بأسلحتهم، ولا يقترب منهم أحد !
إذا قررت اللجوء للقضاء لرفع الظلم عنك لأي سبب ستجد منظومة تتحيز ضدك من البداية، ترى أن أي انتقاد لها يعتبر إهانة للقضاء، وإذا حصلت على أدلة على أي انتهاك ضدك وقررت أن تذهب للطب الشرعي ... فستجد أن الحكومة قد أغلقت أمامك هذا الطريق ... الطبيب الشرعي استخرج تقرير وفاة لشاب قتلته الشرطة على أساس أنه مات مختنقا بلفافة بانجو من قبل! وأصدر شهادات وفاة لمنتحرين انتحروا بثلاث طلقات! وشهد أن خط الطالبة "مريم ملاك" يطابق خطها في ورقة الإجابة التي حصلت فيها على صفر في امتحانات الثانوية العامة برغم عدم معقولية الحصول على صفر أصلا!

أما إذا ظننت أن الفرج سيأتي للجميع، وأن مصر مقبلة على خير يعم الناس جميعا، فإنني أقول لك (لن ترى مصر خيرا تحت حكم هؤلاء اللصوص).
مصر اكتشفت كشفا كبيرا من الغاز في البحر الأبيض المتوسط، ولكن هل سيصل لك مليم واحد من هذا الخير؟
تقول التقارير
لقد اكتشف الغاز بتنقيب شركتين، "إيني" و"إديسون" الإيطاليتين، وقد قامت الشركتان برفع أسعار بيع الغاز إلى مصر بنسبة 100% منذ شهرين، فأصبح سعر بيع المليون وحدة حرارية هو (5.88 دولار) أي ضعف السعر السابق (قبل الانقلاب العسكري).
وزارة البترول المصرية أعلنت رفع السعر أيضا في يوليو 2015، واعترفت بأنها وقعت عقدا مع الشركتين المذكورتين، وبمقتضاه تضاعف السعر، وسيسري العقد على الإنتاج من "الاستكشافات الجديدة" للشركتين في مصر (واخد بالك)!
الأمر واضح ... لقد اكتشف الغاز منذ عدة شهور، وما حدث أن مسؤولي الدولة المصرية قد قبضوا عمولاتهم الحرام مقابل رفع السعر، (وهو أمر يصعب أن يتخيل حدوثه دون أن يكون رئيس الجمهورية نفسه في الصورة.)
خلاصة الكلام:
إياك أن تتخيل عزيزي المواطن أن مشكلة النظام مع الإخوان المسلمين، أو مع مجموعة من السياسيين ... مشكلة هذا النظام أنه عدو لمصر وللمصريين جميعا، إنه نظام طبقي، عنصري، يرى المصريين عبيدا لا يستحقون سوى الكرباج، وكل من يتخيل أنه يستطيع أن يعيش في مصر دون أن يصيبه ضرر كبير مباشر في أعز ما يملك بسبب هذا النظام ... واهم!
إن إسقاط هذا النظام واجب وطني، وضرورة شخصية لكل فرد في هذا البلد،  وإذا انتظرنا عليه ... فلا تستغربوا إذا قرر أن يمنح نبلاءه حق الليلة الأولى!

انتهى المقال

تعليق:
لقد سئمت الكتابة عن أحوال مصر لعدة أسباب أهمها أنني أعيش خارجها منذ قرابة نصف القرن، وبالتالي فأنا لم أعد أعرف الكثير عن أحوالها. ما أعرفه الآن هو حصيلة ما أقرأه أو أسمعه من الذين يعيشون بمصر أو من المهاجرين المصريين المتقاعدين الذين يزورونها كل عام ويدورون في فلك مغلق عند الزيارة. الحكم العسكري في مصر قد أصبح من الأمراض المتوطنة مثل البلهارسيا، يصعب القضاء عليه، والإنسان المصري قد انحدر إلى درك سحيق تحت ضغط الظروف الاقتصادية المتردية.
الشاعر عبد الرحمن يوسف إنسان سوي وله ماض وطني مشرف، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الكتاب الوطنيين الذين انهالت عليهم المصائب فمنهم من أصيب بلوثة تحت تهديد ما، مثل المفكر الطبيب الفذ محمد الجوادي، ومنهم من خدعه حبه لوطنه مثل الكاتب الوطني الشجاع عبد الحليم قنديل، فاستسلم للأمر الواقع أو اعتقد واهما أن السيسي هو المنقذ والمخلص، ومنهم من كان مثلي يدفعه نقص المعلومات إلى التذبذب بين الرأي ونقيضه. لكن الواضح هو أن دولة العسكر قائمه وأن السيسي لو كان حقا وطنيا يرجو الخير لبلاده فلن يستطيع لأنه جزء من تركيبة فاسدة معقدة يسهل عليها الانقضاض عليه في أي وقت.

تجربة السيسي ليست جديدة على مصر والمصريين، فهو نسخة من خفي الذكر جمال عبد الناصر الذي حاول دون علم أو معرفة أن يعمل خارج نطاق قدراته الحقيقية، فلجأ إلى المناورة والخداع لكي يستمر، وسار بمصر نحو ما نحن فيه الآن  من دمار شامل يلزم لإصلاحه وقت لا نملكه.

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.