الخيار الذي
فرضه علينا جهل العسكر وخيانتهم للثورة ليس صعبا. ليس أمام المصريين سوى خيار من
ثلاثة. الخيار الأول هو العودة إلى نقطة الصفر والثورة من جديد، وهو خيار فاشل
يعطي الفرصة لقادة العسكر المحاصرين حاليا لكي يدعوا أن الصالح العام والأخطار المحيقة بالوطن تتطلب فض الثورة بالقوة، وقد أثبتت
التجربة عدم وجود قوى شابة بالجيش لديها من بعد النظر والقدرة على العمل السريع ما
يكفي لتطويق القيادة الحالية ومحاكمتها بتهمة الخيانة العظمى وتنفيذ أحكام الإعدام
السريعة عليهم وعلى رئيسهم السابق، بما يكفل تحقيق الاستقرار الفوري وعودة الحياة
المدنية لسيرها الطبيعي تحت حماية الجيش الذي يبتعد عن السياسة.
الخيار الثاني هو خيار كارثي وهو استمرار
الثقة بالمجلس العسكري الجهول الخائن
وتثبيت أقدامه ضد القوة المتصاعدة للإخوان المسلمين. إذا قبل المصريون ذلك فعلى مستقبلهم السلام
لعدة أجيال قادمة. ليس من الصعب إثبات فساد دولة العسكر ونواياها البقاء في الحكم
رغم تكرار كذبهم وإنكارهم لذلك، وادعائهم بأنهم حماة الثورة وأصحاب الفضل في
نجاحها، رغم أن العكس تماما هو الصحيح، إذ لم يثبت قيام الجيش فعليا بأي عمل
إيجابي حقيقي لحماية الثوار وكان أفراد الجيش في بداية الأمر يقفون موقفا حياديا
بين الثوار وأتباع النظام السابق، ثم تطورت الأمور فيما بعد وتولى الجيش أمر فض
الثورة بالقوة وتوفير الحماية لرموز النظام السابق بوضعهم خلف القضبان حتى لا تنكل
الثورة بهم.
الخيار الثالث الأقل سوءا هو تثبيت أقدام
الإخوان المسلمين وأن نفترض على كره حسن نواياهم التي لو ثبت سوءها فيما بعد كان
التخلص منهم عن طريق الصندوق أسهل كثيرا من التخلص من حكم العسكر الذي جثم على
صدورنا بالقوة المجردة لستة عقود ويود الاستمرار. جاذبية هذا الحل يزيد منها عوامل
أخرى منها أن الإخوان لو تمكنوا تماما يصبح بمقدورهم وضع أفراد المجلس العسكري خلف
القضبان بقوة القانون ومحاكمتهم مع قائدهم السابق وتجريدهم من ثرواتهم التي وصلت
البلايين بالبنوك المصرية، وذلك بتفعيل قانون "من أين لك هذا؟". لا شك
أن القضاء المصري العادل يمكن أن يحسم هذه المشكلة حينما تتوفر له الحماية بدلا من
تلك التمثيلية الهزلية التي نراها في المحاكمات الصورية الحالية التي تتم تحت
تهديد القاضي.
موجز القول هو أن الإخوان المسلمين شر لابد منه ومرحلة في تاريخ مصر
لابد من أن نمر بها وليست شرا مطلقا. فحينما يمسك الإخوان بالحكم سوف يكتشف الناس
تدريجيا عقم تفكيرهم وتخلفهم عن العصر ورغبتهم في التمسك بعقلية ما قبل القرون
الوسطى والتشبث بمفاهيم متخلفة يأخذونها عن سلف كان أسلوب حياته صالحا لعصره. حينئذ يعيدهم صندوق الانتخاب إلى حجمهم الحقيقي فتنطلق طاقات مصر لتصل
بها إلى موقع يليق بها بدلا من كل مظاهر الفقر والتخلف الحضاري التي أصبحت تميزها
اليوم وتعصر قلوبنا حسرة وألما. مصر تمتلك طاقات هائلة ولا ينقصها سوى الإدارة
الوطنية السليمة. أعتقد أن الإخوان المسلمين لديهم من الحس الوطني ما يمكن أن يأخذ
بنا إلى بر الأمان. أما المرتزقة من السلفيين الوهابيين فمكانهم هو صفيحة القمامة
الدينية، إن جاز التعبير. وأما جيشنا فإن قيادته العفنة قد شوهته تماما ودوره على
أي حال ليس الحكم أو السياسة..