بقلم: عبد الرحمن يوسف
بدأت الأزمة القطرية منذ عدة شهور، وحوصرت قطر من عدة دول عربية،
وعشنا –وما زلنا نعيش– سجالا بين الفريقين المحاصِر والمحاصَر، وهنا تحضرني عدة
مقارنات بين فريقي الأزمة، لعله من المفيد استعراضها في هذه العجالة.
1- اعتمدت السياسة
الإعلامية لدول الحصار على الكذب والتلفيق، بينما اعتمدت قطر على فتح ملفات حقيقية.
لقد بدأت الأزمة بكذبة...
حيث اخترقت دول الحصار – كما ثبت بعد ذلك – موقع وكالة الأنباء القطرية، وبثت من
خلاله تصريحات كاذبة على لسان أمير قطر.
وطوال الأزمة كان الكذب
هو سلاح دول الحصار الأساسي... فدولة قطر تعتقل مئات الآلاف من المعارضين، في سجن "أبو
هامور" (مع أنه لا يوجد سجن في هذه المنطقة أصلا، ولا يوجد معتقل سياسي واحد
في قطر)، وقطر تستخدم السحر، وقطر هي المسئولة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر،
والأمير تميم تم تحديد إقامته، وهو معتقل، ومن يظهر مجرد "دوبلير" شبيه ...
وعشرات الأكاذيب التي ليس لها أي أساس، فهي أكاذيب مختلقة من أولها إلى آخرها.
أما قطر فاعتمدت على
فتح ملفات حقيقية... مثل السجون الإماراتية في اليمن، فساد الإمارات السياسي في
واشنطن، تسريبات البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن، الانتهاكات الحقوقية
في الإمارات، وفي السعودية، وفي مصر... كل هذه الملفات ملفات حقيقية في أساسها، قد
نختلف مع طريقة التناول أو بعض المبالغات ... ولكن لا أحد يستطيع أن ينفي الموضوع
من أساسه.
* * *
2- دول الحصار تشتري الذمم، وقطر توظف الكفاءات... فترى
دولة الإمارات تشتري كل من تستطيع، ابتداء من السفاح "توني بلير"، وصولا
لكاثرين آشتون وممثلي ومطربي الدرجة الأولى والثانية والعاشرة.
وسبب ذلك أن سياسة هذه
الدول تعتمد على الضجة و"البروباجاندا" !
دولة قطر توظف
الكفاءات، وبيوت الخبرة، وكبار المحامين، وسبب ذلك أن سياسة الدولة في هذه الأزمة
هو اللجوء لكل الطرق القانونية والمؤسسات الدولية المتاحة، ضمن خطة ذات نفس طويل،
وقد بدأت نتائج ذلك تظهر في شكل قرارات من مؤسسات عالمية، سواء تتعلق بالطيران
المدني، أو بحقوق الإنسان، أو غير ذلك.
* * *
3- دول الحصار تعتمد
على البذاءة والسب،حتى على المستوى الرسمي والدولي (في الغرف المغلقة وأحيانا في
العلن)، مما أدى إلى حالة من عدم التعاطف مع مطالب دول الحصار.
دولة قطر اعتمدت على
الرد العاقل بالمنطق (سرا وجهرا)، مما أدى إلى احترام رجال الدولة الذين يمثلون
قطر.
والغريب أن سلوك الدول
انعكس على جزء كبير من الشعوب، فترى بذاءات من كثير من المغردين الذين ينتمون لدول
الحصار، وترى التزاما وضبط نفس من القطريين.
ولعل المشادة التي حدثت
في مؤتمر وزراء الخارجية في القاهرة يوم الثلاثاء 12 سبتمبر 2017 توضح هذاالفارق
بين الفريقين، ففي الوقت الذي ظهر فيه المدعو "سامح شكري" وكأنه جزار
يمسك سكينا يهدد بها زبونا لم يدفع الحساب، وظهر فيها "أحمد القطان" وكأنه
طالب أرعن في المرحلة الإعدادية يتضارب في الفسحة مع زملائه من أجل إثبات بلوغه،
وظهر مندوب البحرين كالعادة تابعا ذليلا لسيده السعودي، وظهر من يسمي نفسه "أنور
قرقاش"... في نفس هذا الموقف العصيب ظهر السيد "سلطان المريخي" وزير
الدولة للشؤون الخارجية القطري ثابتا، قليل الكلام، عف اللسان، واضح الحجة
والبيان، فأفحم الجميع، دون أن يمسك أحد عليه أي تطاول أو بذاءة، ودون أن يتخلى عن
هيبة رجل الدولة، تلك الهيبة التي سقطت من خصومه بشكل مهين.
* * *
4- دول الحصار
قبلت بكل المخالفات والتجاوزات من أجل تحقيق أي انتصار شكلي، وقطر ضبطت نفسها.
لقد قبلت دول الحصار
بإجراءات صبيانية تافهة، مثل إطلاق قناة (بي آوت) وهي سرقة علنية لقنوات (بي إن) القطرية،
ومثل سرقة لوجو قناة بي إن سبورت في ستاد الرياض يوم 11 سبتمبر الماضي!
قطر ضبطت نفسها... ولم
ترد على أي إجراء من هذه الإجراءات بالمثل، ولم تندفع – كما كان يخطط لها – لأي
إجراء عصبي، مثل الانسحاب من مجلس التعاون، أو التعامل العنيف مع المواطنين
المنتمين لدول الحصار.
* * *
5- على المستوى الشعبي
والجماهيري أصبحت قيادات دول التحالف رمزا للعمالة والسفه... وذلك بسبب الطريقة
الصبيانية التي أديرت بها الأزمة.
بينما تحول اسم "تميم
المجد" إلى أيقونة ... يحملها القطريون وغير القطريين، وكان مُوَفَّقًا في
صمته، ومُوَفَّقًا في كلامه حين تحدث بعد مرور أكثر من أربعين يوما على بدء الأزمة.
* * *
6- دول الحصار اعتمدت على
الترهيب لكبح جماح الجماهير ومنع الناس من إبداء رأيها، فرأينا قوانين تصدر بمنع
التعاطف مع قطر، والسجن لسنوات طوال لمن يثبت عليه مجرد "التعاطف"، بل
إن هناك مواطنين قد اعتقلوا بالفعل بهذه التهمة الحقيرة.
وقد تطور هذا التعامل
حتى أصبح الناس يحاسبون لأنهم صمتوا، وبهذه التهمة (أعني الصمت) اعتقل علماء،
ومفكرون، وناشطون !
أما قطر فقد اعتمدت على
إفساح المجال للجميع لإبداء رأيه، ولم تجرم أي شكل من أشكال التعبير... فكانت
النتيجة أن عبر الناس عن ذلك بالوقوف خلف القيادة السياسية في هذه الأزمة الكبيرة.
بل إنه حين اشتعلت أزمة
الحجيج القطريين لم تمنع قطر أي مواطن أو مقيم من الذهاب للحج.
والأكبر من ذلك ... أنها
لم تمنع شخصا ينتمي للأسرة الحاكمة من الذهاب إلى السعودية، برغم أنه يستخدم هناك
بشكل سياسي سيء، بل إن هناك تصريحات تتعلق بهذا الشخص ... تفيد بأن عودته إلى قطر
أمر يخصه، فهو ليس مطرودا، وليس ممنوعا من العودة، وليس مطلوبا على ذمة أي قضايا.
* * *
7- دول الحصار استخدمت كل الأسلحة بما في ذلك الفن والدين، فما
أكثر الفتاوى التي صدرت ضد قطر، وضد الأشخاص الذين شملتهم الغضبة السعودية
الإماراتية، وقوائم الإرهاب المصطنعة، وبعد ذلك بدأت حرب الأغاني... ولا ندري إلى
أين سنصل مع هؤلاء!
بينما لم تستخدم قطر
جميع الأسلحة، وتعمدت تحييد كثير من الشخصيات والمؤسسات، ومن دخل في المعركة دخل
من تلقاء نفسه ولم يجبر، وكل من اختار التعبير عن رأيه (مثل الفنان غانم السليطي)،
التزم بعفة لسان، وبدون سب أو شتم أو بذاءة ... بعكس المعسكر الآخر.
* * *
8- دول الحصار
اهتمت بالعالم الخارجي فقط ولم تهتم بالجبهة الداخلية، بل إن تعاملها مع الجبهة
الداخلية كان بالتهديد والوعيد (كما ذكرت في الملاحظة السابعة).
قطر اهتمت بالجبهة
الداخلية وعملت في الوقت نفسه على تفعيل تحالفاتها الخارجية.
ومن المضحكات أن دول
الحصار دعت الشعب القطري إلى التحرك في مظاهرات سلمية، وهددت النظام القطري بعدم
قمع هذه التظاهرات، ولم يتحرك أحد في قطر، بل ما حدث هو العكس... رأينا دعوات حراك
داخل السعودية، وحينها تم اتهام سائر من يشارك في هذا الحراك بالخيانة والعمالة !
فالتظاهر ضد النظام
القطري عمل وطني عظيم ... ولكن ضد النظام السعودي خيانة عظمى!
* * *
9- حرصت دول الحصار على
الهجوم على قطر كلها، الحكومة، والشعب، والمؤسسات، والشركات التجارية، والعمل
الخيري... كل ما ينتمي لقطر أصبح شيطانا رجيما في ليلة وضحاها.
قطر كانت حريصة على حصر
الأزمة بين الحكومات والأنظمة فقط.
ففي الوقت الذي طرد فيه
القطريون من المدارس والجامعات في دول الحصار، ومن الحرم المكي... ظل الطلبة
الخليجيون معززين مكرمين في المؤسسات التعليمية في قطر ... وقامت تلك المؤسسات
بتقديم موعد اختباراتهم لكي لا تضيع عليهم السنة الدراسية، بينما طرد الطلبة
القطريون من المدارس والجامعات، وبعضهم سحبت منه الأوراق أثناء أداء الامتحان.
* * *
10- بَنَتْ دول الحصار حساباتها على الماضي... بينما ظهرت قطر
مستعدة للمستقبل!
ففي الوقت الذي اعتمدت
دول الحصار على احتياج قطر لإمدادات من كل شيء من خلال هذه الدول ... كانت قطر
مستعدة لبناء خطط مستقبلية تغنيها عن احتياجها لهذه الدول من الأساس !
وها هي تحالفات جديدة (اقتصادية
وسياسية وعسكرية)، وميناء حمد، ومصانع قطرية،كلها تؤكد على أن قطر قد غيرت
استراتيجيتها إلى استقلال سياسي اقتصادي تام عمن حولها.
من كل ما سبق ... نستطيع
أن نقول إننا أمام نموذجين أخلاقيين (أولا)، ونموذجين سياسيين (ثانيا) ... وها نحن
ننتظر لنرى نهاية هذه المعركة التي لا يتوقع لها أن تنتهي قريبا، ولا يتوقع لها أن
تطول.
وزير خارجية قطر - نموذج يمكن أن يقتدي به وزراء الخارجية والرؤساء العرب
تعليق
بقلم: محمد عبد اللطيف حجازي
عبد الرحمن يوسف الشاعر غني عن التعريف بقصائد هجائه لحاكم مصر السابق
الذي لا بارك الله فيه أو لزوجه أو نسله، وكذلك مناهضته لحاكم مصر الحالي المعروف
باسم "بلحة العرص" الذي نطلب من العلي القدير أن يخلصنا منه بالموت عما
قريب، هذا ليس دعاء على "بلحة"، ولكنه مطلب مشروع نرجو ألا ينشغل الرب عنه
بأمور أكثر أهمية بعالمنا المضطرب.
الكاتب أكثر مني علما بشئون قطر التي تلقى تعليمه الأساسي بمؤسساتها
التعليمية وله بها ارتباط عاطفي بأيام شبابه. قطر بالنسبة لي مجرد دوله عربية صغيرة
المساحة وهي مثل دولة "المؤامرات العربية المتحدة" وكافة دول الخليج الأخرى لها
علاقات مخزية قديمة وقوية بإسرائيل. دولة قطر يربطها التاريخ - برضاها أو رغم أنفها - بعجلة
الإمبراطوريتين البريطانية ثم الأمريكية، وتوجد على أرضها اليوم قاعدة أمريكية
كبرى تسمى "قاعدة العديد" تشكل أهم بنية تحتية عسكرية أمريكية في عموم
المنطقة، ومنها انطلقت الطائرات لضرب أفغانستان والعراق، ويزعم البعض أن قطر أنفقت
على تحديث القواعد الأمريكية بها حوالي مليار دولار في مقابل الحماية الأمريكية،
أي أنها ينطبق عليها المثل السائر "لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني
وطايلك".
لكن ما لاحظته مؤخرا هو أن ممثلي قطر اليوم يمتازون أمام العالم بأنهم رجال دولة
مثقفين وليسوا على مستوى جهل وسوقية وزير الخارجية المصري أو "بلحة العرص" أو ملك السعودية. تحليلي
لما رأيته مؤخرا بالصحف وعلى شاشات التلفاز هو أن هذه الأزمة المفتعلة مجرد زوبعة في فنجان،
تعري تماما كافة الأنظمة العربية الهزيلة، وسوف تنتهي باستسلام الجميع لواقعهم
المر الذي تكشف للقاصي والداني، بينما دول العالم من حولهم تسعى نحو مستقبل أفضل
وبإمكانيات مادية أقل كثيرا من الإمكانيات العربية المهدرة.