إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

الجمعة، 30 مايو 2008

الفشل الدائم والشامل

جريدة الشعب المصرية

بقلم: محمد عبداللطيف حجازي

29/06/2001


الدول تحركها المصالح والحسابات وليس الخداع والكلام والشعارات . لقد عشنا نحن العرب على زيف الكلام عقودا من الزمان بينما أعداؤنا يدرسون ما نفعل ويخططون لهزيمتنا الدائمة عبر السنين . من الواضح لأي محلل على درجة متواضعة من الذكاء أن اليهود لهم مخطط بالمنطقة العربية سواء كان دافعهم دينيا أو اقتصاديا أو استعماريا استيطانيا . لم يغير اليهود من هدفهم وإنما عدلوا قليلا من وسيلتهم إليه على مر السنين . أما نحن العرب فقد تمكن منا مترفونا فعاثوا فسادا وتحالفوا مع الأعداء ضدنا عن علم أو عن جهل.

اليهود يعملون حسابات الحرب والسلام على أسس اقتصادية بحتة ، وإن تستروا خلف مبررات استراتيجية أو دينية أو تاريخية . واليهود بمنتهى البساطة ليست لهم مصلحة اقتصادية في عمل اتفاق سلام دائم مع الفلسطينيين . وقد كانت لتحركات السلام الوهمية دائما مبررات ودوافع اقتصادية ، فحينما زادت عزلة "إسرائيل" الاقتصادية في أواخر الثمانينيات وجدت نفسها مضطرة إلى الجلوس على مائدة المفاوضات ذرا للرماد في العيون دون أن تكون لديها أدنى نية للوصول إلى اتفاق تقوم بتنفيذه ، وقد تم لها الخروج من عزلتها بعد أن قامت بدورها المسرحي في مؤتمر مدريد عام 1991 والذي على إثره تمت مكافأتها باتساع نطاق تعاملها التجاري مع دول آسيا العملاقة مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وحينما هز ياسر عرفات على يد إسحاق رابين في 1993 مبتسما في سذاجة وبلاهة حقيقية أو مفتعلة مع قولته الشهيرة عن "سلام الشجعان" تمت مكافأة إسرائيل بفتح باب التعامل على مصراعيه بينها وبين تركيا ودول الاتحاد الأوربي.

مع استمرار مسرحية "السلام الدائم الشامل والعادل" الذي لا يوجد إلا في مخيلة الخانعين المستسلمين من القادة العرب انتهت المقاطعة العربية للكيان الصهيوني العنصري وبدا وكأن المنطقة قد سادها الهدوء وأن "إسرائيل" قد وصلت مرحلة الاستقرار السياسي والتجاري . كانت النتيجة مزيدا من الازدهار والاتفاقيات التجارية بينها وبين الاتحاد الأوربي وتركيا والمكسيك وكندا ودول أوربا الشرقية ، وتدفق رأس المال إلى الكيان الصهيوني بحيث زاد معدل نمو الصناعات الإلكترونية المتقدمة إلى درجة وضعت هذا الكيان العنصري في مصاف الدول البارزة في هذا المضمار ، ومع هذا الازدهار زاد الانبهار وأصبحت تل أبيب مزارا لموظفي يوسف والي بوزارة الزراعة المصرية وأغرقت الأسواق المصرية والعربية بالمنتجات الزراعية والصناعية الإسرائيلية دون وعي أو خجل أو حياء من جانب الحكومات العربية الغافلة المستكينة.

إذا تفحصنا لغة الأرقام لوجدنا من الإحصائيات الإسرائيلية أن معدل التبادل التجاري بين "إسرائيل" ودول آسيا قد ارتفع من 3 بليون دولار أمريكي عام 1990 إلى 8 بليون عام 1999 بينما ارتفع معدل التعامل مع الهند وتركيا إلى ستة أضعاف وامتلأت الشوارع الإسرائيلية بسيارات "تويوتا" . وهكذا تغير الحال وتحولت "إسرائيل" من دولة منبوذة إلى عضو بالمجتمع الدولي بفضل مسرحية هزلية - أطول من مسلسلات التليفزيون المصري المملة السخيفة - قام القادة العرب فيها بدور "الكومبارس" على خير وجه وما زال البلهاء منهم يقولون لنا أن السلام "خيار" ليس له بديل وأننا نحن الشعوب ينبغي أن نقبل هذا "القرع" في صمت لأنهم أعلم منا بمصالحنا.

ما يحدث الآن على أرض الواقع هو أننا نحن العرب ببلاهتنا وسذاجتنا قد أسهمنا في الوصول إلى تلك الحال وبدلا من مقاطعة مسرحية مباحثات السلام الوهمي المطولة ساعدنا "إسرائيل" عليها لأن مطالبنا انحصرت في مجرد الجلوس على مائدة المفاوضات دون استراتيجية واضحة أو مطالب محددة . وبالتالي فإن إسرائيل لم يكن لديها الدافع للتنازل عن مواقفها طالما أن كل الأطراف المعنية تود الاشتراك في لعبة المفاوضات المطولة بحيث تبدو إسرائيل دوما في صورة الباحث عن السلام الذي ينوي استمرار البحث عنه والسعي الحثيث إليه بهمة ونشاط إلى الأبد.

على عكسنا نحن العرب فإن استراتيجية "إسرائيل" في التعامل مع الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي واضحة وضوح الشمس منذ البداية ، وتتركز في إعطاء الفلسطينيين أقل القليل مع تدعيم بناء مستعمرات الاستيطان على أرضهم ومحاولة تغيير وجه القدس والمناطق المحيطة بها لتسهيل استيعابها مستقبلا كعاصمة . أما كسب الوقت فإنه يتم بحيلة بسيطة هي إعطاء الوعود إذا تأزمت الأمور مع إحدى حكوماتهم في وقت ما ثم نقض هذه الوعود بمعرفة الحكومة التالية بحجة إعادة تقييم الموقف . أوضح مثال لتلك السياسة هو حكومة باراك الذي جاء واعدا بالوصول إلى اتفاق نهائي خلال 15 شهرا ثم استمر في بناء المستوطنات الاستعمارية طوال فترة حكمه واتضح فيما بعد أن وهم الحل النهائي الذي تحدث عن ضرورة الوصول إليه لم يكن سوى ذريعة لاستمرار البقاء بالضفة الغربية بهدف التوسع في بناء المزيد من مستعمرات الاستيطان.

حينما ظن العرب أن الاتفاقية التي تمت تحت إشراف كلنتون قد ضمنت لهم ذلك "الخيار" الأوحد أثبت لهم اليهود أن دنيا العرب فعلا كالخيارة التي لم تمسك بها أيديهم في أي يوم من الأيام . لم يكن بالاتفاقية أية مكاسب اقتصادية للكيان الصهيوني وتعارضت تماما مع مخططهم الثابت . فما هي الفائدة الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق لهم بالانسحاب من معظم أجزاء الضفة الغربية واقتسام القدس؟ لقد انتهت عزلتهم الاقتصادية العالمية وسجد العرب لهم سياسيا دون القيام بعمل مثل تلك التنازلات.

السلاح الأساسي الذي سيقضي على إسرائيل هو عودة الوعي لنا نحن العرب . إذا استثنينا بعض الدول العربية النفطية ذات الأعداد الضئيلة فإن الغالبية العظمي من الشعوب العربية لم تفقد الوعي أو الذاكرة ، رغم كل برامج التطبيع والتعتيم عبر الأقمار الصناعية أمام الأعين وملأ السمع ليل نهار . اسأل أي طفل عربي بفلسطين أو مصر أو سوريا أو العراق عن "إسرائيل" وسيأتيك الرد دون تردد بأنهم أعداء وسيبقون أعداء مهما طال الأمد . من هذا المنطلق تم تحجيم التبادل التجاري بين العرب والكيان الصهيوني بفعل الإرادة الشعبية رغم قيام الحكومات العربية بتسهيل إغراق الأسواق بالمنتجات الإسرائيلية الرخيصة . وتوارى أنصار التطبيع مذمومين مدحورين.

لقد خسر الفلسطينيون حوالي بليون دولار خلال أشهر الانتفاضة الأخيرة وآلاف الضحايا والجرحى لكنهم وضعوا الكيان الصهيوني في مأزق لا يتحمل استمراره أطول من ذلك إذ أن "إسرائيل" تطمح إلى زيادة معدل صناعة وتصدير المنتجات الإلكترونية المتقدمة وفي سبيل ذلك فإنها بحاجة إلى الاستقرار واستمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية ولن يتأتى ذلك إلا بالعودة إلى فصل جديد من فصول مسرحية التفاوض وهو ما بدأت إسرائيل بالفعل في التمهيد له بتخفيف الحصار على الفلسطينيين بعد أن فشلت محاولة قهرهم .

استراتيجية إسرائيل واضحة ومستمرة تحت قيادة أي حكومة وأي رئيس إسرائيلي ، وهي الدخول في مفاوضات مطولة لا تنتهي دون التنازل عن أي أرض ، فإذا تأزم الموقف فلا بأس من التوقيع على مشروع اتفاق تقوم الحكومة التالية بنقضه والبدء من جديد ، ويظل القادة العرب في حالة تفاوض وانتظار وترقب ومحاولة دائمة للإمساك بأيديهم بذلك "الخيار" الأوحد الذي استكانوا إليه ، بينما أعداؤنا يسيرون على طريقهم الواضح.

مقالين عن الحجاب



بقلم: محمد عبداللطيف حجازي
تمت كتابتهما في ثمانينيات القرن العشرين

المقال الأول:
حينما تتحجب العقول
أعرف أن الخوض في هذا الموضوع الشائك سوف يثير حفيظة الكثيرين، لكن ذلك أمر لا يهمني ولا يغير الحقائق. لقد تخلفنا نحن العرب من مسلمين ومسيحيين في شتى المجالات منذ هبت علينا رياح التخلف السياسي. لقد أدى التخلف السياسي إلى التخلف الاقتصادي ثم التخلف الثقافي والاجتماعي فالتخلف الديني ، بهذا الترتيب والله أعلم.

الحجاب ليس مجرد نمط للملبس فحسب وإنما يصحبه حجاب على الفكر والعقل. لقد جالست الكثيرين من المتزمتين دينيا فوجدت أنه بمجرد الحديث عن ماهية الخالق وبعض أوجه القصور في الكتب "السماوية" تنغلق العقول تلقائيا وتفتح أبواب جهنم لمجرد "الخوض في الدين"، مجرد البحث ومحاولة الفهم يصبح جريمة كبرى تؤدي إلى تهمة الردة والتكفير. أصبح شغلنا الشاغل الآن هو الحجاب وكم تغطي المرأة من شعرها أو مدى "تحزيق" خصرها. تعالوا معي إلى أستراليا لتروا عرضا هزليا لما يسميه البعض "الزي الإسلامي" الذي هو في حقيقة أمره استعارة لزي ارتداه الفرس والعرب والتركمان في السنين الغابرة إلى أن زحفت علينا الأزياء الغربية منذ مطلع القرن العشرين. هنا في أستراليا تجلس المحجبات – زيا وعقلا – أمام ماكينات الميسر (بوكر ماشينز) ويتنطع الرجال من ذوي اللحى في جلابيب وسراويل رثة تثير الاشمئزاز. وفي بلادنا العربية تتواجد محلات تجارية تتخصص في "أزياء المحجبات" ممن يتفنن في إبراز تفاصيل أجسادهن ويحرصن على تغطية شعورهن حيث ترتفع تكلفة صيانة الشعر ورعايته إذا أريد له أن يبدو في أبهى صورة. أيهما أفضل، امرأة في زي غربي محتشم وقد أبدت من زينتها ما يوضح جمال صنعة الخالق دون بهرجة أو استثارة، أم تلك المحجبة التي مشت تتلوى وقد أعادت صياغة وجهها بالمساحيق والألوان المسرفة؟ ما الذي أصابنا؟ إن أمي وجدتي لم ترتديا هذا الزي المنفر، لكنني وجدت معظم أخواتي وقد ارتدين هذا "الحجاب" اللعين منذ السبعينيات.

لا شك عندي أن هذا تخلف وخطوة إلى الوراء فمتطلبات الدين لا يمكن أن تكون بمثل هذا التزمت ويجب أن يتم تطويرها بتطور الزمن، فالرسول لو كان قد نزل في عصرنا هذا لارتدى حلة "كرستيان ديور" أو "إيف سان لوران"، لكن الرجل ارتدى زي أهل عصره، ومن البديهي أن علينا أن نرتدي زي أهل عصرنا.
أما ما اصطلح على تسميته بالحجاب فإنه كان زيا لأهل المنطقة في غابر الزمن وكان قاصرا على من أسموهن "الحرائر"، أما الجواري فكن يعاقبن إذا ما ارتدينه. فإذا كان "الحجاب" محرما على الجواري، وطبقا لهذا المنطق الأعوج الذي يربط هذا "الحجاب" بالإسلام، فإن الإسلام يصبح محرما علي الجواري. وللعلم فإن الإسلام حتى موت الرسول لم يحرم الرق تحريما قاطعا، وما زال آل زيد وسعود يتفننون في وسائل اقتناء الرقيق الأبيض.

اختلف المفسرون على مدى العصور في تفسير الآيات القرآنية التي ورد بها ذكر الحجاب، بل إن كلمة "الحجاب" ذاتها قد اختلف تفسيرها، فلعل الأفضل لنا اليوم هو الاهتمام بالجوهر وليس المظهر، ولعل الأفضل ألا يختلف مظهر العربية المسلمة عن مظهر العربية المسيحية فنحن العرب لسنا مسلمين فقط، وإن كره المتزمتون. لقد لعب الاستعمار على تلك الأوتار طويلا وما زال يلعب بنا، وربما كان تنشيط لعبة "الحجاب" هذه إحدى الوسائل الخبيثة لتفتيت هذه الأمة، فقد لاحظت أن معظم النساء المتزمتات ببلادنا العربية اليوم يقعن في فئتين، فإما أن تكون المرأة "محجبة" أو أن يتدلى على صدرها صليب ذهبي ضخم فتبدو كلتيهما مثل إعلان ديني سخيف يحث على الخلاف والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فأين ما يجمعنا من تسامح ولغة ومصير واحد؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولهن!

المقال الثاني :
الحنقـــاب (من أدب المهجر الأسترالي)

"الحنقاب" يا عزيزي القارئ كلمة لا وجود لها في قاموس اللغة العربية والمقصود بها هنا هو "الحجاب" أو "النقاب"، فأما "الحجاب" فإنه في لغة التزمت غطاء لرأس المرأة، وأما النقاب فهو غطاء أسود للرأس والوجه يشبه إلى حد بعيد ما كان يلبسه " زورو " ونجله في أفلام رعاة البقر القديمة عندما لا يودان الكشف عن شخصيتهما في صولاتهما وجولاتهما، وفي منطقة الوجه يوجد ثقب لعين واحدة أو ثقبين للعينين، مع إضافة "جوانتي" أسود لليدين لا أظن أنه كان قد تم اختراعه في الأزمنة الغابرة. وإذا عدت بذاكرتك يا عزيزي القارئ إلى سنين الخمسينيات والستينيات - إن كنت قد عاصرتها - فإن ما يسمى الآن بالحجاب كان هو الزي الرسمي بالمدن المصرية للغسالة وبائعة الفجل وزوجة بواب العمارة، وكان أيضا الزي الشائع للفلاحات في ربوع الريف، أي انه كان قاصرا على الطبقة الاجتماعية والاقتصادية الدنيا، وأما النقاب فإنه كان نادرا وقاصرا على بعض العجائز من بقايا العهد العثماني بالإضافة إلى بعض النساء من الأعراب اللاتي كن يفدن من الصحراء عندما يشتد الجدب وتضيق بهن سبل العيش فكان سبيلهن للكسب هو "ضرب الودع" أي العرافة واستقراء المستقبل.

لابسة الحنقاب عادة إنسانة غبية ضيقة الأفق، يزداد غباؤها يوما بعد يوم، ربما لأن الحنقاب يطمس على مخها ويقلل من كفاءته وقدرته على أداء وظيفته الأساسية من التدبر والتفكر، وهى عادة إما جاهلة أو نصف متعلمة من خريجات جامعاتنا غير المثقفات. وقد انتشر لبس الحنقاب في وطننا الأم منذ السبعينيات انتشارا إن دل على شيء فإنما يدل على انخفاض معدلات الذكاء لدرجة تعجز معها المرأة عن التدبر في كيف أن أمها وربما جدتها لم تلبسا مثل هذا الزي المنفر، وكيف أن شوارع القاهرة والمدن الكبرى كانت يوما ما خالية تماما من تلك الغربان الآدمية المحنقبة.

دلفت إلى مكتب الضمان الاجتماعي امرأة محنقبة تتشح بالسواد ولا يبدو من وجهها سوى عينيها. توجهت من تلقاء نفسي تجاه الموظف الذي استقبلها، حتى أوفر عليه مشقة استدعائي لأداء واجبي كمترجم اللغة العربية بالمكتب. أذهلني أن الشبح الأسود كان لفتاة صغيرة تتكلم الإنجليزية بطلاقة النتاج المحلي لقدماء المهاجرين ... كانت صغيرة الجسد نظراتها غير مستقرة ولديها إحساس بأن ملبسها شاذ فتترقب بعينيها انطباعات الآخرين الذين يدفعهم الفضول إلى اختلاس النظر إليها. أما قصتها مع الموظف فتتلخص في أن الضمان الاجتماعي قد صرف لها بالزيادة وبطريق الخطأ حوالي ثلاثين دولار وأنها تود إرجاع هذا المبلغ. أخذ الموظف يشرح لها كيف أن استرجاع هذا المبلغ الصغير يكلف الضمان الاجتماعي أزيد منه، لكنها أصرت على رأيها ... كان واضحا أن القصد الأساسي للفتاة هو الاستعراض الرخيص لعفة النفس ومحاولة لتأكيد أن من يلبس مثل زيها لابد وأن يتصف بحسن الخلق والأمانة وليس بضيق الأفق والعفانة ... وقفت الفتاة تستمتع بكل دقيقة أثناء قيام الموظف بعمله متأففا بينما الطابور يزداد طولا من خلفها.

بعد انصرافها تسللت خلف الموظف وقلت له مازحا بما يناسب عقليته:
- وقفت قريبا منك حتى أهرع لمساعدتك إذا ما رأيت مسدسا مصوبا إلى رأسك! فرد مبتسما :
- نحن لا نحتفظ هنا بأي نقد سائل وكل تعاملاتنا بالشيكات والتحويل المباشر للبنوك.
- كنت أسترق السمع ... لعل الأمر كان يختلف إذا ما كان المبلغ ثلاثين ألفا!
- بالتأكيد! ... لقد عجزت تماما عن إفهامها بأنه من الأفضل أن تحتفظ بالمبلغ، وأننا لن نفتش عنه نظرا لضآلته ... يبدو أنه من الأسهل أن تتكلم مع حائط من القرميد!

بعد أيام من تلك الواقعة وقع بصري على حافلة صغيرة مليئة بفتيات في عمر تلامذة المدرسة الابتدائية وعلى رؤوسهن جميعا أغطية للرأس ... وهنا تكشف لي لغز فتاة الضمان الاجتماعي ... إن غسيل المخ باسم الدين يبدأ في هذه السن المبكرة، فيتم إرهاب أو إقناع تلك الضحايا بان الله يأمر بهذا الزي العجيب، وأن الشيطان - تلك الشخصية الأسطورية الرهيبة - يكمن لهن في كل ركن ليوسوس لهن بكشف رؤوسهن على الملأ، وهنا يبدأ أيضا تعلم الكذب والزيف والنفاق باسم الدين، فلا يوجد بين تلك البراعم الصغيرة من تستطيع فلسفة أو استيعاب سر إصرار أهلها على الانفصام عن المجتمع الذي اختاروا العيش به. ولا يدرى أي من هؤلاء الأهل مبلغ ما يسببونه لبناتهم من عقد نفسية نتيجة الإصرار على ذلك المفهوم الغريب الذي يجعل من المرأة عورة يجب وضعها وراء حجاب، ليتم تهميش نصف المجتمع المنتج ووضعه خلف الجدران، فلا يمكن لامرأة ترتدى زي العصور الوسطى أن تكون طبيبة أو مهندسة، وعليها أن تقنع بذلك الدور المحدود للأم المتفرغة. أما زوجها فإنه ربما تزوج عليها ثلاثا أخريات من المحنقبات وربما تقدم بطلب منحة إضافية من إحدى دول النفط التي تموله لكي يشتري عددا آخر من غير المحنقبات، على سبيل التغيير وفى نطاق ما يسمح به نمط القرون الوسطى الذي اختاره لحياته. وغالبا ما تحاول تلك الفتيات الخلاص من نمط الحياة المفروض عليهن فيهربن من أهلهن ويتزوجن من الأجانب، بل إن بعضهن يذهبن إلى أبعد من ذلك فيعايشن الأجانب بلا زواج. ما الذي حدث لنا في عالم الهجرة؟ ألم نكن يوما أمة وسطا؟

يذكرني ذلك بواحد من ذوي الجلابيب واللحى والرؤوس الجوفاء يضع أمواله في البنك في حساب خاص بدون فوائد، وحجته في ذلك أن "الفوائد حرام"! وعجزت عن إقناعه بان التعاليم الصحيحة لدينه قد حرمت الفوائد الباهظة التي اصطلح على تسميتها "ربا" وكان يتقاضاها من يستغل الحاجة الشديدة للناس فيفرض عليهم الفوائد الكبيرة لقاء إعارة ماله لفترة قصيرة. أما فوائد البنوك التي نعرفها فإنها لم تكن أساسا معروفة كاصطلاح أو ممارسة في زمن كان اقتناء دستة من الخراف يعد من أبرز صور النشاط التجاري، فلم توجد في صدر الإسلام مثل هذه البيوت التجارية التي تؤدى خدمة عامة للناس وتنظم أمورهم الاقتصادية لقاء نسبة مئوية معقولة، تتقاضاها كأجر للخدمة وكحماية من التضخم دون أدنى نية للاستغلال أو فرض الإتاوات الباهظة على المحتاجين إلى خدماتها، إذا ما استثنينا تغالي بعض المرابين اليهود في رفع سعر بعض الخدمات المصرفية. لكن العقل والمنطق ليسا جزءا من قاموس مثل هذا الجاهل المتزمت الذي يرفض كل ما يخالف بيئته الفكرية الصحراوية.

إن التطرف في الملبس أو الخروج على العرف والمألوف في بلاد أجنبية لا يخدم أية أهداف دينية أو اجتماعية، والمثل الدارج يقول "إذا كنت في روما اسلك سلوك أهلها" أي كن معقولا وتشبه في سلوكك وملبسك بالناس من حولك، فلا يكون مظهرك شاذا أو خارجا عن المألوف ... كان الله في عون أهل هذه البلاد! ... لقد بدأت افهم ما يبدو عليهم أحيانا من مظاهر النفور منا نحن الأجانب بعد طول ترددي على "سيدنى رود"*.

* "سيدني رود" هو أحد شوارع مدينة ملبورن الأسترالية الذي تزداد به كثافة اللبنانيين والأتراك ومحال بيعهم ويرتاده الكثير من العرب بهدف التسوق، ويعادله حي "لاكيمبا" في مدينة سيدني.

الأربعاء، 28 مايو 2008

التاريخ في سلسلة مقالات - الجزء الأول

تمهيد:
كلفتني جريدة الشعب الغراء بشرف كتابة باب ثابت عما تنشره الصحف العالمية. وعندما شرعت في ذلك وجدت أن الأنباء في حد ذاتها مكررة بكافة الجرائد وبنفس الصيغة تقريبا وتتلقفها الصحافة العربية من وكالات الأنباء الصهيونية كما هي. وبالتالي فإن أي تلخيص أو عرض للأنباء يكون أمرا مكررا عديم القيمة. لذلك رأيت أن أقوم بعرض أسبوعي لبعض الافتتاحيات أو المقالات التي تهمنا موضوعاتها.


التاريخ في سلسلة مقالات
(1)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
28/12/2001
كتبت "مادلين بنتنج" مقالا بالجارديان في 17/12/2001 يقطر بالسخرية من التغطية المبتورة لأخبار الحرب والمآسي التي تم كتمانها، تقول إحدى فقرات المقال:
" وهكذا فإن كل الحروب الجيدة تنتهي قبل أعياد الميلاد ، وعليه فإن هذه الحرب تتشكل كحرب
جيدة وعظيمة من كافة الوجوه فهي ‘على المقاس’ طبقا لما يجب أن تكون عليه الحروب الحديثة من حيث أنها كانت قصيرة وناجحة وكان الحق في جانبنا. لا يمر يوم دون اكتشاف واحد من ورش القاعدة أو أحد كتب التدريب على الإرهاب والآن نرى بن لادن ‘البارودة’ نفسه والدخان يتصاعد من فوهته وهو يقهقه مسرورا بعمله الذي لا يليق إلا بشرير ماكر داهية، حتى الملا عمر هو الآخر يأتي لكي يتم تصنيع شرير منه، ومعسكره الضخم في قندهار يوضح حبه الفاسد لذاته بينما قومه يعانون من الفقر، وأسوأ من كل هذا وذاك ذوقه الردئ فيما يتعلق بأعمال الديكور الداخلي لمنزله."

وفي فقرة أخرى:

"كل شيء نظيف وكامل الترتيب وهذا لا يمكنني تقبله. إن تغطية تلك الحرب يثير الأسئلة أكثر من أي حرب أخرى، وحديثي هنا غير متعلق بشريط الفيديو. ما يهمني أكثر هو تلك الطريقة التي اهتمت أساسا بالجانب العسكري. لقد كانت حرب أطفال. لقد تتبعنا الطائرات والقنابل وشاهدنا أعمدة الدخان فوق التلال البعيدة البنية اللون، وشاهدنا المناظر الطبيعية الخلابة للمحاربين الأفغان منتظرين في مخابئهم الجبلية، ثم بلغنا الذروة في الفصل الأخير بإطلاق النيران وسط الجبال. كان كل ذلك مثيرا ومقبولا مثل أي من أفلام الغرب الأمريكي الأسود والأبيض القديمة التي سنشاهدها في عيد الميلاد القادم، وإن كان عدد الجثث هنا أقل. لقد لمحنا في لقطات قليلة جدا كيف أن الناس تقتل. شاهدنا صورة محارب الطالبان المخصي يتوسل للإبقاء على حياته قبل إطلاق الرصاص عليه، وشاهدنا مذبحة قلعة جانجي. لكن تعاطفنا محدود تجاه هؤلاء الرجال البريين المغطين بالشعر الكثيف، لقد نالوا جزاءهم فهم في نهاية المطاف ليسوا إلا طالبان. لكن الأمر الذي كان غيابه واضحا هو الناحية الآدمية لتلك الحرب. على خلاف ما جرى بالبوسنة وكوسوفو لم تحفل شاشاتنا أو جرائدنا بمأساة أفراد من الآدميين وعائلاتهم من المفجوعين الذين نراهم ونميزهم عن قرب، لم تتوقف الكاميرات فوق وجوه الأطفال المرعوبة الدامعة والحزن العاجز لذويهم. لم يصل المراسلين إلى القرى المدكوكة إلا في مرات محدودة فكان من الصعب أن نميز الحطام من الركام وكانت تقديرات أرقام الموتى دائما متحفظة ولم يكن هناك أي مشاعر غضب لتلك الفظائع. ورغم ذلك فإن العدد المعلن للموتى من غير المحاربين يقارب عدد الموتى بمركز التجارة العالمية، ولندع جانبا عدد الموتى الأفغان الذين لم نسمع عنهم. لقد أثار عدد موتى مركز التجارة غضبا عالميا، لكن عدد موتى الأفغان قد تم تقبله كما لو كان ثمنا ضروريا لهدفين غير مؤكدين هما المستقبل السلمي لأفغانستان وتخليص العالم من شرور القاعدة.
أما المصيبة الأكبر التي لم تكد تطفو على السطح في الأسابيع الأخيرة فهي ما سببته الحرب من تشريد لسكان البلاد. يقدر ‘برنامج الغذاء العالمي’ أرقامهم بحوالي 3-4 مليون هربوا من بيوتهم بسبب القصف، بينما تقول منظمة ‘أطباء بلا حدود’ أن معسكر اللاجئين المسمى ‘المسلخ’ – وهو اسم يجب أن يكون على الصفحة الأولى من كل جريدة – هو أكبر معسكر لاجئين في العالم. لقد عجز العدد المحدود من عمال الإغاثة عن حصر تعداده الذي يقدر بما بين 200 ألف إلى800 ألف ونموه مستمر حيث ارتفع عدد الواصلين إليه يوميا من 20 إلى 1200 ، هذا المعسكر هو واحد فقط من خمسة معسكرات حول "هرات"، لكن الطريق إلى هناك غير آمن للصحفيين الغربيين الذين يبقون بالمدن الرئيسية وتورا بورا باستثناء قلة مثل كريستينا لام Christina Lambمندوبة الصنداي تلجراف التي أرسلت تقريرا مفزعا من المسلخ.
لكن المشكلة الكبرى أمام برنامج الغذاء العالمي ليست تلك المعسكرات الباردة المتربة طبقا لتصريحات متحدثه بروما، فهم يعرفون مواقعها. وإنما تكمن المصيبة في هؤلاء الذين فروا إلى الأماكن الريفية البعيدة، إذ يمكن أن يموت الكثيرين منهم أو ربما أنهم قد ماتوا بالفعل من أثر الجوع وبرد الشتاء."

وكتب جورج مونبيوت في 18/12/2001 بالجارديان مقالا بعنوان: الانتصار العسكري للغرب يخرج نظاما حكوميا قمعيا جديدا.
يشكو مونبيوت في مقاله من ازدياد نفوذ السلطات القمعية وانتهازها الفرصة لسن قوانين تزيد من سطوة السلطات الرقابية على المواطنين بالدول الغربية. وذكر عدة أمثلة عن إجراءات لم تكن متبعة من قبل. أقتطف الآتي من المقال الطويل:
"هناك تقارير عدة عن القوانين الجديدة لمقاومة الإرهاب بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة مثل عودة الترخيص لوكالة المخابرات المركزية بالقتل. وهناك إجراءات أقل ذيوعا اتخذتها بعض الحكومات الحليفة. قامت حكومة التشيك على سبيل المثال بسن قانون باتهام من يعبر عن تعاطفه مع عملية ضرب نيويورك، بل واتهام من يتعاطف مع المتعاطفين. وقد تم القبض على الكاتب التشيكي توماس بتسينا Tomas Pecina وتوجيه الاتهام إليه لأنه انتقد ذلك القانون مما يجعل منه مؤيدا للإرهاب."

وقد عدد مونبيوت في مقاله وسائل التجسس الإلكترونية الحديثة وكيف أنها تحيط بالمواطن لو تم التصريح باستخدامها فقال:
"إلى جانب طائرات التجسس التي تطير في أفغانستان بدون طيار فتستطيع تتبع السيارات واكتشاف وجود البشر على عمق مائة قدم تحت الصخور توجد الدوائر التليفزيونية المغلقة وبرامج تمييز الوجه الآدمي والتجسس على التليفون والبريد الإلكتروني وآلات التصنت الدقيقة الحجم وعلم الفحوص الجنائية ومراقبة التعاملات المصرفية والاتصال بين شبكات المعلومات الحكومية، كل هذه الأمور تجعل بالإمكان تتبع كل حركة لنا وكل كلمة ننبس بها."

ويشرح الكاتب كيف كان استغلال تلك الإمكانيات قاصرا على الجانب العسكري لحماية الدولة، ويوضح خطورة الاتجاه إلى امتداد استخدامها لمراقبة الأفراد بحجة الاحتياطات الأمنية. يختم الكاتب مقاله بالعبارة:
"ربما نكون على وشك التعرض لنوع من التحكم السياسي الذي ساعد عليه ذلك النصر الذي لم يحد من أثره أي اعتراض. ليس هناك ما هو أشد خطورة على بقاء ‘القيم الغربية’ من انتصار الغرب."

نشرت صحيفة الجارديان اللندنية في 21/12/2001 افتتاحية بعنوان:
الرسميون العرب سوف يتجاهلون شارون
ورد بها:
"أعلن شارون أن ياسر عرفات قد أصبح غير ذي موضوع وأنه سوف يقطع اتصاله به، وبعد أكثر من أسبوع ثأر الوزراء العرب يوم الخميس بقولهم أن العالم العربي لن يتعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون ولن يعترف به كشريك للسلام. وقد عبر وزراء الخارجية العرب عن ذلك في بيان بعد اجتماع طارئ لهم أعلنوا فيه أن ‘السياسات والممارسات العدوانية لحكومة شارون وممارستها لإرهاب الدولة ضد الشعب الفلسطيني يجعل حكومة شارون غير مؤهلة كشريك للوصول إلى سلام عادل متوازن.’
وأضاف البيان ‘طالما أن شارون لا يرى في الرئيس عرفات شريكا في عملية السلام فإن الدول العربية لا ترى في حكومة شارون طرفا يتمتع بمصداقية تؤهله للاشتراك في عملية السلام.’
لكن الوزراء بعد 10 ساعات من النقاش رفضوا اقتراحا سوريا بقطع الاتصال بإسرائيل. وقد فشل البيان في ذكر الانتفاضة الفلسطينية ذات الخمسة عشر شهرا على غير عادة بيانات الجامعة العربية التي كانت تعلن تأييدها للانتفاضة. وبدلا من ذلك دعى البيان الفصائل الفلسطينية إلى وحدة الصف خلف عرفات.
وقد فسر ذلك على أنه تأييد لنداء عرفات الأخير بوقف الهجمات الانتحارية وغيرها من أعمال الهجوم الإرهابية على إسرائيل. وكانت الجماعتين المحاربتين حماس والجهاد الإسلامي قد قامتا بعدد من الهجمات الانتحارية في إسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة في سبتمبر 2000 تسببت في موت العديد من الإسرائيليين."
وقد نوهت الجارديان بأن إجماع الوزراء العرب على تجاهل شارون لن يغير الكثير وإن كان الاجتماع قد أعطى إيماءة لرغبة سوريا المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل حيث حث البيان على ‘مقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية’."

كتب دافيد رود من النيويورك تايمز في 21/12/2001:

المسح الميداني يجد تنظيم القاعدة أكثر تعقيدا
كابول-أفغانستان
وجد التقييم الميداني المبدئي أن شبكة القاعدة الخاصة بأسامة بن لادن أكثر تنظيما ونظاما وإصرارا عما كان متوقعا، طبقا لقول أحد المسئولين العسكريين الغربيين الذي اشترط عدم ذكر اسمه، والذي حذر من أن هذا التقييم مجرد دراسة تمهيدية، لكنه أضاف أن الوثائق والأحوال بعشرين من القواعد العسكرية ومعسكرات التدريب وبيوت الإيواء الآمن هنا توضح أن تلك المنظمة سوف تظل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة وقوات التحالف.
أضاف المصدر العسكري ‘لقد أصيبوا بأضرار لكن المشكلة مع هذا النوع من التنظيمات هي أنهم يعودون أقوى وأشد إصرارا. لا أعتقد أنهم قد انتهوا.’
أضاف المصدر العسكري أنه قد دهش من طبيعة منشآت القاعدة هنا حيث أنها على درجة عالية من التنظيم، فعلى سبيل المثال تجد أن بناء الخنادق والتحصينات أكثر عمقا ومتانة إنشائية عن مثيله بالقوات الأفغانية ويكاد يصل إلى المستويات الغربية.
وطبقا للمستندات فإن المجموعة قد شكلت هيكلها التنظيمي الذي شمل ‘مكتب الخدمات و قيادة المعسكرات والأجنحة’، وبحثت في الإنترنيت بصورة منظمة، ودرست غيرها من مصادر المعلومات عن الأسلحة والتكتيكات المناسبة، وكونت مكتبات صغيرة.
بل إن الأعضاء قد نظموا دورات محاضرات للتدريب واحتفظوا بسجلات مفصلة عن مصروفات السيارات وتقارير تطور تدريب الطلبة وسجلات عن التمرينات الرياضية للأعضاء والجري والرماية.
بالإضافة إلى زيارة منشآت القاعدة قام المسئول العسكري بمراجعة ما يزيد على 3000 صفحة من المستندات التي جمعتها النيويورك تايمز من ستة منازل لجوء آمن ومعسكرين للتدريب بكابول والمناطق المحيطة بها، وقال أن الفحص المبدئي يوضح أن تلك المستندات حقيقية وليس هناك ما يدل على أنها ملفقة أو تم تغيير بياناتها.
هذا وقد امتنعت القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية عن التعليق على نتائج تفتيشهم لمنشآت القاعدة. وقد صرح الجنرال تومي فرانكس رئيس هيئة الأركان المشتركة بأن القوات الأمريكية قد جمعت عينات من 60 موقع مختلف، تم إجراء فحوص الأسلحة الكيماوية والبيولوجية عليها. ولم يصرح بنتائج تلك الفحوصات.
وقد صرح المسئول العسكري بأنه شخصيا قد جمع عينات أرسلها خارج البلاد لفحصها، وقال أن التنظيم الدقيق الذي أوجدته القاعدة هنا يوحي بأنه يمكن نقله إلى بلاد أخرى، وأضاف أن كتب التدريب على القتال والأعمال الإرهابية التي اكتشفتها التايمز في بيوت اللجوء الآمن قد تم أيضا اكتشافها في معسكر تدريب خالد بن الوليد. وقال ‘إن شعوري هو أنهم إذا كانوا قد تمكنوا من عمل ذلك هنا فإنهم يستطيعون عمله في أماكن أخرى.’ وقد أبدى المسئول دهشته من اتساع دائرة البلاد التي ورد ذكرها بالمستندات التي عثرت التايمز عليها. وقد تم العثور على خطابات توصية وتعريف بالشباب المتقدم للتدريب من باكستان والشيشان والصومال والجزائر والبوسنة وأوزباكستان وتركمانستان والسودان واليمن وكردستان وداغستان والفلبين والسعودية والكويت ومصر وسوريا وكندا والولايات المتحدة.
تم أيضا العثور على عناوين وبطاقات تجارية من كندا وإيطاليا والنرويج وماليزيا والهند. قال المسئول أيضا أن البحث قد وجد ما يشير إلى وجود سوق للأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية المزيفة. لم يبدو على أي من تلك الوسائل أنها حقيقية ولم يكتشف أي منها بمنشآت القاعدة، بل تم ربط الصلة بينها وبين القادة السابقين للطالبان والقادة الحاليين لتحالف الشمال الذين أخبروا أهل البلاد هنا من الأفغان بأنهم كانوا يبحثون عن مشترين - لتلك الوسائل المزيفة – من بين العرب والكوريين مقابل مئات الألوف من الدولارات.

أما افتتاحية الجارديان يوم 26/12/2001 فكانت بعنوان:

هل يسمع الشرق الأوسط صدى دعوة العالم للسلام؟
وفيها تشرح الجارديان كيف أن صدى الدعوة للسلام يتردد في كافة أنحاء العالم بمناسبة احتفالات عيد الميلاد وكيف أن الناشز الوحيد هو صوت إسرائيل التي منعت ياسر عرفات من اصطحاب زوجته المسيحية إلى صلاة منتصف الليل ببيت لحم. تقول إحدى الفقرات:

" كان ذلك المنع دنيئا لا يتمشى مع روح الموسم السائدة الداعية للسلام وحسن النوايا، ومحملا باحتمالات سياسية لتلك المنطقة القابلة للاشتعال. إن الكراهية والبغضاء التاريخية تلدها مثل تلك الأخطاء من ذوي العقول الصغيرة."

وتمضي الافتتاحية إلى القول:

"أيا كانت أعراض النقص القيادية أو الشخصية للسيد عرفات التي كشفها العام الفائت فإن رغبته الاحتفال بعيد الميلاد في بيت لحم مرة أخرى هذا العام - رغم خطورتها عليه - لم تكن فقط لمحة سياسية للمسيحيين من شعبه وإنما كانت أيضا دليلا على شجاعته والتزامه بتحقيق الوئام بين الأديان.
إن إصرار إسرائيل المتغطرس على منع السيد عرفات من حضور صلاة عيد الميلاد - بحجة فشله حتى الآن في تسليم قاتلي وزير السياحة الإسرائيلي - يبدو مثل ضرب الأرض بالقدم في نوبة غضب متشنجة في موقف يتطلب الكرم والسماحة. إن هذا العمل المتعسف قد وحد بين عشرات الدول في استنكار جديد لإسرائيل في وقت كانت موازين التعاطف الدولي قد مالت فيه لصالح إسرائيل بسبب التفجيرات الانتحارية، وقد مكن ذلك السيد عرفات من اعتلاء المنصة الأخلاقية في ذلك الخلاف المستمر حول الأماكن المقدسة بالقدس وأن يلقي بشكوك جديدة على مدى جدية رغبة الحكومة الإسرائيلية في السلام.
كان واضحا أيضا مدى عقم أصدقاء إسرائيل وحلفائها رغم التوسل للرئيس الإسرائيلي في اللحظات الأخيرة. إن الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة متورطين في الاستنكار والنفور الذي تولده السياسات الاسرائيلية في العالم الإسلامي، مما يتطلب منهما زيادة الضغط للتأثير على قرارات القدس.
لقد عرف عن بيت لحم أنها ملاذ صغير للسلام في منطقة تعتمل بالصراع، لكنها قد مالت عن ذلك الحياد في ليلة عيد الميلاد. لقد تركوا الكرسي التقليدي للسيد عرفات خاليا وعليه غطاء الرأس ذو المربعات الصغيرة، ومهما عبر السيد عرفات بالأسف وليس الغضب كرد فعل فإن تلك الرموز السياسية سوف تترك أثرها."

يوجد على شبكة الإنترنيت العديد من الرسائل والدوريات الإلكترونية خارج نطاق الصحافة التقليدية، كان أبرز ما تصفحته منها في 27/12/2001 مقالا من "نيوسترامر" بعنوان:
هل يعتقدون أننا بلهاء؟
ورد به الآتي:

"لم يعلن أحد بعد 11 سبتمبر مسئوليته عن أكبر وأنجح عمل ‘إرهابي’ تم تنفيذه. وقد ‘عرفت’ الحكومة الأمريكية – برئاسة الرئيس بوش الصغير النوراني الماسوني - أن أسامة بن لادن ومجموعة القاعدة الخاصة به كانوا وراء الهجوم.
وبينما كان العالم الإسلامي يطلب دليلا واضحا على هذا الادعاء وجد العملاء الأمريكان شريط فيديو يحمل اعترافات بن لادن يقوم الأمريكان فيه بتفسير ما يقوله أو يعنيه.
لقد سمعت عن هوليود، ورأيت بعض الأفلام المصنوعة بذلك المعقل اليهودي الواقع على الشاطئ الغربي من الولايات المتحدة اليهودية JewSA. لقد رأيت مكتب الدعاية اليهودية هذا يصنع من البشر قردة. لقد رأيت هؤلاء المزيفين يخلقون صورا لا يقبلها العقل فيجعلونها تبدو كما لو كانت حقيقية.
لقد صنع أحد هؤلاء اليهود خلال الحرب العالمية الثانية أفلاما تصور الألمان كأشرار شياطين يقتلون المواليد الصغار ويعذبون المسجونين. لقد فاتهم أن يعرضوا الألمان وهم يسممون الآبار بالجثث الميتة، أم أن تلك الخدعة كانت قاصرة على الحيل الدعائية للحرب العالمية الأولى؟
هل يستطيع اليهود خلق أسامة بن لادن؟ إنهم طبعا يستطيعون ذلك، بل ويستطيعون خلق أسامة لا تستطيع أمه نفسها اكتشاف زيفه. كلنا يذكر كيف وعد يهود هوليود بتقديم مساعدتهم لبوش الصغير بعد 11 سبتمبر.
لماذا تود الولايات المتحدة اليهودية السيطرة على أفغانستان؟
أولا: وكالة المخابرات المركزية في حاجة إلى الأفيون الذي تنتجه أفغانستان. لقد اعتقدت حكومة الطالبان أن الولايات المتحدة اليهودية ضد تجارة الأفيون كما قالوا، فقامت تلك الحكومة بمنع إنتاج الأفيون، وكان ذلك خطأ فاحشا.
ثانيا: إن عائلة بوش وغيرها من ‘الأمريكان’ الطيبين يمتلكون أسهما بشركات البترول التي تود مد أنابيب الغاز عبر أفغانستان إلى الهند وباكستان. مثل هذا الخط لا يمكن إنشاؤه ببلد لا يحتله الأمريكان.
تلك هي بعض الأسباب، وأنا على يقين من أن هناك أسبابا أخرى عديدة سوف يتم كشفها بمضي الوقت بعد أن تكشف قوات الشر عن نفسها.

ختاما، الآتي فقرة من خطاب دوري يصلني بالبريد الإلكتروني:

"يبدو أن العداء التقليدي بين عائلة بوش والرئيس العراقي صدام حسين يشكل ركنا أساسيا في رسم خط سير المخطط الصهيوني الإرهابي الأمريكي ضد البشرية. فكلما هددت الولايات المتحدة بضرب الدول التي ‘تحمي الإرهاب’ وبدأت في حصرها كان العراق على رأس القائمة. نشرت النيويوركر تفاصيل المخطط الصهيوني الأمريكي حيث كتب المدعو سيمور هرش Seymour Hersh (وهو بالطبع يهودي وكان يحمل أصلا اسم شمعون هرش Shimon Hirsch ):
يقوم 200 مدرب عسكري بقيادة ما يزيد على 5000 منشق عراقي يدعمهم أفراد من القوات الخاصة الأمريكية السابقين. يتم لهؤلاء الاستيلاء على أبار البترول الهامة في البصرة بجنوب العراق ، وهم في ذلك معادلون لتحالف الشمال بأفغانستان. تعتمد هذه الاستراتيجية على تحدي صدام لكي يطاردهم لأنه إذا لم يفعل فإنه يخسر. لكنه إذا طاردهم فإنه أيضا يخسر لأن قواته المتجهة جنوبا تقوم بتدميرها قاذفات القنابل الأمريكية الرابضة بتركيا."

وإلى اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الله.

=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(2)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
04/01/2002
في مقال بعنوان "نظرة شاملة" يستعرض أحداث السنة الماضية ببريطانيا استهل اليهودي دافيد آرونوفيتش مقاله بالسطور التالية في عدد 28/12/2001 من الإندبندنت:

(فلننسى التواريخ، هناك فقط عصر ما قبل بن لادن وعصر ما بعد بن لادن. علينا نحن أهل الصحافة أن نترك لأهل التاريخ شرح كيفية أن ما كان كامنا بالعصر الأول قد أصبح واضحا في العصر الثاني. بعض الناس قد سمع صوت الرعد البعيد، وأحدهم هو الكاتب المسرحي توني كشنر الذي كتب مسرحية عن أفغانستان قبل 11 سبتمبر وعرضها لأول مرة في نهاية العام. أما نحن فقد شغلنا التفكير في أمور أخرى، وبينما نحن مشغولون، تحركوا إلى هدفهم دون أن نلحظ. لقد تحرك هؤلاء الذين يؤمنون بأن جنات الخلد تقع على الجانب الآخر من الانتحار.)

ويمضي الكاتب في الحديث عن أمور أخرى تخص بريطانيا ولا تهمنا في شيء. ولعلك تلاحظ يا عزيزي القارئ مدح الكاتب اليهودي للكاتب المسرحي اليهودي الذي ربما كانت مسرحيته من الدرجة الثالثة. لكن اليهودي - على عادة اليهود - يجب أن يمتدح براعة أخاه اليهودي كلما سنحت الفرصة.
وفي 28/12/2001 في خبر مشترك نقلا عن اليهوديتين جوين روبنسون في واشنطون وكاثي نيومان في لندن كتبت الفينانشيال تايمز:

(أعلن الرئيس جورج بوش في يوم الجمعة تأكيده على أن الإمساك بأسامة بن لادن ليس إلا جزءا من الأهداف الأمريكية في أفغانستان، مؤشرا بذلك إلى حدوث تغير في أسلوب حملة الإدارة الأمريكية ضد الإرهاب.
بينما أكد وعده باستمرار عملية اصطياد السيد بن لادن إلا أنه حاول أن يقلل من شأن الإمساك به في نجاح المهمة وقلل من شأن آخر شرائط الفيديو الدعائية لقادة القاعدة. كانت تلك الملاحظات للرد على الأسئلة المتزايدة عن مكان وجود السيد بن لادن وإمكان إعلان الولايات المتحدة للنصر في أفغانستان دون العثور عليه "حيا أو ميتا" طبقا لوعود السيد بوش المتكررة.
قال بأن أفغانستان ليست إلا جزءا من الحملة العالمية على الإرهاب وأن "هدفنا أكبر من بن لادن". تحدث السيد بوش من مزرعته بولاية تكساس قائلا "أتخيل أننا سوف نكون هناك لوقت طويل. لكن جدولي الزمني سيضعه تومي فرانكس". < قائد العمليات العسكرية الأمريكية بأفغانستان.>
قال السيد بوش "لن أتخذ قرارات سياسية بشأن ما نفعله بقواتنا. لقد أعطيت تومي مهمة، وكانت المهمة محددة بدقة، وتومي مسئول عن القيام بتلك المهمة. وعندما يقول تومي ‘لقد تمت المهمة يا سيدي الرئيس’ عندها نبدأ في إخراج القوات".)

يمضي الخبر مسهبا في وصف ما شاهدناه على الشاشات من دعاية أمريكية إلى قول بوش عن بن لادن

"إنه يجري … إن كان قادرا على الجري… أعني أن هذا الرجل الذي كان يحكم دولة ربما كان الآن يحكم مغارة."

ويمضي المقال شارحا ثناء بوش على مشرف لقبضه على 50 ‘متطرفا إسلاميا’ ضمن حملته التي تستهدف إرضاء الهند. أهم النقاط البارزة بالخبر هي:
- ادعاء بوش بأن قوات التحالف قد قبضت على 6000 من قوات الطالبان.
- بدء انتشار حوالي 4000 من قوات حفظ السلام الدولية.
- الاتفاق بين محمد فهيم وزير دفاع الحكومة الانتقالية مع الجنرال جون ماكول القائد البريطاني للقوة متعددة الجنسيات على انتشار 3000 جندي بكابول والمناطق المحيطة بها.
وعليك أنت يا سيدي القارئ أن تفصل بين الحقيقة والدعاية الكاذبة عن حرب تدور رحاها على شاشات التلفاز المعتمة.
أما فرجال كين المراسل الخاص لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) فقد كتب في 29/12/2001 بجريدة الإندبندنت مقالا بعنوان " عام غير سعيد من الحرب والرعب والوباء" يستعرض فيه أحوال العالم خلال عام مضى. يستهل المقال بعبارة بالبنط الأعرض تقول:


(لأن مصالح القوى العظمى تشغل الانتباه تماما فإن أي طغيان يمكن أن يمضى ويستمر دون أن نفعل شيئا)

ثم يبدأ الكاتب:


("لأن الدنيا هي الدنيا، وهي لا تكتب تاريخا ينتهي بالحب" … تلك هي كلمات ستيفن سبندر وهي في مرارتها تناسب نهاية هذا العام الرديء. إنه العام الذي تغير فيه كل شيء أو العام الذي لم يتغير فيه أي شيء، طبقا لنوع الدنيا التي تعيش بها. في دنيا أمريكا تحطم أمن الخمسين عام التي تلت الحرب، وذلك بفعل رعب على نطاق واسع وعنف لا يميز. وفي دنيا العالم الثالث - حيث يعيش معظم سكان العالم - استمرت الحياة يحيط بها الفقر وبعض من الرعب العشوائي. مرحبا بالخلاص منك أيها العام الفائت، ولكن هل يمكن لنا أن نتوقع شيئا أفضل في 2002؟
لقد أتي وقت المسح السنوي لبقع المتاعب بالعالم واضعين في الاعتبار اليقين بأن الحدث الأوحد ذو التأثير الأعظم سيكون شيئا بعيدا عن الخيال يأتي على غير توقع.
فلنبدأ بأكبر حدث ورثناه عن العام الماضي، وهو الحرب على أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وأعداء أمريكا أينما كانوا. سوف تستمر محاولة اصطياد بن لادن وسوف تشمل القوات الخاصة لباكستان التي سوف تتحرك طبقا للمعلومات التي تزودها بها الولايات المتحدة. سوف يتم الإمساك به حيا أو ميتا خلال الاثنا عشر شهرا القادمة، لكن تنظيم القاعدة سوف تستمر خطورته على المدن الأمريكية والأوربية. فالرعب الماحق الذي يمثله حامل المتفجرات الانتحاري سوف يكون معنا لسنوات قادمة.
أما فيما يتعلق بالحرب الأوسع فظني أن الأمريكان سوف يقومون بعمل عسكري بصورة ما ضد العراق في وقت لاحق من العام الجديد، ولكن ليس قبل أن يتم إنشاء قوة عراقية تنوب في الاستفادة من تلقي قنابل الهجمات الأمريكية. سوف تكون الحرب لقطع دابر صدام حسين. لقد رفض الدكتاتور العراقي باحتقار الإنذار الأمريكي الأخير بشأن مفتشي الأسلحة و"دعهم يواجهون العواقب". توجد في جعبته بعض الحيل. سوف يراوغ ويتنازل قليلا ثم يعود للمراوغة. لكنه سوف يجد أن أمريكا غير مستعدة هذه المرة لتحمل لعبه بالنار. الهجوم على العراق هذه المرة سوف ينسف ما تبقى من التحالف ضد الرعب لكن الولايات المتحدة ستكون على استعداد للتعايش مع ذلك.
لن تكون هناك قطيعة مع بريطانيا وإنما إيضاح بصراحة أكثر عما هو الآن حقيقة في أفغانستان.سوف تلعب بريطانيا دور توصيل الغذاء للجياع وبناء الطرق والجسور. إذا سقط صدام فتوقع من بريطانيا أن تعرض المساعدة لقوة حفظ الأمن التي لابد وأن يحتاج الأمر إلى انتشارها بعد ذلك. المشكلة التي قد تواجه السيد بلير قد تكون مع الرأي العام البريطاني إذا ما ترسخ لدى الرأي العام أننا نقوم بتجميع البقايا وإصلاح ما ترفض أمريكا إصلاحه من الأمور الإنسانية التي تتكسر في أعقاب أعمالها العسكرية.
يوجد في مكان آخر من المنطقة ذلك النزاع الهندي الباكستاني الذي قد يندلع في صورة حرب برية محدودة على خط الحكم الفاصل بينهما في كشمير. يبدو أن الهنود جاهزون لشن عمل عسكري على قواعد المتطرفين الإسلاميين في باكستان. قد لا يحدث ذلك في الأشهر القليلة القادمة، ولكن لن يوقف حدوث الهجوم الهندي شيء أقل من أن تقوم الحكومة الباكستانية بالحظر التام على المتطرفين.
والآن يبدو تحركنا إلى منطقة الشرق الأوسط كحركة إلى منطقة التشاؤم الأزلي. هل يمكن أن تسوء الأمور عن ذلك؟ يعتمد ذلك إلى حد كبير على قدرة عرفات على الحد من أعمال التفجيرات الانتحارية واستعداد شارون لبدء مفاوضات جدية. هناك شائعات عن قناة سرية وإمكان التوصل إلى اتفاق محدود بشأن الدولة الفلسطينية خلال الأشهر القليلة القادمة، لكنني أشك في ذلك. لاشك أن تقرير ميتشل قد وفر أساسا لاستئناف التفاوض، ولكن هل آريل شارون هو ذلك الرجل الذي يمكن أن يقوم بعمل التنازلات اللازمة بشأن المستوطنات لكي يمكن التوصل إلى اتفاق؟ إنه رجل قد يدخل المفاوضات عازفا عن تقديم الأرض للفلسطينيين لأنه يعتمد على اليمين الإسرائيلي وهو شخصيا مصمم على المستوطنات. قد يكون على هذا الموضوع الانتظار حتى يأتي رئيس إسرائيلي آخر. إن انتخاب بنيامين بن العازر هذا الأسبوع قد يكون أحد أهم أحداث 2001 فهو قائد سابق للجيش وأحد صقور حزب العمل. ولنتذكر أن الذي صنع اتفاق أوسلو كان إسحق رابين العسكري الانتهازي من حزب العمل. قد يكون بن العازر هو ذلك الرجل الذي يحقق التسوية التي أفلتت من إيهود باراك. قد يجد أن عرفات هذه المرة قد أصبح جليسا أكثر استعدادا للتفاهم. رغم كل التكهنات الجريئة فإن عرفات قد عاش وسوف يعيش حيث لا يوجد له بديل في الوقت الحاضر. إن حياته الآن تعتمد على موضوع المستوطنات، فإذا لم يتمكن من الوصول بشأنها إلى صفقة مع إسرائيل - تخفض من غضب الفلسطينيين - فستكون تلك نهايته.
أما في أفريقيا فإن العام سوف يتصدره انهيار النظام والعقل في زمبابوي. لقد حذر المراقبون لسنوات من الزيادة المضطردة لقمع روبرت موجابي وفشلت كل المنظمات الدولية في إقناع السيد موجابي بأن يحسن من أسلوبه، كما فشلت جميعها في اتخاذ أية إجراءات تسهم في إقناعه بإنهاء حملة رعبه … لم تفلح منظمة الوحدة الأفريقية أو منظمة الكمنويلث أو الأمم المتحدة، كل على حدة، ولم يفلح ثابو مبيكي وزملاؤه من قادة الجنوب الأفريقي. لقد قاموا بتسلية موجابي لوقت طويل، ولم يبدأوا إلا مؤخرا في الضغط عليه ضغطا خفيفا جدا وبعد مضي وقت طويل جدا.)

يمضي الكاتب بعد ذلك متحدثا عن الاحتمالات القادمة في زمبابوي ثم يتحدث عن انتشار مرض فقدان المناعة (الإيدز) في أفريقيا وآسيا واحتمالات عودة العنف إلى أيرلندا وفي النهية يختتم المقال بقوله:


( إذا كنت قد استطعت مواصلة قراءة هذه النظرة الاستطلاعية حتى النهاية فإنني أرجو ألا تكون قد أمعنت في اليأس، فسوف يكون هناك خليط من السوء مع بعض الخير هنا وهناك. سيكون الخير بالقدر الذي يحفظ لنا عقولنا على الأقل … وكل عام وأنتم بخير)

حاولت الفاينانشيال تايمز في مقال بقلم جون ثورنهل بتاريخ 30/12/2001 أن تسبر أغوار كلمة "الجهاد" العربية من وجهة نظر أجنبية بحتة فقالت تحت عنوان "من التحسين إلى المعركة":


(كلمة جهاد العربية لها معنى غامض إلى حد ما لكنه بسيط،، وهو بذل الجهد للوصول إلى الأفضل. لكن استخدام أسامة بن لادن للكلمة كمبرر لهجومه على مصالح الولايات المتحدة قد أعطى للمصطلح العتيق بعدا جديدا يقشعر له البدن، وأشعل نقاشا حاميا حول كنه الإسلام. قال الرئيس الباكستاني برفيز مشرف هذا الأسبوع في أسى " لقد أضعفنا الإسلام إلى درجة جعلت الناس في هذا العالم يربطونه بالأمية والتخلف وعدم التسامح والغموض والميل القتال".
ظل مفهوم الجهاد محل اجتهادات عديدة متباينة للتفسير من مختلف ثقاة المسلمين الذين استخدموه لتبرير الحروب ضد الكفار وحملات تطهير المجتمع وحتى الكفاح لإثبات حقوق اللواط.
أما خارج العالم الإسلامي فإن كلمة الجهاد قد أحيطت بعدد من المعاني المرتبطة بها، بعضها مناسب وبريء والبعض الآخر يلويها ويزدريها.
وهكذا نجد أن "الجهاد" قد استخدم كعنوان لإحدى اسطوانات موسيقى الجاز "دكتور جهاد"، بل واستخدمته إحدى فرق رقص الروك الأمريكية الإسلامية فسمت نفسها " المحاربين المفكرين المسلمين" وهو اسم أسقطوه بعد 11 سبتمبر. أما في العالم المسيحي فإن الجهاد - كما يقول علماء المسلمين - قد جعلوا منه بطريق الخطأ مرادفا للحرب المقدسة أو العادلة، أي المعادل الإسلامي للحرب الصليبية.
لقد أصبح للكلمة دويا عالميا في السنين الأخيرة بفضل مقاومة المجاهدين للاحتلال السوفيتي لأفغانستان. استمر هذا الجهاد ضد السوفييت الملاحدة لعقد كامل واستقطب المحاربين من كافة أرجاء العالم الإسلامي.
كان انسحاب السوفييت الناتج عن ذلك بمثابة المثال الملهم وكيف أن قوة الإيمان يمكن أن تذل قوة علمانية عظمى. وقد تبنت المصطلح جمعيات متطرفة من مصر إلى فلسطين إلى باكستان إلى إندونيسيا لكي تشحذ همة أتباعها في الصراعات الثورية أو الانفصالية.
قام السيد بن لادن وزملاؤه في 1998 بإصدار نداء لكل المسلمين بالجهاد ضد اليهود والصليبيين. قال النداء أن وجود القوات الأمريكية بالسعودية وضرب العراق بالقنابل ودعم واشنطون لإسرائيل كلها ترقى إلى ‘إعلان صريح للحرب على الله ورسوله والمسلمين’.
قال البيان أن الجهاد واجب على كل مسلم للدفاع عن سلامة أمة الإسلام ودينها. ‘الحكم بقتل كل الأمريكان وحلفائهم مدنيين أو عسكريين هو فرض على كل مسلم قادر على القيام به بأي بلد من البلدان.’
ورد ذكر كلمة الجهاد كثيرا خلال شريط الفيديو اللعين الذي أفرجت عنه وزارة الدفاع الأمريكية في أوائل هذا الشهر، وفيه يتشدق السيد بن لادن شامتا عن دمار بنايتي مركز التجارة بنيويورك. بل إن جليسه - وهو رجل دين سعودي لم يتم التعرف عليه - قد وصف الهجوم بأنه ‘ ثمرة مباركة للجهاد’.
إن وقع المصطلح على الأذن الغربية يبدو مثل نداء مباشر لحرب صليبية إسلامية، لكن الكثيرين من علماء المسلمين يقولون أن السيد بن لادن قد شوه روح دينه والمعنى الصحيح للإسلام الذي يصرون على أنه ينهى المحارب المسلم عن استهداف المدنيين والنساء والأطفال. وأنه ليس من الدين البدء بالعدوان وإن كانت بعض الحروب أحيانا لا يمكن تجنبها ولها ما يبررها.
العمل العسكري على أي حال هو أحد عناصر الجهاد ولا يمثل الجهاد كله بأي حال. لقد أكد النبي محمد نفسه تلك النقطة إثر واحدة من الحملات العسكرية، فقال لرفاقه ‘لقد عدنا هذا اليوم من الجهاد الأصغر <الحرب> إلى الجهاد الأكبر<التحكم في الإرادة ومحاولة الوصول إلى ما هو أفضل>.
كثيرا ما يستخدم المسلمون مصطلح الجهاد فيما بينهم بمعناه الواسع كالحصول على العلم والقيام بالواجبات والإخلاص في عبادة الله. وقد طالبت مجموعة من رؤساء القبائل بأفغانستان - على سبيل المثال - بالجهاد في سبيل الوفاق الوطني عندما اجتمعوا مؤخرا بمدينة بشاور الباكستانية الواقعة على الحدود.
ومع ذلك فقد ساوى بعض الكتاب الغربيين بين المصطلح وبين معاني معاداة الغرب ومعاداة العولمة، تلك المعاني التي ترجح القبلية على العالمية والروحانية على العلمانية والتحفظ على التقدم.)

ويمضي المقال الطويل على نفس الوتيرة إلى أن يختتم بالعبارة:


( يوجد في هذا العالم المليء بالمفاهيم الفكرية شيء عميق الرمزية، عندما تقوم أغنى دولة في العالم باستخدام قنابل موجهة بالحاسوب تتكلف الواحدة منها مليون دولار لكي تقتل المتعصبين في مغارات أفغانستان.)

لا يخفى على فطنة القارئ أنني نقلت فقرات المقال دون تصرف بهدف التعرف على وجهة النظر الغربية وليس اتفاقا معها.
جريدة الإندبندنت اللندنية هي الجريدة التي تنشر من وقت لآخر مقالات روبرت فسك المعتدل. يمثل فسك شريحة صغيرة جدا من الرأي العام بالدول الغربية، والإندبندنت هي نفس الجريدة التي تنشر مقالات الأغلبية من المغرضين اليهود. سأستعرض معك يا عزيزي القارئ مقالا لليهودي بروس أندرسون كمثال لطريقة الكتابة الشائعة التي تمثل أسلوب تفكير الأغلبية بالدول الغربية.
تحت عنوان "إلى تود بيمر والروح المعنوية التي تصنع أمريكا" كتب اليهودي بروس أندرسون بجريدة الإندبندنت في 31/12/2001:


(يمكن للتراجيديا أن تدفع بمشاعر النبل إلى مشاهديها، وليس ذلك بالمسارح فقط. كان رد فعل الأمريكيين على تدمير مركز التجارة العالمية محسوبا وقورا وقويا أيضا. تلك المجموعة من الصفات المتلازمة تؤكد أن البقية الباقية منا سوف تقضي عاما قادما أفضل مما كان يبدو منذ ثلاثة أشهر ونصف الشهر.
بدا 11 سبتمبر في حينه كالكارثة، استغلال همجي لمدى عرضة المجتمعات المتقدمة. لقد ذكرنا بالميزة الطبيعية التي يتمتع بها البرابرة الذين لا تهمهم حياة البشر في شيء عندما يتعاملون مع الديمقراطيات اللبرالية التي نتوقع منها أن تضمن لمواطنيها أقرب شيء ممكن للخلود. بعد 11 سبتمبر انزوى الكثير منا في الخنادق النفسية متوقعين المزيد من الأعمال الوحشية، مفترضين أنه حتى لو كان لدى أمريكا الإرادة لفرض نفسها فإن هناك ثمنا يائسا يجب دفعه.
أما الآن وبعد 110 يوما فإن لدينا المبرر للتفاؤل الحذر. لقد وقع حلفاء أمريكا المتشككين في نفس الخطأ الذي وقع فيه أعداؤها. لقد قللنا من شأن القوة الأخلاقية للجمهورية العظيمة. لقد تجاهلنا عنصر "تود بيمر".
وحتى هؤلاء الأوربيين المعجبين بالولايات المتحدة فإنهم كثيرا ما يبدون بعض السخرية منها. نحن يسلينا منظر هؤلاء الأمريكان الذين يلبسون اثنين أو ثلاث تارتانات* دفعة واحدة ويتكلمون بأعلى صوتهم أثناء تجوالهم بالمعارض الفنية ويسمون أبناءهم بأسماء مضحكة مثل "تود بيمر".
كان السيد "تود بيمر" مسافرا على الطائرة الرابعة، تلك التي ربما كان المفروض أن تقوم بتدمير مبنى الكابيتول. لكنه مع عدد من رفاقه المسافرين قد تبينوا ما كان حادثا للطائرة، وبدلا من أن ينتهوا كضحايا قرروا أن يموتوا كأمريكيين. فخطوا عبر الممشى الضيق سائرين إلى المجد.)

يمضي المقال السخيف على نفس الوتيرة معددا أمجاد البطل القومي الأمريكي الرمزي عبر الأجيال بإنجليزية ركيكة تتعب القارئ والمترجم الذي يحاول فهم مقصد الكاتب من خلال السياق المفكك المبتور المتقطع الذي يعدد أمجاد البطل "تود بيمر". و "تود بيمر" هو تلك الشخصية الوهمية التي تفتق عنها ذهن الدعاية الأمريكية المفسرة لأحداث 11 سبتمبر. فبدلا من القول بأن الطائرة الرابعة قد تم إسقاطها بمعرفة المقاتلات الأمريكية ادعوا أن "تود بيمر" هذا ورفاقه قد هاجموا مختطفي الطائرة بغرفة القيادة فأجبروا الطائرة على السقوط بأحد الحقول بدلا من استمرارها لضرب هدفها. القصة الخيالية تفترض أن الراوي كان موجودا على متن الطائرة يرى كل ما كان يحدث ويعرف من ذا الذي هاجم غرفة القيادة ليقوم بذلك العمل البطولي الفذ، ثم هبط ذلك المشاهد الراوي الوهمي بمظلته الإلكترونية غير المرئية أو طار بأجنحة سحرية لكي يقص علينا ما حدث بتلك الدقة المتناهية التي تذكرنا بخيالات وكالة المخابرات المركزية التي تخرج علينا بها من آن لآخر على شاشات السي إن إن. ويمضي الكاتب اليهودي إلى تمجيد يهودي آخر هو وزير الدفاع الأمريكي الصهيوني رمزفيلد فيقول:


( سكرتير الدفاع الأمريكي دونالد رمزفلد رجل صعب وصلد. قال عنه أحد حلفائه مؤخرا معلقا في أسف بأنك قد تذهب إلى اجتماع وأنت مؤيد لدون رامزفيلد ورغم ذلك فإنك تجده خلال دقيقتين وقد قبض على نحرك بيد وعلى خصيتيك باليد الأخرى. أما بالنسبة للأعداء فإنه ليس بمثل هذه الرقة. أثنى عليه هنري كسنجر في مذكراته فوصفه بأنه صعب المراس وأشد من صادفه من رفاق العمل جموحا. وهو يشير بذلك إلى أيام كان كيسنجر خلالها الرجل الثاني بعد الرئيس نكسون مباشرة.)

يمضي الكاتب اليهودي أندرسون - بعد أن استشهد باليهودي كسنجر - مسهبا في الحديث عن مناقب اليهودي رمزفيلد كعادة اليهود. فحينما يتحدث يهودي عن يهودي آخر فإنه يصفه بأنه أبرع أهل مهنته حتى لو لم يكن قد رآه أو سمع عنه من قبل. ويخرج الكاتب باستنتاج هو أن رمزفيلد الذي شغل نفس المنصب وقت الهزيمة والانسحاب من فيتنام منذ ربع القرن قد جاء على عجل وليس لديه الكثير من الوقت لكي يقلب هزيمة فيتنام إلى نصر في أفغانستان لأنه رجل فذ "لا تناسبه إدارة الهزائم".

· التارتان: جاكتة أو بلوفر صوفي ذو خطوط متقطعة كالمربعات.

أود أن أغادر الإندبندنت إلى جريدة أخرى لكن تقريرا خاصا بها بعنوان "العالم المفقود" بتاريخ 31/12/2001 يستوقفني الكثير من فقراته التي سأورد بعضا منها دون تعليق:


(كتب DH Lawrence إلى Ottoline Morrell حينما رأى منطاد زبلن فوق لندن في 1915 وانفجار
القذائف وألسنة لهب الحرائق وشعر بالأرض تهتز فقال " إنها النهاية … إن عالمنا قد انتهى وأصبحنا كذرات الغبار في الهواء".
وبعد مضي ست وثمانين سبتمبر أخر انفجر عالمنا مرة أخرى . فجره حدث مذهل من الدمار الخالص الذي نصفه بتاريخه فقط … 11 سبتمبر … وكأنما قد سلمنا بأن اللغة تخبو أمام هوله. لا عليك من مبنيا التجارة العالمية أو البنتاجون أو الحقل الذي سقطت به الطائرة الرابعة، فهي ليست سوى أحداث للتاريخ، إنه اليوم الذي يوضع في الحسبان فيضع علامة على تقويم التاريخ فاصلة ما بين البراءة وبين الخبرة بالحياة وبلوغنا سن الرشد. بعده تساقط المعلقون بعضهم فوق بعض ليقولون لنا بأنه لا شيء أبدا سيكون على ما كان عليه.)
(قال لنا السياسيون أنه ليس صراعا بين العقائد الدينية … يا سلام! … إن أكثر اتهامات بن لادن شدة للغرب تجد لها تأييدا متحمسا ليس بالبلاد الإسلامية فقط وإنما هنا بين ظهرانينا. لقد أوضحت البرامج التلفازية - مثل برنامج "وقت السؤال" - أن انجلترا تتأجج بالمشاعر المعادية لانجلترا ، لا عليك من المشاعر المعادية لأمريكا. أين ذهبت فجأة كل تلك المشاعر الودية عن الأديان المقارنة وكيف أن كل شيء جميل وبراق أيا كان ربك. إذا كنا لا نحارب الإسلام فإنه يبدو جليا كما لو أن الإسلام يحاربنا.)

المقال طويل جدا ومن عدة صفحات ويستحق القراءة المتأنية التي لا تسمح بها هذه العجالة التي طالت.
وفي 31/12/2001 نشرت الواشنطون بوست مقالا يقطر بالحقد لكاتبها فيكتور كومراس تحت عنوان:
إعادة صدام إلى قفصه


(بينما الأمور قد سارت سيرا مقبولا بأفغانستان في الأسابيع الأخيرة إلا أن الولايات المتحدة قد واجهت نكسة في جهودها ضد الإرهاب وإبقاء أسلحة الدمار الشامل بعيدا عن الأيدي الإرهابية. فقد رفض مجلس الأمن مرة أخرى دعوة سكرتير الدولة كولن باول لإعادة ترتيب الحظر على العراق لكي يصبح أداة فعالة لإعاقة برنامج صدام حسين الخاص بإنتاج أسلحة الدمار الشامل.
يقول الكثيرون بأن مساندة العراق للإرهاب وبرنامجه لإنتاج تلك الأسلحة يشكل خطرا لا يمكن تحمله. ومع ذلك فقد وافقنا الروس على أننا نستطيع تأجيل اتخاذ الخطوات التي تمنع حصول العراق على الأدوات والتقنيات الخاصة بتلك الأسلحة لمدة ستة أشهر أخرى. سبب التأجيل هو إعادة التفاوض بشأن قائمة البنود التي نمنعها عنه. وهو أمر من المفروض أنه قد تم حسمه منذ شهور حينما تقدمت الولايات المتحدة لمجلس الأمن باقتراحها الجديد بشأن الحظر على العراق .. لكن يبدو أن روسيا غير راضية عنه حتى الآن.
لقد سمحنا في ذات الوقت بتحطيم الحظر القديم على العراق إلى الدرجة التي جعلت نظام صدام راضيا عن بقائه بدلا من حظر أخف قد يكون له بعض الأنياب.)

يستمر المقال شارحا كيف أن تراخي العقوبات قد مكن "الدكتاتور العراقي" من شراء متطلباته من التكنولوجيا الحديثة، وكيف أن كولن باول قد وعد بتنشيط العقوبات وسد ثغرات التهريب عبر حدود العراق مع الدول العربية والتحكم في حركة أمواله. وكيف أن العكس قد حدث فازدادت حركة البضائع عبر الحدود ومبيعات البترول عبر خط الأنابيب السوري، وانهارت المقاطعة الاقتصادية تماما بتراخي الضغط الأمريكي على الأردن وسوريا وتركيا.


( لقد أعطينا لفرنسا وروسيا والصين فرصة زيادة الضغط علينا لخفض قائمة الممنوعات وكان فشل الولايات المتحدة واضحا منذ ستة أشهر حينما أحبطت روسيا مدخلنا الجديد بالتهديد باستخدام الفيتو.)

يمضي الكاتب آخذا وجهة النظر الأمريكية الملتوية:


(إن هجوم 11 سبتمبر يوضح كيف أن إمكان حصول الدول الإرهابية على أسلحة الدمار الشامل يشكل أعظم خطورة على أمننا القومي. لا يمكن لنا الانتظار ستة أشهر أخرى. يجب أن نقرر الآن بين أن نختار بديلا حربيا أو أن نحاول الحصول على بعض الوقت والمرونة بقطع أو إبطاء برنامج سلاح صدام حسين.
لسنا في حاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن لكي نفعل ذلك، فقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالعقوبات تعطينا سلطة تزيد عن الحاجة لكي نتخذ الخطوات المناسبة .. فهي قرارات ملزمة لكل الدول. يجب أن نوضح للجميع أننا نرى أن تلك الخطوات ضرورية في حربنا ضد الإرهاب. يجب أن تكون أولى تلك الخطوات الحد من قدرة صدام حسين على الحصول على الأموال أو عقد الصفقات خارج نطاق برنامج الأمم المتحدة الخاص بالنفط مقابل الغذاء، مع تركيز الاهتمام على بنك الرافدين الذي تمتد فروعه بالأردن وسوريا ولبنان. هذا البنك تسيطر عليه الحكومة العراقية وله تعاملات منذ وقت طويل تخالف حظر الأمم المتحدة. نريد ضغطا على سوريا لمنعها من لعب دور البديل لتصدير النفط العراقي خارج نظام الأمم المتحدة، فخط الأنابيب السوري الذي أعيد فتحه في العام الماضي يجلب ما يزيد عن 150 ألف برميل من النفط العراقي يوميا ، إلى جانب ما يتم نقله من العراق بالناقلات البرية إلى سوريا والأردن وتركيا خارج برنامج الأمم المتحدة.)

يستمر الكاتب على نفس الخط الدعائي وليس مستغربا أن يكون الكاتب نفسه موظفا بوكالة المخابرات المركزية على عادتها في تجنيد العاملين بالإعلام لبث سمومها بصورة مباشرة. فالكاتب كان موظفا بالخارجية الأمريكية ثم مشرفا على العقوبات التي فرضت على صربيا. يطالب الكاتب - أو وكالة المخابرات المركزية إن شئنا الدقة - بفرض عقوبات على شركات النفط التي تسهل للعراق بيع النفط خارج برنامج الأمم المتحدة (الأمريكية؟) وعلى الشركات التي تصدر للعراق بضائع محظورة تسهل صناعة أسلحة الدمار الشامل ووضعها على قائمة سوداء. ويدعو الكاتب إلى مزيد من الضغط على دول الاتحاد الأوربي وعدم الاعتماد كلية على قوات التفتيش التي تجوب الخليج الفارسي وخليج العقبة. يمضي الكاتب معددا الكثير من الإجراءات الأخرى التي يجب اتخاذها، ويختتم المقال بالمختصر المفيد الذي تود وكالة المخابرات المركزية ترويجه:


( لدينا طبعا بديل آخر هو الاعتماد على العمل الحربي المباشر في العراق لكي ندمر قدرة صدام حسين العسكرية. لكن هذا الاتجاه له تكلفته وعواقبه.)

أرجو ألا أكون قد أطلت، وإلى اللقاء بإذن رب العباد، إن شاء أن يستمر في إمدادنا بالماء والزاد.
=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(3)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
11/01/2002

تتحرك الصحف العالمية دوما في نطاق يبدو عفويا، لكنه غالبا ما يكون في خدمة الأهداف الأمريكية الصهيونية. هناك تركيز واضح هذه الأيام على الخلاف الهندي الباكستاني، بصورة تشبه إلى حد ما سيناريو الخلاف اليهودي الفلسطيني. أوجه الشبه كثيرة فكل من مشرف وعرفات دكتاتور وظيفته الرئيسية هي كبح جماح شعبه لمصلحة المخطط الأمريكي الصهيوني بمنطقته. وكل منهما مطالب اليوم بزيادة جرعة القهر لشعبه تحت تهديد السماح لغريمه بافتراسه، وكل من فاجبايي وشارون قد تحرك بعد إعطائه الضوء الأخضر من أمريكا. ففي أقصى أطراف الدنيا خرجت جريدة "ذي إيج The Age" الأسترالية بافتتاحية يوم 4/1/ 2002 تحت عنوان "جبهة جديدة في الحرب على الإرهاب" تقول:


(كان لهجوم أمريكا على مصادر الإرهاب بأفغانستان انعكاسه على مخاوف الهند الأمنية. الأسباب التي أثارت مواجهتها الأخيرة مع باكستان - فوق أرض منطقة كشمير المختلف عليها - كانت في صورة هجومين إرهابيين انتحاريين، أحدهما على مجلس الولاية في "ستريناجار" في شهر أكتوبر والآخر على البرلمان الهندي في نيودلهي في الشهر الماضي. لم تقتنع الهند - ولأسباب وجيهة - بإنكار باكستان مساعدتها للمهاجمين.
قاد الدكتاتور الباكستاني برفيز مشرف انقلابا عسكريا في أكتوبر 1999، خلال ساعات من فصله من قيادة الجيش بعد إشرافه على غزو المسلحين الانفصاليين لجزء من المنطقة الكشميرية الواقعة تحت السلطة الهندية. كانت الهند وباكستان قد توصلتا إلى اتفاق صلح هش بعد سباق على إجراء الاختبارات النووية في 1998، لكن صدامات 1999 قضت على ذلك التفاهم، مما دفع بالرئيس الأمريكي "بيل كلنتون" إلى القول بأن "موضوع كشمير قد يكون أخطر مشكلة تواجه العالم اليوم". والآن نجد أن الحشود العسكرية للغريمين قد وصلت أعلى درجاتها لعقد كامل، مما يهدد بالانفجار في حرب رابعة بين البلدين.
كانت أولى الحروب تالية لتقسيم الحكم البريطاني في 1947 وتزامنت مع الحرب التي تلت إنشاء إسرائيل. هناك أوجه تشابه كثيرة بين الحالتين منذ ذلك التاريخ أهمها أن تطرف القومية الدينية الذي لم يتم الحد منه قد نتج عنه إرهاب عبر الحدود <الكاتب طبعا يقصد "الإرهاب الفلسطيني"> أصبح الآن يشكل تهديدا عالميا أوسع، تسبب في تدخل الولايات المتحدة. وقد قيل أن موقف الرئيس جورج بوش من الجنرال برفيز مشرف هذا الأسبوع كان "قويا وبارد الوضوح". وهدأ الموقف بعض الشيء حيث خففت الهند من لغة التهديد بينما شددت باكستان من هجمتها على الانفصاليين الكشميريين ومؤيديهم داخل جهاز مخابراتها فتم القبض على 80 كان من بينهم زعيمان لجماعتين رئيسيتين أحدهما يدعى مولانا مسعود الأزهر وهو أحد ثلاثة أطلقت الهند سراحهم من أحد السجون الهندية مقابل 155 مسافرا على متن طائرة هندية مخطوفة. وقد قال مولانا مسعود حينئذ أن مختطفي الطائرة كانوا "يجهزون للهجوم التالي" وأن "المسلمين لن يستريحوا حتى يتم تحرير كشمير وتدمير أمريكا والهند". وقد أكدت الأشهر اللاحقة خطورة عمل تنازلات للإرهابيين.
على باكستان - التي تم إرغامها على التخلي عن وكلائها من الطالبان في أفغانستان - أن تفعل نفس الشيء في كشمير، حيث لن تحل مشاكل السيادة وتقرير المصير "حرب مقدسة" أخرى. الجنرال مشرف يعي أهمية حماية الاحترام الذي اكتسبه مؤخرا وهو في مسيس الحاجة إلى المعونات، ويجب أيضا أن تقوم أمريكا وحلفائها بتحميله مسئولية تعهده بإعادة الحكم المدني هذا العام. الانتخابات تكون متمشية مع الكفاح في سبيل الحرية وهي أشد فاعلية من القمع لإسكات الأحزاب الدينية المتطرفة التي لم تحصل في الماضي على أكثر من 5% من الأصوات.
إن الغرب لا يمكنه تحمل تكرار أخطاء فترة الحرب الباردة حيث ظن أن العلاقات التكتيكية قصيرة المدى مع النظم الدكتاتورية تؤدي إلى أمن طويل الأمد. إن الأوضاع الآن لا تترك مجالا للتراخي ولا يوجد هامش للخطأ والأسلحة النووية على أهبة الاستعداد.)


في تحذير واضح للأجانب المسلمين بفرنسا نشرت الديلي هيرالد الفرنسية خبرا بتاريخ 4/1/2002 مؤداه أن البوليس الفرنسي قد قام بعمل حملة على كازينو ليلي في فيليبسبرج للتحقق من أوراق إقامة العاملين به من الأجانب:


( وقد صرح جيرونيمو جولييه Geronimo Juliet المتحدث باسم البوليس بأنه رغم أنه لم يتم القبض على أحد من المقيمين العاملين بصورة غير قانونية لترحيله فإن حملات التفتيش هذه لن تتوقف. وصرح بأن تلك الحملات سوف تشمل البيوت أيضا، وأن أصحاب الأعمال قد أعطوا الوقت الكافي لتصحيح أوضاع إقامة العاملين لديهم وأن وقت الشرطة قد حان للتصرف ولن يتم استثناء أحد.)


أما جريدة "تايمز أوف إنديا" الهندية فقد كتبت في 6/1/2002 تحت عنوان "الهجوم والانسحاب" مقالا تشرح فيه طبيعة العلاقة بين الرئيسين الهندي "آتال بيهاري فاجبايي" والباكستاني "برفيز مشرف" وكيف أن آراء الخبراء ترجح انسحاب الأخير "كالدجاجة" من اجتماع رؤساء حكومات رابطة دول جنوب آسيا بمنتجع "ناجاركوت" القريب من "كتماندو" نظرا لخوفه من أن يتم "جره فوق جمرات الفحم" بذلك الاجتماع. وتمضي الصحيفة إلى القول:


( إن الإرهاب الذي يتخذ من باكستان قاعدة له هو مشكلة عميقة الجذور يؤكدها اتخاذ الرئيس بوش موقفا متحفظا منها خوفا من أن اتخاذ أية خطوات متسرعة لمقاومة الإرهاب قد يهدد استقرار الحكومة الباكستانية. ورغم أن ذلك يؤكد مدى عمق تغلغل تلك الجماعات الإرهابية في باكستان فإن تلك الدولة ترفض مواجهة هذه الحقيقة. ربما كان من حسنات قمة كتماندو أن يزداد الانتباه ولفت الأنظار إلى تلك الحقيقة.
إن موقف باكستان من الإرهاب الموجه ضد الهند يشبه موقفها من القاعدة والطالبان، ففي كلتا الحالتين طلب الجنرال مشرف دليلا على الضلوع في الإرهاب، وقد أظهر بوضوح أنه إنما انضم للتحالف الذي تقوده أمريكا ضد الإرهاب لكي يدفع عن باكستان التهديد لسيادتها ولحماية اقتصادها ومصالحها الاستراتيجية.)

ويمضي المقال كالعادة متهما ثوار كشمير بالإرهاب وأنهم ليسوا مناضلين في سبيل الحرية إلى أن يختتم المقال بالقول بأن مؤتمر كتماندو يكون قد أدى الغرض منه إذا ما ركز على مقاومة الإرهاب الذي هو "لعنة تسببت بمفردها في إعاقة جنوب آسيا عن تحقيق قدراتها الاقتصادية الهائلة". والقارئ لهذا المقال يلاحظ التشابه مع النغمة الصهيونية الأمريكية التي تدمغ بالإرهاب كل الجهود المحلية للشعوب المحتلة التي تناضل من أجل حريتها سواء كان ذلك بكشمير أو بفلسطين.

بعيدا عن حديث السياسة الأمريكية الصهيونية التي تقلب محتويات المعدة نشرت جريدة "جاكارتا تايمز" الإندونيسية مقالا لمحررها في سنغافورة "مهرو جعفر Mehru Jaffer " في 6/1/2002 بعنوان "المآذن تقف شامخة بين ناطحات السحاب". إليك الترجمة كاملة:


(من المثير أن تلحظ العديد من المآذن المتألقة والقباب بين الصلب والزجاج بمعمار ناطحات السحاب العالية في سماء سنغافورة. والأمر ليس قاصرا على مسجد واحد وإنما لعديد المساجد التي تتناثر بأرجاء الدولة الجزيرة.
إن التضاد مذهل ، فمن عظمة "مسجد السلطان" في "كامبنج جلام "Kampung Glamإلى تواضع مسجد حسين سليمان الذي بنيت جدرانه وسقفه من ألواح الزنك.
لا تساعد العمارة الفريدة بمفردها على تمييز المساجد وإنما يساعد على ذلك رمزي الهلال والنجم مهما كان تواضع أسلوب نحتهما. أما العلامات الأخرى لتمييز المساجد فهي صحن الصلاة الواسع وفي نهايته تجويف المحراب بالحائط وعلى يساره قطعة الأثاث الوحيدة وهي المنصة التي يقف عليها قائد الجماعة لإلقاء موعظته الدينية.
ورغم أن المسلمين يشكلون أقلية صغيرة بسنغافورة إلا أن عدد المساجد بها يصل إلى 71 على الأقل ، بنيت في عصور مختلفة وتختلف في شكل البناء وحجمه ولونه. ويقال أن للإسلام أثر كبير هنا.
الدكتور البكري أحمد مدير قسم الشئون الدينية بمجلس جماعة الإسلام Majlis Agama Islam
ورئيس مجلس إدارة مدارس "الإرشاد؟" Madrasah Al-Irsyad يشعر بأن سنغافورة في حاجة إلى المدارس الدينية madrasah لكي يكون لدى الجمهور موردا دائما من رجال الدين المثقفين لتعليم وقيادة غيرهم من المسلمين الذين يسهمون في بناء الدولة. قد يوجد هؤلاء الأساتذة الناشئين في المساجد المتناثرة بالدولة المدينة.
أما مسجد مالابار Malabar Mosque فقد بناه المهاجرون المسلمون القادمين من الملايو بجنوب الهند، وله واجهة بلون الطاووس الأزرق وقبة ذهبية. بني مسجد "الحاجة فاطمة Hajjah Fatimah Mosque في عام 1825 وله برج مائل أكثر شبها بصومعة الكنيسة عنه بالمئذنة. وقد بنته وريثة ثرية من أهل الملايو وما زالت مياه بئره الجميل تستخدم للوضوء قبل الدخول إلى قاعة الصلاة عبر الممشى الذي ينفذ إليه ضوء النهار من السقف الزجاجي الذي أعيد بناؤه حديثا.
أما مسجد خديجه Masjid Khadijah فإن أقواسه ذات أثر مغولي هندي لكن المحراب بالداخل عليه نقوش إندونيسية. مسجد الأمين Masjid Al-Amin يشبه مساجد غرب سومطره ذات الأسقف المائلة. الأعمدة بمسجد عبد الغفور Abdul Gafoor Mosque المبني عام 1907 ذات طراز قورنثي واللغة المستخدمة بالمسجد هي لغة التاميل التي يتكلمها المهاجرين القادمين من تاميل نادو Tamil Nadu بجنوب الهند.
يشتهر المسجد بمنطقة كامبنج هولاند Kampong Holland بأن موعظته < الخطبة> تلقى باللغة الإنجليزية. يقع مسجد عمرMasjid Omar في كامبنج ميلاكا Kampung Melaka بقلب المركز التجاري الرئيسي لسنغافورة. يعود المسجد لعام 1820 وكانت بدايته كمسجد صغير بناه سيد عمر بن علي آل جنيد Syed Omar bin Ali Aljunied وهو تاجر عربي من بالمبانج Palembang بجنوب سومطره ثم قام ابنه عمر بعد 35 عام بتقوية المسجد ببناء حجري يتسع لحوالي 500 مصلي وقد تم رسميا إعلانه كمبنى أثري في نوفمبر الماضي. يظل ذلك المسجد مقصدا للكثير من المؤمنين.
لقد قدم التجار الهنود والعرب لأول مرة في القرن الثاني عشر مسلحين بالإسلام وليس فقط ببضاعتهم. ما زالت المساجد إلى الآن مجمعا لهؤلاء التجار في صورتهم الحديثة كموظفي مكاتب يلبسون آخر طرز الحلل الأنيقة، يلتقون بالمساجد خاصة وقت صلاة ما بعد الظهر في أيام الجمعة.
كان ملتقى السلطان حسين شاه مع أول زائر بريطاني للجزيرة في القرن التاسع عشر هنا في كامبنج جلام على ضفاف نهر روتشور Rochor حيث تم تسليم الجزيرة لشركة الهند الشرقية.
لم يكن حي كامبنج جلام موطنا لأهل الملايو فقط، بل امتد زحف العمران به فأصبح مقرا حضاريا للمسلمين من شتى البلدان والخلفيات الحضارية وتحول في النهاية إلى أقدم الأحياء الإسلامية بسنغافورة.
أما مسجد الأبرار Masjid Al-Abrar فيقع بجوار أقدم معبد صيني بوذي، ترى السقالات حول أعمدته الخضراء المزركشة أشبه بالضمادات الملفوفة بحنان، حيث يقوم عمال التجديد بإصلاح سريع، واعدين بإعادة المسجد إلى مجده السابق.
يستمر بناء المساجد الفاخرة الحديثة مع استمرار بناء الضاحية السكنية الجديدة، فمعظم المسلمين لا يمكنهم العيش بلا مسجد لأن المسجد بالنسبة لهم ليس دارا للصلاة فقط وإنما مكان تجمع للناس لتطهير الأرواح والأبدان.)


عود إلى حديث اليهود وأفعال اليهود. نشرت الصحيفة المجرية "براج بوست Prague Post مقالا في 8/1/2002 بعنوان " المعاناة من التعرض" <للحر أو للبرد> لابد في بدايته من الحديث - كما هي العادة - عن هتلر والعذاب الأسطوري لليهود:


( نشرت مجلة كومنويل Commonweal الكاثوليكية الأمريكية مقالا في أواخر عام 1945 أورد نظرية لها عن مولد "شعور مشترك بالذنب" في عالم ما بعد الهولوكوست. قالت المجلة بأن إبادة ألمانيا النازية المنظمة لليهود قد أظهرت ضعف الاستنارة الأخلاقية والروحية والنشاط الإنساني بصفة عامة. كيف يمكن للمجتمع أن يصف نفسه بالاستنارة إذا ما كان قد اشترك بالسكوت أو غبره في سياسات الإبادة الجماعية؟)

انتهى هنا الهدف الأساسي من المقال، وهو الكتابة بصورة قد تبدو عرضية أو تلقائية لتأكيد حدث الهولوهوكس (الهولوكوست) الأسطوري بصورة غير مباشرة. ألمانيا النازية لم تقم أبدا بأي عمليات قتل جماعي لليهود، وليتها قد فعلت فتكون قد أراحت واستراحت، لكن أسطورة الهولوهوكس هذه هي من وحي خيال الدعاية اليهودية تفرضها آلة دعايتهم الإعلامية على البشر في التلفاز والسينما والصحافة بصورة سخيفة مملة مستمرة، بينما يقوم الصهاينة بعمليات الإبادة الجماعية للبشر في أفغانستان وفلسطين وغيرها من البقع الساخنة التي يشعلون نارها بانتظام لا يسمح للعالم بالتقاط أنفاسه. يمضي المقال بعد ذلك إلى القول:


(لقد عصم هذا الشعور بالذنب الفكر الغربي وكبح أذاه في العقود التالية للحرب العالمية الثانية، وساعد على تنقية الأخلاقيات السياسية وركز النقاش حول انتشار الأسلحة النووية، وساعد على التوحيد البطيء لأوربا التي كانت مسرحا لأخطر الصراعات المنظمة، وجعل القادة في الشرق الشيوعي والغرب الديمقراطي ينتبهون للواقع وكيف أن أي صراع يستخدم الأسلحة المتاحة كان كفيلا بأن ينهي الحياة على الأرض.)

الكاتب طبعا لا يشير من قريب أو بعيد إلى أن كلا من "الشرق الشيوعي" الذي فكك اليهود أوصاله و"الغرب الديمقراطي" واقعان تحت سيطرة اليهود المتباكين من فعل ذلك الهولوهوكس الوهمي. يستمر الكاتب قائلا بأن الخوف من الحرب العالمية قد منع الحرب وأن الشعور بالذنب قد تحول إلى خوف وترقب زادته الحرب الباردة تعقيدا حتى عام 1989 حين سقط حائط برلين فتحولت كل تلك المشاعر إلى الرغبة في الرخاء، إلى أن جاءت بداية الألفية الثانية بذلك الحدث الذي كان بعيدا عن الخيال:


(لن نتطرق إلى دوافع المتحمسين الإسلاميين الذين قاموا بهجوم 11 سبتمبر، لكننا هنا نود الإشارة إلى الميراث الدائم الذي خلفه الحدث، كيف تم إحياء ذلك الرعب والشعور بالعرضة للخطر الذي كان سائدا منذ خمسة عقود بعد الحرب وفي وجود الأسلحة النووية. لقد وصف السياسي جان رمل Jan Ruml ذلك الشعور مؤخرا في بلاغة بأنه"شعور دائم بالعرضة" كما لو كان يصف إنسانا بملابس ضئيلة في ليلة شتاء قارسة البرد. إنه على حق، فكلنا معرضون.
لكن الشيء البارز هنا ليس العرضة في حد ذاتها وإنما كيف أن ذلك قد تطلب خمس عقود لكي تتم تذكرة عالم الشمال بأنه لا ضمان لشيء وأن القسوة تعود في دوائر، وأن الخير والرخاء ليسا ضمانا ضد الغيرة والحسد، وأن القتل والدمار هما الشمولية التي تضمها طيات الديمقراطية، وأن الاستنارة لها أعداؤها التي يعجز التاريخ نفسه عن هزمهم.
لقد ضل بعضنا الطريق من البيت مؤخرا معتقدين أننا راشدون بدرجة تحمينا من الضياع على طريق الخطر. والآن قد يمضي وقت طويل قبل أن نهتدي إلى طريق العودة.)

وهكذا ترى الكاتب اليهودي يدور في سفسطة معنوية ولولبيات إنسانية هائمة لكي يغلف الغرض من مقاله وهو أن أحداث 11 سبتمبر قد قام بها "إسلاميون متحمسون". وسوف يستمر كتاب الإعلام الصهيوني في العزف على تلك النغمة حتى ينسي الناس أن القائم بالعملية هو الموساد الإسرائيلي وأن وكالة المخابرات الأمريكية والمباحث الفدرالية لا هم لهما اليوم سوى إحكام الغطاء على كل ما يتسرب من أنباء عن مسئولية اليهود عن أحداث 11 سبتمبر، لكن التاريخ لهم بالمرصاد.

تحت عنوان "العدل بالتصوير البطيء" كتب ماثيو إنجل Matthew Engel بالجارديان في 9/1/2002 مقالا يسخر فيه من النظم القضائية بالولايات المتحدة وردت به الفقرات التالية:


(يوجد ثلاثة صبية محجوزين تحت التحقيق بولاية فرجينيا متهمين بقتل عالم فيزياء بيولوجية عمره 57 عاما في عملية "طقوس قتل" لإحدى الجماعات الشيطانية قبيل أعياد الميلاد.)
( امرأة قامت خلال 27 عاما بقتل زوجين وأحد أصدقائها أسمتها الصحف "الأرملة السوداء" وهو اسم يطلق على نوع من أنثى العنكبوت تأكل الذكر بعد الجماع. قال المدعي "دوجلاس جانسلر" أن الفرق الوحيد بين هذه المرأة وأنثى العنكبوت هو أنها جمعت بضعة مئات الآلاف من الدولارات من شركات التأمين على الحياة."
توجد 233 حالة قتل في العام الماضي بالجزء المركزي من مدينة واشنطون وحده. كان القاتل في آخر تلك الحالات قد خرج عاقدا العزم على قتل أول شخص يراه، وكان ذلك من حظ "والتر كوتس" أمين خزانة الكنيسة المعمدانية في "بيلاه" والذي وصف بأنه كان إنسانا محبوبا لطيف الدعابة ومن أهل الكرم كان في طريقه إلى صلاة العام الجديد قبيل أن يلقى حتفه.
وكان مفروضا أن يكون تعداد حالات القتل هذه أقل من 200 حالة لكن الحالات ارتفعت فجأة في أعقاب 11 سبتمبر عندما أعيد توزيع قوات البوليس لزيادة الحراسة على السياسيين. وهكذا فإن هناك حوالي 30 حالة قتل إضافية من المعقول أن تضاف لحساب بن لادن. لم تتم حتى الآن إعادة الخدمة البوليسية إلى حالتها العادية.)

تلك يا عزيزي القارئ هي أمريكا التي ينبهر بها بعض شبابنا، حيث يكون القتل أحيانا لمجرد التسلية أو تغيير روتين الحياة الرتيبة.

أما التلغراف فقد ركزت افتتاحيتها في 9/1/2002 على روبرت موجابي الذي يريد إعادة الأرض الإفريقية إلى ملاكها السود. تختلف الآراء في هذا الأمر حيث يبدو أن موجابي قد اتبع نفس الأسلوب الفوضوي الذي اتبعه جمال عبد الناصر في مصر وأدى إلى تدهور وسائل الإنتاج الزراعي بالقضاء على الوحدات الزراعية الكبيرة، مع الفارق طبعا وهو أن موجابي يريد نزع ملكية الأرض من الأجانب أما عبد الناصر فإنه كان يحاول أن يجعل من الفقر مرادفا للوطنية فانتزع الأرض من كبار الزراع الوطنيين. تقول التلجراف تحت عنوان "جنون موجابي":


(إن القانون الذي سيتم دفعه اليوم بالبرلمان في هراري سوف يجعل من زمبابوي أشد البلاد قهرا على سطح الأرض.
سوف يقدم وزير الاستعلامات - الذي عينه موجابي عضوا بالبرلمان ولم ينتخب - مشروع قانون الإعلام الذي سوف يحرم وجود الصحفيين الأجانب ووكالات الأنباء.
لم ترى جنوب أفريقيا - جارة زامبيا - مثل هذا القهر في أحلك سنوات التفرقة العنصرية. أما الاتحاد السوفييتي والصين فقد سمحا في سنوات عنفوانهما بوجود أعداد مختارة من ممثلي الإعلام الأجنبي. وتفعل مثل ذلك كل الدكتاتوريات الكريهة مثل بورما والعراق وكوريا الشمالية.
يعد سقوط زمبابوي إلى هذا الدرك السحيق من الشمولية دليلا على جنون مجابي. فالرجل الذي يبلغ من العمر 77 عاما مصر على ألا يقف في طريقه شيء يمنع نجاحه في انتخابات الرئاسة في 17 مارس.)

ويمضي المقال حتى نهايته في صب جام غضب الإنجليز على موجابي ونظامه.

سأختتم هذا العرض بقصة مسلية من هاآرتز الإسرائيلية التي نشرت بتاريخ10/1/2002 مقالا لمحررها جديون ألون بعنوان "عضو الكنيسيت هندل ينعم على السفير الأمريكي بلقب الصبي اليهودي" :


(وصف عضو الكنيست زفي هندل Zvi Hendel السفير الأمريكي لإسرائيل يوم أمس بأنه صبي يهودي jewboy مما أثار موجة اعتراض من باقي أعضاء الكنيست الذين سيناقشون الأمر في اجتماع لجنة الأخلاقيات صباح اليوم.
كان الاتحاد القومي لأعضاء الكنيسيت يحتج على ما نقل عن السفير - وهو يهودي - من قوله أن إسرائيل تفضل الإنفاق على المستوطنات على الإنفاق على المعوقين.
كان هندل يخطب في الكنيسيت حينما قال "بغض النظر عن أن هذا الشخص الذي يمثل دولة أجنبية يمكن أن يكون يهوديا أو صبيا يهوديا، متدينا أو غير متدين، فإن دولة إسرائيل لا يجوز أن تتجاهل تدخل صبي يهودي صغير يمثل الولايات المتحدة."

وأضاف أيضا


" أعتقد أننا لو كنا دولة تفخر بنفسها فإنه يجب علينا أن نوضح ذلك له وللدولة التي أرسلته لأنني ليس لدي شك في أن تأييد أمريكا لإسرائيل واليهود يزيد ألف مرة عن قلة اكتراث السفير كرتزر."
كرتزر من اليهود الأرثوذكس الجدد وهو أول يهودي متدين يشغل المنصب بعد مارتن إنديك Martin Indyk وقد حدث في الماضي أن وصف الوزير الراحل راهافام زيفي Rehavam Ze'evi - وهو أيضا من حزب الوحدة الوطنية - إنديك بأنه "صبي يهودي".
رفضت السفارة ورفض كرتز التعليق ولكن قيل أن مصدرا بالسفارة قال ليلة أمس أن تعليقات هندل "تعبر عن شخصيته".
أفاد مكتب رئيس الوزراء بأن تعليقات هندل "يجب أن ترفض كلية" بينما أفاد وزير الخارجية شيمون بيريز في الهند بأن التعليقات "مشينة وغير محتملة. فلا يجوز لليهود أيضا استخدام عبارات معادية للسامية."
كان هندل متبعا لتقليد تبناه المتحدثون باسم الجناح اليميني في الماضي، ومنهم أعضاء من حركة المستوطنات "جش إمينيم Gush Emunim" التي يتبعها، وكانوا يشيرون دائما إلى هنري كسنجر بكلمة الصبي اليهودي jewboy حينما كان يضغط لعقد اتفاق فصل القوات بين إسرائيل ومصر في أعقاب حرب يوم الغفران في 1973 .
وقد دعت رئيسة لجنة الأخلاقيات بالكنيسيت كوليت أفيتال Colette Avital -وهي تنتمي لحزب العمل - إلى عقد اجتماع اليوم بعد أن استنكرت عبارات هندل بشدة واصفة إياها بأنها " عبارات عنصرية تثير العداء للسامية. باسم الفخر بالوطن قام هندل بعرض الوجه الكئيب للكنيسيت، فسخر من شخص ذو مكانة ومؤيد يهودي لإسرائيل." وطلبت من هندل الاعتذار. وقد علق عضو الكنيسيت يوسي سارد Yossi Sarid - رئيس المعارضة ورئيس حزب مرتز Meretz - بأنه يوافق كرتزر تماما فيما يتعلق بالإنفاق على المستوطنات وقال "إذا كان هندل يود أن يلقبني الآن بلقب "الصبي اليهودي بسبب ذلك فإنني أقبل الإهانة بكل فخر."
وقد صرح الحاخام مايكل ملتشيور Michael Melchior نائب وزير الخارجية بأن هندل قد لوث شرف الكنيسيت وأضر بالشعب اليهودي.)


يمكننا القول بأن هذا الخبر يمثل "خلاف الأحبة" من أولاد صهيون، وكيف يشغلون أنفسهم بتافه الأمور في الظاهر ، بينما الدس للبشرية وإيذاء البشر هو شغلهم الشاغل.

كفانا الله شر الصهاينة بالخارج والداخل، وإلى اللقاء.


=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(4)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
18/01/2002

نشرت جاكارتا بوست The Jakarta Post الإندونيسية في 11/1/2002 افتتاحية بعنوان "ولفوفتز Wolfowitz يستبعد هجوما مباشرا من الولايات المتحدة" جاء فيه:


(بينما أكد بول ولفوفتز نائب وزير الدفاع أن إندونيسيا مدرجة ضمن قائمة الدول المستهدفة في الحرب المستمرة ضد الإرهاب الدولي التي تتزعمها الولايات المتحدة إلا أنه استبعد هجوما مباشرا على إندونيسيا.)

استمر المقال موضحا كيف أن أمريكا قد وضعت إندونيسيا مع الصومال واليمن والفلبين في مجموعة الدول التي ما زال بها مأوى للإرهاب. وقد ورد على لسان ولفوفتز أن بإندونيسيا جماعات إسلامية حاربت المسيحيين بالمناطق التي تضعف فيها سيطرة الدولة وأن "هناك احتمال لحدوث اتصال للمتطرفين المسلمين والإرهابيين المسلمين مع تلك الجماعات المسلمة بإندونيسيا فيوجدون لأنفسهم ركنا صغيرا يأويهم في دولة ليست لها علاقات مودة مع الإرهاب." وأضاف ولفوفتز أن "القلق في حالة سولاويزي يرجع إلى عدم كفاية القوات الموجودة هناك لحماية الأهالي أو لخلق الظروف المستتبة التي تحد من الإرهاب."
يضيف المقال أن ولفوفتز الذي يعد من أكثر الأعضاء تشددا في "مجلس الحرب" الخاص بالرئيس بوش قد ذكر أن العمليات الكبيرة للحرب على الإرهاب مثل ضرب العراق قد يتم تأجيلها لتجنب الخلاف مع بعض الحلفاء الهامين من العرب والأوربيين وأن العسكريين الأمريكيين قد استبدلوا ذلك بالعمل مع الدول الصديقة مثل الفلبين "التي ترحب بالمساعدة الأمريكية لتخليصها من الشبكات الإرهابية." وأضاف ولفوفتز أن ضرب أفغانستان المدمر قد "أقنع الكثير من الدول المؤيدة للإرهاب بتغيير أساليبها"، وأن "العراق لم يبد أية مظاهر لمعارضة الإرهاب، فبينما يطأطئ صدام حسين من رأسه هذه الأيام إلا أن ذلك لا يجب أن يترك انطباعا بأنه سيتوقف عن القيام بأعمال تثير قلقنا. وأضاف قائلا عن الصومال أنها دولة "بلا قانون وتجذب الإرهابيين كالمغناطيس" وأنها قد تكون ملجئا لأفراد من القاعدة نظرا لعدم وجود حكومة بها.

أصبحت كل دولة لديها مشكلة مع جزء مغتصب يود الاستقلال عنها تتمسح بالنموذج الإرهابي الذي اخترعته أمريكا بعد ضرب الموساد الإسرائيلي لها في 11 سبتمبر الشهير. الإسرائيليون يدمغون ثوار فلسطين بالإرهاب، وكذلك يفعل الهنود مع أهل كشمير والروس مع الشيشان. تأمل مقال جريدة موسكو تايمز Moscow Times في 11/1/2002 حيث يقول كاتبها روبرت وير Robert Bruce Ware تحت عنوان "حملة الشيشان مقابل الأفغان":


(تلت الحرب - لكل من روسيا والولايات المتحدة - هجوما إرهابيا نتج عنه خسائر في الأرواح المدنية وتكلفة اجتماعية باهظة. الهجوم على نيويورك وواشنطون حدث بعد سنتين وأسبوع واحد - على وجه التحديد - من تفجير أول مجمع سكني من أربعة مجمعات روسية تم تفجيرها. بدأت الولايات المتحدة حملتها ضد الإرهاب في أفغانستان بعد سنتين وأسبوع واحد - على وجه التحديد - من بدء روسيا حملتها العسكرية القائمة في الشيشان.
وجدت روسيا والولايات المتحدة في حملتيهما أنهما تحاربان قوات تتكون من جنود محليين ومحاربين أجانب. انضمت تلك القوات نيابة عن تكوينات متشابهة من التطرف الإسلامي وأيدها نفس الأفراد والمنظمات من أماكن بالخليج الفارسي. فقوات الطالبان والشيشان أيد بعضها البعض وكلاهما أيده أسامة بن لادن. وهنا يتوقف التشابه. فقد سقطت روسيا في هذا المستنقع مدة تزيد قليلا عن العامين، أما الولايات المتحدة فإنها قد حققت معظم أهدافها بأفغانستان فيما يزيد قليلا عن شهرين. هناك الكثير الذي قد تتعلمه موسكو من الحملة الأمريكية.
اتضحت الفروق فور حدوث الهجوم الإرهابي علي كلا البلدين. فالروس قد أسرعوا باتهام الشعب الشيشاني بتفجير المجمعات السكنية بينما اتهم الأمريكان تنظيم القاعدة. اتهم المسئولين الروس الشيشان كشعب وأسرع الإعلام الروسي بتبني نفس الأسلوب، مما أدى إلى زيادة مشاعر العداء ضد القوقازيين في روسيا التي استهدفت كل ذوي البشرة السمراء من أهل الجنوب ومنهم من ليسوا من الشيشان، فكانوا عرضة للضغوط المستمرة والاعتداء عليهم من وقت لآخر. فكيف لروسيا أن تبرر الاحتفاظ بهؤلاء الناس ضمن حدودها بينما تستمر في معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية؟ إن كل يوم يشهد بروسيا مزيدا من الثائرين على هذا الظلم.
بينما نجد في المقابل أن القادة الأمريكان ووسائل الإعلام الأمريكية قد اتحدوا لمقاومة لوم العرب. اعترضوا على معاملة العرب الأمريكيين معاملة تفترض الاتهام مسبقا وأدانوا جرائم الكراهية وأعلنوا أن التحرك الأمريكي لن يكون ضد الإسلام.)

يمضي المقال شارحا مناقب الحملة الأمريكية من زاوية تحركها الدبلوماسي لاحتواء مخاوف القادة الأجانب وتعزيز التحالف الدولي وتحسين العلاقة مع الشعب الأفغاني بإلقاء الملايين من المنشورات التي تطمئنهم مع الأطعمة، وتجنب قصف المدنيين. ويقارن الكاتب كل ذلك بفشل الحملة الروسية في شرح أهدافها للعالم وللشيشان.
الكاتب هنا يفترض أن أمريكا قد كسبت تعاطف الشعب الأفغاني الذي تقوم بإبادته وأنها قد خدعت العالم أجمع فلا أحد يعرف حقيقة نواياها الحقيقية. باختصار يبدو المقال كما لو كان مصنعا بأحد مطابخ اليهودي ميردوخ. ولا عجب فالكاتب يعمل أستاذا بجامعة أمريكية ويقوم حاليا بعمل ميداني بالقوقاز، ربما كان لصالح المخابرات المركزية الأمريكية.

يدور الكثير من العناوين حول فضيحة إفلاس شركة إنرون وعلاقة جورج بوش بها وهو أمر لا يهمنا كثيرا وإن كنا ندعو العلي القدير أن يعجل بإفلاس أمريكا نفسها حتى نحاول الوقوف على أقدامنا فلا تعتمد بقرتنا الضاحكة على بقرتهم الحلوب فنزداد كسلا واستكانة. على هذا الصعيد تدور قصة أخرى هي نجاح عملية طرح اليورو للتداول العام بعد مرور فترة كافية على استخدامه كعملة مستندية.
نشرت صحيفة ناشيونال بوست الكندية National post مقالا لكاتبها جون أوساليفان John O'Sullivan في 11/1/2002 بعنوان " مستقبل دنيا اليورو - تأمل الأرجنتين" يقول الكاتب:


(ظهرت القصص معظم أيام الأسبوع الماضي عن بدء العمل باليورو، جنبا إلى جنب مع انتهاء العلاقة الثابتة بين البيزو الأرجنتينية والدولار الأمريكي. اليورو يبني عملة واحدة موحدة للاتحاد الأوربي وتظهر القصص البراقة يوما بعد يوم عن اصطفاف الأوربيين لاستبدال فرنكاتهم وليراتهم باليورو في خطوة تاريخية نحو الوحدة الأوربية. ظهر بنفس الصحف - وغالبا على نفس الصفحة - كيف تسابق أهل الأرجنتين عبثا للحصول على الدولارات قبل الخفض الرسمي لسعر البيزو والذي خفض من قيمة مدخراتهم بحوالي الثلث.
كان القصص يروي عن حادثين الأول هو الميلاد المتفائل لعملة موحدة جديدة والثاني عن الانهيار المخزي لعملة قديمة. لكن التقارير لم تربط إلا نادرا ما بين الحدثين.)

يمضي الكاتب إلى القول بأن أحداث الأرجنتين بدأت في صورة أزمة متعلقة بالعملة زاد من حدتها إسراف الإنفاق الحكومي إلا أنها تحولت بسرعة إلى أزمة سياسية ودستورية أدت إلى اندلاع الاضطرابات بالشوارع وتتالي خمسة رؤساء على سدة الحكم خلال أسبوعين. وذهب إلى القول بأن الشعب الأرجنتيني وضع اللوم على التحول إلى اقتصاد السوق الحرة والتجارة الحرة وليس على عدم مرونة توحيد سعر العملة. لذلك فإن الأرجنتين وجيرانها قد يعرضون عن تجرع المزيد من دواء السوق الحرة، وهذا يمثل ضربة لتطلعات جورج بوش نحو كتلة اقتصادية تغطي القارة.
ثم يحاول الكاتب التشكيك في مستقبل اليورو بعمل مقارنة تقول بأن الولايات المتحدة بعملتها الواحدة تنجح نظرا لسهولة تقبل السكان للحركة من ولاية إلى أخرى إذا ساءت الأمور بولايتهم، بينما لا يمكن أن يحدث مثل هذا الانتقال بين ألمانيا وأسبانيا على سبيل المثال.

نشرت جريدة ذي إيج The Age الأسترالية مقالا لمراسلها في واشنطون جاي ألكورن Gay Alcorn بتاريخ 12/1/2002 :


(صرح وزير الدفاع روبرت هل Robert Hill يوم أمس بأن أستراليا لها دور هام في مساعدة الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب بمنطقة آسيا والمحيط الهادي مؤكدا أن أستراليا سوف تؤيد أمريكا حتى "يتم تنفيذ العمل".
وقال السيد هل - عضو مجلس الشيوخ - أثناء وقوفه إلى جوار وزير الدفاع الأمريكي دونالد رمزفيلد بمبنى وزارة الدفاع "إذا ما كان الهدف هو منع تصدير الإرهاب كما حدث في العام الماضي فمن الواضح جدا أننا يجب أن نحول انتباهنا إلى مناطق أخري غير أفغانستان."
وقال السيد رمزفيلد أن أمريكا تتوقع من حلفاء مثل استراليا تقديم المساعدة العسكرية لعمليات المستقبل." وأضاف رمزفيلد " لا يمكن بحال ولا يجوز أن تقوم الولايات المتحدة بمثل هذه العمليات منفردة. لقد قام العديد من الدول بتقديم المعونة العظيمة واستراليا ليست أقل هذه الدول إسهاما"
وقال السناتور هل أن استراليا تقوم بدراسة مشاكل المنطقة لكي تحدد أفضل الوسائل لمحاربة الإرهاب ومنعه من الانتشار خارج حدود بلاده. ولم ينف احتمال التدخل العسكري الأسترالي بالمنطقة، لكنه أكد أن دولا مثل إندونيسيا سوف تقوم بالتعامل مع متطرفيها.
جاءت مناقشات السناتور هل مع السيد رمزفيلد وبول ولفوفيتز Paul Wolfowitz نائب وزير الدفاع وكوندوليسا رايس Condoleezza Rice مستشارة الأمن وسط تقارير بأن موظفي المخابرات الأمريكية يعتقدون أن مئات من الأجانب الذين لهم اتصال بتنظيم القاعدة سافروا إلى معسكرات تدريب بجزيرة سولاويزي Sulawesi الإندونيسية.)

ينقل المقال عن جريدتي نيويورك تايمز وواشنطون بوست أن الخلايا الخامدة بأندونيسيا قد تنشط بعد موت أو هروب محاربي القاعدة بأفغانستان وأن الولايات المتحدة قد أعلنت عزمها على أن ترسل إلى الفلبين حوالي 100 جندي معظمهم من القوات الخاصة - لمساعدة حكومتها على محاربة "المتطرفين المسلمين" وأن تلك القوات قد تشارك في ضربات مباشرة إذا ما طلبت حكومة الفلبين ذلك. ويقول المقال أيضا أن رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد Mahathir Mohamad قد صرح بأنه يعتقد أن تنظيم القاعدة يضم حوالي 50 فردا من ماليزيا.
لاحظ النغمة السائدة من الربط الدائم بين الإرهاب والإسلام، والتي سوف يطورها يهود الإعلام - مثل مؤسسة روبرت ميردوخ التي تملك عديد الصحف بأمريكا وأوربا - لكي تصبح كلمة "الإسلام" في حد ذاتها كناية كافية عن "الإرهاب" وتصبح كلمة "المسلمين" مرادفا لكلمة "الإرهابيين".

أما سيمون هيفر Simon Heffer من التلغراف الإنجليزية في 13/1/2002 فإنه على عادة اليهود لا تفوته الفرصة لإقحام هتلر في مقال له عن روبرت موجابي بعنوان "الفرق هو أننا قد فعلنا شيئا في حالة هتلر":


علمنا في الأسبوع الماضي أن المرحلة الأخيرة لجهد السيد بلير التبشيري من أجل ذوي العقول المدلهمة بهذا العالم ينتهي بأفريقيا، فيا لا يمكن وصفه إلا بأنه عملية إعلان عن نفسه من أجل جائزة نوبل للسلام. بعد ما حققه من نتائج في ألستر Ulster والشرق الأوسط وقضية كشمير فإن رئيس وزرائنا مصمم على أن يجلب النور إلى القارة المظلمة. لذلك فإنه من العجيب أن جدول زيارته الهامة لم يتضمن زمبابوي وهي أحوج الدول الأفريقية إلى النور.في ذات الوقت الذي أعلن فيه عن رحلة المغامرات الجديدة كان روبرت مجابي الذي أصبح عمليا دكتاتورا لزمبابوي قد أكد انه لن يخسر الانتخابات القادمة فقد وافق البرلمان التابع له على قوانين تمنع الاحتجاج بل وتمتد لتجرم انتقاده. وسوف يقوم موجابي بجعل البرلمان يصدر قانونا هذا الأسبوع بحظر الإعلام الأجنبي. وقد صرح الجيش بأنه في حالة فوز غريمه الشجاع مورجان تسفانجراي Morgan Tsvangirai فسوف يطيح الجيش به. لن يكون ذلك ضروريا على كل حال لأن موجابي يقوم بتزييف نتائج الانتخابات. إن سجل موجابي الحافل بعمليات القتل الجماعي وقهر الأقليات العرقية والقبلية يدعو إلى عمل مقارنة مع هتلر، الفارق الوحيد هو أننا في النهاية فعلنا شيئا في حالة هتلر.
ادعى السيد ستانلي مدنج Stanley Mudenge وزير خارجية زمبابوي بكل وقاحة - في اجتماع للاتحاد الأوربي في بروكسل في الأسبوع الماضي - أن "المجتمع الدولي بقيادة بريطانيا يود النيل من زمبابوي وحكامها" وأن بريطانيا تتدخل في الشئون الداخلية لبلاده. وحقيقة الأمر أن اضطهاد موجابي للرعايا البريطانيين بزمبابوي يعطينا كامل الحق في التدخل.)

يمضي الكاتب منددا بتراخي الحكومة البريطانية مطالبا بتعليق عضوية زمبابوي في مجموعة الكمنويلث ويختتم مقاله بعبارة خطيرة توضح أن قانون الغاب الذي فرضته الولايات المتحدة بأفغانستان قد أصبح شريعة دولية:

(لقد أوضحت أفغانستان أن الحزم والعزم مطلبان في مثل تلك الظروف وأن الأمر لا يحتاج القدرة الأمريكية لإزاحة موجابي، فالقوة التي أرسلناها إلى أفغانستان أو سييرا ليون كفيلة بالخلاص منه في بضعة أيام.)

عندما يفسح الإعلام الصهيوني المجال لمتحدث عربي يتكلم الإنجليزية فإنه يحرص على اختيار أسوأ من يقوم بهذا الدور، مثل ياسر عرفات أو رئيس عربي آخر لا داعي لذكر اسمه، كلاهما يتهته بالإنجليزية بصورة تنفر المستمع الأجنبي وتسيء إلى القضية المعروضة بدلا من الدفاع عنها. إلا أن جريدة واشنطون بوست قد خرجت عن هذه القاعدة ونشرت مقالا منقحا بقلم مروان البرغوتي من رام الله في 16/1/2002 بعنوان "أنهوا الاحتلال إذا كنتم تريدون الأمن". يقول البرغوتي:

(كان اغتيال إسرائيل لناشط حماس رائد الكرمي يوم الاثنين أمرا يمكن التنبؤ به. فرغم أن إسرائيل قد قتلت أكثر من 18 فلسطيني منذ أن طلب الرئيس ياسر عرفات الهدنة في 18 ديسمبر إلا أنه لم تكن هناك خسائر مدنية إسرائيلية خلال ذلك الوقت. وقد شكل ذلك "حالة هدوء للعنف" كما قالت حكومات العالم والصحافة الدولية. لكن هدوء العنف هو ما لا يستطيع إريل شارون رئيس وزراء إسرائيل تحمله. لقد تم انتخابه في وقت أزمة وهو يعلم أن استمرار حكمه لن يكون إلا في وقت أزمة. فهو لكي يستمر في الحكم سوف يفعل ما يتطلبه ذلك وسوف يبحث عن أي عذر يثير نار الاضطراب ويجنبه العودة إلى طاولة المفاوضات.)

يشرح المقال بلغة رصينة ما نعرفه من هدم المنازل بغزة وشرق القدس وغير ذلك من أعمال العنف التي توجتها الدولة الصهيونية العنصرية باغتيال الشهيد رائد الكرمي، وكيف أن شارون يقترف تلك الجرائم بحجة أمن إسرائيل.


(إن الطريق الوحيد أمام إسرائيل لكي تحصل على الأمن هو ببساطة أن تنهي احتلال الأراضي الفلسطينية الذي دام 35 عاما. يجب أن تتخلى إسرائيل عن وهم إمكان الجمع بين الأمن والاحتلال واعتقادها أن التعايش السلمي جائز بين العبد والسيد. إن نقص الأمن الإسرائيلي ناتج عن نقص الحرية الفلسطينية. ستحصل إسرائيل على الأمن بعد إنهاء الاحتلال وليس قبله.)


ويمضي البرغوتي في مقاله الجيد إلى قوله:

(يجب ألا ننسى أننا نحن الفلسطينيين قد اعترفنا بإسرائيل فوق 78% من أرض فلسطين التاريخية وأن إسرائيل هي التي ترفض الاعتراف بحق فلسطين في الوجود على 22% الباقية من الأرض التي احتلت في 1967 . ومع ذلك فإن الفلسطينيين يتهمون بعدم المرونة وتضييع الفرص. لقد تعبنا بصراحة من اتهامنا دوما بسبب التعنت الإسرائيلي بينما أن كل ما نطلبه هو تطبيق القانون الدولي.
لا ثقة لدينا في الولايات المتحدة التي تمول امتداد المستعمرات غير القانونية ببلايين الدولارات من المعونة السنوية. " محاربو الإرهاب" يزودون إسرائيل بطائرات ف-16 والمروحيات القتالية التي تستخدم ضد شعب مدني أعزل. "المدافعون عن الحرية والمستضعفين" يدللون شارون رغم أنه يواجه الاتهام بجرائم حرب لمسئوليته عن مذابح اللاجئين الفلسطينيين في 1982 . دور أكبر قوة في العالم قد انحط إلى مجرد الوقوف متفرجة دون أن تقدم شيئا سوى تكرار "أوقفوا العنف" دون أن تفعل شيئا لعلاج الأسباب الأصلية لهذا العنف وهي حرمان الفلسطينيين من حريتهم.)

يمضي مقال البرغوتي الطويل شارحا الموقف الفلسطيني بأسلوب راق يستميل القارئ ويعرض القضية ببساطة وصدق إلى أن يختتم مقالة بعبارة ذكية:

(لست ساعيا لتدمير إسرائيل، وإنما أسعى فقط إلى إنهاء احتلالها لوطني.)

تحت عنوان "لن نتحمل إساءة معاملة الأسري" كتب هيوجو ينج Hugo Young في الجارديان بتاريخ 17/1/2002 متصدرا مقاله بجملة بالبنط العريض تقول " جوانتانامو Guantanamo قد تكون سببا للفرقة بين أمريكا وأوربا".


( الموقف من العدل هو إحدى القيم التي تربط الإنجليز والأمريكان، فالقانون العام واحد في إنجلترا وأمريكا ونحن نؤمن بأن مبادئه الأساسية مشتركة. والمفروض أن هذا جزء من دوافع الحرب العالمية على الإرهاب. ولكن يبدو أن بعضا من تلك القيم ليس مشتركا على الإطلاق. تلك ظاهرة خطيرة، فمعاملة أمريكا للمسجونين من الطالبان والقاعدة المحتجزين في قاعدة جوتنتانامو Guantanamo بكوبا هي الهوة التي بدأت تفصل بين حضارتين تتخيلان أنهما متفقتان في كل أمر هام.
من الواضح أن معسكر إكس راي Camp X-Ray يعد امتدادا للحرب بالنسبة لواشنطون، فليس مسموحا إطلاق تسمية "أسرى حرب" على المحتجزين، وإنما يتم احتجازهم في ظل قواعد للحرب يحددها الطرف المستمر في الحرب والذي ربما سيكسب الحرب في النهاية. هذا الاحتجاز خارج حدود الولايات المتحدة وخارج نطاق اتفاقيات جنيف يجعل معاملة الأسرى طبقا لمشيئة جنرالات أمريكا وسياسييها وليس كما يريد محاميو أمريكا، وهذا يعني أنهم بدون حقوقهم الأساسية أو الحماية الدولية.)

يمضي المقال إلى شرح كيف أن العالم لن يعلم شيئا عن هؤلاء الأسرى إلى أن يتمكن الصليب الأحمر الدولي من دخول المعسكر، وكيف أن السلطات الأمريكية لم تنكر الكثير من التفاصيل مثل حلق اللحى والحبس في أقفاص بالهواء الطلق والأدلة غير المقنعة بأن هؤلاء المحتجزين قد اقترفوا جرائم محددة.

(لقد قال دونالد رمزفيلد أن الأحوال بالمعسكر "لا تعنيه في شيء" وبذلك فإنه قد أشار في آن واحد إلى احتقاره للمسجونين وازدرائه وكراهيته لأي ناقد قد يجرؤ على الكلام. لقد ظهر بعض هؤلاء النقاد بالولايات المتحدة وأطلق بعضهم صوته الحاد. أصدرت جماعة مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch - وهي أساسا جماعة أمريكية للبحث - تقريرها السنوي يوم أمس عن حقوق الإنسان في 66 دولة، ومعه تصريح لاذع ضد النفاق فقال مديرها التنفيذي كينيث روث Kenneth Roth "يعتقد الإرهابيون بأن أي شيء جائز في سبيل قضيتهم، ولا يجوز للحرب على الإرهاب تبني نفس هذا المنطق.")

ويستمر الكاتب قائلا بأن المحاكم العسكرية غير مقبولة، لكنه يشير أيضا إلى أن تلك المواقف والآراء لا تعتنقها الأكثرية وأن الكتاب بالصحف الرئيسية لم يبدوا أي انتقاد، فيقول الكاتب في ذلك:

( نحن هنا نواجه خطورة على عدد كبير من المبادئ يهددها رئيس واحد في تحد واضح للاتفاقيات الدولية. مثل ذلك كان كفيلا بأن يملأ صفحات الصحف الكبرى، وبدلا من ذلك نجد الجميع وقد استسلم لضباب الولاء الذي طرد الأكسيجين من قلاع الصحافة بالولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر.)

يشرح الكاتب كيف أن فشل أمريكا في الإمساك بأسامة بن لادن قد أثار حنق دونالد رمزفيلد وكيف أن القبض على أي أعداد من الطالبان والقاعدة وتحميلهم المسئولية الجماعية هو إجراء تعويضي يغطي على أصوات العدل والتريث.
ويشرح الكاتب كيف أن الأمر مختلف في إنجلترا حيث كتب عدد من الصحف ضد هذا الموقف الأمريكي، وكتب عن الموقف الإنجليزي الرسمي قائلا:

(الوزراء قلقون ولا يملكون دفاعا سهلا عن الموقف الأمريكي المنفرد في تفسير القانون الدولي، الذي تود واشنطون فرضه بالقوة. وعند تحدي جاك سترو Jack Straw على البي بي سي BBC تم إحراجه بحيث هبط إلى مستوى رجل يتخبط عاجزا عن تحمل الموقف. أيا كانت القوانين القذرة التي يمكن للسياسيين من العمال إصدارها فإنهم فزعون مما يدور في جوانتانامو. وقد عبر توني بلير عن ذلك بالأمس حينما استجوبه أعضاء البرلمان فكرر تأكيداته بأن المسجونين سوف يعاملون "بطريقة سليمة وإنسانية" موجها التحذير بضرورة انتظار تقارير الصليب الأحمر. لكنه بدا كرجل لا يمكنه أن يصدق أن الأمريكان قد يفعلون شيئا سيئا، وبدا أيضا كما لو كان لديه الميل الطبيعي لإنكار حدوث ذلك إذا ما حدث.)

ويختتم الكاتب مقاله بالعبارة القوية:

(المحاكم العسكرية والمحاكمات السرية لبعض مواطني الاتحاد الأوربي الذين قد يحكم عليهم بالإعدام سوف تلهب المشاعر الأوربية. إذا حدث ذلك - وحتى بدون عنصر الإعدام - فإن على أمريكا أن تتوقع أن انتقامها وحربها الممتدة على القاعدة سوف يماثلها ازدياد الشعور الأوربي المعادي لها . رغم أسطورة الاحترام الأنجلو أمريكي للحريات الفردية فإن المبدأ الخلقي الأوربي لاحترام حقوق الإنسان أشد وأقوى. لم يحدث أن أصدرت أي دولة من دول الاتحاد الأوربي قوانينا تعسفية مثل بريطانيا، كرد فعل لأحداث سبتمبر. إذا ما كان السيد بلير يدافع عن الولايات المتحدة كدولة آدمية وصالحة - مهما كان الأمر - فإنه في النهاية يخاطر بفقدان أصدقاء آخرين أكثر أهمية.)

=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(5)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
25/01/2002
تعيش الصحافة الأمريكية وهم النصر في أفغانستان، وربما لا تعلم تلك الصحافة أن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد. لكن مجرمي الحرب الذين يديرونها من البنتاجون يعون تلك الحقيقة تماما ويعالجون ذلك بمحاولة الخروج من أفغانستان وتسليم مقبرة الغزاة للإنجليز ومن يتطوع من الأذناب لكي يموت جنوده لقاء الرضا الأمريكي. على أنغام النصر الوهمي كتبت "إنترناشيونال هرالد تربيون International Herald Tribune " في 22/1/2002 عن نيويورك تايمز مقالا بقلم "توم شانكر" Thom Shanker تحت عنوان "كانت الولايات المتحدة مستعدة لإرسال المزيد من المقاتلين". يقول الكاتب:

(أدى نجاح المجموعات الصغيرة من القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان إلى دهشة الكثيرين من العسكريين. فقد كانت القوات فعالة وهي الآن تعيد تشكيل فكر إدارة الحروب. حينما دخلت الحرب طورا جديدا في شهر أكتوبر - بنزول القوات الأمريكية إلى أرض المعركة لأول مرة - لم يكن كبار القادة على ثقة من أن إرسال بضع عشرات من الاستشاريين إلى الميدان سوف يقلب نظام الطالبان ويشل القاعدة، وكان هؤلاء القادة على استعداد لأن يدفعوا إلى الحرب بأعداد من القوات العسكرية النمطية أكبر كثيرا من ذلك.)

يمضي الكاتب إلى القول بأن تلك القوات الخاصة قد هبطت بالمروحيات فانضم جزء منها إلى قوات عبد الرشيد دستم بالقرب من مزار الشريف وانضم الجزء الآخر إلى قوات محمد فهيم خان المتصدية لقوات الطالبان في اتجاه كابول. وكما يحدث في الأفلام الأمريكية فإن تلك القوات الخاصة قد حولت قوات التحالف خلال ثلاثة أسابيع إلى قوة قادرة على اكتساح قوات الطالبان التي أنهكتها فاعلية القنابل الأمريكية "دقيقة التصويب". ويدعي الكاتب أن هذا النجاح الخارق للقوات الخاصة الأمريكية قد غير من التخطيط العسكري للمراحل القادمة من "الحرب على الإرهاب". يبدو من المقال أن هؤلاء الأمريكان وأبواقهم الدعائية يزرعون الوهم ويبيعون الوهم وسوف يحصدون الوهم في النهاية، بانهيار الإمبراطورية الأنجلو أمريكية عن قريب بإذن الله.

أما جريدة ذي إيج The Age الأسترالية فقد تعرضت لموضوع إساءة معاملة المحتجزين من المهاجرين الذين يدخلون استراليا بطريقة غير شرعية فيتم حبسهم في معسكرات اعتقال معزولة رأيت واحدا منها ذات مرة عندما استدعيت للعمل كمترجم لغة عربية في عمليات استجواب لبعض المحتجزين العراقيين. كان المعسكر في قاعدة طيران مهجورة بالصحراء وسط حر الصيف القائظ بغرب استراليا، ولاحظت أن كبار موظفي وزارة الهجرة الذين تعاملوا مع المحتجزين كانوا من اليهود، شأنهم شأن وزير الهجرة نفسه في تقليد أسترالي غريب - ربما كان وليد الصدفة المدبرة - حيث تجد شاغر منصب وزير الهجرة دائما من اليهود. معظم وزراء استراليا يكونون دائما من اليهود على أي حال. وقد توالى على الحكومات الأسترالية وزراء هجرة يهود رفضوا دوما إعطاء المؤرخ البريطاني "دافيد إرفنج David Irving" تأشيرة زيارة لاستراليا، رغم أن له ابنة تعيش بها، بحجة أن له سجل إجرامي، وكل ما في الأمر أنه قد صدر ضده حكم في جريمة رأي تحدى فيها أكاذيب اليهود وتاريخهم المزيف.

تقول الجريدة تحت عنوان "افتحوا مراكز حجز اللاجئين":

(قال فيليب رادوك Philip Ruddock وزير الهجرة في نهاية الأسبوع "إن حياكة الشفاه أسلوب غير معروف بثقافتنا، وهو أمر أعتقد أنه يسيء لحساسية الأسترال". وقد علق أحد موظفي الهجرة فيما بعد بقوله أن الأطفال في عمر 12 - 15 سنة لابد وأن يكونوا قد تلقوا "درجة من التوجيه" من ذويهم لكي يحيكوا شفاههم بالخيوط. هذه الحادثة تشبه الحادثة التي لم تثبت صحتها من قيام طالبي اللجوء بإلقاء أبنائهم في البحر. إن مثل تلك السلوكيات يفترض أنها أمر يثبت عدم صلاحية هؤلاء الناس للعيش باستراليا.

كان المفروض أن الحكومة الفدرالية ليست في حاجة إلى تشويه صورة "أهل السفن"* بعد أن كسبت الانتخابات، ولكن ربما أن الأمر ما زال يتطلب ذلك نظرا للانتقادات المستمرة للحكومة من جماعات حقوق الإنسان. وقد صرح السيد رادوك يوم الأحد بضرورة فصل الأبناء عن ذويهم الذين عرضوهم للخطر، وذلك في تعليق له على تقرير من وزارة الهجرة عن أن ثلاثة أطفال من معسكر حجز وومرا Woomera Detention Centre قد تلقوا العلاج بالمستشفي لإصابتهم بالجفاف ولإزالة الغرز من شفاههم. وأضاف السيد رادوك أن محاولات إلحاق الأذى بالنفس تهدف إلى ابتزاز الحكومة لكي تمنح حق اللجوء. وقد عاد السيد رادوك إلى التصريح بالأمس بأنه لم يحدث أن أحدا من الأطفال قد حاك شفتيه وأنه رغم أن بضعة مئات من المحتجزين قد ادعوا أنهم أضربوا عن الطعام إلا أن ذلك كان متقطعا وأن بعضهم قد ابتلع المنظفات إلا أنه لم تحدث أية محاولات جماعية للانتحار.

ما هي الحقيقة؟ الشعب لا يستطيع معرفة ما يجري نظرا للسرية التي تحاط بها مراكز الحجز، فمنذ وصول السفينة "تامبا Tampa" قامت الحكومة بعمل كل ما في وسعها لمنع حدوث اتصال بين طالبي اللجوء والجمهور الأسترالي. يقول السيد رادوك أن زيادة الاحتجاج بمعسكرات الحجز سببها الحرية النسبية للمحتجزين وقد أصر السيد رادوك على الدفاع عن تلك المعسكرات وقال في رد له على مقال بجريدة "لوس أنجليس تايمز" ينتقد معاملة استراليا لطالبي اللجوء بأن تلك المعسكرات ليست سجونا. إذا ما كان الأمر كذلك فلماذا يمنعون الناس ووسائل الإعلام من الوصول إلى تلك المعسكرات؟ هل تخشى الحكومة من أن السماح لطالبي اللجوء بأن يحكوا قصصهم سوف يحولهم إلى بشر عاديين يستحقون العطف بدلا من يستمر النظر إليهم كمجهولين متطفلين غير مرغوبين؟

هناك طريقة بسيطة لوقف الشك والإشاعات وهي فتح تلك المعسكرات للرقابة الشعبية والسماح لوسائل الإعلام بالوصول إلى المحتجزين. يجب أن يكون بإمكان المراقبين المستقلين مقابلة المحتجزين لبحث مدي قيامهم بإيذاء أنفسهم وللبحث بصفة خاصة في مدى الأثر النفسي على الأطفال المحتجزين لفترات طويلة. بغض النظر عن التأييد الذي لقيته الحكومة في تعاملها مع هذا الأمر، فإن الكثيرين من الأسترال يهمهم كيفية معاملة طالبي اللجوء.)


"أهل السفن boat people" مصطلح أسترالي يقصد به هؤلاء الذين يحاولون الوصول إلى الشواطئ الأسترالية بطريقة غير شرعية في سفن الصيد الصغيرة نسبيا. عادة ما تكون تلك السفن متهالكة ومزدحمة ويعد ركوبها في أعالي البحار مخاطرة كبيرة. وقد ازداد معدل تسهيل إبحار هذه السفن من إندونيسيا انتقاما من التدخل السخيف لاستراليا بتيمور الشرقية. التبعية الأسترالية الذليلة لأمريكا تشمل إرسال القوات والعتاد إلى حروب التدخل الأمريكي بفيتنام والعراق وتيمور الشرقية وأفغانستان.

الواقع أن مقال الصحيفة - رغم أنها يهودية الملكية والميول - فيه إدانة للتخطيط اليهودي بوزارة الهجرة الذي يسهل هجرة اليهود الروس وغيرهم من اليهود على حساب المهاجرين من بلاد أخرى.
وقد علقت صحيفة إندبندنت Independent على نفس الموضوع في مقال بتاريخ 24/1/2002 لمراسلتها في ملبورن كاثي ماركس Kathy Marks تحت عنوان "الأفغان اليائسون يحاولون لفت أنظار العالم في مكان
بعيد عن خليج جوانتانامو". تقول الكاتبة:

(هناك على الجانب الآخر من العالم بعيدا عن خليج جوانتانامو يتعرض اللاجئون الأفغان وأطفالهم لظروف لا تختلف عن ظروف أفراد القاعدة المحتجزين بكوبا خلف الأسلاك الحادة. الأطفال هم الصلة الوحيدة بين العالم الخارجي وبين ذلك الأتون المسمى ووميرا Woomera الذي أخذت حرارته في الارتفاع السريع، وهو مركز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين يقع في صحراء جنوب استراليا. يلصق هؤلاء الأطفال وجوههم الدامعة على زجاج نوافذ الحافلات التي تنقلهم بين المركز ومدرسة المدينة القريبة. نداءهم طلبا للحرية يتردد بنشرات الأنباء كل مساء على شبكات التلفاز. وبينما يغطي العالم الغربي نفسه بقيادة بريطانيا في رغوة من الشعور الذاتي بأنه على حق في معاملته لمحاربي القاعدة المحتجزين في جوانتانامو بكوبا فإن الأحوال في ووميرا لم تفلح للآن في استثارة غضب العالم رغم محاولات المحتجزين اليائسة لفت الأنظار إلى واقعهم المؤلم.

أضرب أكثر من 200 أفغاني - من طالبي اللجوء - عن الطعام لليوم الثامن حتى الأمس، وقد خاط العشرات منهم شفاههم بينما حاول 40 منهم تناول السم بابتلاع الشامبو والأقراص المسكنة. تم نقل سبعة منهم إلى المستشفى بينما ترامت الأنباء عن كبار وصغار يلحقون الأذى بأنفسهم.

وقعت تلك الأحداث نتيجة شهور من الغليان بذلك المعسكر الحار الذي وصفه الرئيس السابق لحزب الأحرار ورئيس وزراء استراليا السابق مالكوم فريزر Malcolm Fraser بأنه "حفرة في جهنم". حدثت اضطرابات وهجمات تدميرية ومحاولات هروب جماعية بين 900 من المهاجرين المحتجزين خلف الأسوار المعدنية العالية. امتدت الاحتجاجات إلى ملبورن لتشمل 32 محتجزا آخرين بمركز حجز ماريبنونج Maribyrnong قاموا بالإضراب عن الطعام.

لم يحرك ذلك الوزراء الذين أدانوا الاضطرابات بأنها محاولات لابتزاز موظفي الهجرة. لكن السكوت لم يكن عاما، فقد استقال بالأمس أحد كبار مستشاري الحكومة لشئون الهجرة مشيرا إلى الطعن والاتهام الموجه إلى "أهل السفن" والتخوف المريض من الأجانب الذي عم استراليا منذ موضوع السفينة "تامبا" في أواخر أغسطس الماضي.

قال نيفيل روش Neville Roach رئيس المجلس الأسترالي للحضارات المتعددة "كلما أثير جانب إنساني يتعلق بطالبي اللجوء اتهموهم بالمكر والنوايا الإجرامية. إن الطريقة التي اتبعتها الحكومة في تعاملها مع هذه الأمور قد أرضت الجانب المتعصب للطبيعة البشرية ولم تترك مجالا للمودة والتراحم."

كان السيد روش يعمل مستشارا لوزير الهجرة فيليب رادوك الذي قال للأفغان أن يعودوا لبلادهم إذا لم تعجبهم وومرا، وقد أقر بأن الظروف في مراكز الحجز الستة باستراليا يتم الحفاظ على أحوالها السيئة عن عمد على أمل ردع المزيد من "أهل السفن" عن شق طريقهم إلى السواحل الأسترالية.)

يستمر المقال إلى شرح تاريخ الهجرة المتحيز لاستراليا ضد الأفغان وأهل الشرق الأوسط <معظمهم من العراقيين> ومحاولة استراليا منع السفن من الرسو على الشواطئ الأسترالية.

أما الوزير اليهودي فيليب رادوك فقد قال عنه أحد رجال الدين الكاثوليك "كلما رأيت صورة فيليب رادوك راضيا عن نفسه شعرت بالحزن من أجله ومن سياسات حكومته، لكنني أشعر بحزن أعظم لتردي ذلك القلب العطوف لاستراليا الذي عرفته وأحببته ذات يوم."
واقع الحال هو أن اليهود الذين يسيطرون اليوم على حكومات استراليا وكندا ونيوزيلندا قد فعلوا فعلهم ونخروا كالسوس في تلك البلاد، مثلما فعلوا بأمريكا التي كانت يوما منارا للحضارة والحرية فإذا بها تقع فريسة ذلك السرطان اليهودي الذي يحطم القيم الإنسانية ويدفع بالبشرية إلى الهاوية.


في مقال بقلم جوناثان ترا Jonathan Terra بصحيفة براغ بوست Prague Post بتاريخ 23/1/2001 تحت عنوان "أشباح من الماضي" يركز الكاتب اليهودي على التذكرة المستمرة بالعذاب الأزلي لليهود فيقول:

(وقع في ألمانيا في أوائل شهر ديسمبر واحد من أبرز الأحداث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد اجتمعت مسيرة من حوالي 3000 من مؤيدي حزب اليمين المتطرف "الحزب الوطني National Party (NPD)" وهو الوريث المعروف للحزب القومي الوطني National Socialist Party. عبرت المسيرة قلب برلين في أكبر تجمع لليمين المتطرف تشهده العاصمة الألمانية منذ سقوط الريخ الثالث. ورغم الأهمية التاريخية لهذا الحدث فقد غطت عليه أخبار التفجيرات الانتحارية في القدس وحيفا والحرب القائمة في أفغانستان.

كان هدف احتجاج الحزب الوطني هو معرض تاريخي باسم " جرائم الفرماخت*: أبعاد حرب الإبادة 1941-1944" الذي يوثق دور الجيش الألماني في اقتراف عمليات القتل الجماعي بالمناطق الغربية من الاتحاد السوفييتي بعد الغزو الذي قاده النازي في يونية 1941.

يعترض السياسيون من متطرفي الجناح اليميني على هذا المعرض ومعهم مؤيديهم من حركة الفاشيين الجدد حليقي الرؤوس neofascist skinhead لأن هذا المعرض ينفي بشدة الأسطورة القائلة بأن القائم بإبادة اليهود والأسرى والمحاربين الشيوعيين بالجبهة الشرقية كان أقلية من القوات المتعصبة من فرق الحماية الخاصة "SS" وهي أقلية همجية ولها عمليات وحشية موثقة. وطبقا للأدلة المعروضة فإن الأفراد الألمان العاديين قد أدوا واجبهم بإخلاص وطبقوا سياسات الإبادة الخاصة بالقيادة العليا للنازي.)

يمضي المقال شارحا أوجها أخرى لاعتراض المتظاهرين منها الاعتقاد بأن بعض الصور مزيف وكيف أن المسيرة هبت دفاعا عن الأجداد الذين حاربوا باسم الوطن، ثم يقول:

(وبعد عاصفة من الاحتجاج أثارها الإعلام واليمين تم إغلاق المعرض اختياريا بعد أن طاف ألمانيا والنمسا لخمسة سنوات. وقد تم بسرعة تشكيل لجنة لتصحيح الأخطاء. وقد نجحت اللجنة في ذلك بالإضافة إلى قيامهم بإضافة المزيد إلى تل الوثائق التي تثبت أن التقدير التقليدي لضحايا الهولوكوست بحوالي 6 مليون يجب أن يعاد تعديله بإضافة زيادة كبيرة في ضوء عمليات الإبادة المتعددة على الجبهة الشرقية في الفترة 1941 -1944 والتي راح ضحيتها مئات الآلاف على الأقل، وهو تقدير شديد التحفظ.

كان المتظاهرون وكأنهم على أهبة الاستعداد للقتال برؤوسهم الحليقة ووجوههم الساخرة ومعهم بعض صديقاتهم من الفتيات يحملن أعلام الحزب الوطني ذات اللون الأحمر والأبيض والأسود في إشارة غير خافية إلى أعلام الصليب المعقوف التي كان يتم التلويح بها إبان حكم النازي. كانوا كأنهم يتحدون المشاهدين للتساؤل عن أين ينتهي الغضب بين أفراد مثلهم من الشعب الألماني ليبدأ الإنكار . كانت الإجابة الأكيدة واضحة في الشعارات التي رفعها المتظاهرون - وبعضها بالخط القوطي المفضل لدى النازي - مثل "سيعيش مجد الموتى إلى الأبد" و "من كذب مرة لا يمكن تصديقه" و "حينما يتحول الصواب إلى خطأ تصبح المقاومة واجبا".

وفي لحظة ما جاء صوت من مكبر الصوت يقود الجمع إلى ترديد " الولايات المتحدة مركز الإبادة العالمي". من الواضح أن تلك المجموعة من مدعي سيادة البيض المتعصبين white supremacists - رغم مظهرهم العدواني وعنصرية كلماتهم الطائشة - قد شعروا بنوع من التآخي والتعاطف مع الأفغان الأبرياء بوجوههم البنية وضيوفهم من العرب.)

يستمر الكاتب على هذا المنوال الساخر محاولا عمل مقارنات بين الحزب الوطني الألماني وأحداث التسعينيات في يوغوسلافيا. لكن المضحك حقا هو تلك العبارة التي تدعو إلى رفع أرقام الهولوهوكس إلى ما فوق الرقم اليهودي المحبب "6مليون" في الوقت الذي قد جمع فيه مراجعو التاريخ كما من البراهين والوثائق لدحض هذا الرقم من أساسه ولهدم الأسطورة القائلة بأن الألمان قد قاموا عامدين متعمدين بعمليات إبادة وهمية لليهود. يتم عرض ومناقشة تلك البراهين في مؤتمرات يحاول اليهود جاهدين كتم أخبارها وما تتوصل إليه من نتائج. كم منا مثلا قد سمع أو قرأ أن هناك مؤتمرا لدحض أكاذيب الصهيونية ينعقد في موسكو يومي 26 و 27 يناير 2002 أي خلال قراءتك لهذه السطور؟


تحت عنوان يشبه إعلانات الإقلاع عن التدخين "فلنقلع عن عادة النفط" كتب جون بودستا John Podesta في صحيفة واشنطون بوست Washington Post بتاريخ 22/1/2002:

(لقد ارتفع الرئيس بوش بشموخ فوق المسرح العالمي قائدا للحرب على الإرهاب، لكنه يبدو حائرا في "مدلاند" بولاية تكساس عندما يتعلق الأمر بخطة الطاقة. فبدلا من أن يقود الروح المعنوية القومية لأمريكا وقوتها الفنية نحو خفض اعتمادها على النفط الأجنبي نجده يظل متمسكا برغبات شركات البترول القائمة منذ وقت طويل قبل 11 سبتمبر، والتي تسعى إلى إثراء الصناعة وتعريض البيئة للخطر ولا تسعى للإقلال من عادة الاعتماد على نفط الشرق الأوسط.

بعد حربين علي العراق وأفغانستان في غضون عقد واحد، وبعد تجاهل ازدياد مشاعر العداء ضد أمريكا التي ينشرها المتطرفون دينيا بالسعودية وتسكت عنها العائلة المالكة، وبعد التحذيرات المتكررة من أن التوتر بين الإسلام الحديث والأصولية قد يقلب نظم حكم النفط الغنية التي توفر 25% من احتياجاتنا اليومية، نجد أن أمريكا ما زالت عرضة للأخطار الاقتصادية والعسكرية والسياسية المرتبطة بالنفط الأجنبي. ومع كل ذلك نادى الرئيس بوش مرة أخرى هذا الشهر في "نيو أورلينز" مطالبا بالموافقة على مشروع قانون يعتمد على الافتراض الخاطئ بأن أمريكا تستطيع حفر طريقها نحو تأمين الطاقة. لكن الحقيقة تختلف، فمهما حفرنا من آبار محلية لن نستطيع تغيير واقع أساسي هو أن 65% من مخزون البترول العالمي يقع تحت بلاد الخليج الفارسي بالمقارنة مع 3% في الولايات المتحدة وأقل من 3/1 % في المحمية الطبيعية القومية القطبية للحياة البرية Arctic National Wildlife Refuge.. إن أسرع وأرخص الحلول وأكثرها فاعلية هو خطة استراتيجية شاملة لتأمين الطاقة تجمع ما بين تحسين اقتصاديات استهلاك الطاقة في المدى القريب وبين إجراءات احتياطية بعيدة المدى لإنتاج وقود خال من النفط.

أعلن مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية Natural Resources Defense Council - بالاشتراك مع اتحاد العلماء المكترثين Union of Concerned Scientists - مؤخرا عن خطة تتحدى الكونجرس والإدارة لاختيار هذا المسلك المختلف جذريا.)

يمضى الكاتب إلى شرح وسائل تحسين استهلاك الطاقة ويكتب عن سيارة المستقبل:

(الخطوة التالية هي السيارة التي تستخدم الهيدروجين الناتج من "خلية الوقود fuel-cell" والتي تستهلك ثلث ما تستهلكه سيارة اليوم من الطاقة ومن مصدر غير نفطي. أعلنت إدارة الرئيس بوش وصناعة السيارات عن برنامج بحث جديد يعترف بأهمية خلايا الوقود، لكن الطريقة الوحيدة لإخراج تلك السيارات من المعمل إلى الطريق هي تقديم الحوافز والمتطلبات بهدف إنتاج 100 ألف سيارة حتى عام 2010 وأن يصل الإنتاج إلى 5و2 مليون حتى عام 2020)

يتضمن مقال الكاتب إشارة إلى النفوذ القوي لشركات البترول وأثرها على السياسة الأمريكية وكيف أن المصالح الخاصة تؤثر على المصالح القومية الأمريكية وتحبطها.


أما جريدة ديلي ستار The Daily Star فقد نشرت في 22/1/2002 مقالا بقلم باتريك سيل Patrick Seale تحت عنوان "آن الأوان لكي يخاطب العرب أمريكا بصوت حازم".

(طبقا لمصادر موثوقة بواشنطون قرر الرئيس الأمريكي جورج بوش أن يتجنب الصدام - أو مجرد الخلاف العلني - مع آريل شارون رئيس وزراء إسرائيل. وقد زاد تحقق أوربا والشرق الأوسط من أن الولايات المتحدة قد تخلت عن مسئوليتها عن الأمن والسلام بالشرق الأوسط، وما يترتب على ذلك من تبعات خطيرة على المنطقة وعلى الولايات المتحدة نفسها. وتقول المصادر أن الرئيس الأمريكي قد اتخذ قراره لسببين، أولهما أن واشنطون لا تعتقد أن شارون سوف يرضخ للضغط الأمريكي وثانيهما أن بوش يريد أن يتجنب صداما قاسيا مع إسرائيل قد يكون له ثمن سياسي مكلف للجمهوريين في انتخابات نوفمبر القادم. لذلك يبدو أن الرئيس قد قرر أن الأفضل هو يترك شارون يفعل ما يشاء. هناك دليلان يؤيدان هذا التحليل. الأول هو تصريح للسفير الأمريكي بالأمم المتحدة جون نجروبونت John Negroponte في العدد الخاص الحالي من نيوزويك Newsweek. قال فيه "نحن لا نعتقد أن ضغطا منا على إسرائيل يمكن أن يخدم قضية السلام. ذلك يجعلهم أقل تعاونا". رغم الإفلاس الواضح لهذا التصريح بعد 10 سنوات من التفاوض الفاشل فإن الحديث يتجدد على نفس الوتيرة. الدليل الثاني هو رد الفعل الغريب لسكرتير الدولة كولن باول Colin Powell على قيام الجيش الإسرائيلي بهدم 73 منزلا بمدينة رفح ليلة 9-10 يناير والذي خلف وراءه 700 فلسطيني بالعراء تحت المطر والبرد. وقد هلع المراقبون المحايدون حينما وصف باول هذا الإجراء الإسرائيلي الوحشي بأنه إجراء "دفاعي". وربا كان ريتشارد بوشر Richard Boucher - المتحدث الرسمي باسم إدارة الدولة - يحاول التخفيف من أثر ملحوظة سكرتير الدولة حينما قال بأن هدم إسرائيل لبيوت الفلسطينيين إجراء "مثير للغضب"ن وإن كان قد أتبع ذلك بقوله "نحن نفهم حاجة إسرائيل إلى اتخاذ خطوات لتأكيد الدفاع عن النفس". لقد اتبعت إسرائيل دائما سياستها غير المشروعة لهدم منازل الفلسطينيين لكن هذه العملية كانت أضخم عملية هدم تمت خلال الانتفاضة التي بدأت منذ 15 شهر مضت. وفي تضاد مع تصريح باول يصف الصحفي الإسرائيلي زيف شيف Zeev Schiff المراسل العسكري لصحيفة هآريتز Haaretz الإسرائيلية تلك العقوبات الجماعية بقوله أنها "فقرة مخزية في تاريخ إسرائيل والجيش الإسرائيلي".)


يستمر المقال إلى التعجب من تأييد الولايات المتحدة المطلق لشارون وكيف يبدو أنها قد تخلت عن "الرؤية الأمريكية" للدولة الفلسطينية رغم أن أهداف وسياسات شارون واضحة للجميع. ثم يشير المقال إلى محاولات الصحافة الأمريكية الموالية لإسرائيل الإساءة إلى العلاقات الأمريكية العربية والعلاقات الأمريكية الإيرانية. يختتم الكاتب مقاله بالعبارة:

(بالنظر إلى خطورة الموقف الراهن فإن القادة العرب يكونون على حق إذا ما طلبوا من الرئيس بوش أن يشرح علنا سياسته لحل النزاع العربي الإسرائيلي وكيف ينوي تطبيقها.)


إلى هنا وأتركك يا عزيزي القارئ على خير، آملا اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الواحد الأحد، القادر على تحويل أمريكا إلى صحراء جرداء، والقادر على تحويل اليهود إلى بشر.
=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(6)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
01/02/2002

نشرت جريدة إنديبندنت Independent الإنجليزية في 25/1/2002 تعليقا بقلم روبرت فسك على عملية اغتيال الموساد الإسرائيلي للسفاح إلياس حبيقة تحت عنوان " نسف من كان سيشهد ضد شارون" قال فيه:

(من ذا الذي يمكن أن يود قتل شاهد الاتهام الرئيسي في قضية جرائم الحرب ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون؟ لماذا يريد أي مخلوق ببيروت تفخيخ سيارة الوزير إيلي حبيقة القائد السابق لقوات المليشيا اللبنانية؟ وذلك بعد أقل من يومين من إعلانه الموافقة على الإدلاء بالشهادة ضد السيد شارون أمام المحكمة البلجيكية التي قد تحاكم السيد شارون لقتله 1700 مدني فلسطيني بمعسكري صابرا وشاتيلا في سبتمبر 1982 .

لن يدلي إيلي حبيقة طبعا بالشهادة ضد السيد شارون لأن كل ما تبقى من رجل لبنان الذي حظي بأكبر حظ من الكراهية لا يزيد عن أشلاء وبضعة عظام سودتها النار مبعثرة على بعد 50 مترا من سيارته "اللاندروفر" المحترقة.

يمكن أن تسمي ذلك "القتل المستهدف "targeted killingومن قبيل الصدفة أن هذا هو نفس المصطلح الذي تطلقه فرق الموت الإسرائيلية على عمليات إعدامها للمناضلين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. لقد مات ذلك الرجل الذي قاد سفاحيه بتعليمات إسرائيلية إلى معسكرات الفلسطينيين منذ 19 عام، وفرح لموته ملايين الفلسطينيين، فقد تعالى صياحهم بالأمس في برج البراجنه "لم نضيع دماءنا هباء".

حينما وصلت حي "الحزمية" المسيحي المزدحم ببيروت بعد دقائق لم يكن قد تبقى سوى سيارة حبيقة "اللاندروفر" المبعثرة والسيارة المرسيدس التي وضعت بها القنبلة والنار متأججة بها وبعض الهياكل العظمية المتفحمة. لابد لمثل تلك العملية من أربعة أشخاص على الأقل، واحد يقف على بعد 100 متر خارج المنزل لكي يعطي الإشارة وآخر لكي يحرس القنبلة واثنان يكون لهما "خط النظر " line of sight وضغط زر التفجير.

بعد ساعات عبر المحامون البلجيكيون المكلفون بإعداد اتهام السيد شارون عن صدمتهم الشديدة لاغتيال حبيقة، وكان الدفاع الإسرائيلي قد فرغ لتوه من سرد أسباب اعتراضه على انعقاد المحاكمة يوم الأربعاء. وأصدر المحامون بيانا قالوا فيه " لقد عبر السيد حبيقة عدة مرات عن رغبته في مساعدة التحقيق البلجيكي في مذابح صبرا وشاتيلا، وقد ذاعت أنباء إصراره على ذلك ليلة اغتياله. إن استئصال المؤيد الرئيسي الذي عرض المساعدة في التحقيق يعد محاولة واضحة لتقويض قضيتنا."

لم أجد لبنانيا واحدا لا يعتقد بأن إسرائيل وراء هذه العملية لأنه من الصعب على رجال مليشيا حزب الله أو عملاء سوريا إقامة مثل هذا الفخ القاتل في هذه المنطقة من شرق بيروت المسيحية. وقد تمتم أحد رجال البوليس" انتظر لترى من سيقتل في المرة القادمة، سوف يسعى أقاربه للثأر وسيكون بإمكانهم معرفة القتلة."

قام حبيقة قبل يومين من قتله - في الخامسة مساء الثلاثاء على وجه التحديد - بمقابلة عضوين بمجلس الشيوخ البلجيكي هما جوسي دوبيJosy Dubie وفنسنت فان كويكنبورن Vincent van Quickenborne بشرق بيروت ووافق على أن يكون شاهدا بأي محاكمة خاصة بمذابح صابرا وشاتيلا. كان المفروض أن يكون الاجتماع سريا وقيل أن حبيقة قد أخطرهما بأنه تلقى تهديدات بالقتل، لكن الخبر تم تسريبه للصحافة اللبنانية وربما أن ذلك كان بمثابة شهادة وفاة حبيقة.)

يستمر المقال شارحا ظروف اغتيال حبيقة وثلاثة من حرسه الخاص كانوا معه بالسيارة وأقوال الشهود من الجيران الذين زلزلت قوة الانفجار مساكنهم.

كانت افتتاحية واشنطون بوست Washington Post يوم 28/1/2002 بعنوان "حصار رام الله" ، بدأت بقولها:

(قامت الإدارة الأمريكية فعليا بالانضمام إلى محاصرة ياسر عرفات، الذي أحاطت القوات والدبابات الإسرائيلية بمقره الرئيسي في رام الله منذ أسابيع. أيد الرئيس بوش ذلك الحصار في تصريح له يوم الجمعة انتقد فيه السيد عرفات بشدة. وقد أوضح المساعدون أن الأيام القادمة قد تأتي بإجراءات أمريكية أكثر حدة ربما شملت وقف العلاقات مع الرئيس الفلسطيني. يقول كل من إسرائيل والولايات المتحدة أنهما تحاولان إرغام السيد عرفات على اتخاذ خطوات حاسمة ضد الإرهابيين الفلسطينيين وضد المتشددين من أعضاء حكومته الذين تآمروا لاستيراد أسلحة من إيران. لكن الحكومة الإسرائيلية سوف تكون سعيدة إذا ما أدت تلك المواجهة إلى سقوط السيد عرفات وسلطته الفلسطينية. وعلى إدارة بوش أن تكون حذرة في تقييمها لمثل تلك النتيجة وهل هي في صالح الولايات المتحدة.)

يمضي المقال إلى شرح كيف أن السيد عرفات نجا في الماضي في إفشال حصار إريل شارون له في بيروت عام 1982 وكيف أن ذلك يمكن أن يتكرر بتدخل دولي ضد التدخل الإسرائيلي المفرط، لولا أن الولايات المتحدة تعارض التدخل الدولي وتقف إلى جانب شارون خاصة مع استمرار عمليات "التفجيرات الانتحارية" المماثلة لما شهدته القدس مؤخرا. وتضيف الصحيفة:

(لكن السيد شارون يطمح إلى ما هو أبعد من ذلك فالقوات الإسرائيلية تهدف إلى تدمير البنية التحتية لسلطة الحكم الذاتي بتجريف مطار غزة وهدم المركز الرئيسي للسلطة باسم محاربة الإرهاب. يقول السيد شارون أنه يأمل في أن تتولى السلطة قيادة فلسطينية أكثر اعتدالا بدلا من السيد عرفات. لكن أفعال السيد شارون لا تترك لأي سلطة قادمة للحكم الذاتي الفرصة لبسط سيطرتها. ربما لا تجد إدارة بوش بدا من عزل السيد عرفات بعد أن استنزفت كل الوسائل الأخرى على مدى عام، عجز هذا الفلسطيني خلاله عن تنفيذ تعهداته. ولكن العقوبات يجب أن تستهدفه هو والإرهابيين وليس الشعب المدني الفلسطيني. بغض النظر عما قد يحدث للسيد عرفات فإن على حكومة الولايات المتحدة أن تسعى للحفاظ على الحكم الذاتي في غزة والضفة الغربية وعلى تلك المجموعة من الفلسطينيين المعتدلين الذين أنشئوه منذ تسعة أعوام. لا يمكن أن يتوصل الإسرائيليون والفلسطينيون بدون ذلك إلى التسوية السلمية بإقامة الدولتين وهو الهدف الواضح لإدارة بوش. البديل الوحيد لذلك هو الصراع الدامي الذي يزداد يأسا.)

كلنا نعلم طبعا أن الكلام سهل ومجاني، فوعود بوش بإقامة الدولة الفلسطينية لا تساوي شيئا ولا تزيد عن كونها جرعة مخدرة لتسكين أحلام القادة العرب الذين يتمسكون بأي قشة تشير إلى حسن نوايا أمريكا الصهيونية التي راهنوا عليها واستكانوا إليها.

وقد عادت واشنطون بوست اليهودية في 30/1/2001 إلى نشر مقال لكاتبها جيم هوجلاند Jim Hoagland بعنوان "ما بعد عرفات" يقول فيه:

(لقد غسل الرئيس بوش يديه من ياسر عرفات ومن أكاذيب ذلك الفلسطيني وتذبذبه وفساده، هذا أمر مفهوم كرد فعل بشري على تاريخ عرفات الحافل بالغدر والخيانة، لكنه لا يصلح كاستراتيجية للخروج من هذا الموقف. رفض بوش العلني الحاد لزعامة عرفات يزيد من مسئولية الولايات المتحدة في المساعدة على إنهاء سفك الدماء الهمجي ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

تقع على بوش الآن مسئولية أدبية وسياسية للمساعدة على إيجاد بديل للقيادة الفلسطينية يمكن للولايات المتحدة التعامل معه لتطبيق تعهد الإدارة الأمريكية بإقامة الدولة الفلسطينية، وإلا فإن هذا التعهد سوف ينكشف كألعوبة تهكمية فاشلة لشراء زعماء السعودية ومصر والبلاد العربية الأخرى كما لو كان "إنرون Enron " دبلوماسية.

الكلام الإنشائي والمخططات - فيما يتعلق بإسرائيل - لن تكفي العرب أبدا. لن يرضي الزعماء العرب الهامين بشيء أقل من اتفاق لتسليم إسرائيل مقيدة مكممة. ساهم فشل هؤلاء الزعماء وجرائمهم في الوصول إلى حالة من الثقافة المرضية لا يخفض من حدتها أنصاف الحلول والخداع الذي تقوم وزارة الدولة بتوزيعه لتهدئة مخاوف وغضب زبائنها بالشرق الأوسط.)

يمضي المقال إلى القول بأن سنة من التفاوض الفاشل تحت الإشراف الأمريكي قد مضت وتخللتها تنبؤات فاشلة من أعضاء الإدارة الأمريكية عن ردود فعل العرب والمسلمين تجاه المبادرات الأمريكية في الحرب والسلام، وأن التنازل الأمريكي الهائل بتأييد إقامة الدولة الفلسطينية الذي تم الكشف عنه تحت الضغوط العربية في سبتمبر الماضي لم يبتاع بوش أي شيء. يمضي المقال إلى القول عن عرفات:

(لقد انتهي أي خطر يمكن أن يشكله عرفات على المصالح الإسرائيلية، واستمراره في الحكم يهدد المصالح الفلسطينية في المقام الأول. أوضح بوش ونائب الرئيس تشيني في تصريحات أخيرة أن عرفات لا يمكن بحال أن يستعيد ثقة أو تعاطف أو احترام هذه الإدارة الأمريكية.)

يمضي المقال في "سلخ فروة" عرفات إلى أن يذكر عرضا عبارة خطيرة تؤكد ما نعرفه جميعا من تغلغل المخابرات المركزية في كافة الحكومات العربية:

( وضعت الإدارة الأمريكية جانبا عمليات جس النبض من بعض الفلسطينيين المعقولين المستعدين لتحدي عرفات سياسيا إذا أمكن تنظيم انتخابات جديدة. كانوا يريدون إيماءة غير رسمية تفيد بأن واشنطون وإسرائيل قد تسعيان لاتفاق سلام جديد في فترة ما بعد عرفات، لكنهم لم يجدوا اهتماما. التخطيط الوحيد الواضح لتعامل واشنطون مع خلف لعرفات تشكله روابط المخابرات المركزية الأمريكية مع قادة مليشيا عرفات.)

ويبدو من كل ذلك أن عرفات قد انتهى عمره الافتراضي بالنسبة لوكلاء الصهيونية وأن البحث جار عن عميل آخر ليحل محله. لعل عرفات الآن في انتظار التعليمات عن نهايته وهل تكون بالاستقالة وترشيح عميل آخر تختاره وكالة المخابرات المركزية أم باغتياله شخصيا. الواضح أن عرفات ليس في رعونة السادات وربما تمتد به الحياة إلى نهاية عمره الطبيعي وأغلب الظن أنهم سوف يقيمون له تمثالا بعد قيام الدولة الفلسطينية في المستقبل غير المنظور.

نشرت نيويورك تايمز بتاريخ 28/1/2002 مقالا بقلم دافيد سانجر David Sanger تحت عنوان "إعراض عن تطبيق المعاهدات القديمة في العصر الحديث" قال فيه:

(حاول البيت الأبيض جاهدا طوال عطلة نهاية الأسبوع نفي ما قيل عن معاملة الولايات المتحدة لأسرى حرب أفغانستان وتحويل ما يقال إلى مجرد نقاشات قانونية عسرة الفهم بين محاميي الحكومة وأنه ليس خلافا أساسيا بين أمريكا وحلفائها أو بين وزير الدولة كولن باول Powell Colin وغيره من قادة فريق الأمن القومي. لكن الواضح هو أن الخلاف قائم حول أمر أعمق من مجرد المصطلحات القانونية. هناك فريق - يقوده ديك تشيني Dick Cheney نائب الرئيس ودونالد رمزفيلد Donald Rumsfeld وزير الدفاع - لديه إعراض عن التقيد بالمعاهدات الدولية العتيقة في عصر الصراعات الجديدة. ليست هذه هي المرة الأولى التي تسبب هذه الرؤية المشاكل لكولن باول الذي يحمل مسئولية محاولة الحفاظ على التحالف الدولي المتبرم الهش ضد الإرهاب. وقد لخص السيد تشيني موقفه الخاص بالنسبة للمحتجزين في خليج جوانتانامو بعبارة موجزة يوم الجمعة حينما قال لجمع في سنسناتي Cincinnati "لا يجوز أن يشعر أحد بالتعاسة أو بأنه في موقف دفاعي فيما يتعلق بنوع المعاملة التي تلقوها" وقال أن المحتجزين يعتنى بهم بأسلوب "يتفق" مع واجبات أمريكا طبقا لاتفاقيات جنيف الدولية. وقد دفع السيد تشيني والمدعي العام جون أشكروفت John Ashcroft وغيرهما بأن محاربي الطالبان والقاعدة لا يمثلون حكومة شرعية وأنهم حاربوا خارج نطاق القواعد المعترف بها وبالتالي يجب اعتبارهم "محاربين غير شرعيين"unlawful combatants لا يستحقون الحماية الكاملة طبقا لاتفاق جنيف الشهير في 1949 المتعلق بمعاملة أسرى الحرب. وقد جاء بمذكرة كتبها ألبرت جونزالس Albert Gonzales المستشار القانوني للسيد بوش يوم الجمعة أن الرئيس قد وافق في بداية هذا الشهر على قرار بتجنب تطبيق اتفاقيات جنيف حتى يحتفظ الرئيس بمرونة الحركة في إدارته للحرب. يبدو أنه كان يشير بذلك إلى التمكن من استجواب المسجونين لفترات طويلة أملا في دفعهم إلى كشف أسرار التنظيمات الإرهابية ، لكن ما عناه لم يكن واضحا تماما. وقد تم تسريب مذكرة السيد جونزالس بسرعة مذهلة، وقد ورد بها أيضا التوصية برفض الطلب الغريب للوزير باول بأن يعيد السيد بوش النظر في قراره. وقد جاهد عدد من المساعدين لمحاولة شرح هذا الخلاف فقالوا أن الرئيس بوش قد اتخذ قراره - بأن المحتجزين ليسوا أسرى حرب - في مناقشات غير رسمية، ومن الواضح أن ذلك كان بدون الاستشارة الكاملة لوزير الدولة الذي كان على سفر.)

يمضي المقال شارحا أسباب التضارب والقيل والقال لكن الواضح أن آلة اتخاذ القرار الأمريكي يسودها اليوم يهود من طراز رمزفيلد وأشكروفت كما سادها في الماضي يهود من طراز كسنجر وألبرايت، هؤلاء الذين لا يهدأ لهم بال إذا لم يروا العالم في حالة صراع دائم يدفع بالبشرية إلى حافة الهاوية، بدلا من محاولة التخلي عن العجرفة الأمريكية ومعالجة أسباب الصراع بالحسنى. يعرض المقال لأوجه الخلاف بين أمريكا وحلفائها فيقول:

(استدعت ألمانيا السفير الأمريكي للتعبير عن قلقها بشأن حقوق الإنسان، وقال جاك سترو Jach Straw وزير الخارجية البريطاني أن المحتجزين البريطانيين تجب محاكمتهم في وطنهم وليس في أمريكا حيث قد يحكم على بعضهم بالإعدام. ولعل أكثر الانتقادات حدة كان من كريستوفر باتن Christopher Patten نائب رئيس الوكالة الأوربية وآخر الحكام البريطانيين في هونج كونج حيث كان دائم الانتقاد لانتهاك الصين لحقوق الإنسان. قال باتن "إن التحالف الدولي يرتكب خطأ عظيما إذا ما خسر السلام بعد أن كسب الحرب.")

يضيف المقال تصريح كولن باول بأن اتفاقيات جنيف تتطلب أسلوبا سليما لتحديد وضع المحتجزين وأن على الولايات المتحدة أن تقر بأن معاملة الأسرى يحكمها القانون الدولي وليست رغبات الإدارة الأمريكية. ويضيف المقال أن باول قد أخطر بوش بأن الاعتراف بسيادة اتفاقيات جنيف هو خير رد على الانتقادات الأوربية ويوفر الحماية للجنود الأمريكيين إذا وقعوا في الأسر مستقبلا. يبدو من المقال أن كولن باول هو أشد هؤلاء الأمريكيين خبثا ودهاء فهو يغطي دناءته بقناع زائف من الكلام المنمق، فتبدو نواياه أقل وضوحا من نوايا أشخاص مثل رمزفيلد الذي تنضح كلماته بالصلف والوقاحة اليهودية. كولن باول ليس مشفقا على مصير الأسرى بقدر ما هو متخوف من أن يلاقي الأسرى الأمريكان نفس المصير. إن كان باول يتحدث عن "احتمال" وقوع الجنود الأمريكيين في الأسر مستقبلا فإنه لا يستطيع أن ينسي أن مئات الأمريكيين المفقودين بأفغانستان ليسوا كلهم موتى ولا بد أن عشرات منهم قد وقعوا في الأسر إذا وضعنا في الاعتبار الجبن المعروف للمحارب الأمريكي الذي لا يمكن أن يقاتل حتى الموت، فهو إذا ما وقع في مأزق يكون سريع الاستسلام لكي يتجنب الموت. من ناحية أخرى قد يكون كل هؤلاء المفقودين قد ماتوا لأن الطالبان بطبيعة تحركاتهم السريعة قد لا يرغبون في إعاقة خطواتهم باصطحاب الأسرى.

أما بوش فإنه لن يستطيع تجاهل مخاوف حلفائه وخاصة البريطانيين الذين استدرجهم ليحلوا محله فيما عبر عنه بمصطلح "أفغانستان ما بعد الطالبان" وهي في واقع الأمر "أفغانستان ما بعد القصف" لأن قوات الطالبان برجالها وعدتها وعتادها ما زالت حرة الحركة في القرى وفي جوف الجبال، وحينما تأخذ حرب العصابات الحقيقية مجراها بعد انتهاء القصف تماما سوف يكون الأسرى والقتلى من الجنود البريطانيين الذين تحاول "سي إن إن" تسويق حسن نوايا مهمتهم في أفغانستان. عبر المسئولون البريطانيون عن مخاوفهم إذ يبدو أنهم قد يجنون غدا ما تزرعه الرعونة الأمريكية اليوم في جوانتانامو. يختتم المقال بشرح لحيرة بوش:

(ما زالت آراء الرئيس بوش في طور التشكيل فهو يقول بأنه ليس لديه اعتراض على المعاهدات الدولية طالما أنها تحمي المصالح الأمريكية وتعكس حقيقة العالم اليوم. لكن الرئيس بوش سوف يواجه خيارا صعبا خلال يوم أو يومين. إذا استمر على طريقه الحالي فإنه يكون قد انتقد وزير الدولة علنا ورفض آراء حلفائه الأقربين الذين سيرسل بعضهم قوات لحفظ السلام في أفغانستان. وإذا غير السيد بوش موقفه فإنه يبدو كما لو كان قد فعل ذلك تحت ضغط، وفي ذلك اعتراف ضمني بأنه كان متسرعا فيما أبداه.)

أما افتتاحية واشنطون بوست في 29/1/2001 فهي تتنبأ بما سوف يقوله الرئيس بوش فيما بعد في خطبة الرؤساء الأمريكيين التقليدية المسماة "أحوال الاتحاد ."State of the Union ليس ذلك بالمهمة الشاقة لجريدة يهودية تعرف تماما ما سيقوله الرئيس لأن اليهود يملون عليه دوما ما يقول. كتبت الصحيفة تحت عنوان "التمسك بالنضال":

(تقدم خطبة أحوال الاتحاد فرصة للرئيس مساء اليوم لكي يؤكد تمسكه بالحرب على الإرهاب. يواجه الرئيس ضغوطا لكي يبدو مهتما بعدد كبير من الأمور وعلى رأسها الحالة الاقتصادية، وهذا أمر مشروع فالتحديات المالية طويلة الأمد التي تواجها البلاد أمر يتطلب اهتمامه وتمسكه بحلول مشتركة بين الحزبين.)

ويستمر المقال لكي يعود من جديد إلى حديث الحرب:

(إن السؤال الذي تلزم إجابة الرئيس عليه يتعلق بنوع الإجراء الذي تتطلبه اليوم الحرب على الإرهاب. أكد الرئيس بعد 11 سبتمبر أن الأمر يتطلب جهدا كبيرا "فهي حرب سوف تستغرق وقتا طويلا، وهي حرب على عدة جبهات، وهي حرب سوف تتطلب من الولايات المتحدة استخدام نفوذها في عدد من المجالات". وقد اتخذ الرئيس بوش مسلكا ناجحا منذ ذلك التصريح لكي يجتث جذور كل قوات الطالبان والقاعدة من أفغانستان. فقد استخدم الضغط الدبلوماسي لتقوية معارضة باكستان للأصولية الإسلامية واستهدف المصادر المالية للإرهاب وزاد قوة الأمن الداخلي وأرسل المستشارين العسكريين لمساعدة حكومة الفيليبين في حربها ضد المتطرفين ذوي الصلة بالقاعدة. هناك أمور صعبة تتعلق بالتحديات العسكرية للأنظمة الأخرى التي تأوي الإرهابيين. هناك أيضا نوعين من الجهد امتنع عنهما السيد بوش، فهو لم يؤيد فكرة الجهد الأمريكي الكبير في المحافظة على السلام بأفغانستان وقد رفض الموافقة على مبادرة بريطانية برفع معونة التنمية لأفغانستان بمبلغ 50 بليون دولار سنويا.)

تمضي الصحيفة إلى القول بأن تلك الزيادة المطلوبة للمعونة تساوي كسرا ضئيلا مما تقدمه الدول الغنية كمعونة سنوية لفلاحيها وهي معونات تزيد عن 300 بليون دولار.

ما لم تذكره الصحيفة هو أن أمريكا أسرع إنفاقا على الهدم والدمار وأكثر تراجعا عندما يتعلق الأمر بالبناء والإعمار. أمريكا تريد أن تهدم وأن يقوم الآخرون بأعمال الترميم ودفع تكلفة البناء.


لم يخيب بوش ظن واشنطون بوست فقد كشف عن وجهه الصهيوني القبيح في خطابه السنوي المسمى "حالة الاتحاد" والذي علقت عليه كافة الجرائد العالمية لما له من أهمية خاصة حيث يرسم الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية للعام القادم. كان أبرز ما جاء بذلك الخطاب هو عبارة وقحة عما أسماه "محور الشر" الذي يشمل إيران والعراق وكوريا الجنوبية. لا يجد الإنسان مخرجا لتلك الدول سوى أن تسعى فيما بينها لإبرام معاهدة دفاع مشترك، فالاتحاد بين المستضعفين يزيدهم قوة ويرفع من خطورة التعرض لهم بالأذى من قبل دولة إرهابية كالولايات المتحدة، هذا الاتحاد قد يدفع بالأوربيين الواعين إلى السعي لدى الإدارة الصهيونية الأمريكية فتكف عن نشر الإرهاب العالمي تحت ستار مقاومته.

في مجال التعليق على خطبة جورج بوش الأخيرة كتبت جريدة التلغراف Telegraph البريطانية في 31/1/2001 افتتاحية بعنوان "صعود جورج بوش":

(تطرق جورج بوش إلى النقطة الأساسية بصورة مباشرة بقوله "أمتنا في حالة حرب والاقتصاد في حالة هبوط والعالم المتحضر يواجه أخطارا لم يسبق لها مثيل" ثم أضاف "ولكن حالة اتحادنا لم يسبق لها أن كانت أكثر قوة".

التفسير الجزئي لهذا التضاد هو رد الفعل الأمريكي الشجاع لصدمة 11 سبتمبر المروعة. أثر الرئيس في توحيد الصفوف لا يقل عن هذا أهمية ، ذلك الرئيس الذي ظلت شعبيته فوق نسبة ٨٠% .)

يمضي المقال إلى سرد المناقب الوهمية للرئيس بوش وكيف أنه قد أثبت جدارة لم تكن واضحة عند توليه الرئاسة. ثم يمتدح المقال صلابة الرئيس الذي قال بأن استمرار الحرب على الإرهاب يجري طبقا لما تحدده "الساعة الأمريكية" وكيف أن الحرب على الإرهاب ما زالت في بدايتها.

(وقف الرئيس في العام الماضي أمام الكونجرس وتكلم بصفة أساسية عن الأمور الداخلية، لكنه هذه المرة قد وضعها في المرتبة الثانية بعد الحرب على الإرهاب. شهدت الفترة ما بين الخطبتين ركودا اقتصاديا. فتعطل عن العمل في النصف الثاني من العام الماضي 1,3 مليون فرد، وتآكل فائض الميزانية بفعل خفض الضرائب وزيادة مصروفات الدفاع والضربة التي تلقتها الثقة التجارية في 11 سبتمبر. السيد بوش يعلم جيدا كيف أن شعبية والده قد تلاشت بعد حرب الخليج عندما هبط الاقتصاد. لكنه مساء الثلاثاء لم يسعى لإخفاء النمو السلبي وقام بالربط بين الانتعاش وأهمية الدفاع عن أمريكا ضد هجوم إرهابي آخر.

كان السيد بوش في خطابه عن حالة الاتحاد واضحا حاسما بليغا في طلبه التضحية الذاتية. وقد أثبت بهذا العرض أنه يستحق درجة الشعبية التي نالها في الاستفتاءات.)

الواقع أن نغمة "التضحية الذاتية" ومرادفاتها من "ربط الحزام" وعبارات "البناء للمستقبل" كلها أمور نألفها نحن المصريين وقد سمعناها مرارا على مدى نصف القرن الماضي وإن دلت على شيء فإنما تدل على فشل السياسات الاقتصادية. فلعل أمريكا الصهيونية تكون في بداية طريقها إلى الانهيار الاقتصادي بعد انهيارها الاجتماعي فيصبح تهورها الحربي صعبا ويستريح العالم من استهتارها بالأرواح البشرية وأفعالها الصهيونية الدنيئة التي تدفع بالعالم إلى الدمار.

=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(7)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
08/02/2001

نشرت الجارديان البريطانية The Guardian في ٢٩/١/٢٠٠٢ مقالا لكاتبها الساخر جورج مونبيوت George Monbiot يقول فيه:

(المنقذ والضحية في آن واحد

فيلم "هبوط الصقر الأسود Black Hawk Down " يخلق أسطورة جديدة وخطيرة عن القومية الأمريكية".

كلما ازدادت قوة دولة كلما فرضت على العيون البريطانية المعاصرة أن تراها كضحية. أقسى الفظائع التي ارتكبت ضد مواطنينا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانت في "ثقب كالكتا الأسودBlack Hole of Calcutta" أو إبان العصيان الهندي وحصار الخرطوم. كانت تلك الأحداث أشد مظاهر أعباء الرجل الأبيض جلاء، وهي تجسد الهمجية ونكران الجميل من الأجناس البشرية البدائية التي أراد البريطانيون إخراجها من الظلمات.

أما اليوم فإن الهجوم على نيويورك تتم مناقشته كما لو كان أسوأ ما يمكن أن يحدث لأمة في الزمن الحديث. لا أحد ينكر أن الأمر كان عملا عدوانيا هائلا، ولكننا مطالبون بأن نقدم للشعب الأمريكي نوعا خاصا من التعاطف الفريد. يمتد هذا الطلب اليوم ليشمل الخسائر الأمريكية القديمة.

يبدو أن فيلم "هبوط الصقر الأسود Black Hawk Down" سوف يكون من أكبر الأفلام توزيعا على الإطلاق. فهو مثير يشد المشاهد ورائع التصوير مثل كل أفلام المخرج البريطاني المولد ردلي سكوت Ridley Scott وهو أيضا صورة مذهلة في مخالفتها لما حدث واقعيا في الصومال.

دخلت الولايات المتحدة إلى الصومال في ١٩٩٢ بنية حسنة، فقد أعلن جورج بوش الأب أن الولايات المتحدة جاءت لتقوم بعمل خيري لوجه الله من أجل أمة مزقتها المجاعة والحروب العشائرية. لكن المهمة - كما أوضحت رواية شاهد العيان سكوت بيترسون Scott Peterson "أنا ضد أخي Me Against My Brother " - كتب عليها الفشل بفعل المخابرات والتأثير الحزبي على الانتشار العسكري والاعتقاد في النهاية بأنك تستطيع أن تحقق السلام والرفاهية لأمة ما عن طريق ضربها بالقنابل.

كانت الولايات المتحدة قد اقترفت عدة أخطاء قبل أن تسلم حكم الصومال للأمم المتحدة. فقد أيدت محمد فرح أيديد Mohamed Farah Aideed وعلي مهدي Ali Mahdi ضد غيرهم من قادة الفصائل المتنازعة محاولة كسبهما في وقت أفول نجمهما، وفشلت الولايات المتحدة في ملاحظة أن رؤساء العشائر المتنافسة كانوا على استعداد للدخول في عملية واسعة النطاق لتسليم أسلحتهم إذا تمت تحت إشراف محايد. وبدلا من فض النزاع بين القبائل أسهمت الولايات المتحدة عن غير قصد في زيادة حدته.

بعد تسليم الأمر للأمم المتحدة قام الباكستانيون من قوات حفظ السلام بمحاولة الاستيلاء على محطة راديو أيديد التي كانت تبث دعايات مناوئة للأمم المتحدة. فشل الهجوم وقتل أنصار أيديد ٢٥ جنديا. بعد أيام أطلق الجنود الباكستانيون النار على جمع غير مسلح فقتلوا عددا من النساء والأطفال. ووقعت قوات الأمم المتحدة بقيادة أدميرال أمريكي في نزاع دموي مع مليشيات أيديد.

ومع تصاعد النزاع تم إنزال القوات الأمريكية الخاصة إلى أرض المعركة لكي تتعامل مع الرجل الذي تصفه المخابرات الأمريكية اليوم بأنه "هتلر الصومال". كان أيديد بالتأكيد على قدر كبير من الخطورة والقسوة لكنه أيضا لم يكن إلا واحدا من عدد من رؤساء القبائل الذين كانوا يتنافسون على النفوذ والسلطة بالبلاد، وضعوا اللوم عليه كسبب لكل مشاكل الصومال، وتحولت بعثة الأمم المتحدة إلى محارب متحيز.

كانت القوات الخاصة واثقة مغرورة لا تعرف الكثير عن الموقف، فقامت بشن حملات متتالية على المبنى الرئيسي لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة وعلى المؤسسة الخيرية "العناية بالعالم World Concern " ومكاتب "أطباء بلا حدود Médecins sans Frontieres " ونجحوا في القبض على قائد قوات البوليس التابعة للأمم المتحدة ضمن عشرات من الأبرياء وعمال الإغاثة. وتكرر الهزل في صورة المأساة حينما اجتمع عدد من كبراء قبيلة أيديد ببناية في مقديشيو لكي يناقشوا اتفاقية صلح مع قوات الأمم المتحدة، فجاءت القوات الخاصة - بمعلوماتها الخاطئة كالعادة - ونسفتهم جميعا حيث مات ٥٤ شخصا. وهكذا نجحت تلك القوات الخاصة في كسب عداوة جميع الصوماليين، واجتاحهم المسلحون من كل جانب. كان الرد في صورة صواريخ أطلقتها القوات الأمريكية من مبنى رئاسة الأمم المتحدة على المناطق السكنية.

حينما أغارت القوات الأمريكية على أحد مباني أيديد كان الرد تدمير مروحيتين من طراز "الصقر الأسود Black Hawk" وقتل ١٨ جندي أمريكي. لم يكن ذلك سوى إحدى جولات الحقد بين أمريكا ولوردات الحرب. أما القوات التي أسرت موظفي أيديد فقد تعرضت لهجوم شامل، إذ جاء المسلحون من كل جانب - بما في ذلك المليشيات المعادية لأيديد - لكي يثأروا للمدنيين الذين قتلهم الأمريكيون. واضطرت القوات الخاصة الأمريكية لاحتجاز النساء والأطفال في المنزل الذي حوصروا داخله، وهو أمر مفهوم للمحافظة على النفس وإن كان في قسوة ولامبالاة .

قال ردلي سكوت أنه جاء إلى المشروع دون سياسة، وهو ما يقوله عادة من ينحاز إلى وجهة نظر الجانب المتسيد. أما القصة التي حكاها - بمساعدة من وزارة الدفاع الأمريكية ورئيس الأركان السابق للقوات المشتركة - فهي القصة التي يحتاج الأمريكيون إلى روايتها لأنفسهم وسماعها.

تقترح قصة "هبوط الصقر الأسود" أن الهدف من هجوم ٣ أكتوبر كان منع قوات أيديد السفاحة من تجويع الصومال حتى الموت. لا توجد أي إشارة للخلاف بينه وبين الأمم المتحدة سوى الهجوم الأول على قوات حفظ السلام الباكستانية. لا يوجد أي اعتراف بأن أسوأ أوقات المجاعة كان قد مر أو أن القوات الأمريكية لم تعد جزءا من الحل منذ وقت بعيد, وتم الحذف الكامل للأجزاء الخاصة باحتجاز الأمريكيين للرهائن أو للدور الهام الذي لعبته القوات الماليزية في إنقاذ قوات الرانجرز Rangers وبدلا من ذلك - ومنذ ١١ سبتمبر - فإن محاولة أسر ضباط أيديد قد أصبحت معركة بين الخير والشر وبين المدنية والبربرية.

الصوماليون في "هبوط الصقر الأسود" يتكلمون لإدانة أنفسهم فقط ولا يبدون أي مشاعر سوى الطمع والرغبة في سفك الدماء، وظهورهم مصحوب بوسائل فنية شريرة عن العرب بينما يكون في ذيل القوات الأمريكية أنغام الكمان والأوبو والصوتيات المستوحاة من "إنيا Enya "، ويعرض الجنود الأمريكيين جروحا مفزعة ممسكين بصور الأبناء والأحباء ويطلبون عند الموت أن يتذكرهم الآباء أو الأبناء، بينما يتساقط الصوماليون كالذباب في موت نظيف سهل دون أن يشيعهم أو أن يحزن عليهم أحد.

يقارن البعض "هبوط الصقر الأسود" بالفيلم الإنجليزي "زولو Zulu " وهي مقارنة قد تكون صحيحة إلى حد ما إلا أن الصوماليين هنا يقدمون تجسيدا للشر أشد وقعا من عدوانية الزولو المتخبطين. فالصوماليون أشرار مخادعون يصعب فهمهم وأشبه بالتصوير البريطاني للصينيين خلال حروب الأفيون.

ما نراه اليوم في كل من فيلم "هبوط الصقر الأسود" والحرب القائمة على الإرهاب هو محاولة خلق أسطورة جديدة للقومية. أمريكا تصور نفسها كمنقذ للعالم وكضحية للعالم في آن واحد. هي المسيح الذبيح في مهمة لخلاص البشرية من الشر. تحوي هذه الأسطورة في باطنها أخطارا بالغة لكل فرد آخر على ظهر البسيطة. ولكي تنفس الولايات المتحدة عن شعورها بالضيم الفريد نجدها تشير إلى ما قد يصبح حربا عالمية غير متوازنة، وليس من قبيل الصدفة أن تتصدر الصومال قائمة الدول التي قد تكون الولايات المتحدة على استعداد لمهاجمتها. إذا تحققت تلك الحرب فإن قادتها لن يكونوا الجنرالات من خنادقهم وإنما سيقودها هؤلاء الذين خلقوا تلك القصة التي اختارت الأمة الأمريكية أن تصدقها.)

هذا هو مقال مونبيوت الذي وضع إصبعه على النبض وشرح في براعة كيف أن أمريكا وأهلها الأغبياء المسطحين قد اختاروا بمحض إرادتهم أن يقعوا فريسة لآلة الدعاية الصهيونية التي تحكمهم وتتحكم في أدمغتهم وتقلب الحقائق على أنغام الموسيقى التصويرية بالأفلام ومن أفواه مقدمي البرامج التلفازية التي تكرر الكذب على أسماعهم إلى أن يصبح حقيقة واقعة تعيش جنبا إلى جنب مع نشارة الخشب التى تملأ رؤوسهم الفارغة.

في معرض تقييم مستقبل ياسر عرفات أوردت الجريدة الإلكترونية "ورلد برس رفيو World Press Review مقتطفات مما كتبه عدد من معلقي الصحف العالمية كالآتي:

(عن الجريدة الأسبوعية جاكارتا تمبو Jakarta Tempo الصادرة في ١٧/١٢/ ٢٠٠١:

"هل ستؤدي المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية إلى حرب أو سلام إذا ما أزيح عرفات؟… هناك تخوف من تدهور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بحيث يصل إلى نزاع مسلح أو ربما إلى حرب مفتوحة إذا لم تبق السلطة الفلسطينية في يد عرفات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تدخل دول أخرى من دول الشرق الأوسط."

وعن جريدة لا برنسا La Prensa الصادرة من مدينة بنما في ١٤/١٢/٢٠٠١:

"لم يعد ياسر عرفات معترفا به لدى الإسرائيليين فقد وعد بالكثير ولم يفعل سوى القليل لقمع المنظمات الفلسطينية المتطرفة. يمكن تفسير هذا الواقع على أن حسن النية لم يكن متوفرا لدى عرفات، أو أنه لم تكن لديه القوة لفرض إرادته عليهم."

عن جريدة المحافظ Kathimerini في أثينا بتاريخ ٨/١٢/٢٠٠١:

"لماذا يضمن عرفات سلامة الإسرائيليين إذا لم يكن قادرا على ضمان سلامة شعبه؟ إذا ما استمر الغرب في الضغط على عرفات لكي يساعد إسرائيل فإنه سوف يهدد مستقبله وسوف يهدد إمكان إيجاد توليفة تضمن سلامة الإسرائيليين وإيجاد حل للفلسطينيين."

من سنغافورة قالت صحيفة ستريتس تايمز The Straits Timesفي ١٤/١٢/ ٢٠٠١:

"يجب إقناع إسرائيل بأن تعطي السيد عرفات وقتا أطول لكي يقوم على قدر إمكانه بتحييد أشد العناصر تدميرا بالمقاومة الفلسطينية. يجب أن يشكر الرجل على محاولاته. مسكين هذا الرجل، فمن الصعب عليه أن يجعل رجال البوليس يقبضون على المتهيجين بينما تتعرض محطات البوليس للنيران الإسرائيلية، وأصعب من ذلك أن تقوم إسرائيل بتسفيه جهوده فتصفها بالزيف. إن عرفات أحوج ما يكون اليوم عن أي وقت مضى إلى تفهم الولايات المتحدة."

وقالت " أفتنبوستن " Aftenpostenمن أوسلو في ١١/١٢/٢٠٠١ :

"من غير المحتمل أن يسمح عرفات لنفسه بأن يستبدل بواحد من "المتنافسين على العرش" الذين عمد في الماضي إلى ضرب الواحد منهم بالآخر. لقد اكتوت أصابع الكثيرين ممن قالوا بأن نجم هذا القائد الأسطوري قد أفل. أيا كان الأمر فإن إسرائيل تواجه المشكلة الأساسية لهذا الصراع وهي ٣ مليون فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، معظمهم مستعدون للمقاومة. (هارالد ستانغيل Harald Stanghelle )"

وقالت داكا ديلي ستار Dhaka Daily Star من بنجلاديش في ١٢/١٢/٢٠٠١:

"دفع الإحباط بإيهود باراك إلى القول بأن عرفات إرهابي. فهل كان يتكلم عن نفس عرفات الذي تعشى معه في كامب دافيد منذ عام واحد، في الحضور الطيب للرئيس بل كلينتون؟ هل عقد توني بلير اجتماعات مطولة مع إرهابي منذ أسابيع قليلة؟ أم أن عرفات قد أخذ عطلة قصيرة من الإرهاب ثم عاد إليه؟ أو كما قال أحد الدبلوماسيين النابهين "لم يعد زعماء العالم يشعرون بأنهم مسئولون عما يتفوهون به من ألفاظ. (م.ج. أكبر)"

وقالت بروتشيزو Proceso من مدينة المكسيك Mexico City في ٩/١٢/٢٠٠١:

"عرفات بين نارين، فبالرغم من أن المجتمع الدولي يراه المحاور الأول في الشرق الأوسط إلا أن قيادته وقدرته على التحكم في الموقف قد أصبحت محل شك، رغم أن الكثيرين على علم بأنه الشخص الوحيد القادر على منع الحرب الأهلية بين الفلسطينيين. (سنجوانا مارتينيز Sanjuana Martínez )"

أما هاآريتز الإسرائيلية فقد كتبت بقلم داني روبنشتين Danny Rubinsteinفي ١٧/١٢/٢٠٠١ من تل أبيب:

"رغم كل نقائص عرفات فإنه القائد الوحيد الذي يمكن أن تكون هناك أية فرصة على الإطلاق للوصول معه إلى تسوية سلمية. ليس هذا القول من قبيل الظن أو التمني، وإنما هو تقييم مبني على الواقع، وهو أن عرفات رغم أنه قد تم مؤخرا إضعافه إلى حد كبير، إلا أنه مازال الوحيد بين الفلسطينيين الذي أمكن له الحفاظ على الهيبة التي تلزم لأي قائد لكي يأخذ بشعبه إلى التنازلات.)

وهكذا تكاد الصحافة العالمية تجمع على أن ياسر عرفات هو أنسب عميل للموقف الراهن فهل يصادف ذلك هوى لدى الإدارة الصهيونية الأمريكية؟ أم أن عرفات قد استنفذ أغراضه وآن الأوان للبحث عن عميل جديد لا يكون عمره الافتراضي قد انتهى؟
نشرت فاينانشيال تايمز Financial Times في ١/٠٢/٢٠٠٢ مقالا بقلم هارفي موريس Harvey Morris في إسرائيل تحت عنوان " رئيس الأركان يحذر من التمرد":

(صرح رئيس الأركان يوم الجمعة بأن البلاد قد تواجه تمردا خطيرا حيث تزايدت أعداد ضباط الاحتياط الذين انضموا إلى مجموعة ترفض العمل بالمناطق الفلسطينية المحتلة.

صرح الجنرال شاؤول مفاز Shaul Mofaz أن ٥٢ موقعا على خطاب نشرته الصحف الإسرائيلية الأسبوع الماضي سوف يتم التحقيق معهم بمعرفة قادتهم وأنهم معرضون للفصل من الخدمة. وقد صرح مفاز على محطة الراديو العسكرية بأنه إذا ما ثبت أن هذا العصيان تحركه دوافع سياسية فإنه يكون "عصيانا خطيرا وليس مجرد اعتراض وعلى قادة البلاد التعامل معه".

عند صدور الخطاب - الذي اتهم القادة بإعطاء أوامر لا تخدم سوى فرض الحكم الإسرائيلي على الفلسطينيين - نحاه الجيش جانبا على أنه من عمل مجموعة هامشية. لكن إريل شارون رئيس الوزراء قد صرح بأن ذلك العصيان "أمر خطير جدا" وقال بأنه إذا ما رفض الجنود تنفيذ أوامر الحكومة المنتخبة فإن ذلك "يكون بداية النهاية للديموقراطية".

ورغم ذلك فقد كسب ضباط الاحتياط المتمردين صوتا متعاطفا من جهات عليا، فقد صرح آمي أيالون Ami Ayalon - الرئيس السابق لوكالة الأمن الداخلي "شين بيت" - للقناة الأولى بالتليفزيون الإسرائيلي بأنه وإن كان لا يوافق على رفض الخدمة بالأراضي <المحتلة> إلا أنه يعنيه أمر قلة من الجنود رفضوا تنفيذ أوامر غير قانونية " وقال أنه "من الواضح جدا أن إطلاق النار على مراهق غير مسلح أمر غير قانوني."

كان السيد " أيالون" قد صرح في العام الماضي بأن أوضاع الفلسطينيين تعد تمييزا عنصريا وأنه ليس من المتوقع أن يقنع الفلسطينيون بالحياة في مناطق عزل "bantustan" <مناطق الحكم الذاتي للسود بجنوب أفريقيا سابقا>).

يمضي المقال إلى القول بأن تلك ليست المرة الأولى للتمرد وأن مثل ذلك حدث أثناء غزو لبنان في ١٩٨٢ حيث رفض الكولونيل "إيلي جيفا" تنفيذ أمر بقيادة عدد من الدبابات للهجوم على غرب بيروت. وقد لفتت عبارتين بالمقال انتباهي، إحداهما وردت بخطاب المتمردين وتقول "نحن نعلم أن الأراضي ليست إسرائيل وأن كل المستوطنات مصيرها الإخلاء في نهاية المطاف" أما العبارة الأخري فتقول بأن محكمة عسكرية إسرائيلية - انعقدت للتحقيق في قتل حرس الحدود الإسرائيلي ٥٠ عربيا على حدود غزة أثناء تطبيقهم أوامر بحظر التجول- قد أصدرت حكما بجواز عدم تنفيذ الأوامر التي يبدو واضحا أنها غير قانونية. وقد أصبح ذلك الحكم سابقة قانونية يستند إليها مستقبلا وأطلقوا عليها اسم سابقة "العلم الأسود" وتضمنتها برامج التدريب بالجيش الإسرائيلي فيما بعد.

ما أود قوله هو أن بلاد الصهاينة الأعداء تسمح لجنودها بعصيان الأوامر إذا كانت غير قانونية، أي أن العسكري مطلوب منه أن يفكر وأن يستخدم عقله، أما عندنا نحن العرب فإن المواطن العادي مطلوب منه ألا يستخدم عقله لأن العقل من الكماليات ونحن في زمن التقشف.


تصبحون على خير.

=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(8)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
15/02/2002


نشرت صحيفة التلجراف Telegraph الإنجليزية في 9/2/2002 افتتاحية بعنوان "سلوك غير دبلوماسي" قالت فيها:


(من المفهوم أنه حينما يأتي حزب إلى الحكم بعد فترة طويلة في المعارضة فإنه يحاول حل المشاكل المزمنة التي ورثها. هذا هو حال حزب العمال < الإنجليزي> مع إيران.

قطعت حكومة المحافظين العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية في 1989 إثر حث آية الله خوميني للمسلمين على قتل سلمان رشدي لاتهامه بحديث الكفر. وعندما فاز محمد خاتمي في انتخابات الرئاسة في 1997 - وهو من رجال الدين المعتدلين - تشجع روبين كوك على محاولة رأب الصدع. وبدأت العلاقات في العودة إلى مجراها الطبيعي عندما أعلن خاتمي في العام التالي أنه يجب اعتبار موضوع رشدي منتهيا.

حين نتفحص تلك الفترة لا يمكننا تجنب الاستنتاج أن مجازفة العمال قد فشلت. لقد كان للرئيس <الإيراني> أوجه نجاحه وخاصة بصندوق الانتخاب لكن حدود أفكاره الإصلاحية اتضحت عام 1999 حينما اتهم مظاهرات الطلبة بأنها تهاجم "أساسيات النظام" وهو بذلك القول يقصد الفكر الثوري المعروف بولاية الفقيه والذي مكن رجال الدين المتشددين - تحت راية الزعيم الروحي آية الله خوميني - من استرجاع بعض الشعبية الانتخابية التي انتزعها منهم خاتمي والإصلاحيون.

كانت أهم مظاهر قوتهم تلك رفض إيران قبول دافيد ريداوي David Reddawayسفيرا لبريطانيا. وكانت أسباب ذلك الرفض واضحة بالصحف المتشددة منذ شهر يناير حيث قيل أنه "يهودي وعضو في M16" <المخابرات البريطانية> وتكرر مثل هذا مؤخرا على المستوى الرسمي. لقد حطت وزارة الخارجية من قدرها عندما أنكرت تلك الادعاءات الصفيقة، وكان الأجدر بها أن تتجاهلها على أنها غير جديرة بالتعليق حيث أن الأصل العرقي لا يجب أن يكون مانعا من الاعتماد الدبلوماسي وأن عضوية M16 شيء لا تجوز مناقشته ولو عن طريق إنكاره. لكن بريطانيا على أي حال لم تسحب طلب تعيين السيد ريداوي وقالت أن السفير الإيراني في لندن سوف يعامل معاملة قائم بالأعمال. وبينما أعاد السيد "كوك" العلاقات الدبلوماسية فإن خلفه "جاك سترو" قد قطع شوطا أطول بزيارة طهران. لكن إيران اليوم تبقى دولة راعية للإرهاب وساعية للحصول على أسلحة الدمار الشامل. إن رفض تعيين السيد ريداوي يؤكد إفلاس سياسة العمال التي تقول بأن "الحوار الناقد" يشد من ساعد المعتدلين.)

من الغريب أن معظم دول الغرب وخاصة أمريكا وبريطانيا يرسلون إلى الدول العربية والإسلامية بعثات دبلوماسية من اليهود ولاؤها الأول والأخير لأصولها اليهودية وللكيان الصهيوني. رفض إيران للسفير اليهودي يعد خطوة شجاعة في الاتجاه السليم ولها أثرها الإعلامي ضد هؤلاء الصهاينة الملاعين. وهي خطوة توضح بجلاء قوة وثبات النظام الإيراني الذي يرد بثقة على تحديات بريطانيا وهذيان الرئيس الأمريكي. وإن أرادت تلك البلاد أن تبني علاقات دبلوماسية صحيحة مع الدول العربية والإسلامية فإن عليها أن تمتنع عن إرسال مبعوثين من اليهود. وإذا كانت أمريكا وبريطانيا تصنفان رعاياهما من المسلمين على أساس من التشكك بسبب أصولهم الإسلامية فإن من حق الدول الإسلامية التشكك في نوايا المبعوثين الدبلوماسيين من اليهود.

أما الجارديان The Guardian الإنجليزية فقد نشرت في 8/2/2002 مقالا للكاتب مارتن ولاكوت Martin Woollacott بعنوان "لقد اختار بوش في نوبة فزعه أن يلوم كل الأصدقاء القدامى" . يحكي المقال كيف أن خطاب "محور الشر" يوضح عدم تأكد الولايات المتحدة من خطوتها التالية. ينتقد المقال موقف الولايات المتحدة ويقول في سياقه:

(ليس هذا الموقف بمشروع عسكري مقنع لتحرير تلك الدول ولا يقدم أكثر من تهديدات ذات نغمة عالية. العراق وإيران وكوريا الشمالية لا يكونون محورا بالمعنى المعروف للكلمة، وإذا ما كان أعداء الأمس - العراق وإيران - يبديان بعض مظاهر التقارب اليوم فإن ذلك ليس إلا رد فعل للتهديدات الأمريكية. ذلك يوحي بعدم التناسق <في الفكر الأمريكي>. أيا كان تقييم الذهاب للحرب للإطاحة بصدام فإنه من الغباء أن يحدث ذلك بينما يتم في ذات الوقت إبداء العداء لإيران، أو كما قال زبيجنيو بريزنسكيZbigniew Brzezinski دون أن يتم أولا حل النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

الأدلة واهية ضد علاقة كوريا الشمالية والعراق بالمنظمات الإرهابية، وقد شهدت بذلك وكالة المخابرات المركزية (CIA) من جديد مؤخرا. أما بالنسبة لإيران فهناك أدلة وافرة على وجود اتصالات ولكنها ليست مع القاعدة التي كانت معادية للشيعة مثل الطالبان. صحيح أن هناك حادثة إرسال سفينة الأسلحة إلى الفلسطينيين ومحاولة إيران لبسط نفوذها في أفغانستان، تلك بلا شك بعض أوجه السياسة الخارجية الإيرانية التي تكرهها الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنها لا تشكل في حد ذاتها أعمالا إرهابية.

هناك حرب بالأراضي المحتلة أحد أطرافها يتفوق تسليح عدوه عليه تماما. قد ينظر إلى محاولة تعويض هذا الفارق على أنها تزيد الأمور سوءا. لكن هذا لا يعد عملا يهدف إلى تشجيع الإرهاب، إلا إذا اعتبرنا أن أي استخدام للقوة من أي فلسطيني يعد عملا إرهابيا وهو افتراض سخيف هزلي. وبالمثل فإن محاولة التأثير على منطقة هرات يعد سياسة فارسية قديمة لا تزيد سوءا عن الجهود الباكستانية المماثلة بالمنطقة الشرقية من أفغانستان.

أما فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل التي تسعى قوى هذا "المحور" إلى تملكها فإن ذلك رغم خطورته يتفق الخبراء على أنه لأهداف محلية في المقام الأول وأن أي هجوم على الولايات المتحدة أو إسرائيل يعد عملا انتحاريا في كل الأحوال. كما أن تلك النظم لا يمكن لها أن تتأكد من أن إعطاء تلك الأسلحة لجماعات إرهابية لن يمكن تقفى أثره قبل أو بعد استعماله. وتكون النتائج المترتبة على ذلك مماثلة في سوئها لاستخدام تلك النظم للأسلحة بصورة مباشرة.)

يمضي الكاتب إلى القول بأن قوات القاعدة المدربة تفتقد التنظيم الآن وأن أعدادها مبالغ فيها وأنها رغم احتمال قيامها بأعمال عدوانية إلا أن محاولة تضخيم أعدادها لا تخدم غرضا وأن محاولة إيجاد صلات بينها وبين دول "المحور" أمر لا يمكن إثباته. ويقول الكاتب أن ثقة بوش المزيفة فيما يقول تحاول تغطية عدم ثقته فيما سيفعله بعد أفغانستان. ويقول الكاتب أيضا أن النجاح الجزئي في أفغانستان لا يبرر كل تلك الثقة في قوة أمريكا وقدراتها العسكرية وإمكانها ضم الأصدقاء أو إسقاطهم تبعا للحاجة الأمريكية. يمضي الكاتب إلى القول:

(إن الاقتراحات المقدمة لحجم ميزانية الدفاع وبرامج الأمن الأخرى توضح هذا المأخذ الضيق. فالإدارة الآن تشعر أنها غير مضطرة للمفاضلة بين متطلبات دفاع الصواريخ وبرامج التسليح التقليدي القائمة والبرامج الجديدة المتعلقة بالتهديدات الإرهابية. تستطيع الولايات المتحدة الآن أن تحصل على كل ذلك ولكن لقاء تكلفة فادحة على حساب الإنفاق على البرامج الاجتماعية بالداخل والإنفاق غير الحربي بالخارج.

يشير جوزيف ناي Joseph Nye - عميد كلية الدراسات الحكومية بجامعة هارفارد، في كتاب متعقل له - إلى أن إهمال القوة الناعمة soft power في الخارج يعد أحد الأخطاء الأمريكية. فالإنفاق العسكري قد ارتفع إلى نسبة16% من الميزانية العامة بينما انخفض الإنفاق على الدبلوماسية والأمور المدنية العالمية الأخرى من 4% إلى 1% بينما انهارت المعونة الخارجية أيضا. يقول ناي "من الصعب أن تكون قوة عظمى بتكلفة رخيصة أو بالاعتماد على القوة العسكرية وحدها."

رغم ما قيل من أن خطبة "حالة الاتحاد" قد تعرضت لإعادة صياغتها 30 مرة إلا أنه رغم أن مقترحاتها الحربية غير مقنعة فهي أيضا تهمل الوسائل الأخرى. لماذا تعتمد على سهم واحد إذا ما كان بإمكانك أن تملأ جعبتك؟)

القارئ لما بين السطور يلاحظ أن الكاتب يضع أمريكا وإسرائيل في جملة واحدة كلما سنحت الفرصة وكأن المصالح الأمريكية هي ذاتها المصالح الإسرائيلية. هذا هو الأسلوب اليهودي الذي يستمر في تكرار الكذب حتى يتحول إلى حقيقة.
نشرت فينانشيال تايمز The Financial Times في 10/2/2002 مقالا عن نجمه بوزورجمهر Najmeh Bozorgmehr في طهران ورولا خلف Roula Khalaf في لندن بعنوان "رجال الدين يحذرون واشنطون من مهاجمة إيران":

(حذر علماء إيران المحافظين الولايات المتحدة يوم الجمعة من مهاجمة إيران. قال آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس السابق ذو النفوذ الواسع للمصلين بجامعة طهران أن المغامرة العسكرية للولايات المتحدة قد ترمي بها في مستنقع "يحوي الدماء".

جاء هذا الانفجار الخطابي من رئيس مجلس التشهيلات - أحد المؤسسات العامة غير المنتخبة واسعة النفوذ - ردا على وضع الرئيس جورج بوش طهران ضمن "محور الشر" الذي يهدد الولايات المتحدة بأسلحة الدمار الشامل ورعاية الإرهاب.)

يمضي المقال إلى القول بأن موقف الرئيس الأمريكي قد زاد من قوة رجال الدين المحافظين الذين يريدون إتلاف محاولات الانفتاح على الغرب التي يقوم بها الإصلاحيون برئاسة الرئيس محمد خاتمي. ثم سرد المقال قصة رفض إيران للسفير البريطاني اليهودي وكيف أن البعض يعتقد أنها تعد نهاية لنفوذ خاتمي تحت ضغط المتشددين.


نشرت الجارديان The Guardian الإنجليزية بتاريخ 12/2/2002 مقالا لكاتبها جورج مونبيوتGeorge Monbiot بعنوان حرب أمريكا الإمبريالية يقول:


(ما كان للنصر أن يكون شديد المرارة هكذا. يجب أن يشعر هؤلاء اللبراليون الآن بأنهم قد انكشفوا بعض الشيء، بعد أن أيدوا الحرب في أفغانستان وأعلنوا بكل ثقة أن قيمهم قد انتصرت في نوفمبر. السؤال الدقيق هو: من الذي خسر؟ أما مدى الخسارة فإنه لم يتم تقييمه بعد. لكن مما لاشك فيه أن هؤلاء الخطرين الذين يحكمون آلة الحرب الأمريكية من غير اللبراليين قد انتصروا. إن ضرب أفغانستان بدأ يبدو كضربة أولى في حرب إمبريالية جديدة.)

يمضي المقال مشككا فيما قد يعود على أفغانستان من فوائد في المستقبل، وكيف أن "موسم الحرب" في الربيع قد يشهد اندلاع الاضطرابات بين القبائل. وأن إيران وروسيا والولايات المتحدة كل يتحفز لما قد يرى فيه مصلحة له.


وإلى اللقاء في حلقة أخرى بإذن الله.

=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(9)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
22/02/2002

نشرت واشنطون بوست Washington Post الأمريكية بتاريخ 16/2/2001 افتتاحيتها الرئيسية بعنوان "رسائل إلى آسيا" والتي بدت كما لو كانت نوعا من التمهيد لجولة جورج بوش الحالية لاستجداء تضامن دول آسيا مع سياسته الخرقاء التي تعلن العداء لعدد من دول العالم وتتهمها جزافا بالإرهاب والشر. تقول الجريدة:

(يغادر الرئيس بوش إلى آسيا ومعه خطة للمنطقة لم تتغير منذ أن رسمها 11 سبتمبر. كانت الصين منذ عام بؤرة القلق الأمني للإدارة الأمريكية، وقد تم استبدالها بصفة مؤقتة على الأقل بكوريا الشمالية التي ضمها السيد بوش مؤخرا إلى "محور الشر". وقد أصبحت بيجينج Beijing بالتالي شريكا في الحرب على الإرهاب، بالإضافة إلى كونها "منافسا استراتيجيا." أما اليابان فقد أصبحت اليوم مصدرا قيما للدعم السياسي والاقتصادي للجهد الحربي الدائر، فلم تعد مصدرا للقلق الاقتصادي فحسب. يتمشى هذا الاتجاه الجديد مع إعادة تشكيل السيد بوش للسياسة العالمية للولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر.)

يمضي المقال على هذه الوتيرة الجوفاء دون مضمون يذكر، فالواشنطون بوست هي لسان يهودي يحاول أن يضيف بعض المادة إلى خواء وغباء جورج بوش وجوقته من مجرمي الحرب اليهود الذين سيطروا تماما على السياسة الخارجية وسياسة الدفاع الأمريكية. يستمر المقال :

(يحاول فريق السيد بوش للسياسة الخارجية - منذ خطبة حال الاتحاد - أن ينسج علاقة منطقية بين وصف نظام كوريا الشمالية بالشر وبين السياسة القائمة للولايات المتحدة التي تؤيد مبادرة كوريا الجنوبية المسماة "سطوع الشمس Sunshine" تجاه كوريا الشمالية التي تقدم إلى بيونجيانج Pyongyang الاتصال والتفاوض. تقول كوندليتسا رايس مستشارة الأمن "نحن نعتقد أنه يمكن أن تكون هناك سياسة تنطق بالحق والوضوح عن نظام كوريا الشمالية وتترك في نفس الوقت مجالا مفتوحا للحوار."

هذا الكلام صحيح من الناحية النظرية، فقد نجح الرئيس ريجان في تنفيذ ذلك مع الاتحاد السوفيتي، لكن السياسة الكورية للإدارة الأمريكية تبدو أكثر شبها بزواج غير سعيد تتعارض فيه الأهواء وأقل شبها بتوازن حريص، فبينما يبدو بعض كبار الرسميين بالإدارة كارهين للكلام مع الشمال ويفضلون الانسحاب من الاتفاق المبدئي الذي تم التفاوض بشأنه عام 1994 بين إدارة كلنتون وبيونجيانج، نجد فريقا آخر مستعد لمواصلة سياسة كلنتون الجريئة. وكلا الفريقين لا يريدان خلافا علنيا مع كيم داي جنج Kim Dae Jung - رئيس كوريا الجنوبية الحائز على جائزة نوبل للسلام - في أواخر أيامه بالسلطة.

تبدو السياسة الأمريكية الحالية أحيانا كما لو كانت تجمع بين ثلاثة مواقف دون التوفيق بينها. فهل تود هذه الإدارة التفاوض دون شروط أم أنها تود التفاوض إذا ما طرحت بعض الموضوعات المعينة على المائدة، مثل خفض أعداد جيش كوريا الشمالية؟ هل تود الإدارة فتح أبواب اقتصادية مع النظام؟ أم أنها تود فقط الحد من صادرات النظام من الصواريخ؟ هل الإدارة متمسكة بمتابعة الاتفاق المبدئي الذي يشمل وعدا بتزويد بيونجيانج بوحدة للطاقة النووية؟ إن كلا من الشمال والجنوب يستفيدان من معرفة الإجابات الواضحة على هذه التساؤلات مهما كانت مؤلمة.

إن اليابان والصين أيضا تستفيدان من الحصول على بعض الكلام الواضح من السيد بوش. هناك إغراء لأن يتركز الكلام في طوكيو على كوريا ومقاومة الإرهاب مع تقديم الثناء والدعم الكلامي لرئيس الوزراء جونيشيرو كويزومي Junichiro Koizumi وجهوده لتحسين الاقتصاد الياباني بينما يتم تجاهل الحقيقة المؤسفة وهي أن تلك الجهود أقل كثيرا مما يرى معظم رجال الاقتصاد. فرغم الصورة النشطة مستقلة الحركة للسيد كويزومي وشعبيته التي لا تزال مرتفعة إلا أنه قد ابتعد عن دفع عملية تنظيف ديون التجارة والشركات المفلسة والبنوك المتهالكة وغير ذلك من الأمور التي تفتح السبيل لإحياء الاقتصاد الياباني. هذا الانتعاش ضروري لبقاء طوكيو شريكا أمريكيا رئيسيا بالمنطقة.

قلما تسهم النصيحة الأمريكية في تعضيد عملية اتخاذ القرار الياباني، إلا أن السيد بوش يجب أن يبذل بعض الجهد. لأن ذلك من شأنه على الأقل ألا يدعم الفريق الياباني الذي لا يحبذ عمل شيء.

وبالمثل، لا يمكن للسيد بوش في تعامله مع الصين أن ينحي جانبا مسألة حقوق الإنسان.

تبدو حكومة الرئيس جيانج زمن Jiang Zeminمتحمسة للتقارب مع الإدارة الأمريكية بعد عامها الأول الذي تخبطت فيه العلاقات، والبناء على العلاقات التجارية التي توسعت والهدف المشترك لمقاومة التطرف الإسلامي في آسيا الوسطى.

لكن مفهوم الصين لمقاومة الإرهاب لا يستحق تأييد الولايات المتحدة، فالصين تريد كبت النشطين السياسيين المسالمين في يوغور Uighur بمقاطعة كزنجيانج الغربية، واستمرار اضطهاد الحركات الدينية والسجن المجحف للمفكرين والنشطين السياسيين الديمقراطيين. إذا ما كانت إدارة بوش تستطيع الكلام بصدق عن كوريا الشمالية وتقدم في ذات الوقت حلولا للمستقبل فإنها تستطيع عمل نفس الشيء بالنسبة للصين.)

لا يخلو الكلام طبعا من المغالطات اليهودية التقليدية التي نعرفها جميعا، فالكلام لا يحلو دون دس عبارة "التطرف الإسلامي" حتى يتم ترسيخ المفهوم القائل بأن الإسلام هو التطرف والإرهاب. جورج بوش ومعلقيه ويهود إعلامه لا يفهمون طبيعة العلاقات الآسيوية ومدى التقارب الحادث بين شعوبها وكيف أن كوريا الشمالية والجنوبية تسعيان جاهدتين إلى التقارب والوحدة وتنفران من الأسلوب الأمريكي الذي يعيش على الانقسام والوقيعة والحرب والضرب، تلك السمات اليهودية التي ترسخت في قلب وقالب السياسة الأمريكية العفنة.

أما صحيفة الجارديان The Guardian البريطانية فقد كتبت بتاريخ 16/2/2002 مقالا لكاتبها ألكساندر تشانسيلور Alexander Chancellor تحت عنوان "الكلب البودل الأمريكي The Yankee Poodle" على غرار اللحن الأمريكي الشهير Yankee Doodle. ولأن كتاب الجارديان وقرائها من طبقة ثقافية عليا فإن الكناية الغير واضحة تماما بالعنوان هي أن توني بلير لا يزيد عن كلب مدلل صغير تابع لأمريكا. تقول الافتتاحية:

(قال توني بلير في نيجيريا في الأسبوع الماضي "السياسة عالمية، فلا مهرب من تهديدات أسلحة الدمار الشامل والرعب والتطرف الديني." هذا هو تبريره للطواف حول العالم فهو يسعى "لشفاء آثار الجروح" - وهي عملية مستحيلة لأن العلامات التي تتركها الجروح على الجلد لا يمكن إزالتها - ولكي يأخذ راحة من المشاكل الداخلية المتفاقمة. ولكن ما هو القصد حقا؟ كان هناك مقال في فاينانشيال تايمز Financial Times منذ أيام عن القوة العسكرية الأمريكية، كتبه بول كنيدي Paul Kennedy أستاذ التاريخ بجامعة ييل Yale University وهو أيضا "خبير في أمور الأمن العالمي". بدأ المقال بوصف حاملة الطائرات إنتربرايز Enterprise المزودة بالطاقة النووية والتي كانت تقوم بنوبة حراسة وتفتيش بالمحيط الهندي يوم 11 سبتمبر ثم تم استدعاؤها للخدمة للمساعدة في قصف أفغانستان. الحاملة طولها حوالي 400 متر وارتفاعها يعادل ارتفاع بناية من 20 طابق وعليها طاقم خاص بتشغيلها من 3200 فرد بالإضافة إلى نحو 2400 طيار وطاقم طيران لخدمة أسطولها المكون من 70 من أحدث الطائرات. كان يصحب الحاملة في ذلك الوقت 15 سفينة عليها 14300 رجلا ، وهذه أرقام عادية للمجموعات الحربية المصاحبة لحاملات الطائرات التي يوجد منها 12 حاملة أمريكية تكلف كل منها عدة بلايين من الدولارات. وهناك حاملة جديدة باسم رونالد ريجان سوف ترفع العدد إلى 13.

يقول البروفيسور كينيدي أن تكلفة المجموعة الحربية الخاصة بحاملة طائرات أمريكية واحدة قد توازي أو تزيد عن ربع ميزانية الدفاع لدولة متوسطة الحجم. حاملات الطائرات البريطانية الثلاثة تعد ضئيلة عند المقارنة، وكذلك ميزانية الدفاع البريطانية، فمنذ 11 سبتمبر أعلن الرئيس بوش زيادة ميزانية الدفاع بمبلغ 10 بليون دولار لتصل إلى الرقم المذهل 379 بليون دولار.

تصل ميزانية الدفاع البريطانية إلى حوالي 33 بليون دولار أمريكي وهي اقل من جزء واحد من 11 جزء من الميزانية الأمريكية. تنفق الولايات المتحدة على الدفاع ما يزيد عما تنفقه أغنى 10 دول أخرى في العالم مجتمعة. والولايات المتحدة غنية إلى الدرجة التي لا تشعر معها بعبء هذا الإنفاق. تنفق بريطانيا على الدفاع 2.5% من إجمالي الدخل القومي بينما تنفق الولايات المتحدة 3.2% أي ما يزيد عن ذلك، وتتحمل الولايات المتحدة ذلك بسهولة نظرا لأن "كحكتها كبيرة" نسبيا ورغم الزيادة المستمرة في الإنفاق العسكري إلا أن النسبة المئوية في تراجع مستمر فقد كانت 6.5% عام 1985 أي ضعف ما هي عليه اليوم.

ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني أن تأييد بريطانيا للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب لا يعني الكثير باستثناء الجانب النفسي. فكل ما في الأمر أن الأمريكيين محتاجون إلى الثقة في أن لهم حليف مخلص. الولايات المتحدة لديها القوة بمفردها لسحق القاعدة وكل من يقف في الطريق. كل ما تستطيع بريطانيا أن تقدمه هو المساعدة الرمزية والتصفيق من على الجانب. يدافع بلير عن سفرياته كشيء ضروري للحرب على الإرهاب، فيقول في نيجيريا "لا توجد ضاحية وارفة الظلال بعيدة عن مرمي الأشياء السيئة والناس السيئين … ليس في بلادي أو بلادكم أو أي بلد آخر." قد يكون الأمر كذلك لكن الأمريكيين وحدهم هم القادرون على عمل أي شيء.

إن هدف رئيس الوزراء عظيم في حد ذاته حيث أنه يريد أن يبعث بالرخاء إلى المناطق الفقيرة من العالم. حتى لو أمكن ذلك - وهو غير ممكن - فإنه لا يضع نهاية للإرهاب. فالانتحاريين يوم 11 سبتمبر كانوا في معظمهم أغنياء من الطبقة المتوسطة يدفعهم التعصب الديني والكراهية الشديدة لأمريكا. فالقوة والثروة على هذا المستوى الهائل تدعو إلى الكراهية من شتى البقاع.

الحكومة البريطانية استثناء لهذه القاعدة فبريطانيا التي تكره فقدانها لدورها كقوة رائدة ما تزال تهفو إلى القوة وأقرب شيء لتلك القوة هو الوقوف "كتفا بكتف" إلى جانب الأمة التي تسود العالم. يضايق بريطانيا أن الولايات المتحدة لا تحب دور الشرطي الدولي لذلك فإننا جعلنا رسالتنا أن نحاول كلما أمكن أن نورط الولايات المتحدة في مغامرات دولية حتى نشعر بأننا في الصورة.

ونحن نحاول بنفس الأسلوب أن نكون مثل الأمريكان بقدر الإمكان. تحرجنا تقاليدنا مثل التمسك بالنظام الملكي لأنها تجعلنا نبدو طرازا قديما وتحرمنا من أن نكون مقبولين عالميا كحكومة خيرة على النمط الأمريكي. إنه شيء مؤسف في الواقع.)

الكلام هنا أيضا لا يخلو من مغالطة فيهود أمريكا ليسوا في حاجة إلى حث بريطانيا لكي تتصرف أمريكا بحمق واستهتار بالأرواح البشرية غير الأمريكية. كما أن العالم لا يكره أمريكا لأنها غنية، فالعكس هو الصحيح لأن الناس على استعداد تام للإعجاب بالأغنياء إذا لم تكن تصرفاتهم خرقاء تمطر القنابل فوق رؤوس الأبرياء.

أما الكاتب الفذ روبرت فسك فهو على عادته يخرج علينا بمقاله المتوازن في الجريدة الإنجليزية إندبندنت Independentبتاريخ 21/2/2002 تحت عنوان "يجب أن تتوقف أوربا عن ترديد النص الأمريكي عن الشرق الأوسط كالببغاء"؟". يقول فسك:

(بينما الرئيس جورج بوش يتخبط في حديثه عن "محور الشر" وجهاده الصليبي ضد الإرهاب نجد أن مأساة حقيقية توشك أن تتدخل في جهاده الأسطوري ضد أعداء أمريكا. هذه المأساة عن مكان يدعى فلسطين، وعن مكان يدعى إسرائيل. لقد أصبحت سياسة واشنطون في الشرق الأوسط على درجة من الكسل والخواء والانحياز لإسرائيل إلى درجة أن الرئيس ما زال يبدو غير واع إلى أن الحرب الحقيقية بالمنطقة تشمل الحليف الاستعماري إسرائيل وصراع قومي يقوده ياسر عرفات القائد الفلسطيني التابع لإسرائيل بالوكالة.

إن الرئيس بوش يعتقد أنه يقود حربا صليبية بالفعل. صحيح أنه قد تم تحذيره من استخدام ذلك التعبير لأن المسلمين ليسوا في اشتياق إلى فرسان القرن الحادي عشر الذين ذبحوا عشرات الآلاف من المسلمين واليهودن لكنه استخدم نفس الكلمة مرة أخرى منذ خمسة أيام فقط. كان السيد بوش يتكلم عن الجنود الكنديين الذين تهوروا بالانضمام إلى قوات الولايات المتحدة في قندهار حينما قال "إنهم يقفون معنا في هذا الجهاد الصليبي الهام للدفاع عن الحرية."

جهاد صليبي حقا! فبينما الفلسطينيون يتعلمون من رفاقهم في حزب الله بلبنان كيف يكون تكون مقاومة قوات الاحتلال والحصول على الحرية نجد السيد بوش مستمرا في إعطاء رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون الضوء الأخضر "لضرب الإرهاب" بينما يأمر بالديمقراطية لكل الدول الإسلامية بالشرق الأوسط وخاصة إيران والعراق، ولكنه بالطبع لا يطالب بالديمقراطية لحلفاء مثل العربية السعودية ومصر.

إن القدرة الأمريكية على إعادة كتابة التاريخ فضيحة حيث يتم تجفيف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالهواء الساخن فيتحول إلى مجرد كليشيهات. فالمناطق الفلسطينية المحتلة قد أصبحت مناطق "مختلف عليها" والمستعمرات اليهودية على الأرض العربية أصبحت "مستوطنات" وهي الآن "مناطق جيرة" طبقا لما تقول CNN و BBC أما فرق الإعدام الإسرائيلية فهي الآن "القوات الخاصة" التي تقوم بعمليات "قتل مستهدف". لقد أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية النصر في أفغانستان بنفس الأسلوب. تلك كذبة أخرى لأن حكومة حامد كارزاي Hamid Karzai تحكم بضعة شوارع في كابول، فأفغانستان بعد الحرب الأمريكية قد صارت مكانا تحكمه الفوضى واللاقانون والاغتصاب وقطع الطرقن وقد قتل واحد من وزراء السيد كارزاي في قاعدة طيران باجرام Bagram ضمن خلاف بين أعضاء الحكومة. وقد قيل لنا أن الجيش البريطاني الذي يحكم المطار غير مسئول، والسعوديون يطلقون سراح الفاعلين. تقوم طائرات B-52 الأمريكية الآن بقصف "جنود الأعداء"، وهم ليسوا أعداء للولايات المتحدة وإنما رجال قبائل متصارعة تصادف أنهم يعارضون اختيار أمريكا لحامد كرزاي رئيسا. هذه قصة قديمة فنحن البريطانيون كنا نحرب "القبائل المتحاربة" في العشرينيات، والآن يقوم الأمريكيون بنفس العمل.

يجب علينا في نفس الوقت أن نتجاهل الحرب الفلسطينية الإسرائيلية. الانتفاضة الفلسطينية التي أثارتها زيارة إريل شارون للمسجد الأقصى "خطأ استراتيجي" طبقا لقول وزارة الدولة يوم الثلاثاء الماضي. طبقا لجريدة هآريتز الإسرائيلية يقول ضابط إسرائيلي لرفاقه أنه يجب عليهم "دراسة ما كان يفعله الجيش الألماني للعمل في جيتو وارسو". لا داعي للقول بأن ذلك التقرير الأخير غير منشور بالولايات المتحدة.

الحقيقة هي أن الفلسطينيين قد تعلموا الدرس من حزب الله في لبنان. ليس ضروريا أن تستسلم للاحتلال فبإمكانك أن تقاوم وأن ترد بالصواريخ المصنعة منزليا وبكمائن الألغام البدائية فوق الطرق وبالقنابل الانتحارية. هذه حرب قاسية لا رحمة فيها وهي أسوأ سنوات "الرعب" في تاريخ إسرائيل الحديث. ولكن هذه حرب ضد الاستعمار وصراع ضد المستوطنات اليهودية وأستطيع أن أفهم جيدا لماذا يعلن البروفيسور آري إلدار Arie Eldar الطبيب السابق بالجيش الإسرائيلي "يجب أن نعدم عرفات اليوم."

ومع ذلك فإن الحكومة الأمريكية تردد كالببغاء كل ما يقوله السيد شارون. السيد عرفات يجب أن ينهي "الإرهاب"، وخطته لاستيراد الأسلحة الإيرانية -التي يفترض دائما أنه قد تم إثباتها- هي رمز لمخططه لتدمير إسرائيل. حينما تستمع للمتحدث باسم وزارة الدولة الأمريكي فإنك قد تظن أن الإدارة الأمريكية قد قبلت نظرية شارون المجنونة القائلة بأن عرفات جزء من "الإرهاب الدولي". الواقع أن الطريقة الجبانة التي يورد بها المراسلون الأمريكيون أخبار الشرق الأوسط تدفع إلى التساؤل عن سبب رغبة البنتاجون في إنشاء ذلك المكتب الهزلي "مكتب التأثير الاستراتيجي"Office of Strategic Influence لتسويق الحقائق والأكاذيب للصحافة، فالصحفيون الأمريكيون جبناء ويقبلون عن طيب خاطر وجهة النظر الحكومية بحيث أنه ليس ضروريا إهدار 10 بليون دولار تضاف إلى ميزانية البنتاجون من أجل بيع هذا النوع من القمامة.

لقد اشتركت منذ بضعة أيام في مناقشة بالراديو الأمريكي صرح فيه أحد موظفي وزارة الدولة السابقين بأن على واشنطون أن تقطع علاقتها مع عرفات إذا لم يقم "بالسيطرة على الإرهاب". كان الموظف يسير على الخط الشاروني بإخلاص، وكان مفروضا أن أتدخل برجاء للسيد عرفات، لكنني في الواقع اقترحت أن تقطع واشنطون كل صلة بعرفات لأنه نظرا للفشل التام للسياسة الأمريكية في المنطقة فإن الوقت قد حان لكي يتسلم الأوربيون زمام الأمور ليكونوا وسطاء. فلماذا لا يكون لنا دور بعد أن أتلف الإسرائيليون ما تربو قيمته على 11 مليون يورو من الممتلكات الفلسطينية التي دفع الاتحاد الأوربي ثمنها.

حلت السكتة فأنا لم أتكلم طبقا للنغمة المعهودة. ولكن لماذا يفترض أننا نحن الأوربيون يجب أن نتكلم طبقا للنص الأمريكي؟ صحيح أن لدينا من المتحدثين بعض الأغبياء من وقت لآخر، فهناك على سبيل المثال رئيس وزراء التشيك الذي قارن عرفات بهتلر هذا الأسبوع ، لكن من حقنا أن نتكلم في عالم يقول لنا السيد بوش فيه كواحد من مخرجي هوليود بأن عام 2002 هو عام الحرب. الولايات المتحدة لها الحق في خيالاتها، فآخر ما جاءنا من المخابرات الأمريكية - هؤلاء الأبطال الذين فشلوا في معرفة وجود مؤامرة لضرب مركز التجارة العالمية - هو أن أفغانستان مهددة من إيران التي أرسلت مئات من العرب والأفغان المحاربين إلى مزار الشريف لكي يخلقوا الفوضى. وبالطبع فإن تلك القوى الشيطانية قد تم تدريبها بواسطة حزب الله في لبنان.

من نافلة القول أن نقول بأن هذه القمامة تؤخذ مأخذ الجد في واشنطون وإسرائيل التي جاءت منها تلك القمامة، لكن ليس علينا أن نقبل هذا الهراء. المعركة الحقيقية قائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. أما العراق فهي عرض جانبي. إذا أراد الأمريكان عكس الأولويات فإننا نحن الأوربيون لا نملك لهم إلا الرثاء. لكن دمغ سياسة بوش بواسطة وزيري الخارجية الفرنسي والألماني وقيادة الناتو أمر حقيقي. فلنترك الجهاد الصليبي والحرب على الإرهاب وليكن هناك عدل في الشرق الأوسط للفلسطينيين والإسرائيليين معا.)

لا تعليق على تعليق روبرت فسك"، وإلى اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الله.

=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(10)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
29/02/2002

نشرت إندبندنت Independent البريطانية في 22/02/2002 مقالين لكاتبها فيل ريفز Phil Reeves من الكيان الصهيوني أولهما بعنوان "الشرق الأوسط ينزلق في اتجاه الحرب بعد الاستهزاء بعرض عرفات للسلام". يقول الكاتب:

(انزلق الشرق الأوسط أكثر في اتجاه الحرب حينما أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون مساء أمس على ضرورة تجريد الفلسطينيين من السلاح وأعلن عن خطة لإنشاء حواجز تعزل المناطق الفلسطينية تماما.

وقف السيد شارون موضحا في خطبة تلفازية لشعبه أنه ما زال مصرا على استخدام القوة العسكرية معلنا أن إسرائيل لن تهدأ حتى يتم تدمير "شبكة الإرهاب". كان ذلك في أعقاب يوم قامت فيه القوات المسلحة الإسرائيلية بشن موجة أخرى من الضربات الجوية والأرضية ضد الفلسطينيين.

كان كلامه لاحقا لمقتل تسعة من الفلسطينيين في هجمات على غزة والضفة الغربية وبعد سقوط قذيفة صاروخية داخل مبنى السيد عرفات كجزء من عملية الرد المستمر على ازدياد معدل الهجمات الفلسطينية، وعلى الأخص مقتل ستة جنود بإحدى نقاط التفتيش يوم الثلاثاء.

نادى السيد شارون ملتمسا وحدة الصف داخل إسرائيل، فهو يواجه لأول مرة منذ انتخابه نقدا ملحوظا من كافة الاتجاهات السياسية بسبب فشله في إخضاع الفلسطينيين بالإضافة إلى عدد من الإحباطات التي تحط من قدر الجيش الإسرائيلي.
لابد وأن تكون خطبة شارون قد أثارت استياء الاتحاد الأوربي الذي يزداد قلقه من عجز أمريكا الواضح عن إيجاد حل يسيطر على الصراع. أعلن البيت الأبيض بالأمس عن "قلقه الشديد" بشأن العنف لكنه ظل مفلسا لا يملك أي أفكار جديدة. لقد سقط 50 قتيلا حتى الآن هذا الأسبوع.

خط السيد شارون عددا من الشروط التي لا أمل في نجاحها، إن لم يكن لأي سبب فهو لأن القيادة الفلسطينية تعجز عن تطبيقها حتى لو أرادت. شملت تلك الشروط القضاء نهائيا على التنظيمات التحتية لما يسمى بالمنظمات الفلسطينية الإرهابية، وهي من وجهة النظر الإسرائيلية فئة تشمل المجموعات السياسية الرئيسية. والفلسطينيون لا يمكن أن يقبلوا أيضا مطلب السيد شارون بنزع سلاحهم تماما "قبل تحقيق أي تقدم." لقد أصر على ضرورة التوقف التام للعنف الفلسطيني كشرط لقبوله التفاوض، وهو مطلب يعتبره المجتمع الدولي غير واقعي على الإطلاق ويعوق سير الأمور عن عمد. لكن شارون لم يتمسك - كما كان يفعل في الماضي - بسبعة أيام من الهدوء كشرط لتطبيق خطة ميتشل للسلام. ورفض إعطاء أية تفاصيل عما سمي بالمناطق العازلة والتي قال أن الغرض منها هو زيادة أمن الإسرائيليين. وقد اعتبرها الفلسطينيون على الفور خطة لتعزيز الاحتلال الإسرائيلي.

من المتوقع أن تشمل تلك المناطق العازلة ما سبق الكشف عنه من مقترحات عن عزل القدس بالمزيد من نقاط التفتيش والخنادق داخل المناطق العربية المحتلة. لم تخدم تلك الإجراءات أي غرض حتى الآن سوى زيادة عمق الاحتكاك بين الجانبين لأنها تزيد من الحضور العسكري الإسرائيلي داخل المناطق المحتلة. يرى الفلسطينيون أن تلك الخطوات جزء من مخطط سياسي طويل الأمد للسيد شارون لتعزيز قبضة إسرائيل على القدس، بما في ذلك القطاع الشرقي العربي وأجزاء كثيرة من الضفة الغربية.

علق صائب عريقات - وهو أحد مفاوضي السلام الفلسطينيين السابقين - بعد أن سمع الخطاب "أنا أشد رعبا عما كنت عليه منذ نصف الساعة. إنها رسالة واضحة بأن السيد شارون يود إخراس صوت الاعتدال والسلام في إسرائيل." وبصفة خاصة لم يشر السيد شارون إلى النداء الذي وجهه السيد عرفات للفلسطينيين قبلا في نفس اليوم طالبا منهم الالتزام بوقف إطلاق النار الذي أعلنه يوم 16 ديسمبر والذي أعقبته أسابيع من الهدوء التام. ربما كانت تلك خطوة تكتيكية من الزعيم الفلسطيني الذي تتهمه إسرائيل بتكرار عدم الوفاء بوعوده. لكن ذلك كان مصاحبا لإعلان من رئيس مخابرات السيد عرفات بمدينة نابلس بالضفة الغربية عن القبض على ثلاث رجال تتهمهم إسرائيل باغتيال وزير سياحتها "رشافام زئيفي" في العام الماضي. كان الوزير اليميني المتطرف البالغ من العمر 75 عاما قد قتل بإطلاق النار عليه من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثأرا لاغتيال إسرائيل لرئيس الجبهة. كانت مشاكل السيد عرفات قد ازدادت تعقيدا نظرا للتأييد الشعبي لاغتيال الوزير الذي كان يدعو للطرد الجماعي للعرب من الأراضي المحتلة. كان ذلك الاعتقال واحدا من شروط السيد شارون لإنهاء حصار المقر الرئيسي للسيد عرفات والذي حال بينه وبين السفر لحوالي ثلاثة أشهر، لكن السيد شارون قال أن إسرائيل ما زالت بسبيل بحث التقارير عن ذلك الاعتقال.)

تقرير الكاتب لم يخرج عما تردد من أنباء في هذا الشأن، وهو يوضح مدى استسلام القيادة الفلسطينية للتعليمات الإسرائيلية بشأن القبض على المجاهدين الفلسطينيين الذين يقومون بأعمال "إرهابية" لا يرضى عنها العدو الصهيوني, والسيد عرفات هنا لم يخرج عن ذلك النمط المتخاذل للعديد من "القادة" العرب الذين قد لا يساوي تقييمهم كسياسيين ثمن الكراسي التي يصرون على استمرار الجلوس عليها رغم أنف شعوبهم.

أما المقال الثاني لنفس الكاتب بنفس الجريدة وفي نفس التاريخ فقد كان عنوانه "نقاط التفتيش الممقوتة تتصدر قائمة الأهداف الفلسطينية". يقول المقال:

(يجمع عرب غزة والضفة الغربية على مقت نقاط التفتيش الإسرائيلية التي يرونها سببا للإذلال اليومي والتعاسة الاقتصادية، وتضع الجماعات الفلسطينية المسلحة تلك النقاط على رأس قائمة أهدافها.

وجه الفلسطينيون ضربة موجعة للجيش الإسرائيلي حيث قتلوا ستة جنود بنقطة تفتيش بالضفة الغربية، وبالأمس - بعد يومين - قام مسلح آخر بتوجيه إنذار آخر بأن الميليشيات سوف تركز هجومها على الوجود الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة. صرح الجيش الإسرائيلي بأن المسلح جرح جنديين وأصيب في مقتل عند نقطة تفتيش قرب طولكرم وأن مسلحا فلسطينيا آخر قد فر هاربا بسيارة.

يرى الفلسطينيون في نقاط التفتيش - بأبراج مراقبتها ومدافعها الرشاشة - رمزا كريها للاحتلال الإسرائيلي، وازدادت الكراهية عمقا يوم أمس عندما أردى الجنود بالنار شابا فلسطينيا عمره 27 عاما عند عائق للتفتيش بين القدس ورام الله. قال الجيش أن التحقيق قد بدأ في مقتل "وليد الشيخ"، لكن ذلك لم يهدئ من غضب الفلسطينيين لأن القتل والضرب عند نقاط التفتيش لا يتم التحقيق فيه بجدية من جانب العسكريين الإسرائيليين وغالبا ما يخلى سبيل الجنود الإسرائيليين دون عقوبة. قام الجنود عند نفس النقطة في "القلندية" بفتح النيران على سيارة نقل صغيرة فجرحوا سناء النابلسي وزوجته رندة التي كانت تحمل ابنتها البالغة من العمر 18 شهرا.

عندما بدأت الانتفاضة منذ 17 شهرا كان معظم العنف يتصاعد حول نقاط التفتيش بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الإسرائيليين والمتاخمة للجيوب الواقعة تحت الإدارة الفلسطينية. قام الجنود بقتل أو تعجيز مئات الشبان الفلسطينيين بسبب الاضطرابات. تلاشت تلك المواجهات لكن القوات المسلحة الإسرائيلية قد زادت من عدد نقاط التفتيش داخل الأراضي المحتلة إلى ما يربو على 100 نقطة لفرض حصار داخلي تسبب في عزل المدن والقرى لشهور. تم إقامة دستة من نقاط التفتيش حول بيت لحم والقرى المجاورة مدعمة بالخنادق والكتل الخرسانية وأكوام التراب لفرض الحصار على السكان. أصبحت تلك النقاط الآن أهدافا رئيسية. ذكر ذلك أحد المسلحين الذين أعلنوا مسئوليتهم عن الهجوم القاتل. قالت كتيبة شهداء الأقصى أن العملية كانت "ضمن الحرب على نقاط التفتيش إلى أن يتم كسر الحصار القذر المهين." كان هجومهم أحد أسباب الأعمال الانتقامية الإسرائيلية الكاسحة يوم أمس، قام المسلحون الفلسطينيون في ذلك الهجوم بذبح حارس وقتل ستة جنود بالرصاص ثم تمكنوا من الهرب.

قال الفلسطينيون أن رجلا فلسطينيا اسمه "نصار سالم رنتيسي" ضرب بالرصاص في ساقه ورفض الجنود السماح له بالعلاج الطبي فنزف حتى الموت عند نقطة تفتيش قرب رام الله. وقال جهاد ياغي البالغ من العمر 23 عاما أن الجنود في "عين عارق" حاولوا هذا الأسبوع إرغامه على الزحف تحت سلك بارتفاع وسطه يمتد بعرض الطريق قبل السماح له بالمرور. قال "إنهم يقومون بإذلالنا وأنا سعيد بذلك الهجوم عليهم."

ما أكثر قصص نقاط التفتيش بين الفلسطينيين. قامت جماعة حقوق الإنسان الإسرائيلية في "بيت سليم B'Tselem " بتوثيق 19 حالة لفلسطينيين قتلوا دون جريرة عند حواجز الطرق، وهناك حالات كثيرة منعت فيها سيارات الإسعاف الفلسطينية من الوصول إلى المرضى وحالات لفلسطينيين مرضى ونسوة حوامل منعن من دخول المستشفيات. المشكلة بالنسبة للعديد من الفلسطينيين تتعلق بالأحوال المعيشية فنقاط التفتيش قد رفعت أسعار البضائع والنقل فالرحلة لبضعة أميال تستغرق الآن ساعات للدوران حول نقاط التفتيش على الطرق الترابية، وحواجز الطرق تمنع الطلبة من الوصول إلى مدارسهم وتمنع الكبار من الذهاب للعمل.

يقول الجيش الإسرائيلي أن نقاط التفتيش تمنع المسلحين وانتحاريي المفرقعات، لكن الدليل على فاعليتها غير واضح، ويقول الناقدين أن الغضب الذي تولده يدفع بالشعب الفلسطيني إلى التطرف وتفريخ المزيد من المسلحين المتشددين يوما بيوم. إنها "مصانع لانتحاريي المفرقعات" كما يقول المحلل الفلسطيني خليل "شقيقي".)

فليغفر لي القارئ تشويه أسماء بعض الأماكن والأفراد العرب نظرا لنقلها عن الإنجليزية دون معرفة مني بالأصل العربي. من الواضح أن المقال قد تعرض لأشياء واضحة لم ترسخ بعد في ذهن القيادة الصهيونية، لكن شراذم الشعب اليهودي التي خدعها وهم أرض الميعاد فوق أرض فلسطين المسروقة قد بدأ يحس بالثمن الباهظ لتلك الأسطورة. مرور الزمن يزيد من عمق مقبرة الوعد الصهيوني الأجوف الذي لن يحققه التأييد الأمريكي الأعمى أو ذلك المخزون الهائل من القنابل النووية بدولة إرهابية تقاس مساحتها بالأشبار، زرعها الغرب بيننا لإذلالنا وإخضاعنا لسيطرته.

أما جريدة فاينانشيال تايمز البريطانية فقد نشرت بتاريخ 22/2/2002 مقالا من القدس المحتلة بقلم آفي ماشلس Avi Machlisيسير على نفس الوتيرة ويحكي عن مناطق العزل المبهمة التي اقترحها شارون في خطبته التي أراد أن يبدو فيها كما لو كان جورج بوش صغير آخر. يقول المقال في إحدى فقراته:

(علق صائب عريقات أحد كبار المفاوضين الفلسطينيين بقوله "أعتقد أن ذلك يعني الاستمرار في احتلال 58% من أرض الضفة الغربية وتعزيز المستوطنات. كانت الخطبة خالية من المادة ومن الاستراتيجية وهو يحاول إخراس الأصوات الإسرائيلية العاقلة والشجاعة التي تدعو للسلام والحوار."

قال الرسميون الإسرائيليون أن خطة مناطق العزل لم توحي بأي تغيير للوضع القائم للمناطق المحتلة أو قبول حدود "الخط الأخضر" الذي فصل إسرائيل عن الأراضي المحتلة قبل الحرب العربية الإسرائيلية في 1967. وقال "دور جولد Dore Gold " أحد مساعدي السيد شارون أن الهدف هو "خفض عرضة جزء من الوادي الساحلي في إسرائيل لأنواع الهجمات الإرهابية التي نواجهها" باستخدام عدد من الإجراءات مثل الأسوار ودوريات التفتيش الخاصة.

وقد حذر كوفي عنان السكرتير العام للأمم المتحدة - بعد خطبة السيد شارون - من أن خطة أمن إسرائيلية من طرف واحد لن تساعد على إنهاء العنف بدون أجندة سياسية خاصة تبحث أوجه الخلاف الأوسع. قال السيد شارون أنه سوف يستمر في محاولة الوصول إلى وقف إطلاق النار ومقابلة كبار الرسميين الفلسطينيين. وقد اعترف بقلق المجتمع الإسرائيلي من استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ونادى بوحدة الصف بينما قال بأن الفلسطينيين يفترضون خطأ أن زيادة النقاش حول السياسات الحكومية يوحي بأن المجتمع الإسرائيلي ينهار فقال " إن دولة إسرائيل ليست بسبيل الانهيار والشعب الإسرائيلي أقوي وأصلب مما يظنون")

وليقل شارون ما شاء له القول فأرض الواقع تحكي غير ذلك، لأن النقلة النوعية للمقاومة الفلسطينية اليوم تبث الرعب في قلب المجتمع الصهيوني، والمفاضلة ليست في صف شارون حينما يقارن الشباب اليهودي بين الرقص في صالات الدسكو بتل أبيب والرقص علي حافة القبر بالأرض المحتلة. لقد تحول حلم أرض الميعاد إلى كابوس يقلق باعة الوهم من جيل شارون المنقرض من أبناء عصابات شتيرن والهاجاناه. الزمن في صف أبناء فلسطين البررة والتاريخ لليهود بالمرصاد، فهم اليوم يصنعون بصلفهم وغرورهم الواثق هتلر الأمريكي الجديد الذي سينتبه يوما إلى أن ما فعلوه بالشعب الأمريكي لا يختلف عما فعلوه بالشعب الألماني.

أفردت الجارديان البريطانية في يومي 21 و22/2/2002 عدة مقالات مطولة عن الموقف الفلسطيني الإسرائيلي لا يتسع المقام للتطرق إليها كلها. كان أبرزها مقالين متضادين لكاتبين يهوديين أولهما يدعى "بني موريس Benny Morris" ويعمل أستاذا لتاريخ الشرق الأوسط بجامعة بن جوريون، كان مدافعا عن الحقوق الفلسطينية غير راض عن تشريد آلاف الفلسطينيين ودخل السجن لرفضه أداء الخدمة العسكرية بالضفة الغربية، لكنه سرعان ما تحول عن موقفه وتغيرت نغمته وأصبح رافضا لمبدأ التعايش السلمي بين اليهود والفلسطينيين. جاءت الفقرات التالية بمقاله الطويل الذي كتبه بعنوان "لا فرصة للسلام":

(أعتقد أن الإشاعة القائلة بأنني قد أجريت جراحة زراعة للمخ لا أساس لها على قدر ما أذكر، أو أنها على الأقل سابقة لأوانها. لكن تفكيري فيما يتعلق بأزمة الشرق الأوسط القائمة وبأطرافها قد تغيرت تغيرا جذريا خلال العامين الماضيين. أتصور أن شعوري يشبه إلى حد ما شعور واحد من المسافرين الغربيين استيقظ فجأة على الصوت القبيح لهدير الدبابات الروسية تشق طريقها في شوارع بودابست عام 1956.

إذا تطلعت إلى الوراء في عام 1993 حينما بدأت عملي عن "الضحايا المستحقين " وكانت إعادة دراسة لتاريخ الصراع الصهيوني العربي منذ 1881 إلى الوقت الحاضر، أجد أنني كنت متفائلا مع شيء من الحذر حول احتمالات السلام في الشرق الأوسط. ثم كانت دراستي التدريجية في منتصف التسعينيات لتاريخ العلاقات الفلسطينية الصهيونية لما قبل 1948 والتي أوضحت لي مدي عمق واتساع المشاكل والعداوة. لكن الفلسطينيين والإسرائيليين كانوا على الأقل منخرطين في حديث السلام ومتفقين على اعتراف كل بالآخر ووقعوا على اتفاقية أوسلو والتي كانت خطوة أولى تبشر بانسحاب إسرائيلي تدريجي من المناطق المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية ومعاهدة للسلام بين الشعبين. بدا الفلسطينيون كما لو كانوا قد تخلوا عن الحلم والهدف الذي استمر عقودا طويلة بتدمير الدولة اليهودية والحلول مكانها، وبدا كما لو أن الإسرائيليين قد تخلوا عن حلم "إسرائيل الكبرى" التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن. ولأن العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية هي جوهر النزاع العربي الإسرائيلي فإن الوصول إلى تسوية سلام شامل بين إسرائيل وكل جيرانها العرب بدت في حدود الإمكان.)

لاحظ المغالطات اليهودية والزيف التقليدي لهذا "المؤرخ" اليهودي الذي يكذب ببساطة - شأنه شأن معظم أبناء جلدته من اليهود - فيقول بأن "إسرائيل الكبرى" تمتد في الخيال اليهودي من البحر الأبيض إلى نهر الأردن وليس من النيل إلى الفرات كما هو مرسوم على حائط الكنيست الصهيوني.

مضي الأكاديمي اليهودي اللئيم يشرح كيف واتاه اليأس بسبب الرفض السوري المتكرر للعروض السخية من الرؤساء الإسرائيليين المتعاقبين بالانسحاب من الجولان في مقابل توقيع معاهدة سلام شامل، فيقلل في شرحه من أهمية الجشع اليهودي والرغبة في استقطاع أجزاء من الوطن السوري عند التسوية ويدعي أن رفض سوريا للسلام مرده الرغبة المتأصلة في تدمير الدولة اليهودية. كم يثير هذا الكذب اليهودي القرف والتقزز من هؤلاء اليهود الذين ابتلى الله البشرية بكذبهم وغشهم
.
يمضي الكاتب إلى الادعاء بأن الفلسطينيين رفضوا عروض التسوية المسرفة في الكرم اليهودي منذ عهد أمين الحسيني مرورا بياسر عرفات ولا ينسى أن يورد حكمة "أبا إبان" القائلة بأن "الفلسطينيين لم يضيعوا أية فرصة لإضاعة الفرص Palestinians had never missed an opportunity to miss an opportunity" وكل هذا بالطبع هراء تاريخي فالعرب كانوا دائما وما زالوا تحت سيطرة حكام من صنائع الغرب وموالين له ينفذون مخططاته وألاعيبه المباشرة وغير المباشرة.

يمضي الكاتب إلى ترديد الكذبة التي تدعي حقوقا لليهود وللحركة الصهيونية على أرض فلسطين منذ 3000 سنة، ربما تحولت مع التضخم اليهودي التاريخي إلى 3 مليون سنة، بل وربما إلى 6 مليون، ذلك الرقم السحري المحبب إلى نفوس اليهود والذي يحبون العزف على أنغامه.

على أي حال نجد أن الكاتب اليهودي يختتم أكاذيبه بنبوءة تقول:

(أعتقد أن ميزان القوة العسكرية أو الوضع السكاني لفلسطين - أي معدلات المواليد غير المتوازنة - سوف تحدد مستقبل البلاد فإما أن تصبح فلسطين دولة يهودية بدون أقلية فلسطينية ملموسة أو أنها سوف تصبح دولة عربية ذات أعداد يهودية تتناقص تدريجيا أو أنها سوف تصبح أرضا فانية من المخلفات النووية لا حياة عليها لأي من الشعبين.)

حتى تلك النبوءة فإنها قاصرة لا تغطي كل الاحتمالات فالأرجح أن المشروع الصهيوني سوف يفشل وسوف يرحل من اليهود من كان قادرا على الحركة من ذوي الجنسيات المزدوجة ومعظمهم من الأمريكيين، أما غير الأمريكيين فربما تمكنوا من الهجرة إلى أمريكا ذات الأرض الواسعة القادرة على تحمل نفاية الجنس البشري، وسوف تعود فلسطين إلى أهلها بعد تجربة سخيفة زاد عمرها عن نصف القرن من الموت والدمار، وليقل المؤرخون من اليهود وغير اليهود ما شاءوا لأن التاريخ له حسابات أخرى لا تهمها خرافة أرض الميعاد الزائف.

تولى آفي شلايم Avi Shlaim الرد على الكاتب السابق في اليوم التالي 22/2/2002. شلايم كاتب يهودي آخر من كتاب نفس الجريدة (الجارديان) يتميز بقدرة فائقة على التحليل والاستنباط ويعمل أستاذا للعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد. أقتطف من مقاله الجزء التالي:

(طبقا لرواية "بني" نجد أن تحوله كان عملية درامية للغاية. لقد تخيل أنه يشعر إلى حد ما كمسافر غربي استيقظ على صوت هدير الدبابات الروسية تطحن شوارع بودابست في 1956، لكن المقارنة تحوي بلا شك بعضا من الخطأ. لا يمكن أن يكون بني قد سمع صوت هدير الدبابات الفلسطينية بأي مدينة إسرائيلية لأنه لا توجد دبابات فلسطينية، ربما أنه قد سمع صوت دبابات المركافا Merkava تغزو المدن الفلسطينية بالضفة الغربية ومعسكرات اللاجئين بغزة في خرق بالغ الوضوح لسلسلة طويلة من الاتفاقيات التي وضعت تلك المناطق تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. هناك خطأ بسيط آخر في مقارنة "بني" هو أن الفلسطينيين في أي تحليل لا يمكن إلا أن يكونوا الضحية بينما تكون إسرائيل القوة العسكرية العظمى المعتدية المسيطرة. إذا ما كنا بسبيل البحث عن سوابق تاريخية لهذا الصراع غير المتكافئ لكان الأصوب أن نجدد الصورة الإنجيلية لداود وجالوت David and Goliath. داود الفلسطيني يواجه جالوت الإسرائيلي.)

يمضي الكاتب إلى مدح ما نشره "بني موريس" من كتب تاريخية موثقة وكيف أنه أسهم في إيضاح الحقائق ومنها أن الفلسطينيين لم يهربوا من أراضيهم بمحض إرادتهم أو بناء على تعليمات من قادتهم، وكيف أن السمة السائدة في كتابته كانت تمسكه بتوثيق ما كتب عنه ساردا الأحداث دون تدخل بتقييمها فاصلا نفسه عنها في موضوعية بالغة الدقة وضعته في درجة أكاديمية مرموقة. لكن الكاتب يستمر:

(من المؤسف أن مقال "بني" في الجارديان لا يبين أيا من موضوعيته الأكاديمية أواستخدامه الدقيق للأدلة . وبدلا من تقديم الدلائل فإننا نجد أنفسنا أمام مونولوج مطول من رثاء للنفس ملئ بالكراهية والاحتقار للعرب بصفة عامة وللفلسطينيين على وجه الخصوص.)

يمضي الكاتب محللا ادعاءات موريس العارية من أي دليل سوى خياله الجامح الذي فقد القدرة على التمييز بين التاريخ والخيال. فيقول الكاتب أن فشل اتفاقيات أوسلو ليس بسبب عرفات كما يدعي موريس وإنما بسبب استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات غير الشرعية فوق الأراضي المحتلة التي كان من المفروض أنها جزء من أرض فلسطين المزمع إنشاؤها على 22% من أرض فلسطين الأصلية. يختتم الكاتب مقاله اللاذع بالعبارة:

(إن استنتاجات "بني" تنتج طبيعيا من تسجيله القاصر المعيب لتاريخ العقد الأخير وخاصة العامين الأخيرين. لقد استنتج أن لب المشكلة اليوم هو عدم اعتراف القيادة الفلسطينية بشرعية الدولة اليهودية. أما الاستنتاج الذي أخرج أنا به من التاريخ كما أعرفه فهو أن المشكلة الأساسية اليوم هي استمرار الدولة اليهودية في احتلال معظم الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها في يونيو 1967.

تعترف كل الدول العربية ويعترف الفلسطينيون بحق إسرائيل في الوجود في نطاق حدود ما قبل 1967. لا أحد منهم يعترف بشرعية المشروع الاستعماري فيما وراء الخط الأخضر، وأنا معهم كذلك، وهنا أفترق عن "بني موريس" فتفسيره للتاريخ بعد أن تحول عن طريقه ليس سوى التاريخ القديم بنزعة انتقامية ولا يمكن تمييزه عن دعايات المنتصر. كان في الماضي يمتلك شجاعة اقتناعه أما اليوم فإنه يمتلك شجاعة تحيزه.)

هذا هو حصاد هذا الأسبوع يا عزيزي القارئ ومنه تري حجم الشرخ الذي أصاب الكيان الصهيوني وكيف أن أكاذيبه لا تروج إلا في الإعلام الأمريكي وتنهار تدريجيا في الإعلام الأوربي رغم سيطرة اليهود عليه. وإلى اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الله.

=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(11)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
15/3/2002

لاشك أن إندبندنت Independent البريطانية تعد من أكثر الجرائد الغربية عقلانية وتمتاز افتتاحياتها والسواد الأعظم من مقالات كتابها بالعمق والنظرة الشاملة. لا أعني بذلك أنها أقل عداوة للعرب والمسلمين. لذلك فإنه قلما يخلو هذا العرض الأسبوعي يا سيدي القارئ من إشارة إلى افتتاحياتها أو إلى مقال لأحد كتابها المرموقين. كتبت تلك الجريدة افتتاحيتها بتاريخ 12/3/2002 تحت عنوان "هناك أفكار خطيرة تكمن وراء كلمات الرئيس بوش الدافئة". تقول الافتتاحية:

(هناك تغير محمود قدمته خطبة الرئيس بوش في واشنطون بمناسبة مضي ستة أشهر على 11 سبتمبر وزيارة نائب الرئيس ديك شيني للندن. إذ يبدو أن الإدارة الأمريكية قد فهمت أن ظهورها بمظهر التفرد الذي أبدته في الأشهر الأخيرة قد أضر بالولايات المتحدة في الخارج ويحتاج إلى التصحيح العاجل.

لقد تجنب السيد بوش ترديد كلامه عن "محور الشر" وأسهب في الكلام عن المساعدة التي تقدمها الدول الأخرى للحملة على الإرهاب داخل وخارج أفغانستان. ربما فاجأ الكثيرين من الأمريكيين أن يعلموا أن أكثر من نصف القوات العاملة الآن في أفغانستان من غير الأمريكيين. وقد كررت نفس المفهوم تلك الأعلام المغروسة فوق أرض البيت الأبيض بمناسبة تلك الذكرى. لقد بدأ الرئيس بوش لأول مرة منذ أن بدأت الحملة منذ خمسة أشهر في إشعال جذوة التضامن الدولي الذي جاء فوريا عقب الهجمات الإرهابية، والذي سرعان ما ضيعته واشنطون بعد ذلك هباء دون وعي.

كان ديك شيني في لندن في ذات الوقت. لاشك أن أحد أسباب توقفه كان الراحة من تعب الطيران قبل أن يبدأ عناء جولته في 11 من دول الشرق الأوسط والخليج على مدى 10 أيام. كان بالإمكان أن يتوقف في باريس أو روما أو مدريد لكن توقفه في لندن يعطي نفس الرسالة. لقد اختار أن يتوقف بلندن وأن يعقد محادثات مع السيد بلير أكبر مؤيدي الإدارة الأمريكية والذي يبدو أحيانا أكثر حماسا من جورج بوش في "الحرب" على الإرهابيين.)

تمضي الافتتاحية في الإسهاب عن العلاقات الأمريكية ودور توني بلير ثم تذكر أن شيني قد نفى الأنباء المسربة عن تقرير تخطيط البنتاجون لاحتمال الضرب النووي لبعض الدول. تستطرد الافتتاحية:

(كانت هناك إيماءة إيجابية في نغمة التصريحات الأمريكية التي كانت أقل خشونة وأكثر تضامنا. الدليل على أن واشنطون تحيي دورها في الشرق الأوسط هو قائمة الدول التي سيزورها شيني، ومهمة أنتوني زيني الوشيكة كمندوب خاص لوزارة الدولة. إذا ما كانت الولايات المتحدة قد تخلت عن لهجتها الفردية فإن ذلك يكون في الصالح.
النغمة في حد ذاتها قليلة القيمة إذا لم تماثلها مادة الحديث. هناك من الأمور ما يثير القلق وراء الحديث الرطب للسيد بوش.

أحد تلك الأمور هو الافتراض أن "مساعدة" الدول الأخرى في مشاكلها مع الإرهابيين أو المنقلبين على سلطتها أمر مرغوب فيه. الأمر الثاني هو ذلك التعهد الغريب الذي يقول "أننا لن نرسل القوات الأمريكية إلى كل معركة، ولكن أمريكا سوف تساهم بنشاط في إعداد الدول الأخرى للمعارك القادمة." كان السيد بوش يميل منذ وقت طويل إلى رؤية الدول الأخرى في صورة أمريكا أخرى تعاني من مشاكل أمريكية ليس لها إلا حلول أمريكية. لقد غير قليلا من نظرته إلى العالم خلال ستة أشهر، لكن هذا التغيير ليس بالقدر الكافي.)

ما أثار قلق الكاتب من أن أمريكا تساعد أتباعها من حكام الدول الأخرى "في مشاكلها مع الإرهابيين أو المنقلبين على سلطتها" هو بعينه ما يثير حنق كافة القوى الوطنية بالدول العربية الشمولية. فتحت ستار محاربة الإرهاب لا يستحي المتشبثون بالكراسي من الاستعانة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وربما بالموساد الإسرائيلي لتطويق كافة التيارات الوطنية التي تعارض سياساتهم المدمرة وتحاول التوعية لوجه الله والوطن.

نشرت الأوبزرفر The Observer في 10/3/2002 مقالا لكاتبها نيك كوهين Nick Cohen بعنوان "بلير ليس إلا طفلا لبوش" يقول:

(يعطي رئيس الوزراء كل الدلائل على استعداده للمغامرة بحياة الجنود البريطانيين في حرب كان يعتقد في الماضي أن من الخطأ خوضها. وكان وزير خارجيته ووزير دفاعه أيضا يؤمنان بأن الحرب ليس لها ما يبررها. وقد حذر جنرالاته منها بأقصى ما يمكن أن يثيره الضباط العاملين من ضوضاء. ولم يجد دبلوماسييه وجواسيسه مبررا لها. ولكن إذا ما قالت أمريكا لبريطانيا في أي وقت أن ترسل قواتها إلى العراق فإن توني بلير يطيع بكل همة ومسرة. فماذا بقي لكي نقوله عن رجل كهذا؟

كان الوزراء ينفجرون إذا ما قلت لهم أن التبعية لأمريكا بعد 11 سبتمبر قد جعلت من بريطانيا نكتة دولية. لقد شرحوا لي بدرجات متفاوتة من الصبر كيف أن وقوف بريطانيا مع بوش كتفا بكتف يعطيها "النفوذ". كان شعارهم هو "التضامن في العلن والتصارح في الخفاء". إنه ذلك السحر القديم للعلاقة الخاصة مع واشنطون. سوف يجد المؤرخون أن بلير قد دفع بوش بعيدا عن دونالد رمزفيلد ورفاقه من أنصار الحرب الشاملة، وأقنع الرئيس بأن ينصت إلى كولن باول وأن يركز على محاربة التعصب الإسلامي.

لا معنى أبدا لاستخدام مجازر نيويورك وواشنطون كمبرر لضرب العراق. صدام طاغية غير متدين يفضل ستالين على محمد. من غير المحتمل قيام تحالف بين بغداد والقاعدة التي يمكن أن يقوم أعضاؤها بقتل صدام بكل سرور ، رغم فهمهم لقاعدة "عدو عدوي". لقد دارت القصة حول العالم - واستغلها رمزفيلد - عن أن محمد عطا قابل عميل مخابرات عراقي قبل أن يضرب البرجين. لقد تم دفن القصة عندما اعترفت الشرطة التشيكية في شهر يناير بأنه لا يوجد لديهم أي دليل على أن عطا قد اتصل بالسفارة العراقية. وربما قيل لنا يوما ما أن الصحيفة التي كشفت "وسيط براج" كانت ضحية الخلط أو الدعاية السيئة.

تم في الخفاء إخطار الصحفيين المميزين بأن بريطانيا تعترض على توسيع مجال الحرب. وحينما امتد هذا الامتياز للكثيرين أصبح السر علنا. وقد ألمح "العمل الجديد" <حزب> علانية إلى اعتقاده بأن فريق رمزفيلد مغفل لدرجة خطرة. حينما قال جون نجروبنت John Negroponte سفير بوش بالأمم المتحدة في أكتوبر أن أمريكا تحتفظ بحقها في الهجوم على الدول الأخرى قال عنه جاك سترو Jack Straw أنه ثرثار يدور في حلقة، وأضاف بسرعة قائلا "هناك تصريحات كثيرة ترد من واشنطون بصورة مستمرة. واشنطون مكان كبير لكن هذا التحالف العسكري خاص بالعمل المتعلق بأهداف في أفغانستان." لقد وضع وزير الخارجية ثقته في غير محلها حينما اعتقد أن بريطانيا وباول Powell قد أقنعا بوش بالحد من الحرب. إذا ما كان يعتقد الآن أن غزو العراق لن يشعل النار في الشرق الأوسط فإن عليه أن يشرح لنا سببا آخر جعله يغير رأيه، بالإضافة إلى رغبته في الوقوف في الصف خلف بوش. أما جيف هون Geoff Hoon فكان أكثر وضوحا عندما قال أن دحر الطالبان كاف لكي تتعلم "الدول المنحطة rogue states" ألا تروج الإرهاب. وقال "أعتقد عن يقين أن الإشارات التي نرسلها لأفغانستان والعالم سوف تكون كافية لحث الدول الأخرى على الاعتراف بأنهم لن يستطيعوا مساندة الإرهاب الدولي." وكلما سألوه أعطى نفس الإجابة بأنه لا توجد صلات معروفة بين العراق والأصولية الإسلامية. كان على صواب تماما. فقد بحثت المخابرات الأمريكية والبريطانية الأمر لستة أشهر ولم تجد شيئا. سوف يكون "هون" مسئولا ولو بصورة رمزية عن قيادة القوات البريطانية إذا اشتعلت الحرب. إذا ما تعرضت تلك القوات للخطر فإن الواجب والقيادة الأمينة تتطلبان منه أن يخطرهم لماذا ومتى تبين له أنه كان على خطأ.

أما بلير فهو كما تتوقع، من الصعب الحصول على تصريح واضح منه. لكن مستشاري داوننج ستريت Downing Street أخبروا الصحفيين بأنه قلق لأن الهجوم على العراق سوف يزعزع أصدقاءه في الشرق الأوسط. قرر بلير السماح للأدميرال سير مايكل بويس Admiral Sir Michael Boyce رئيس أركان الدفاع بأن يواجه صقور واشنطون بازدراء حقيقي. كان هذا القرار أكثر وضوحا من همسات الطباخين المجهولين. صرح سير مايكل في ديسمبر بأن بريطانيا يجب أن تكون حذرة من السير خلف "تصميم الولايات المتحدة المتزمت" على إعلان الحرب على جبهة عريضة مستخدمة "عمليات الغرب الهمجي wild west < إشارة إلى غرب الولايات المتحدة الذي كان مسرحا لأعمال العنف والعدوان> عالية التقنية." يجب احترام القانون الدولي، ويجب عدم استثارة الرأي العام العربي، ويجب كسب قلوب وعقول المسلمين. لم يذكر سير مايكل العراق بالاسم ولم تكن به حاجة إلى ذلك.

إن أي سجل للدبلوماسية البريطانية بعد 11 سبتمبر يقول بأن بلير قام بالعمل ضد هجوم أمريكا على العراق. لكن إعادة الصياغة التي يقوم بها الصحفيون الأمريكيون نادرا ما تذكر بلير. إن أكبر هزيمة للسياسة الخارجية البريطانية هو فقدان الوهم القائل بأن لندن تؤثر على واشنطون. وهو نوع من الخيال يصيب الإعلام بنفس الشدة التي يصيب بها رئيس الوزراء. إن كل من قابل زعماء اليمين الأمريكي يعرف أن رؤيتهم الموحدة للعالم تتسم بالثقة الشديدة بالنفس والتي زادت منها القوة العسكرية غير العادية. قد تكون المبادئ التي صرح بها بلير بعد 11 سبتمبر أفضل كثيرا. ولكن ليس من المعقول أن نتخيل الجمهوريين يضربون جبهتهم هاتفين "لعنة الله على ذلك، لقد كنت على حق يا توني، يجب علينا أن نصب المعونات على العالم الثالث وأن نتخلى عن سياستنا ذات المكيالين في الضفة الغربية."

تكاد تكون الهزيمة الثانية مهينة بنفس الدرجة. لقد فعلت بريطانيا ما أرادته أمريكا طوال التسعينيات واحتوت العراق بفرض العقوبات. إن إعلان بوش الحرب على محور الشر هو بمثابة إعلان بأن واشنطون الآن ترى أن كل تلك الخدمة المخلصة من بريطانيا كانت فشلا مضحكا. هناك تناقض مضحك في ذلك للبقية الباقية من اليسار. إنني الآن أتطلع إلى رؤية الطريقة التي سيعارض بها نعوم تشومسكي Noam Chomsky وجون بلجر John Pilger حربا قد تنهي العقوبات التي قالا أنها ذبحت مئات الآلاف من الأطفال الذين كان من الممكن أن يحيوا حياة صحية سعيدة في دولة كالسجن. لكن الإحراج سيكون أعظم لهؤلاء القائلين بأن العقوبات كانت الطريق الأفضل والأوحد.

من الصعب أن يعترف المخدوعون بأنهم قد خدعوا أنفسهم أكثر من خداعهم للآخرين. آخر أحلام وايتهول Whitehall هو أن حديث أمريكا عن الحرب ليس إلا مجرد خداع، وأن صدام سوف يسمح لمفتشي الأسلحة من الأمم المتحدة بالعودة، وأن "باول" سوف يزحزح "رمزفلد"، وأن الصراع سوف ينتهي دون أن يؤذى أحد.

إن تنبؤاتي في سوء تنبؤات داوننج ستريت، لكنني أود الإشارة إلى أن الجمهوريين على استعداد للجزم بأنه من المستحيل أن تثق في صدام. سوف يرون في السماح للأمم المتحدة بالعودة مجرد خدعة. هؤلاء السادة يريدون حربا أخرى، وسوف يشعلونها إن استطاعوا.

ربما يرد بلير بأن أمريكا ليست في حاجة إلى القوات البريطانية التي اتسع نطاق عملها إلى حد زائد. ربما أضاف أنه قد اتفق على محاربة القاعدة ثم تبين له الآن أنه لا يجب أن ينشغل عن واجبه في محاربة الأصولية بمدنه هو. ربما يأمل في أن يسقط الطاغية <صدام حسين> بسرعة وبأقل خسائر مدنية، فيترك هو الأمر على حاله. لكنه لن يفعل ذلك لأنه لا يستطيع الاعتراف بينه وبين نفسه بأن أمريكا التي تزأر ويصعب السيطرة عليها تراه كحلية إضافية يحلو امتلاكها لكنها ليست بالشيء الهام.)

ربما لاحظت يا سيدي القارئ أن الكاتب اليهودي رغم عقلانيته يكتب في إطار التعليمات اليهودية العامة من حيث أنه يجب أن يلعن الأصولية الإسلامية وأن يكثر من ذكرها، ولا بأس من أن تكون دوما مقرونة بالإرهاب. يقوم الكاتب على الطريقة الصهيونية الأمريكية بتأكيد حتمية ضرب العراق، وهو ينكر على الرئيس صدام حسين إسلامه رغم أن الرئيس صدام عندما يخطر له قتل أحد معارضيه برصاص مسدسه فإنه قد يفعل ذلك في التو واللحظة حتى لا يتأخر عن إمامة صلاة الظهر مع حاشيته. على أي حال لقد أصاب الكاتب في تقييمه للعلاقة البريطانية الأمريكية التي وصفها جورج جالاوي George Gallaway عضو مجلس العموم البريطاني في إيجاز بليغ بقوله "إنها تشبه علاقة مونيكا لوينيسكي بالرئيس السابق بيل كلينتون".

أثار تسريب أنباء الخطط الأمريكية للهجوم النووي المزعوم على 7 دول الأثر الدعائي الذي أراده مسربو الخبر الغريب. ساهمت معظم صحف العالم في انتشار الخبر بالاهتمام به والتعليق عليه. يبدو أن الأثر الدعائي المطلوب هو إرهاب الدول العربية قبيل زيارة ديك شيني للمنطقة. رغم ذلك فإن الصحف قد أخذت الخبر مأخذ الجد وأعطته نفس الأهمية التي تعطيها لهذيان ذلك الصبي المغرور "جورج بوش". سأورد فيما يلي مقتطفات من بعض تلك التعليقات. ولنبدأ بجريدة جونجانج إلبو GoongAng Ilbo من كوريا الجنوبية التي أفردت افتتاحية للموضوع في 11/3/2002 تحت عنوان "الخوف من التقرير الأمريكي"، أقتطف منها:

(أدى وضع كوريا الشمالية ضمن الدول المستهدفة للهجوم النووي إلى القلق واحتمال لأن يتصاعد أي اشتباك عسكري عادي على شبه الجزيرة الكورية إلى حرب نووية. إن تقرير التهديد النووي يوضح أسلوب تفكير الولايات المتحدة المنفرد الذي يرى أن ترسانتها النووية حميدة وأن ترسانات غيرها من الدول شريرة، وأن الولايات المتحدة تستطيع أن تنشر الرعب من الحرب النووية لكي تحمي أمنها القومي. لقد انتقدت الدول التي شملتها القائمة ذلك التقرير، وأبدى حلفاء الولايات المتحدة قلقهم من أن التقرير سوف يؤدي في النهاية إلى زعزعة المجتمع الدولي بدفع الدول غير النووية إلى تطوير تسليحها. إن الاعتبارات الاستراتيجية التي اقترحها التقرير لن تضمن أمن الولايات المتحدة ولن تؤدي تلك الاقتراحات إلا إلى تعكير صفو العلاقات بين واشنطون وحلفائها.)

وجاءت افتتاحية كاثيميريني اليونانية Kathimerini في 11/03/2002 تحت عنوان "الشبح النووي المرعب". أقتطف منها:

(لا ضرورة لأن نؤكد أن مثل هذا المنطق لن يكون قاصرا على الولايات المتحدة. هناك العديد من البلدان المستعدة لاتباع أسلوب الولايات المتحدة. نحن هنا نشير بصفة أساسية إلى دول لا تملك أجهزة فعالة للسيطرة على قرارات حكوماتها، مما يزيد من خطورة احتمال استخدام الأسلحة النووية في صراعات محلية. من يضمن أنه إذا ما تأزمت الأمور فإن الهند وباكستان لن تميلا إلى حسم خلافاتهما باستخدام الأسلحة النووية؟ أو أن روسيا قد تفعل نفس الشيء في الشيشان، والصين في تايوان؟ إن هذا العصر المضطرب يدفع إلى نشوء آراء واتجاهات متطرفة. يجب على القادة الحكماء كبت مثل تلك الآراء. على القادة الأوربيين فوق كل شيء أن يبذلوا جهدهم لعكس هذا الاتجاه الفوضوي.)

واضح من لهجة الجريدة أنها تحث القادة الأوربيين على كبح جماح جورج بوش الذي يبدو هذه الأيام ككلب مسعور فقد القدرة على التمييز. يعد الشعب اليوناني من أشد "أصدقاء" أمريكا عداوة لأمريكا وسياستها الخارجية، وكثيرا ما يتم إحراج الحكومة اليونانية بالمظاهرات المعادية لأمريكا وللوجود العسكري الأمريكي باليونان أو قريبا منها. ولو أن جورج بوش ظهر اليوم في شوارع أثينا لقذفوه بالبيض والطماطم وأشياء أخرى.

أما فرانكفورتر ألجمين زيتنج Frankfurter Allgemeine Zeitung الألمانية فقد نشرت في 12/3/2002 مقالا لكاتبها جنثر نننمانشر Gunther Nunnenmancher بعنوان "غباء"، أقتطف منه:

(إن امتلاك الأسلحة النووية لم يعد اليوم حكرا على عدد محدود من الدول التي نتوقع أن يتصرف قادتها بتعقل. من الصعب التكهن بأن مناقشة الأسلحة الميدانية النووية قد تؤدي إلى ردع هؤلاء المستهدفين للردع أو أنها قد تؤدي إلى الانتقاص من ترددهم. من الأسهل أن نتكهن بأن واشنطون لن تكسب أصدقاء جدد بمثل هذا النقاش. رغم أن رد الفعل من موسكو وبيجين لم يكن شديدا إلا أنه كان شديد الوضوح. إن الوضع العالمي الفريد للولايات المتحدة من الناحية العسكرية والسياسية يؤدي تلقائيا إلى انفراد فكري أيضا. لم يعد هناك فحص هادئ للمبادرات والنظريات من خلال مجموعات المفكرين، ناهيك عن مناقشتها مع الحلفاء، وبدلا من ذلك تقوم حكومة الولايات المتحدة بغباء بإطلاق بالونات تجريبية لترى رد فعل الجمهور. ليس هناك ما هو أكثر حساسية في هذا الشأن من موضوع الأسلحة النووية، خاصة وأنه لا يوجد هناك سبب حقيقي لإثارته.)

يعلم الصهاينة الأمريكان جيدا أن الرؤساء العرب يتميزون بنقيصتين أساسيتين أولاهما هي الخوف على كراسي الحكم وما يفرضه ذلك من طاعة عمياء لأسيادهم في واشنطون، أما النقيصة الثانية فهي السذاجة والجهل السياسي العام وعدم القدرة على التمييز بين العدو والصديق. من هذا المنطلق تراءى للخبراء الصهاينة الأمريكان أن أفضل أسلوب للتعامل مع الرؤساء العرب اليوم هو استمرار التلويح لهم بقطعة من العظم في صورة وعد جديد لا يختلف عن غيره من عشرات الوعود السابقة بحل للصراع الفلسطيني الصهيوني، دون أي نية جدية للبحث عن حل لا يتطلب التأييد المطلق من الدولة العنصرية العبرية، ثم طلب الثمن مقابل تلك الوعود الجوفاء بحل المشكلة. وقد تم تحديد الثمن الحالي سلفا وهو الموافقة العربية وربما الاشتراك العربي في ضرب العراق. وقد بدأ عملاء الصهيونية الأمريكية من العرب في التمهيد لذلك فقام أحدهم بعرض "مبادرة" للاعتراف الكامل بإسرائيل تمهيدا لزيارة ديك شيني للمنطقة. وسرعان ما تلقف بقية العملاء تلك المبادرة كمادة يلهون بها أنفسهم ويخدعون بها الشعوب العربية في الاجتماع القادم لجامعة الدول العربية. يحدث كل ذلك والدم الفلسطيني يسفك أنهارا بينما القادة العرب يزدادون التصاقا بالكراسي. فإذا ما ذهب أحدهم إلى واشنطون يستجدي تركه جورج بوش منتظرا يومين قبل أن يمن عليه بأربعين دقيقة من وقته نظرا لانشغاله الشديد بأمور أكثر أهمية ثم يحيله بعدها إلى المساعدين وأعضاء الكونجرس من اليهود. ويعود المغوار بعد تلك المهانة التي ربما فهم أو لم يفهم مغزاها ليستقبله إعلامه الخاص استقبال من فتح عكا وطرد اليهود منها.

أما آخر الخدع الصهيونية الأمريكية فقد كان تلك "الرؤيا vision " التي خرج علينا بها مجلس الأمن في قراره رقم 1397 عن إمكان قيام دولتين على أرض فلسطين. ما قيمة تلك الرؤيا؟ إن إسرائيل لا تحترم ولا تنفذ قرارات مجلس الأمن ولا ترغمها أمريكا أو تلح عليها في طلب تنفيذها. إذا كانت الحقائق لا تحترم فما جدوى الرؤى والأحلام؟ إن أفضل تقييم لخدعة قرار مجلس الأمن الأخير يقدمه مقال روبرت فسك Robert Fisk في الإندبندنت بتاريخ 14/3/2002 تحت عنوان " حينما تجئ الرؤيا إلى بوش فإن أمريكا تكون في حاجة إلى تأييد العرب لحرب أخرى". إليك النص الكامل لهذا المقال الهام:

(لقد عادت تلك "الرؤية" من جديد. حينما أراد الرئيس جورج بوش تأييد العرب لقصف أفغانستان في سبتمبر أعلن فجأة أن لديه "رؤية" لدولة فلسطينية، سرعان ما اختفت من شاشة راداره.

عادت تلك الرؤية في صورة قرار مميع للأمم المتحدة من توليف الولايات المتحدة يؤكد "رؤية" لمنطقة تعيش عليها دولتي إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب. فهل يا ترى يفكر السيد بوش في حرب أخرى للمنطقة؟ وهل يريد نائب الرئيس ديك شيني - الذي يجوب العالم العربي وإسرائيل - تأييد العرب لهجوم على العراق؟

إن قرارات الأمم المتحدة لا تختفي بنفس السرعة التي تختفي بها الرؤى الرئاسية. والعالم الآن لديه فكرة - مجرد فكرة - تتضمنها وثيقة جادة للأمم المتحدة. ربما تكون هذه أول مرة يكون للأمم المتحدة فيها "رؤية" عن أي شيء. لكنها فشلت في معالجة النقطة الأكثر أهمية وهي قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 الذي يفترض أن اتفاق أوسلو قد بني عليه. ينادي القرار بانسحاب إسرائيل من أراض احتلتها في حرب الستة أيام. إن قرار الأمم المتحدة بالأمس لا يأتي به ذكر لاحتلال الضفة الغربية وغزة أو مرتفعات الجولان السورية، وبالتالي فإنه يقدم للعالم صورة أو "رؤية" لطرفين يتصارعان على أرض مستوية.

حينما يطلب القرار "الوقف الفوري لكل أعمال العنف شاملا ذلك كل أعمال الإرهاب والتحرش والإثارة والتخريب" فإن ذلك لا يوضح إذا ما كان مجلس الأمن يعتقد أن إسرائيل تحتل الأرض الفلسطينية أو أنه يعتقد أن السلطة الفلسطينية تحتل إسرائيل. هذا هو سبب سحب مسودة القرار السوري الأصلي الذي أورد ذكر إسرائيل صراحة على أنها "القوة المحتلة" إلى جانب مطالبته إسرائيل باحترام اتفاقيات جنيف التي تحمي المدنيين تحت الاحتلال. لقد امتنعت سوريا عن التصويت وقال سفير إسرائيل بالأمم المتحدة أن القرار الأخير "متوازن".

إن الصلة اللغوية الوحيدة بين القرار الجديد وبين القرار 242 الذي مضى عليه 35 عام - والتي تشير إلى الاحتلال على وجه الخصوص - هي النداء المبهم الصياغة الذي يدعو إلى معيشة الدول "في حدود آمنة معترف بها." فلا ذكر للمستوطنات اليهودية الخاصة باليهود والقاصرة على اليهود فوق الأرض العربية، ولا ذكر للقدس الشرقية كعاصمة فلسطينية أو حق العودة لأي لاجئ. وكما حدث في اتفاق أوسلو، ترك هذا القرار الأخير كل تلك القضايا الحرجة خارج نطاق "الرؤية" كشيء يفترض أن حله سيكون فيما بعد.

ترك الأمر لكوفي عنان السكرتير العام للأمم المتحدة لكي يعبر عن امتعاضه من المستوى الحالي للعنف وأن يشير على وجه الخصوص إلى "الاحتلال غير المشروع" من إسرائيل والتفجيرات الانتحارية الفلسطينية "المنفرة أخلاقيا." هذا شيء أفضل من لا شيء، لكن كلمات السيد عنان ليست مكتوبة ضمن أي قرار. فمجلس الأمن - بعد أن أضعفت الولايات المتحدة قراره الجديد - لم يصدر أية أحكام أخلاقية على الإطلاق، رغم أن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي ترتكز جزئيا على قرار المجلس نفسه رقم 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب.

وكما يحدث دائما فقد كان على العرب الحريصين على عدم ابتعاد الأمريكيين أن يصفقوا لذلك الجزء الخاص "بالرؤية" كما لو كان يحوي بذور السيادة الفلسطينية. قال ياسر عبد ربه - الذي يسمونه وزير الإعلام الفلسطيني - أنه "هزيمة" لرئيس الوزراء الإسرائيلي إريل شارون. هذا لغو فارغ لأن الولايات المتحدة لم تكن لتقترح النص لو لم توافق عليه إسرائيل. وقال عبد ربه أن القرار نادى "بالتدخل الدولي المباشر لتطبيق هذا القرار عن طريق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإخلاء كل المستوطنات الإسرائيلية" من الأرض الفلسطينية. لكن قرار مجلس الأمن لم يذكر أي شيء عن تدخل دولي أو عن المستوطنات.

مجمل القول إذن أن تلك "الرؤية" جميلة وهي تسير جنبا إلى جنب مع النص المخفف من القرار 242 الذي قدمه ولي العهد السعودي الأمير عبد الله. فلنرى مدى ما يقدم ذلك من مساعدة للسيد شيني الذي يسعى للحصول على موافقة على حرب أخرى بالشرق الأوسط.)

شكرا يا عزيزي القارئ لصبرك معي واستنفاذك لوقتك في قراءة هذه الأقوال المطولة. ربما يخفف من ألمك قولي أنها تستغرق مني وقتا أطول لإعدادها. رضي الله عنك وعني وإلى اللقاء في الأسبوع القادم بمشيئة الرحمن.



=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(12)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
22/3/2002


كان الشغل الشاغل للصحافة والحكومة البريطانية على مدى الأسابيع الماضية هو "روبرت موجابي" والانتخابات في زمبابوي. الكل يشكو من عدم شرعية النظام وكيف منع موجابي الناس من التصويت بإنهاء الفترة المسموح بها للإدلاء بالأصوات بينما الناس مصطفة في الطوابير تنتظر دورها الذي لم يأت. ولأن السياسة لا يوجد بها أبيض وأسود فإنه من الصعب جدا تقييم ما جرى في زمبابوي. يمكن لك أن تؤيد موجابي عندا ونكاية في بريطانيا الاستعمارية التي تود للأقلية البيضاء دوام النفوذ والسيطرة على الاقتصاد وتملك الأرض التي سرقوها قديما من سكانها الأصليين. ويمكن لك أن "تلعن سلسفيل" موجابي ومن زرع بذرته بل و"الداية التي شدته" كلما تذكرت التجربة المصرية والانتخابات الصورية المشابهة وكيف أدت التجربة "الثورية" الفردية إلى الواقع المر الذي يعيشه اليوم شعب كان يمكن أن يصبح قدوة لكل الشعوب لو واتته الظروف، لكنه اليوم في الحضيض اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا بفضل نظامه السياسي المقيت الذي يكرس عبادة الفرد ونظام الرجل الأوحد الذي لا يحاسبه أحد ولا يجسر ناقد على ذكره بسوء.
كتبت إندبندنت Independent البريطانية عن انتخابات زمبابوي في افتتاحيتها بتاريخ 18/3/2002 تحت عنوان "لك أن تتهم موجابي ولكن لا تنس غيره ممن هم أقل منه ديمقراطية". تقول الافتتاحية:

( وقف موجابي في حفل تنصيبه رئيسا لزمبابوي لفترة حكم ثالثة طولها ستة سنوات أخرى والغرور الكاذب يتملكه فاتهم بريطانيا "وحلفائها البيض" بالعنصرية والإمبريالية. لاشك أن بعضا من التحرريين <اللبراليين> في بلادنا قد ينزلق بهم الشعور بالذنب إلى الاعتقاد بأننا كقوة استعمارية قديمة لا نملك حق توجيه الأفارقة إلى كيفية إجراء انتخاباتهم. لكن هذا السلاح قد فقد قيمته حتى في داخل زمبابوي نفسها. فرغم علو الصوت بحديث منمق ضد العدو الخارجي ورغم الرشوة بغنائم مزارع البيض والتجارة التي كانت ملكية البيض لها قد ازدادت فإن السيد موجابي لم يتمكن من التشبث بزمام السلطة إلا بمنع الأعداد الغفيرة من الإدلاء بأصواتها.
إن الأحرى هو اتهام السيد موجابي نفسه بالعنصرية، فحديثه الفصيح ضد الاستعمار قد زاد كثيرا عن حدود التظلم المشروع من عدم عدالة توزيع ملكية الأرض، وهو الحال الذي ورثه في 1980. لا يجوز استخدام ذريعة تصحيح ظلم الماضي لتبرير الترخيص بحملة السلب والنهب والعنف الإجرامي ضد الأقلية البيضاء الصغيرة التي سيستمر الكثيرون منها الآن في الهرب خارج البلاد. لم يعد الأمر متعلقا بأن الأقلية بيضاء. كان إيدي أمين آخر حاكم أفريقي يتبع سياسة تمليك التجارة لأهل البلاد، فقام بطرد الآسيويين من أوغندا. باتت كلمات السيد موجابي المنمقة جوفاء حينما وقف يوم أمس بقصر الرئاسة قائلا "إذا ما كنت مواطنا زمبابويا فإنك لا يمكن أن تكون شيئا آخر". إن البعض يشعر بأنه يرغمهم على أن يكونوا "شيئا آخر". رغم أن الزمبابويين البيض يفضلون الذهاب إلى استراليا على المملكة المتحدة إلا أننا يجب أن نكون على استعداد لتوفير الملاذ للهاربين من ظلم السيد موجابي من البيض والسود على حد سواء.)

يمضي الكاتب إلى القول بأن زعيم المعارضة مورجان تسفانجراي Morgan Tsvangirai قد يكون اختيار الشعب لكنه لا يود فرض العقوبات على بلاده، ولذلك فإن بريطانيا لا تملك سوى الرد بفرض العزلة السياسية على زمبابوي، وهو إجراء قد لا توافق عليه جنوب أفريقيا وبقية دول الكمنويلث. يستمر الكاتب:

(إن من حق السيد موجابي - من زاوية واحدة فقط - أن يشعر بأن الهجوم عليه كان جائرا. فقد ركز الرأي العام العالمي على انتخابات الأسبوع الماضي. ورغم أن الانتخابات معيبة إلا أنها قد أجريت وقام من تمكن من الإدلاء بصوته بذلك في سرية. إن الاتهامات الموجهة من بريطانيا والولايات المتحدة لانتخابات معيبة في زمبابوي تتضاد وتتعارض تماما مع الود تجاه دول أخرى، ولنأخذ العربية السعودية كمثال عشوائي. إن ذلك يفوح بالازدواجية والكيل بمكيالين.

يستطيع جاك سترو Jack Straw وزير الخارجية أن يعضد قضيته ضد السيد موجابي إذا ما كان أقوى صوتا في دفاعه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في أماكن أخرى، وخاصة داخل أفريقيا ذاتها. فالغرب يؤيد رئيس أوغندا الحالي يويري موسفني Yoweri Museveni لأنه يسمح بالصحافة الحرة ويتبع سياسات اقتصادية نرضى عنها، لكن نظامه الذي يخلو من الأحزاب يعني أن الانتخابات في أوغندا معيبة من الناحية الديمقراطية وإن بدت حرة وعادلة. كينيا حالة أخرى أكثر وضوحا حيث قام الرئيس دانيل آراب موي Daniel Arap Moi بكتم أنفاس المعارضة السياسية فجعل من نظامه متعدد الأحزاب أضحوكة الديمقراطية.
من حق بريطانيا وغيرها من الدول الديمقراطية أن تدين انتخابات الأسبوع الماضي بزمبابوي وأن تتهمها بالزيف والاحتيال، ولكن يجب اتخاذ نفس الموقف المتشدد والتمسك بطلب انتخابات حرة وعادلة في بقية دول أفريقيا والعالم.)

لقد ألمح الكاتب دون كثير من الإفصاح إلى الواقع الأمريكي والغربي الذي يغض الطرف عن امتهان الديمقراطية وعن مساوئ أعتى الدكتاتوريات العفنة بالعالم العربي التي همشت قيمة الإنسان وجعلتها أقرب ما تكون إلى الصفر . ففي بلادنا يمكن إيداع الأبرياء بالسجون والمعتقلات دون محاكمة لعشرات السنين. وعند ذكر الأفاقين وسماسرة اللحم البشري من القادة العرب لا يحلو لأمريكا والغرب سوى عزف نغمة صدام حسين الذي أعتقد أنه ليس أسوأ مثل عربي ولست في حاجة إلى أن تنظر بعيدا للبحث عمن هو أسوأ أو أفسد منه.

أما اليهودي ستيفن بولارد Stephen Pollard فقد كتب في إندبندنت بتاريخ 19/3/2002 مقالا بعنوان "أنظر إلى حال إسرائيل إذا أردت دليلا على أن الإرهاب يجدي". المقال يسير على نفس الخط اليهودي الصهيوني الذي يحاول دوما تصوير العمليات الفلسطينية لمقاومة الاحتلال الصهيوني الذي سرق وطنا بأكمله من أهله الشرعيين على أنها "أعمال إرهابية". لن يكف هؤلاء اليهود الكاذبين على مسرح الإعلام الغربي عن ترديد هذه الأكذوبة وتصوير القراصنة اليهود على أنهم أصحاب حق على أرض فلسطين المسروقة. يقول اليهودي الملعون عن زيارة اليهودي شيني Cheney ومفاوضات اليهودي زيني Zinni
:

(هناك درس واحد واضح لوصول شيني نائب الرئيس إلى إسرائيل والمفاوضات التي يقوم بها الجنرال زيني. هذا الدرس هو أن الإرهاب يؤتي ثماره.

قام الرئيس بوش في الأسبوع الماضي بإخطار إريل شارون في مؤتمر صحفي "بصراحة … إن ما فعلته إسرائيل مؤخرا لن يساعد". ترى من ذلك أن الغرب يجب أن يحارب الإرهاب كواجب ضروري من الناحيتين السياسية والأخلاقية، ولكن ذلك لا يجوز لإسرائيل. عندما هاجم الإرهابيون الانتحاريون أمريكا اتحدت بقية العالم الحر عن حق لملاحقتهم وتدميرهم. وقد سمي ذلك حربا على الإرهاب. ولكن عندما تحاول إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد المتفجرين الانتحاريين فإن ذلك "لن يساعد" ويحيق بإسرائيل حنق العالم الحر ذاته. إن إسرائيل محاطة بالأعداء الذين يأوي معظمهم ويساعدون الإرهابيين الذين لا يريدون السلام وإنما يهدفون إلى تدمير إسرائيل. إن كل إسرائيلي تقريبا بما في ذلك إريل شارون كان يعتقد منذ وقت طويل أن نوعا من التسوية السلمية مع الجيران العرب هو الاحتمال الوحيد على المدى البعيد. ذلك هو السبب في أن مليونا من المواطنين العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية بما في ذلك حق الانتخاب. اقرأ أي جريدة إسرائيلية - وكلها على الشبكة الدولية - أو شاهد برامجها التلفازية لترى أن وجهة النظر التي يرددونها هي أن معاهدات السلام هي السبيل الوحيد للأمام. كان السلام هدفا للقادة من الصقور المتشددين وكثيرا ما قاموا بعمل تنازلات جريئة مثل قيام مناحم بيجن بتسليم صحراء سيناء في 1978.)

سأتوقف هنا يا سيدي القارئ قبل أن تفرغ محتويات معدتك. إن هذا الهراء نمط شائع بالصحافة الغربية التي يملكها ويديرها اليهود. يمضي الكاتب إلى الادعاء بأن الفلسطينيين يجهرون بطلب السلام بينما يحيكون الحملات الإرهابية لقتل أكبر عدد من اليهود المدنيين المسالمين الأبرياء. يستمر الكاتب مصورا مدى عداء العرب لليهود ورغبتهم في تدميرهم فيقول:

(إنهم يصبون العداء للسامية بأسلوب يجعل النازية تبدو كما لو كانت مسالمة. هناك مثال لذلك ليس بأسوأ الأمثلة وإنما هو أحدثها وقوعا. نشرت الصحيفة الحكومية السعودية اليومية "الرياض" مقالا للدكتور أميمة أحمد الجلاهمة من جامعة الملك فيصل بالدمام عن "عيد الانتماء اليهودي Purim - الدم البشري من شاب غير يهودي هو أحد المكونات الخاصة للعيد اليهودي".

يقول الكاتب < ذكر المقال الكاتبة بصيغة المذكر> لقرائه "يلزم الشعب اليهودي خلال هذا العيد توفير دم بشري بغية إعداد رجال دينهم فطيرة العيد، إن استنزاف اليهود لدماء البشر، بغرض صنع فطائر عيدهم ثابت تاريخياً وقانونياً على مدى التاريخ البشري … في هذا العيد بالذات لا بد أن تكون الضحية شاباً بالغاً غير يهودي بطبيعة الحال، مسيحي أو مسلم الديانة، يؤخذ دمه ويجفف على شكل حبيبات يمزجها رجل الدين بعجين الفطائر، لنرجع إلى كيفية استنزافهم لدماء الضحايا، يستخدم لهذا الغرض البرميل الإبري وهو عبارة عن برميل يتسع لجسم الضحية، مثبت على جميع جوانبه إبر حادة للغاية تنغرس في جسم الضحية بمجرد وضعه في البرميل، هذه الإبر تحقق المطلوب من خروج دماء الضحية ببطء شديد، وبالتالي تحقق العذاب الأليم للضحية، عذاب يعود بمسرة عظيمة على اليهود مصاصي الدماء الذين يحرصون على متابعة هذا الاستنزاف بكل تفاصيله بحب واستمتاع يصعب فهمه… وبعد هذا العرض الوحشي يأخذ اليهود الدماء المستنزفة ... يقوم رجل الدين اليهودي بإضفاء السعادة الكاملة على بني جلدته في عيدهم، وذلك بأن يقدم لهم فطيرا ممزوجا بدماء البشر."

هذا مجرد مثال عادي لمعاداة السامية، وهي جزء لا يتجزأ من السياسة الرسمية لصحافة الحكومات العربية. لا تأخذ بتفسيري أو تفسير غيري لما يود العرب عمله لإسرائيل واليهود وتفحص الموقع memri.org على الشبكة الدولية لترى بنفسك ما يقوله العرب أنفسهم. عندئذ تستطيع أن تقول لي أن السلام يمكن أن يحل على الشرق الأوسط إذا ما وقف الإسرائيليون مكتوفي الأيدي وسمحوا لأنفسهم بأن يقتلوا دون رد فعل.)

هذا هو نوع المغالطة وخلط الأوراق الذي يعتمد اليهود عليه في إثبات "حقهم الشرعي" في سرقة أرض الميعاد الزائف من أهلها الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين الذين لم يحصلوا من "يهوا" على صك ملكية لأرض الميعاد.

سرعان ما تكامل مخطط الدعاية اليهودية فتكررت نفس الأقوال السابقة في اليوم التالي حيث نشرت واشنطون بوست The Washington Post الأمريكية مقالا لكاتبها اليهودي وليام بنت William J. Bennett بتاريخ 20/3/2002 بعنوان "حيث يكافئ بوش الإرهاب". أسهب الكاتب اليهودي في ترديد العبارات الجوفاء عن تشابه الولايات المتحدة وإسرائيل من حيث أنهما دولتان ديمقراطيتان تحترمان الاختلاف الديني والعرقي لمواطنيهما وقد تعرضتا للإرهاب بسبب ذلك! يقول الكاتب في مقاله:

(يتم الضغط على إسرائيل لتلطيف الأمور مع بلاد مثل مصر والعربية السعودية. ومع ذلك فإن تلك البلاد مسئولة عن عودة ظهور أسوأ أنواع الدعاية المعادية لليهود منذ جوزيف جوبلز . Joseph Goebbels

لقد نشر حديثا مقال في إحدى الجرائد الحكومية السعودية يدعي أن عيد الانتماء اليهودي Purim يتطلب "حصول اليهود على دم بشري لكي يستطيع رجال الدين عمل فطائر العيد … هذا ثابت تاريخياً وقانونياً، على مدى التاريخ البشري" وفي عدد حديث لجريدة حكومية مصرية ادعت أن التفجير الانتحاري بإحدى مقاهي القدس "عمل بطولي".)

يقول الكاتب في موضع آخر:

(نحن نضغط على إسرائيل ولا نطلب من حلفائنا العرب وقف نشر دعاية القرون الوسطى التي تثير الرغبة في الإرهاب. وبدلا من ذلك يقوم الرئيس بإرضاء العربية السعودية بدعوة ولي العهد الأمير عبد الله لزيارته ببيته في تكساس … كما لو أننا مدينون للسعوديين، وكما لو أنهم ليسوا مدينين لنا بتفسيرات عديدة. وقد بدأنا من جديد في إضفاء بعض الاحترام على عرفات.

ماذا يستنتج العرب؟ تكلم مراضيا بالإنجليزية ثم حرض على الإرهاب بالعربية فتقوم الولايات المتحدة بالضغط على الديمقراطيات المماثلة لها لحساب هؤلاء الذين يفضلون الحكم بالذراع على الحكم بالاقتراع. هذه الدروس في ازدواج المعايير تبشر بالأسى للديمقراطية ليس فقط هنا وفي إسرائيل بل في العالم أجمع.)

لاحظ كيف يضع الكاتب اليهودي أمريكا وإسرائيل في كفة واحدة وعلى قدم المساواة كحاميتي حمى الديمقراطية. لاحظ أيضا المغالطة في وصف الدولة العنصرية بأنها دولة تحترم اختلاف الدين والأصل العرقي وهي أبعد ما تكون عن ذلك. تلك هي عادة اليهود في ترديد الكذب حتى يصبح حقيقة. ولا تنس طبعا وسائل الإعلام المرئية، فكلما مات حفنة من اليهود إثر عملية استشهادية يسكب ذويهم الدموع على شاشات CNN ويتم عرض أطفالهم اليتامى وتنوح أمهاتهم الثكالى في أسى يفتت القلوب، بينما يقتل اليهود عشرات الفلسطينيين في صمت تلفازي يحولهم إلى مجرد أرقام. أما كيف يصور الإعلام الصهيوني البغيض هؤلاء البواسل الذين يفجرون أنفسهم في شجاعة نادرة - ويساوي الواحد منهم ما يربو على أمة بني شيلوك مجتمعة - فإن الأمر يبعث على الضحك. يقول اليهود أن هؤلاء "الانتحاريين" يموتون طمعا في نساء "الجنة الوهمية". لابد وأن التفكير قد أعياهم لتفسير ظاهرة انضمام الفتيات الفلسطينيات إلى قوائم التفجير في شجاعة نادرة.

أشبعتنا وسائل الإعلام الأمريكية الصهيونية كذبا عما يدور الآن في أفغانستان. وحينما يخيم الصمت على تلك الوسائل من آن لآخر تأكد يا سيدي القارئ أن الهزيمة الأمريكية على أشدها وأنهم يستخدمون الأسلحة المحرمة دوليا دون جدوى. ما يصعب فهمه هو كيف يستطيع جورج بوش التستر على عدد القتلى والأسرى من جنود الجيش الأمريكي الذين يعدون اليوم بالمئات وليس العشرات. فرغم أن الجنود الأمريكيين يسيرون خلف المرتزقة من جنود التحالف الأفغان ورغم أن الأمريكيين يتم استبدالهم الآن بالإنجليز والكنديين والأسترال، إلا أن المجاهدين البواسل في قمم الجبال قد ألحقوا بالعدو الأمريكي خسائر فادحة في الأسابيع القليلة الماضية يصعب اليوم التستر عليها، فالغائب تنتظر أمه عودته يوما ما ولن يستطيع جورج بوش إدارة حرب أبدية فلابد له أن يصارح الثاكلات الأمريكيات بموت أبنائهن. ولن يستطيع الحلفاء الاستمرار في موت جنودهم لحساب أمريكا لسنوات سوف تطول.

أثار جون كيجان John Keegan بعضا من هذه التساؤلات في مقال بجريدة التلغراف Telegraph بتاريخ 19/3/2002 تحت عنوان "أفغانستان تسحب البريهات الحمراء والخضراء" قال فيه:

(أعلن جيف هون وزير الدفاع في مجلس العموم يوم أمس أن 45 من قوات الكوماندوز وبعض العناصر المساعدة سوف ينضمون إلى لواء أمريكي للاشتراك في العمليات ضد البقية الباقية من محاربي القاعدة والطالبان. هذا يوضح أن أيام الحرب ضد الإرهاب لم تنته بعد في أفغانستان.

إن قرار إرسال هذه القوات يعني أن "عملية الأناكوندا" الأمريكية الأفغانية المشتركة التي كانت تستهدف القضاء على بقايا القوات الإسلامية في جنوب شرق أفغانستان لم تنجح بالكامل وأنها تتطلب هجمة إضافية.)

يمضي الكاتب في شرح تفاصيل لا تهمنا عن تركيبة ودور القوات البريطانية في أوقات الحرب. لاحظ تلك العبارة التي أطلقها الكاتب في بساطة عن محاربة "القوات الإسلامية" وما تتضمنه تلك العبارة من أنها فعلا حرب على الإسلام. ما يهمنا في المقال هو أن تلك الحية الرقطاء "الأناكوندا" قد التفت حول عنق جنود أمريكا وأذنابهم. يبدو أن أمريكا تلجأ إلى الكلام عن الزواحف هذه الأيام لأن الكذب ليس له أرجل.

كتب روبرت هاريس Robert Harris في التلجراف بتاريخ 19/3/2002 تحت عنوان "يجب ألا يصيبنا هلع يدفعنا إلى حرب مع صدام". يقلل الكاتب من شأن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية وكيف أن الأضرار التي يمكن أن تسببها لا تزيد عن أضرار الأسلحة التقليدية. يرى الكاتب أن الأسلحة النووية هي النوع الوحيد الذي يثير القلق من بين أسلحة الدمار الشامل. أقتطف الآتي من المقال الطويل:

(الردع سلاح ذو حدين. يعتقد خبير الاستراتيجبية أفيجادور هازلكورن Avigdor Haselkorn <يهودي طبعا من النوع الذي تراه يتحذلق على CNN> أن السبب في أن أمريكا لم تستكمل هجومها في 1991 حتى بغداد كان الخوف من أن صدام إذا ما وجد ظهره للحائط ولم يبق لديه ما يخسره كان يمكن له أن يطلق صواريخ "سكد" المحملة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية على إسرائيل وعلى قوات التحالف. لذلك فإن أمريكا فضلت التوقف وهي منتصرة.

يصبح هذا التحليل مناسبا تماما للموقف عن أي وقت بعد مضي11عام. وكما يمكن أن يقول لك أي قط فإن المعروف أن الزج بفأر في ركن صغير يعد فكرة سيئة. إذا ما كان صدام ما زال يمتلك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل - والمفروض أن تلك هي حجتنا للتحرش به - فيجب أن نفترض أنه سوف يحاول استخدامها لأننا لم نترك له سبيلا للإفلات.

إذا كان بإمكانه ضرب إسرائيل فإنه سوف يضربها، وإذا كان بإمكانه سم قواتنا فسوف يسممها. إذا كان باستطاعته تسريب جزء من ترسانته للإرهابيين فإنه ربما يفعل، وإن كان لا يبدو أنه قد فعل حتى الآن، ربما لأنه يخشى القصاص.
بعبارة أخرى ربما كانت أفضل وسيلة للتأكد من أن صدام لن يستخدم ترسانته من أسلحة الدمار الشامل هي أن نتركه مسئولا عنها، بينما يكون الهجوم عليه هو الطريق المؤكد لانتشار هذه الغازات والسموم في أرجاء العالم.

لذلك فإنني أدهش حينما أجد نفسي لأول مرة اصطف مع الحمائم. فقد ناصرت العمل العسكري في الفولكلاند عام 1982 وفي الخليج عام 1991 وفي كوسوفو وأفغانستان لكنني أرى هذا الهجوم محل الجدل على العراق في فئة أخرى.

لقد تم دفعنا بالسياط إلى حالة حربية نفسية خوفا من "أسلحة الدمار الشامل" التي غالبا ما لا يزيد مفعولها العملي عن مفعول المفرقعات شديدة الانفجار والتي يمكن صناعتها في وسط المدينة أو سرقتها من معمل، على عكس الأسلحة النووية.
نحن نفكر في ضربة وقائية ضد دولة لم تتبنى تهديدا إرهابيا ضدنا. يحتمل أثناء ذلك أن نهدد سلامة الجبهة العالمية المتحدة ضد القاعدة، وأن نشرخ الرأي العام في بلادنا وأن نزيد من احتمالات الحرب البيولوجية. مجمل القول أن هذا أسلوب غريب لكي نجعل العالم أكثر أمنا.)

بدأ الكتاب الإنجليز في فهم الأكاذيب الأمريكية فظهرت مؤخرا مجموعة من المقالات تتشكك في صحة ما يصرح به الأمريكيون من هراء وكذب صريح عن تطورات الحرب في أفغانستان. لقد تناقضت أقوالهم بين أن الحرب قد انتهت بنصرهم الذي لا يعرف التاريخ له نظيرا وبين حاجتهم المستمرة إلى الدفع بالمزيد من الجنود إلى حيث سيلقون حتفهم بمشيئة الله. وطبعا يستحسن ألا يكون الجنود من الأمريكيين. لذلك تطوع توني بلير بالدفع بأعداد هائلة تقرب الألفين من أفضل قواته تدريبا يمثل الواحد منهم مسمارا في نعش بلير السياسي، حيث تزداد المعارضة لتصرفاته الخرقاء قوة داخل وخارج حزبه.

في هذا الصدد نشرت الجارديان The Guardian مقالا للكاتبة إيزابل هلتون Isabel Hilton في 21/3/2002 بعنوان "أسماك الطالبان تسبح بعيدا":

(وهكذا فإنك تظن أنك تعرف ما يجري في أفغانستان؟ تأمل الآتي: وصف الجنرال تومي فرانكس Tommy Franks عملية "الأناكوندا" التي مضي عليها 11 يوما بوادي "شاهي كوت Shah-I-Kot " بأنها "نجاح كامل محقق"، لكن الشيء الوحيد المؤكد الذي نعرفه هو أن ثمان جنود أمريكيين ماتوا وجرح 50 آخرين. أما البقية الباقية فقد غطاها ضباب الحرب بدرجة أقل من غطاء ستار دخان السرية الحربية للولايات المتحدة.

حينما بدأت عملية الأناكوندا في الأسبوع الأول من مارس وصفت بأنها عملية للقضاء على آخر جيوب مقاومة محاربي القاعدة والطالبان فيما وصفته المصادر الأمريكية بشبكة ممتدة من المغارات الجبلية. كان تقدير قوة العدو 200 ثم ارتفع الرقم إلى 1000 بعد يومين. قامت الطائرات الأمريكية والفرنسية خلال 11 يوم بإسقاط 3250 قنبلة، ذهبت القوات الأفغانية بعدها لتحتل المغارات فلم يلقوا مقاومة وتم إعلان النصر وتوزيع الميداليات في قاعدة بجرام Bagram الجوية.

كان تقدير البنتاجون في بداية الأسبوع لموتى العدو هو 517 بالإضافة إلى 250 آخرين غير مؤكدين. وبعد يومين ادعت المصادر الأمريكية أن المجموع يزيد عن 800، ولم يشاهد جنود الميدان سوى 10 من قوات الطالبان يتحركون بعد انتهاء المعركة. ثم خرجت 52 طلعة جوية أسقطت 164 قنبلة أخرى، بعدها انضم 700 جندي أمريكي وكندي لتفتيش المنطقة فوجدوا أقل من 20 جثة و20 مغارة. وقد وصف القائد والحليف الأفغاني الجنرال حيدر الادعاءات الأمريكية عن وجود العديد من المغارات ذات المواقع الجيدة بأنها دعاية زائفة. تم أخذ حوالي 20 أسير وصفهم حيدر بأن أكثرهم "فلاحين بسطاء".

لا شيء من ذلك يخضع لمنطق. إذا كان هناك 1000 محارب ثم وجدوا 20 جثة ورأوا 10 أحياء فأين إذن ذهب 970 الباقين؟ اقترح الضباط الأمريكيين أنهم قد احترقوا وانسحقوا فقد كان نصيب المحارب منهم 3 قنابل ونصيب كل جثة تم اكتشافها 165 قنبلة، لذلك فإن من المدهش أن "شاهي كوت" قد بقي منها أي أثر.

لقد تم أيضا تدمير 3 قرى تحولت إلى ذرات من الغبار ولم يتم تسجيل ضحاياها. قالوا أيضا أن الأحياء لأنهم مسلمين أتقياء قد قاموا بدفن الموتي. ذلك يتطلب منا أن نتخيل أن 10 من الأحياء قاموا بدفن 970 من جثث رفاقهم الذين مضوا. لقد اعترف متحدث البنتاجون في مغالطة نادرة بأن تلك الأرقام "مبهمة بعض الشيء."
كتب "ماوتسي تونج" عن حرب العصابات التي عرفها جيدا فقال "إذا تقدم العدو تراجعنا". إن قوات العصابات تتحرك بين السكان كما يتحرك السمك في الماء. إن الشرح الأكثر احتمالا لأرقام الأناكوندا المجنونة هي أن أسماك الطالبان في "شاهي كوت" قد سبحت بعيدا.

عندما تخوض حربا على غير أرضك يصعب تمييز الأسماك من بعضها. وحينما يأخذك الحماس والرغبة في قتل العدو فإنك قد تقوم بتصفية كل مياه البركة. وسرعان ما تراك كل الأسماك المحلية كغاز أجنبي وظالم لها، مهما كان سمو أهدافك من الذهاب هناك. إن القوات الأمريكية والبريطانية تعرف ذلك جيدا لكنها لا تملك تغييره.)

تمضي الكاتبة في سرد رأيها عن التعتيم الذي فرضته أمريكا على أخبار الحرب وكيف يمنعون الصحفيين من الاتصال بالقادة الأفغان أو التواجد في أماكن الاشتباك وكيف أن ذلك يحجب المعلومات عن الأخطاء الأمريكية وأعداد الضحايا المدنيين. وتعجب الكاتبة من أمر الحملة البحرية بشمال بحر العرب حيث يتجمع أسطول من 100 سفينة حربية تنتمي إلى دستة من الدول وتقوم بتفتيش مئات السفن يوميا بحثا عن القاعدة والطالبان الذين لم يعثروا على أحد منهم. وتختتم الكاتبة مقالها متشككة في الدور القادم للقوات البريطانية:

(قيل لنا أن القوات البريطانية سوف تساعد في عمليات تطهير مثل عملية "أناكوندا". لكن الواقع هو أننا قد ألزمنا أنفسنا بالدخول في عملية حربية مفتوحة قد تتطور إلى حرب أهلية أفغانية أخرى.)

هناك عشرات من المقالات بالصحف البريطانية تسير على هذا المنوال من حيث التشكك في صحة قرار إرسال الجنود البريطانيين إلى أفغانستان والإعراض عن عزف توني بلير المنفرد ضد العراق. فلعل الأيام والشهور القادمة ترى اندحار السياسة الأمريكية البريطانية ومزيدا من الزكائب البلاستيكية الواردة من أفغانستان إلى لندن وواشنطون. وإلى اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الله.


=================================
التاريخ في سلسلة مقالات
(13)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
29/3/2002



(سوف أضيف بقية هذه المقالات تباعا )

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.