من يعرفني جيدا يعرف أنني تركت
مصر منذ ما يربو على نصف القرن وأن آخر زيارة لها كانت منذ ما يربو على 30 سنة،
وأنني لن أطأها - إذا امتد بي العمر - إلا
بعد مقتل الكلب الصهيوني "بلحة بن عرص" برصاصة في رأسه الأجوف.
زوجتي كانت ضمن المخدوعين الذين
تمسكوا بالوهم القائل بأن الخير قادم على يد العميل الصهيوني الكاذب، الذي قام بكل
إخلاص وتفان على تنفيذ تعليمات أسياده بفلسطين المحتلة.
كانت زوجتي تقاوم كل ما أشرحه
لها من دلائل وما أسهب في إيضاحه من أسباب. لم يقنعها تسليم بلحة جزيرتي تيران
وصنافير لصهاينة آل سعود لأن درايتها بالتاريخ كانت محدودة، ولم يقنعها غدره
بشباب الثورة وغيرهم من شرفاء مصر، مثل معصوم مرزوق وهشام جنينه لأنها لم تكن على
دراية بتاريخ كل هؤلاء الوطنيين الشرفاء. لم يقنعها تبديده المتعمد للثروات
القومية وإفقار مصر وإغراقها بالديون الخرافية، إلى آخر تلك الأسباب التي اتضحت
للأعمى والبصير.
لم تصدق زوجتي قولي لها بأن آل
سعود وحكام الإمارات صهاينة من بقايا يهود يثرب وبني قريظة، الذين لم تنشق الأرض لابتلاعهم
بعد موت محمد، بل كانوا باقين ومكنهم المستعمر الأجنبي من الحكم قبيل رحيله.
كنت صابرا على حال زوجتي رغم
تباين أفكارنا فهي أم وزوجة صالحة،
بالإضافة إلى أنها سيدة مطبخ يشهد على براعتها كرشي الذي أجاهد فاشلا للخلاص منه.
فقلت لها ولنفسي أن الأيام بيننا وأن الحقيقة سوف تتضح بعد أن زاد تسارع انهيار
الاقتصاد المصري والتساقط السريع لمعظم المصريين تحت خط الفقر، وكيف أن السواد
الأعظم من أهل مصر سوف يعجز عن إطعام أطفاله إذا ما بقي نظام العميل الصهيوني فوق
أنفاسه.
ثم جاءت حادثة المرحوم جمال
خاشقجي وبدأت زوجتي في سؤالي عما جرى ويجري فقلت لها باقتضاب أنها لم تستمع لي في
الماضي وأن عليها أن تبحث بنفسها فتتوقف عن مشاهدة المسلسلات السخيفة بعض الوقت وتحول
التلفاز نحو قناة الجزيرة.
ولما زاد تساؤل زوجتي زودتها
بتسجيلات لأجزاء من أقوال معصوم مرزوق وحلقات محمد ناصر وحمدي زوبع ومعتز مطر وغيرهم من الإعلاميين المستنيرين
الذين هربوا خارج مصر، ثم تسجيلات لأكاذيب الإعلام المصري فيما تعلق بقتل خاشقجي
ومقارنة كل ذلك بالحقيقة التي ثبتت صحتها في النهاية من أن الصبي السعودي التعس قد أمر بالقتل وأرسل فرقة الاغتيال إلي قنصليته بتركيا. جاءت إذن لحظة التكشف وأقرت زوجتي
بأنها كانت مخدوعة لعدة سنوات.
حينما أمعن التفكير في كل ذلك يتراءى
لي أن زوجتي ليست حالة فريدة، بل هي "حالة مصرية" لابد وأنها تحدث الآن
داخل مصر لعشرات الملايين من "السيساوية القدامى" الذين تمسكوا بالوهم
طويلا.