بقلم:
فاروق جويدة
لا أدري هل كانت مفاجأة سارة أم غير سارة أن يعلن أكثر من مسئول في الحكومة الذكية أن برنامج الخصخصة قد توقف وأن الدولة لن تبيع أي مشروعات أو شركات في الفترة القادمة.. وقد توقفت كثيرا عند هذه التصريحات وما تحمله من تساؤلات ودلائل.. هل هو اعتراف متأخر بفشل برنامج الخصخصة الذي بدأ منذ سنوات.. أم أنه محاولة لامتصاص غضب الشارع بعد فضائح تخصيص الأراضي في مشروع مدينتي وتوابعه وما ترتب عليه من مظاهر التذمر في الشارع المصري.. أم أن برنامج الخصخصة قد أكل كل شيء ولم يبق في المزاد شيء يباع أو يشترى.
توقفت كثيرا عند تصريحات المسئولين الكبار وكنت أتمنى لو أن واحدا منهم وضح لنا معنى هذا القرار «لا خصخصة بعد اليوم».. وهل يمكن أن تصدق الحكومة في مثل هذا الموقف وهي التي اعتادت أن تشاهد كل يوم صورة هذا المزاد الذي باعت فيه معظم أصول الدولة المصرية.
من حيث شواهد التاريخ نحن اعتدنا أن نأخذ من الأفكار أسوأ ما فيها منذ بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادي مع بداية السبعينيات.. أذكر يومها أن حكومة د.محمد فوزي الدبلوماسي الشهير كانت أول من طرح فكر الانفتاح الاقتصادي في بداية عهد الرئيس الراحل أنور السادات.. يومها كانت نقطة البداية هي إصدار قانون الاستثمار الذي فتح أبواب الاستثمار الأجنبي في مصر.. وبعد ذلك جاءت عدة وزارات حاولت أن تؤكد الجانب الانتاجي في سياسة الانفتاح على أساس أنه وسيلة لتطوير الإنتاج المصري من السلع وفتح آفاق جديدة للعمالة المصرية.. ومشاركة رأس المال العربي والأجنبي في تنمية الصناعة المصرية.
كان هذا هو الفكر الذي تبناه رؤساء الحكومات في ذلك الوقت ابتداء بالدكتور عبدالقادر حاتم ثم د.عبدالعزيز حجازي ثم الدكتور عزيز صدقي والسيد ممدوح سالم.. كان فكر هؤلاء المسئولين أن سياسة الانفتاح الاقتصادي تعني تطوير القطاع العام وليس بيعه.. وحتى هذا الوقت كانت الأمور تبدو وكأنها تسير في مسارها الصحيح وإن كانت عمليات السمسرة والتوكيلات التجارية واستيراد السلع الاستهلاكية وتجارة الشقق والأراضي كانت هي السمة الغالبة على النشاط الانفتاحي في سنواته الأولى.. وربما كانت هذه المؤشرات هي التي دفعت كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين لأن يطلق صيحته الشهيرة في إحدى مقالاته «انفتاح السداح مداح».
مع سياسة الانفتاح الاقتصادي كان ظهور الطبقة الجديدة من أثرياء مصر الذين واكب ظهورهم عملية السلام مع إسرائيل وزيادة الدور الأمريكي ومحاولات التخلص من كل أفكار ورموز ثورة يوليو خاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي.. ومع ظهور الطبقة الجديدة من رجال الأعمال الجدد كان التوسع في عمليات الاستيراد خاصة السلع الأجنبية المستوردة وبداية التوسع الاستهلاكي الذي جعل من مصر سوقا ضخمة للسلع الأجنبية.
في الوقت الذي ظهرت فيه طبقة رجال الأعمال كان ظهور طبقة أخرى من الحرفيين الذين ارتفع مستوى دخلهم خاصة مع مشروعات التوسع الاستهلاكي في استخدام السلع والخدمات.. وما بين طبقة رجال الأعمال التي اندفعت بقوة في الاسواق وطبقة الحرفيين التي وجدت فرصتها في المناخ الاستهلاكي الجديد ضاعت الطبقة المتوسطة وكان هذا بداية انحسارها وتراجعها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
حتى هذه اللحظة كانت سياسة الانفتاح الاقصادي تتركز في أعمال السمسرة والاستيلاء على الأراضي واستيراد السلع الاستهلاكية وأمام سنوات القحط التي عاشها المصريون في ظل غياب السلع الأجنبية المستوردة في سنوات الاشتراكية الناصرية كانت العودة للاستهلاك وفتح الأسواق أبرز مظاهر سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تغيرت معها أشياء كثيرة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والاستهلاكي للمصريين.. ولكن مع اتفاقية كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل والعلاقات شديدة الخصوصية مع أمريكا والغرب وجدت طبقة رجال الأعمال أن مستقبلها سيكون مع هذه القوى الصاعدة بقوة في المجتمع المصري بل في العالم العربي كله..
كان من الممكن أن تتوقف مصر قليلا مع سياسة الانفتاح الاقتصادي وأن تطور إنتاجها وتزيد حجم صادراتها وترفع مستوى دخل مواطنيها خاصة أن الميزانية المصرية في ذلك الوقت كانت قد تخلصت من أعباء الإنفاق العسكري بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.. كما أنها تلقت دعما ماليا من مؤسسات دولية كثيرة في أوروبا وأمريكا بجانب ما حدث من تحولات في حياة المصريين نحو زيادة الاستهلاك والتوسع في عمليات الاستيراد وما ترتب على ذلك كله من إنعاش للتجارة المصرية في فترة قصيرة نسبيا.
مع التوسع الاستهلاكي كان التوسع السياحي حيث فتحت الدولة أبوابها للاستثمارات السياحية السريعة في الغردقة وشرم الشيخ وشواطئ سيناء خاصة للسياح اليهود الذين ارتبطوا بهذه المناطق في سنوات الاحتلال.
في هذا الوقت أيضا تمت عمليات التوزيع العشوائي للأراضي المصرية حيث بيعت مساحات هائلة من الأراضي بأسعار زهيدة حيث بيع متر الأرض في طابا بأقل من دولار وفي شرم الشيخ والغردقة بأقل من خمس دولارات للمتر وكانت هذه الصفقات فرصة كبيرة لعدد من الأشخاص لتحويل هذه الأراضي إلى أرصدة مالية ضخمة بعد ذلك..
مع زيادة مكاسب وأرباح رجال الأعمال في عمليات السمسرة والمكاتب والتوكيلات التجارية وبيع الأراضي انتقلت الحكومة فجأة من سياسة الانفتاح الاقتصادي لتبدأ برنامج الخصخصة.. أن تبيع الحكومة المشروعات الخاسرة أو على أقل تقدير أن تدخل في شراكة مع القطاع الخاص لتطوير هذه المشروعات.. وكان من أهداف الخصخصة أيضا أن يدخل الاستثمار الأجنبي شريكا بالتكنولوجيا الحديثة في عمليات الإنتاج أو أن تقام صناعات جديدة قائمة على الاستثمارات الأجنبية والعربية وقبلها بطبيعة الحال الاستثمارات المصرية.
في بداية التسعينيات أعلنت الحكومة في ذلك الوقت أن لديها 314 شركة يمكن أن تدخل في برنامج الخصخصة إما بيعا أو شراكة أو من خلال برنامج لتطوير الإنتاج.. كان حديث الحكومة دائما أنها سوف تسعى للتخلص بالبيع للمشروعات الخاسرة وكان من المقدر أنها تبلغ 60 شركة فقط وان لديها 254 شركة تحقق أرباحا..
في هذا الوقت كانت تقديرات البنك الدولي أن قيمة هذه المشروعات يمكن أن تصل إلى 500 مليار جنيه.. وعندما بدأت عمليات البيع تراجعت هذه التقديرات من خلال مؤسسات مالية أخرى محلية ودولية بعضها قال أن التقديرات 124 مليار جنيه فقط بينما كان هناك رأي آخر يقول إنها 290 مليار جنيه.
وللأسف الشديد إن الحكومة لم تبدأ - كما وعدت - ببيع المشروعات والشركات الخاسرة بل إنها اندفعت بصورة غريبة نحو بيع المشروعات الكبري خاصة الشركات الصناعية.
في يوم من الأيام وفي بداية السبعينيات كنت في زيارة لألمانيا مع د.عبدالمنعم القيسوني الاقتصادي والعالم الكبير وفي مطار فرانكفورت كنا نجلس في انتظار الطائرة د.القيسوني ود.حامد السايح والسيد بدر حمدي والسيد جمال الناظر وعدد من رؤساء البنوك المصرية في ذلك الوقت.. كان د.القيسوني في هذا الوقت قد تولى مسئولية إنشاء المصرف العربي الدولي.. وطاف بعدد من دول أوروبا والدول العربية للتعريف بالبنك الجديد..
يومها سألت د.القيسوني عن حجم التأميمات والمصادرات التي تمت مع ثورة يوليو وبكم يقدر ثمنها فقال أكثر من 2000 مليون جنيه للمشروعات فقط بدون قيمة الأراضي الزراعية التي استولى عليها الإصلاح الزراعي. وهذا الرقم هو قيمة القطاع العام المصري منذ خمسين عاما ولنا أن نتصور كم يساوي هذا المبلغ الآن؟.
المهم أن حكومات مصر تطبيقا لبرنامج الخصخصة قررت أن تبدأ ببيع المشروعات الناجحة التي تحقق أرباحا وليس المشروعات الخاسرة التي وعدت بها.
كان هذا هو أول أخطاء برنامج الخصخصة أن تبيع الدولة مشروعاتها الناجحة.. كان الخطأ الثاني في عمليات تقييم هذه الأصول فقد افتقدت الأمانة والشفافية وبيعت كما يقولون بأقل من نصف ثمنها.
كان الخطأ الثالث أن الحكومة تركت للمشترين الجدد ومعظمهم من أصحاب مكاتب الاستيراد والتوكيلات التجارية وأعمال السمسرة الباب مفتوحا للشراكة العربية والأجنبية مع حقها في بيع هذه الأصول أو تغيير نشاطها.. وقد ترتب على ذلك إغلاق أعداد كبيرة من المصانع والشركات أو تغيير نشاطها أو التخلص منها تماما وتحويلها إلى مشروعات عقارية..
كانت عمليات البيع تتم بسرعة غريبة في سنوات قليلة تم بيع أفضل الصناعات المصرية وهي صناعة الغزل والنسيج والمشروعات التجارية.. وعدد من الفنادق وشركات الحديد والأسمنت والصناعات الدقيقة وشركات المياه الغازية ومصانع السكر والأسمدة والمواد الكيماوية ولو أننا أردنا أن نتوقف عند أسماء هذه المشروعات سوف نجد أعدادا كبيرة وهنا بدأ مسلسل تفكيك قلاع الصناعة المصرية التي أنشأتها الثورة وفتحت من خلالها ملايين الفرص للعمال ووفرت مئات السلع والخدمات.. وشهد المسلسل أحداثا كثيرة.
● كانت التقديرات ترى أن قيمة محال عمر أفندي تقترب من مليار و140 مليون جنيه حيث تضم 82 فرعا في جميع المحافظات.. وبيع عمر أفندي بمبلغ 589 مليون جنيه وهناك قضايا أمام المحاكم الآن بين الحكومة والمستثمر السعودي الذي تلقى عرضا لشراء عمر أفندي من مستثمر قطري بمبلغ خمسة مليارات جنيه ومازالت المفاوضات جارية.
● باعت الحكومة شركة بيبسي كولا المصرية بمبلغ 157 مليون جنيه في عام 1994 لاثنين من المستثمرين أحدهما مصري والآخر سعودي وقد باع المستثمران جزءا من الشركة بمبلغ 400 مليون دولار وكانت الشركة تضم عند بيعها 8 مصانع لتعبئة الزجاجات و18 خط إنتاج بطاقة 50 مليون صندوق وكانت تملك أسطول نقل كما أن مبيعاتها السنوية كانت تتراوح بين 70 و80 مليون جنيه ويعمل فيها ما يقرب من 4500 عامل.
● باعت الحكومة مصنع غزل شبين الكوم بمبلغ 170 مليون جنيه بالتقسيط المريح رغم أن التقييم الأساسي لسعر المصنع كان 325 مليون جنيه وكان فيه 5000 عامل.
● باعت الحكومة شركة الأهرام للمشروبات لإحدى الشركات الأمريكية بسعر 231 مليون جنيه وباعتها هذه الشركة بعد فترة قصيرة لشركة عالمية أخرى بسعر مليار و125 مليون جنيه ويعمل بها 3115 عاملا.
● باعت الحكومة 11 شركة كبرى من شركات الأسمنت من بينها شركة الأسمنت المصرية وشركة أسمنت أسيوط وقد وصلت أرباح هذه الشركات قبل بيعها إلى مليار و278 مليون جنيه والأغرب من ذلك أن هذه الشركات بيعت لشركات أجنبية بأسعار خرافية بعد ذلك ولم تحصل الدولة على شيء من هذه المكاسب.
● باعت الحكومة شركات المحمول التي تحقق الآن أرباحا بالبلايين حيث يبلغ دخل الشركات الثلاث 35 مليار جنيه سنويا.
بجانب هذا توجد عشرات الشركات التي بيعت ومنها شركة النصر للغلايات والمراجل البخارية ومصنع قليوب ومصنع النشا والجلوكوز وكانت التقديرات أن ثمنه 161 مليون جنيه وبيع لمستثمر كويتي بسعر 26 مليون جنيه وأقيمت فيه عمليات إحلال وتجديد قبل بيعه تكلفت 22 مليون جنيه.
بجانب هذا بيعت مصانع الحديد وشركات السيارات والفنادق والأسمدة وعشرات المحالج التي كانت تنتشر في أرجاء المحروسة.. وكانت الكارثة الأكبر هي بيع معظم مصانع الغزل والنسيج ابتداء بمصنع شبين الكوم وانتهاء بالشركة الأهلية للغزل والنسيج وشمل مسلسل الخصخصة بيع شركات الغازات الصناعية والمطاحن والنيل للكبريت والأهلية للنشا والخميرة والنصر للأصواف ورويال للشيكولاتة والإسكندرية للغزل والنسيج والخزف والصيني وصناعة البلاستيك والعربية للغزل والنسيج وشركة الحرير بوليار وأراضي شركة النحاس بالإسكندرية.
إن قائمة المشروعات والشركات التي تم بيعها في السنوات الماضية أهدرت أصول الاقتصاد المصري ولا أحد يعرف قيمة هذه الأصول وما هي المبالغ التي بيعت بها وأين هذه الأموال؟.
لا أحد يعرف قيمة مبيعات برنامج الخصخصة منذ بدأ من عشرين عاما وفي أي المجالات تم إنفاق هذه المبالغ.. هناك من يقول إنها 35 مليار جنيه.. وهناك من يقول إنها أكثر من 80 مليار جنيه ولنا أن نتصور قيمة بنك الإسكندرية وشركة الاتصالات وقيمتها تزيد على 30 مليار جنيه.
هل تسربت هذه البلايين في مشروعات الانفاق والكباري والمجاري والمياه؟.. هل تم تسديد جزء من الديون منها؟.. هل دخلت في حسابات المعاش المبكر لأكثر من 500 ألف عامل جلسوا في بيوتهم وانضموا إلى طابور البطالة؟.. هل تم انفاقها على مكاتب المسئولين ورحلاتهم الخارجية ومهرجانات الحزب الوطني؟ هل تم توزيع ثروة الشعب المصري على عدد من الأفراد الذين ورثوا أصول هذا البلد؟.
إذا كانت الحكومة قد قررت وقف برنامج الخصخصة وبيع مشروعات جديدة فماذا عن حسابات الماضي؟.. هل نغلق الملفات وهل من حق أحد أيا كان موقعه أن يقرر توزيع ثروة شعب على عدد من الأشخاص؟.
في تقديري أن ملف الخصخصة لابد أن يفتح أمام الجميع وإذا لم يفتحه أحد اليوم فسوف يكون الحساب غدا وإن غدا لناظره قريب.
تعليق ضروري
بقلم: محمد عبد اللطيف حجازي
المشكلة الرئيسية هي رأس الأفعى ذلك العميل الصهيوني الماسوني الجاهل الجهول محمد حسني مبارك الذي يتخندق في شرم الشيخ في رعاية الصهيونية الأمريكية ، الفساد في مصر فساد مؤسسي ترعاه قوانين تمت صياغتها خصيصا لكي تحمي الفساد والمفسدين. لن ينصلح حالنا إلا إذا تم انتخاب رئيس الجمهورية في انتخابات نزيهة تحت رقابة قضائية وأجنبية صارمة تطيح بهذا الجاهل المزور ونظام المافيا الذي يرأسه. يمكن لفقهاء القانون بعد ذلك القيام بصياغة دستور محترم يماثل دساتير الدول المتقدمة، ويجرد الرئيس من سلطاته الفرعونية المطلقة، ويقوم بتقليم أظافر السلطة التنفيذية فلا يتربص "أمن الدولة" للشرفاء ولا يدوس ضباط الشرطة على القضاة وأحكامهم. بدون ذلك سيستمر تدهور مصر المنظم الذي تشرف الصهيونية الأمريكية على تفاصيله الدقيقة.