إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

الخميس، 11 يوليو 2013

صواب يحتمل الخطأ

  الرئيس الانتقالي عدلي محمود منصور

رأيي صواب يحتمل الخطأ! هكذا قلت لكل أصدقائي بالمهجر على سبيل الفكاهة، حينما واجهوني بالقول بأنني "مع الرايجة" وكيف كنت أدافع مستميتا عن الإخوان رغم كرهي لسحنتهم. الأمر ببساطة هو أنني مثل كل المحللين لا أملك كل الحقائق ولا علم لي بكل ما يجري خلف الكواليس، وإنما أحاول جهدي ربط بعض الحقائق القليلة المتوفرة والخروج منها بأكثر الاحتمالات قوة.

الحقائق المتوفرة قليلة والتكهنات كثيرة. فلنأخذ مثلا قصة انتخاب مرسي رئيسا لمصر. هل يعقل أن يختار المصريون هذا الفرد رئيسا لهم؟ هل يعقل أن يختار أغلبية أهل مصر حمارا لا يصلح لإدارة دكان بقالة، ولا يمتلك أيا من مقومات أو كفاءات رجل الدولة، قام بخلط الأمور بسرعة في هذيان سخيف عن إيران وسوريا لأنه عميل أمريكي بامتياز، ووقف عاجزا أو غير واع بمشكلة مصر الاقتصادية. الإجابة بلا شك تكون بالنفي. المصريون انتخبوا مرسي ليس لأنهم أرادوا الإخوان أو مرسي، بل لأنهم كانوا كارهين لمخلفات نظام مبارك التي جسدها اللص الهارب في الإمارات. انتخابات الرئاسة كانت مهزلة مدروسة أشرف عليها العسكر القدامى لكي تنتهي بانتخاب اللص، ولكنها انتهت بفوز الحمار، وبتعليمات أمريكية في اللحظات الأخيرة قبيل إعلان نتيجة التصويت، سواء كانت صحيحة أو مزورة. المتأمل للأمور في تلك الفترة يستطيع أن يرى كيف أن المشرف على الانتخابات كان رئيس المحكمة الدستورية العليا. يبدو ذلك لأول وهلة أمرا مطمئنا بافتراض أن المحكمة الدستورية العليا هي قمة الهرم القضائي، ومهما كانت درجة فساد القضاء بمصر فإن المفترض أن كبار قضاتها يكونون أبعد من غيرهم عن الفساد ، هذا هو المفترض لكن الواقع كان شيئا آخر. رئيس المحكمة الدستورية العليا كان خفي الذكر المستشار فاروق أحمد سلطان* الذي كان خبيرا وذو باع في تزوير الانتخابات.

 كنت مثل الكثيرين أومن بضرورة استمرار مرسي حفاظا على الديمقراطية الوليدة ولكن رأيي تغير وبشدة في الاتجاه المعاكس خلال الأيام القليلة الماضية لسببين، الأول هو أنه قد تبين بوضوح أن الإخوان المتأسلمين تنظيم إرهابي رجعي سري لا يعرف معظم أعضاؤه بتلك الحقيقة وينقادون كالخراف وراء قادتهم المتآمرين بسبب العقيدة العمياء، والسبب الثاني هو أن السيسي ليس طنطاوي بل كان على قمة جهاز المخابرات العسكرية القوي الذي يعرف كل الحقائق ويعرف "دبة النملة" في مصر. السيسي وزملاؤه فيما أعتقد - وأرجو من الله ألا أكون مخطئا - يمثل جيلا جديدا متفتحا من العسكر، على عكس طنطاوي ورفاقه ممن يسمونهم بالإنجليزية old guard أي القدامى المتحجرين، وكانوا في معظمهم من الفاشلين الفاسدين صبية مبارك اللص المترهل الذي باع كل شيء للصهيونية الأمريكية في مقابل استمرار حكمه الفاشي.

القائد العام للقوات المسلحة: عبد الفتاح سعيد السيسي
جاء مرسي بشرعية مزيفة أشرف على إنتاجها المجلس العسكري "الفلولي" الخائن بقيادة طنطاوي خادم المخلوع. قام مرسي بالخلاص من طنطاوي ومنح السيسي رتبتين دفعة واحدة في ترقية استثنائية من ضابط صغير نسبيا برتبة لواء إلى رتبة فريق أول، متخطيا رتبة فريق لكي يشتري ولاءه ولكن الضابط الصغير لم يتدنس ولاؤه لوطنه وكان على علم بما يحيكه قادة الإخوان المسلمين - من الدفع بمصر إلى مستنقع التطرف الديني - بحكم رئاسته السابقة للمخابرات العسكرية المصرية التي تعرف كل صغيرة وكبيرة بمصر. وحينما أحس السيسي بأن مرسي ينزلق بمصر بصورة لا يمكن تحمل تبعاتها قام بانقلاب عسكري لا يهدف إلى تمكين الحكم العسكري مرة أخرى وإنما يهدف إلى عودة مصر إلى الاعتدال ونبذ التطرف الديني المدمر ... شكرا للسيسي ... فقد أسأت الظن به في البداية وكنت - عن خطأ - من أنصار "الشرعية" التي لو استمرت لدمرت مصر تماما لصالح الصهيونية الأمريكية. اختار السيسي للرئاسة المؤقتة واحدا من أنزه قضاة مصر وأشرفهم هو الرئيس الحالي عدلي منصور الذي حلف اليمين أمام رفاقه بالمحكمة الدستورية العليا. تلك هي القصة باختصار شديد وعلى شباب الإخوان فهم الأمور جيدا فهم مخدوعين انضموا إلى جماعة متطرفة منبوذة من السواد الأعظم من المسلمين المعتدلين الذين لا يرمون الناس بالكفر وفي وئام مع شركاء الوطن من الأقباط. إما أن تثوبوا إلى رشدكم أو أن تلفظكم مصر التي كانت معتدلة على مر التاريخ وستستمر معتدلة ومنارة يشهد لها العالم بالرقي.

لكن الخوف من العسكر ما زال مشروعا فهم يشكلون دولة داخل الدولة، يتقاضى كبارهم رواتبا ضخمة ويفتئتون على العمالة المجانية للمجندين، والفساد المتوارث ما زال ينخر في الجيش بسبب سرية ميزانيته والأرباح التي يدرها النشاط الاقتصادي الضخم للمؤسسة العسكرية. الجيش المصري رغم وطنية وشجاعة جنده لا يستطيع الدفاع عن البلاد بسبب تخلف تسليحه الذي يعتمد على ما تمن به أمريكا وتعلم إسرائيل كل صغيرة وكبيرة عنه. وباستثناء الحالة الثورية التي نعيشها وفضل القيادة الحالية في تخليصنا من جرثومة الإخوان المسلمين إلا أنه ليس من المقبول أن يستمر تدخل الجيش في إدارة الدولة، بل يجب أن يكون ذلك متروكا لإدارة مدنية تكنوقراطية لم تتوفر لمصر على مدى 60 عاما من حكم العسكر الذي أثبتت التجربة مدى عقمه بأي دولة.

الوضع الحالي لا يبشر بالكثير من الخير. الإخوان المتأسلمين تحكمهم غريزة حب البقاء ويريدون نسف الدولة لكي يتمكنوا من العودة إلى الحياة. السلفيون من عملاء الوهابية السعودية أصبح لهم قوة ضغط بالمرحلة الانتقالية بحيث لم يمكن التخلص من شوائب التخلف الديني الدستوري، حيث ينص الإعلان الدستوري الأخير على أن مصر دولة "دينها الإسلام" وهي عبارة لا تصلح في القرن الحادي والعشرين وتضعنا في مصاف دولة عنصرية مثل إسرائيل. تمكن السلفيون - الذين لم نسمع بوجودهم بمصر إلا في السنوات الأخيرة - من أن تكون لهم تلك القوة، لأن سيدهم عاهر الحرمين قد أعطى وعودا ببلايين الدولارات المشروطة لمساعدة مصر على اجتياز أزمتها الاقتصادية، مثلما فعل نظيريه الكويتي والإماراتي. مشاكل مصر الاقتصادية المتراكمة مشاكل كبرى بالفعل وحجمها لا يسمح بالمماطلة والتسويف ولا يدرك الكثيرون مدى خطورتها ولن يتم حلها إلا بالإسراع في حل مشكلتها السياسية الحالية، وهو دور لا يقدر على حله سوى الحسم والحزم مع جهل بقايا التخلف الديني الذي يشدنا إلى الوراء. هؤلاء السلفيون يستحقون نفس المعاملة التي تلقاها الإخوان المتأسلمين لأنهم خطر أيديولوجي يعادل في ضرره الأخطار الاقتصادية إن لم يكن أبعد أثرا منها في المستقبل القريب والبعيد.

على كل حاكم قادم أن يدرك أن التعصب الديني المستورد من ضيعة آل سعود هو العدو الأول للتقدم والازدهار. هذا التدين الصوري لم ينهي الفقر والفساد بدولة آل سعود الغنية ولم يخلق بها نظما عادلة للضمان الاجتماعي تقتلع الفقر من جذوره، ولم يخلق بها أية قواعد صناعية كبرى تمتص البطالة المتفشية، أو نظما قضائية تحقق العدل وليس اجتثاث رؤوس البشر بالسيف. فليعلم أهل مصر جميعا أقباطا ومسلمين أن حاجتهم إلى المستشفيات النظيفة والمدارس الحديثة الفاعلة أهم من بناء المساجد والكنائس لأن الله لا يساعد من لا يساعد نفسه.
___________________________________________________________

المستشار المتقاعد: فاروق أحمد سلطان

* كان فاروق سلطان الأكبر درجة بين الفاسدين من قضاة مصر. خبراته السابقة لا تمت بصلة للمجال الدستوري وإنما كانت في المحاكم العسكرية والمحاكم سيئة السمعة مثل "محكمة القيم" وأمن الدولة. خرج من القوات المسلحة برتبة مقدم ليلتحق بعدها بالقضاء المدني، حيث عينه وزير العدل الفاسد ممدوح مرعي رئيسا لمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية في عام 2006 ثم استحدث له منصب مساعد أول وزير العدل لشئون المحاكم المتخصصة. قام المخلوع بكسر كل الأعراف وقام بتعديل فقرة دستورية لكي يتمكن في يوليو 2009 من تعيين ذلك القاضي الإمعة رئيسا للمحكمة الدستورية العليا بدرجة وزير. كان لتلك الترقيات السريعة المتتالية أهدافا منها تدمير النقابات المهنية والمساعدة في تزوير الانتخابات وتسهيل مشروع التوريث المرتقب في 2010. كانت هناك تكهنات أثناء الثورة بأن رئيس المحكمة الدستورية العليا سيكون رئيسا مؤقتا للبلاد فقطع فاروق سلطان مهمة له بتركيا وأسرع عائدا إلى مصر، لكن الأقدار شاءت له أن يستمر في ممارسة الهواية التي أجادها وتمرس في ألاعيبها وهي تزوير الانتخابات.


الاثنين، 8 يوليو 2013

من الإبن إلى لقمان


عبد الرحمن يوسف لمن لا يعرفه هو شاعر شاب – أو كان شابا حينما فعل – قام بهجاء مبارك وهو في عز جبروته. تستطيع القول بأنه النسخة الشعرية من النسخة النثرية التي أبهرتنا يوم أن أرادت أن تتقيأ مبارك وهي عبد الحليم قنديل. كلاهما لا يروج لدين أو لدنيا بل يضع ضميره في قلمه ويترك العنان لفكره الوطني الأصيل.
عبد الرحمن يوسف هو نجل يوسف القرضاوي. وقبل أن أسترسل أود القول بأنني لا رأي لي في يوسف القرضاوي، لأني لا أعرف الرجل. لكن هناك من الدلائل ما قد يشير إلى أن معدنه يختلف عما ترسمه الصورة المشوهة الناتجة عن طرد أوباش قطر له وإسقاط الجنسية القطرية عنه. قد يكون أحد شيوخ الإسلام الذين يسيرون على درب السلف الذي يرى الشيوخ أنه كان سلفا صالحا، رغم دلائل التاريخ التي يشير بعضها إلى غير ذلك.
حتى لا أطيل عليك يا عزيزي القارئ - الذي يصبر دوما على استرسالي – الخطاب أدناه خطاب منشور على الملأ، موجه من الإبن إلى أبيه يشرح له فيه ما قد خفي عليه من ألاعيب الإخوان المتأسلمين:

أبي العظيم فضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوى ...
عرفتُكَ عالمًا جليلا وفقيهًا موسوعيًا متبحرا، تعرف أسرار الشريعة، وتقف عند مقاصدها، وتبحر في تراثها، ونحن اليوم في لحظات فاصلة في تاريخ مصر، مصر التي تحبُّها وتعتز بها، حتى إنك حين عنونت لمذكراتك اخترت لها عنوان "ابن القرية والكُتـَّــاب"، وأنا اليوم أخاطب فيك هذا المصري الذي ولد في القرية، وتربى في الكتّاب.
يا أبي الجليل العظيم ... أنا تلميذك قبل أن أكون ابنك، ويبدو لي ولكثير من مريديك وتلامذتك أن اللحظة الراهنة بتعقيدها وارتباكاتها جديدة ومختلفة تماما عن تجربة جيلكم كله، ذلك الجيل الذي لم يعرف الثورات الشعبية الحقيقية، ولم يقترب من إرادة الشعوب وأفكار الشباب المتجاوزة، ولعل هذا هو السبب في أن يجري على قلمك ما لم أتعلمه أو أتربى عليه يوما من فضيلتكم .
أبي الغالي الذي تشهد كل قطرة دم تجري في عروقي بعلمه وفضله، لقد أصدرت أمس فتوى بضرورة تأييد الرئيس المقال (بحق) محمد مرسي .. جاء فيها نصا :
"
إن المصريين عاشوا ثلاثين سنة - إن لم نقل ستين سنة - محرومين من انتخاب رئيس لهم، يسلمون له حكمهم باختيارهم، حتى هيأ الله لهم، لأول مرة رئيساً اختاروه بأنفسهم وبمحض إرادتهم، وهو الرئيس محمد مرسي، وقد أعطوه مواثيقهم وعهودهم على السمع والطاعة في العسر واليسر، وفيما أحبوا وما كرهوا، وسلمت له كل الفئات من مدنيين وعسكريين، وحكام ومحكومين، ومنهم الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي كان وزير الدفاع والإنتاج الحربي في وزارة هشام قنديل، وقد أقسم وبايع أمام أعيننا على السمع والطاعة، للرئيس مرسي، واستمر في ذلك السمع والطاعة، حتى رأيناه تغير فجأة، ونقل نفسه من مجرد وزير إلى صاحب سلطه عليا، علل بها أن يعزل رئيسه الشرعي، ونقض بيعته له، وانضم إلى طرف من المواطنين، ضد الطرف الآخر، بزعم انه مع الطرف الأكثر عددا."
أبي الكريم ... إن المقارنة بين مرسي ومبارك غير مقبولة، وهذه رؤية جيلنا التي ربما لا يراها من قبلنا .
يا سيدي ... جيلنا لم يصبر على الاستبداد ستين أو ثلاثين عاما كما تقول، بل هو جيلكم الذي فعل ذلك باسم الصبر، أما نحن فجيل تعلم أن لا يسمح لبذرة الاستبداد بالاستقرار في الأرض، وقرر أن يقتلعها من عامها الأول قبل أن تنمو، فهي شجرة خبيثة لا بد أن تجتث من فوق الأرض .
ولو أن مرسي قد ارتكب واحدا في المئة مما ارتكبه سابقوه، فما كان لنا أن نسكت عليه، وهذا حقنا، ولن نقع في فخ المقارنة بستين عاما مضت، لأننا إذا انجرفنا لهذا الفخ فلن نخرج من الماضي أبدا .
لقد تعلمت منكم أن المسلمين عند شروطهم، ألست القائل : "إن الإمام إذا التزم بالنزول على رأي الأغلبية وبويع على هذا الأساس، فإنه يلزمه شرعا ما التزم به، ولا يجوز له بعد أن يتولى السلطة أن يضرب بهذا العهد والالتزام عرض الحائط، ويقول إن رأيي في الشورى إنها معلمة وليست ملزمة، فليكن رأيه ما يكون، ولكنه إذا اختاره أهل الحل والعقد على شرط وبايعوه عليه فلا يسعه إلا أن ينفذه ولا يخرج عنه، فالمسلمون عند شروطهم، والوفاء بالعهد فريضة، وهو من أخلاق المؤمنين" .
"
ومن هنا – والكلام ما زال لكم – نرى أن أي جماعة من الناس – وإن كانوا مختلفين في إلزامية الشورى – يستطيعون أن يلزموا ولي الأمر بذلك إذا نصوا في عقد اختياره أو بيعته على الالتزام بالشورى ونتائجها، والأخذ برأي الأغلبية مطلقة أو مقيدة، فهنا يرتفع الخلاف" ؟ السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها (ص116، ط مكتبة وهبة) .
يا أبي الكريم العظيم ...
لقد عاهدنا الرجل ووعدنا بالتوافق على الدستور، ولم يف، وبالتوافق على الوزارة، ولم يف، وبالمشاركة لا المغالبة في حكم البلاد، ولم يف، وبأن يكون رئيسا لكل المصريين، ولم يف، وأهم من كل ذلك أننا عاهدناه على أن يكون رئيس مصر الثورة، ثم رأيناه في عيد الثورة يقول لجهاز الشرطة– الذي عاهدنا على تطهيره ولم يف أيضا – يقول لهم : "أنتم في القلب من ثورة يناير!!!"، فبأي عهود الله تريدنا أن نبقي عليه ؟
لقد تصالح مع الدولة العميقة، ومع الفلول، ومع رجال أعمال مبارك، ومع كل الشرور الكامنة من العهود البائدة، بل حاول أن يوظفها لحسابه، وأن يستميلها لجماعته، وأعان الظالمين على ظلمهم فسلطهم الله عليه .
لقد حفظت منك كلمة لا أنساها ما حييت يا أبي وأستاذي، كلمة من جوامع الكلم، كلمة صارت لي ميثاقا ونبراسا في فهم الإسلام، وفي فهم السياسة الشرعية، لقد قلت لي ولكل جيلنا : "الحرية قبل الشريعة" !
بهذه الكلمة كنتُ وما زلتُ من الثائرين الذين يطالبون بالحرية للناس جميعا، بهذه الكلمة كنت في الميدان يوم الخامس والعشرين من يناير، ويوم الثلاثين من يونيو أيضا، ولم أشغل نفسي بالمطالبة بإقامة شرع الله، ولم أر أن من حقي فرض الشريعة على أحد، بل شغلت نفسي بتحريض الناس أن يكونوا أحرارا، فالحرية والشريعة عندي سواء، وهل خلق الله الناس إلا ليكونوا أحرارا !
لقد ناشدتَ أبي العظيم في فتواك الفريق السيسي وكل الأحزاب والقوى السياسية وكل طلاب الحرية والكرامة والعدل، أن يقفوا وقفة رجل واحد، لنصرة الحق، وإعادة الرئيس مرسي إلى مكانه، ومداومة نصحه، ووضع الخطط المعالجة، والبرامج العملية .."فماذا لو أخبرتك يا مولاي أنهم طالما فعلوا ذلك طوال عام كامل ولم يستجب الرجل؟
ماذا لو أخبرتك يا أستاذي أن من مستشاريه الذين اختارهم بنفسه من نثق بعلمه ودينه وإخلاصه ووطنيته ومع هذا تركوه جميعا بعد أن اكتشفوا حقيقة أنهم ليسوا أكثر من ديكور ديمقراطي لاستبداد جديد، فلم يكن الرجل يسمع لأحد سوى جماعته ومرشده الذين لم يكونوا له يوما ناصحين أمناء ولا بطانة خير، وإنما أعانوه على ما لم يُصلح في مصر دينا ولا دنيا، ودفعوه إلى مواجهة الشعب بالجماعة لتبرير وتمرير قراراته المنفردة، مما أدى إلى دم كثير، وفتنة في الأرض، وما على هذا بايعه المصريون والثوار .
ماذا لو أخبرتك يا سيدي وتاج رأسي أنني قد فعلت ذلك بنفسي فما كان من الرئيس وأهله وعشيرته إلا أن صعروا لنا الخدود !
لقد جلسنا مع كل الأطراف في أوقات صعبة، ولم يكن أحد يشكك في شرعية الرئيس، وكان من الممكن لم الشمل بتنازلات بسيطة، ولكن – وللأسف – لم نر رجال دولة على قدر المسؤولية، بل رأينا مجموعة من الطامعين في الاستحواذ مهما كان الثمن .
لقد كنا نتمنى جميعا لو أكمل الرئيس مدته، وأن تنجح أول تجربة لرئيس مدني منتخب، ولكنه أصر على إسقاط شرعيته بنفسه، وذلك بانقياده لمن يحركه، وبتبعيته لمن لا شرعية لهم ولا بيعة ولا ميثاق، ثم هم الآن يبتزون أتباعهم ورموزهم عاطفيا لكي يقعوا في هذا الشرك بدعوى حماية الشرعية والشريعة !
إن حقيقة ما حدث في مصر خلال العام الماضي أن الإخوان المسلمين قد تعاملوا مع رئاسة الجمهورية على أنها شعبة من شعب الجماعة، ونحن ندفع وسندفع ثمن ذلك جميعا دما وأحقادا بين أبناء الوطن الواحد !
إن كل كلمة كتبتها يا سيدي وأستاذي أحترمها، وأعلم حسن نواياك فيها، ولكن تحفظي أنها لم تكن رأيا سياسيا يحتمل الصواب والخطأ، رأيا يكتبه"المواطن" يوسف القرضاوي ابن القرية والكتّاب، بل كانت فتوى شرعية يفتي بها إمام الوسطية "الشيخ"يوسف القرضاوي، وهو ما أذهلني وأربكني وآلمني .
لقد آن لهذه الأمة أن تخوض الصعب، وأن ترسم الحدود بين ما هو ديني، وما هو سياسي، لكي نعرف متى يتحدث الفقهاء، ومتى يتحدث السياسيون !
ختاما: أنا أكثر واحد في هذه الدنيا يعلم أنك لا تبيع دينك بدنياك، وأنك أحرص على الحق والعدل من حرصك على المذهب والأيديولوجيا، وأن تفاصيل الحدث وملابساته كثيرة ومربكة، وأنت لديك شواغلك العلمية الكبيرة .
أعلم يا أبي أن فتواك ما جاءت إلا دفاعا عما رأيته حق المصريين في أن يختاروا بإرادتهم الحرة من يمثلهم دون العودة ثانيا لتسلط العسكر – وهو ما لن نسمح بحدوثه أبدا – ، وهذا التعليق مني رد لأفضالك عليّ، وعرفان بجميل علمك الذي أودعته فيّ .
صدقني يا أبي الكريم الحليم لو طبقنا ما كتبته في كتبك عن الأمة والدولة، وعن فقه الأولويات، وفقه الواقع، وفقه المقاصد، وعن الحرية التي هي قبل الشريعة كما علمتنا، لكنت أول الداعين للثورة على من ظلم، وخان العهود والمواثيق، وأفشى أسرار الدولة، وزج بمخالفيه في السجن بتهمة إهانته، ولم يترك لهم من الحرية إلا ما كان يتركه لهم مبارك : قولوا ما شئتم وسأفعل ما أريد .
أبي العظيم ... في ميدان رابعة العدوية الآن مئات الآلاف من الشباب المخلص الطاهر، وهم طاقة وطنية جبارة، سيضعها بعض أصحاب المصالح وتجار الدم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فلا هي معركة وطنية، ولا هي معركة إسلامية، ولا هي معركة ضد عدو، ولا هي معركة يرجى فيها نصر، وكل من يدخلها مهزوم، إنهم ملايين المخلصين الذي سيلقى بهم في الجحيم ثمنا لأطماع ثلة من الناس في مزيد من السلطة والنفوذ، وما أحوجنا لكلمة حق عاقلة تحقن تلك الدماء الزكية التي ستراق هدرا .
إن الإرادة الشعبية التي تحركت في الثلاثين من يونيو ليست سوى امتدادا للخامس والعشرين من يناير، ولئن ظن بعض الفلول أن ما حدث تمهيد لعودتهم فأني أقول لفضيلتكم بكل ثقة إنهم واهمون، وسوف يقف هذا الجيل الاستثنائي أمام كل ظالم، ولن يترك ثورته حتى يبلغ بها ما أراد، سواء لديهم ظالم يلبس الخوذة، أو القبعة، أو العمامة .
أبي الحبيب ... لقد ربيتنا نحن أبناءك على الحرية واستقلال الفكر، وإني لفخور بك قدر فخرك بنا وأكثر، وإني لأعلم أن هذه المقالة سوف تدفع بعض العبيد لقراءتها بمنطق العقوق، إلا أنه ما كان لي أن ألتزم الصمت إزاء ما كتبته – بوصفه فتوى لا رأي– وقد عودتنا أن نكون أحرارا مستقلين، وحذرتنا مرارا من التقليد الأعمى، والاتباع بلا دليل، والسير خلف السادة والقيادات والرموز، وعلمتنا أن نقول كلمة الحق ولو على أنفسنا والوالدين والأقربين، وأن نعرف الرجال بالحق، ولا نعرف الحق بالرجال .
من حق أسرتنا أن تفخر بأنها لم تُرَبِّ نسخا مشوهة، بل خرجت كيانات مستقلة، وذلك بعكس كثير من الأسر التي تزعم الليبرالية والحرية، ولا نرى منها سوى نسخا كربونية لا فروق بينها .
أبي العظيم : هذه الكلمات بعض غرسك فينا، وهي في الأصل أفكارك وكلماتك، وبعض فضلك وفقهك، إنها بضاعتك القيمة رُدَّتْ إليك .
والله من وراء القصد .

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.