إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

الخميس، 25 سبتمبر 2014

الاختبار الحاسم

جاء وقت الحساب لرئيس مصر الحالي عبد الفتاح السيسي. جاءت لحظة الاختبار الأعظم الذي سيكشف عن حقيقة معدن هذا الرجل. هل هو كما يراه الكثيرون – وأنا من بينهم – رجل الساعة الذي أرسلته العناية الإلهية لكي ينقذ مصر من المستنقع الذي ساقنا إليه جهل وسفه الإخوان المسلمين؟ أم أنه صورة محسنة من عملاء الصهيونية الأمريكية، تولى الإعلام الموجه تلميعها؟

اختبار عباد الشمس كما يقول الفرنجة litmus test هو كيف يتصرف السيسي عندما تطلب منه الإدارة الصهيونية الأمريكية إرسال قوات مصرية للمساعدة في "محاربة الإرهاب" خارج الحدود المصرية، وفي العراق على وجه التحديد. هذا هو الخط الأحمر الذي لو تخطاه السيسي كانت نهايته. هذا أمر لن يغفره أحد من المصريين مهما قيل، ومهما يقال، ومهما كان ما قد يقال مستقبلا من مبررات مزيفة. لن يغفر مثل هذا الأمر الصديق، قبل العدو السياسي من الإخوان المغفلين المغيبين، أوغيرهم من ضيقي الأفق.

الكل يعلم أن "الإرهاب الإسلامي" اختراع صهيوني أمريكي بامتياز، وأن ما كان يسمى بتنظيم القاعدة Al-Qaeda قد تم إعادة تدويره وأطلقوا عليه اسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) المسمى بالإنجليزية تنظيم
Islamic State in Iraq and Syria (ISIS)  ظانين أنهم سيخدعون به العالم مرة أخري، وأنه لا أحد يعرف أن كل تلك التنظيمات يتم تكوينها وتمويلها وتدريبها وتسليحها بمعرفة الصهيونية الأمريكية، في حملتها المسعورة لتدمير الدول المحيطة بدويلة إسرائيل التي تحكم دولة أمريكا بواسطة الصهاينة الأمريكيين.

من حسن حظ مصر والمصريين أن هذا الاختبار يأتي مبكرا، ومن حسن حظ السيسي - لو كان مخلصا - أن هذا الاختبار سيثبت أقدامه لسنوات طوال. فأمريكا تحت حكم الصهيونية دولة مارقة قد أعلنت عداءها لأهل منطقة الشرق الأوسط بأكملها من أجل سواد عيون تلك الدويلة التي قال عنها يوما أحد الدبلوماسيين الفرنسيين بالإنجليزية (دانيل برنارد سفير فرنسا لدى بريطانيا) أنها قطعة من البراز:
 That shitty little country

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

حرف الدال غير الدال

للدرجات العلمية مفهوم غريب لدينا نحن العرب. وأغرب المفاهيم هو ذلك المفهوم المرتبط بدرجة الدكتوراه . يعتقد الناس أن تلك الدرجة العلمية هي قمة ما يصل إليه الإنسان من العلم في فرع ما من فروع المعرفة، وربما في كل المعرفة، وأنها تؤهل حاملها لأي شيء ولكل شيء. هذا المفهوم الغريب يحتاج إلى الكثير من التصحيح.

إن أهم الدرجات العلمية على الإطلاق هو ما يسمي بالدرجة العلمية الأولى first degree، وهي درجة البكالوريوس أو الليسانس bachelor degree، وهي الدرجة التي تؤهل حاملها للبحث العلمي بصفة عامة، وفي مجالات تخصصها بصفة خاصة، وهي أيضا الدرجة العلمية التي لا يلزم سواها لطرق الحياة العملية في مجال ما خارج حدود أسوار الجامعات، حيث يفترض أن تلك الدرجة قد أرست في حاملها الكثير من العلم بما تم الوصول إليه في فرع ما من فروع المعرفة إلى جانب معرفته بالأصول الصحيحة للبحث والقدرة على التخطيط لحل مشكلة ما والبحث بين الكتب والمراجع المتخصصة، والخروج من كل ذلك بحل للمشكلة أو برنامج متكامل لاستمرار البحث في حلها.

أما الدرجة العلمية الثانية وهي درجة الماجستير master's degree فهي الدرجة العلمية التي تعني أن حاملها قد بحث باستفاضة نقطة ما من نقاط علم معين وتقدم ببحث مكتوب thesis لمناقشته وأنه جاهز لممارسة المزيد من البحث العلمي المتخصص. قد يسبق البحث دراسة نظرية، وقد يكون برنامج الدرجة بكامله دراسة تخصصية دون بحث.

وأما الدرجة العلمية الثالثة وهي درجة الدكتوراه doctorate فهي تشبه الدرجة الثانية وغالبا ما تعني أن حاملها قد بحث بحثا مستفيضا في نقطة ضيقة جدا من نقاط علم ما وأن بإمكانه الإشراف على أبحاث الآخرين وتقييمها، وهو أصلح ما يكون للاستمرار في بحث مجاله الضيق والاستفادة من أبحاث الآخرين في مجال التدريس لطلبة الجامعات.

لا تعني الدرجتين الثانية أو الثالثة الكثير من الناحية العملية ولا تعني تلك الدرجتان أن حاملها قد تفوق بصفة عامة على حامل الدرجة العلمية الأولى. وقد يكون العكس هو الصحيح إذا ما كان حامل الدرجة الأولى قد تمرس عمليا وأجرى من الأعمال والأبحاث أضعاف ما عمله حامل الدرجتين الثانية والثالثة ولكن على الطبيعة وخارج أسوار المعاهد العلمية التي حصل منها على أهم مؤهل علمي يؤهله للبحث وهو الدرجة العلمية الأولى.

حامل الدكتوراه في الدول المتقدمة لا يصلح لتدريس مادته بالمدارس الابتدائية أو الثانوية ولا يقبل للعمل بها بدون أن يدرس العلوم التربوية الخاصة بالتدريس للصغار والحصول على شهادة تفيد ذلك. أي أن درجة الدكتوراه لا تفتح له الباب على مصراعيه كما هو الحال لدينا بالدول العربية. وعلى عكس الشائع في بلادنا فإن المدرس الثانوي ليس أعلى شأنا من المدرس الابتدائي والفرق بينهما يعود إلى اختلاف نوع الدراسة التربوية التي تلقاها كل منهما لتتناسب وأعمار تلامذته.

تنحصر أهمية الدرجتين الثانية والثالثة بالدول المتقدمة داخل أسوار المعاهد العلمية وفي مجال البحث العلمي ضيق التخصص والإشراف على البرامج داخل أسوار الجامعات ومراكز البحث. أما خارج تلك الأسوار فإن تلك الدرجات لا تعني الكثير، ولا تدل على أن صاحبها أصلح لعمل ما من حامل الدرجة الأولى الذي تمرس في عمله.

ولكي يكون كلامي واضحا فإن الوزراء على سبيل المثال لا يكونون عادة من حملة الدرجات العلمية الثالثة في الدول المتقدمة، بينما تجد ذلك شائعا في الدول المتخلفة التي تسيء فهم التقييم الحقيقي لتلك الدرجات العلمية، بل إن تلك الدرجات ضيقة التخصص قد تعني أن صاحبها قد تركزت معرفته في مجال تخصصه الضيق، وربما كان محروما من القدرة على النظرة الشاملة وربط الكثير من الأمور المتشعبة اللازمة لإدارة وزارة على سبيل المثال والتي تحتاج إلى التمرس والممارسة العملية في مجالات متعددة. ولا يحتاج بناء كل ذلك إلا إلى الدرجة العلمية الأولى ... ذلك الأساس الراسخ الذي يضع الدارس على أول الطريق ويترك الباقي لجهده وذكائه ومثابرته ومهارته وكلها عوامل تختلف من فرد لآخر وتنميها الممارسة العملية والجهد الشخصي.*
  
وتجد على سبيل المثال أن مدير المستشفى لا يكون طبيبا وأن وزير الصحة يكون ممارسا عاما وليس حاملا لدرجة الدكتوراه في أحد فروع التخصصات الطبية. وأنا هنا لا أحاول الحط من قيمة درجة الدكتوراه ولكنني أقول أن حاملها يكون أصلح ما يكون لاستمرار البحث في مجال تخصصه الضيق، ولكنه لا يتفوق بالضرورة على حامل الدرجة العلمية الأولى الذي يمتلك الاستعداد الشخصي لتطوير قدراته.

ولكي يكون كلامي أوضح سأضرب لك مثالا. أراد أحد مراكز الترجمة بدولة خليجية الحصول على عدد من مترجمي اللغة الإنجليزية المجيدين، وتقدم لهم من بين المتقدمين شخص حاصل على الدرجة العلمية الأولي في تخصص علمي وحاصل على الدرجة العلمية الأولى في تخصص أدبي ويحمل عددا من مؤهلات إضافية في اللغة الإنجليزية والترجمة بالإضافة إلى تمرسه في مزاولة مهنة الترجمة لسنوات عدة - في دولة ناطقة بالإنجليزية - ومقدرته الأدبية واللغوية. ومهنة الترجمة تحتاج القدرة اللغوية وتنوع الخلفية والممارسة العملية، وتلك المقومات أبعد ما تكون عن التخصص الضيق، لكن المركز المذكور أصر على أن الصالح له هو حامل حرف الدال في الترجمة، وهنا يصبح حرف الدال غير دال على الإطلاق! فدرجة الدكتوراه في الترجمة تعني أن حاملها قد قرأ بغزارة عن نقطة ما في تاريخ الترجمة أو ميكانيكية الترجمة أو حياة أحد شيوخ الترجمة! ودرجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي تعني أن صاحبها قد تعمق في دراسة فترة زمنية معينة في تاريخ الأدب أو أعمال أديب معين، ولكنها لا تعني على الإطلاق ضرورة إجادته للغة الإنجليزية ذاتها أو قدرته على الترجمة منها أو إليها أو أن لغته العربية فوق مستوى الشبهات!

إلى هنا ولا أستطيع كتم هذه القصة الفكاهية المرتبطة بالمفهوم السابق عن الدرجات العلمية ... الأخ " نفيس" أحد رفاق الهجرة من الحاصلين على درجة البكالوريوس في العلوم الزراعية ومعها درجة الماجستير في تخصص ما لا أذكره من جامعة الإسكندرية ... لغته الإنجليزية ظلت في حاجة ماسة دائمة لأعمال الصيانة والترميم، رغم عمله كمدرس لعلم الأحياء ( البيولوجيا ) بإحدى المدارس الثانوية الأسترالية ... كان موسم كتابة التقارير عن الطلبة في منتصف وفي أواخر العام الدراسي يعني بالنسبة لي جهدا مضاعفا، حيث كان علي أن أسهر مع الأخ نفيس لأداء واجبات الصداقة التي تستدعي مراجعة تقاريره من الناحية اللغوية، وكان ذلك يتطلب غالبا إعادة صياغتها ... وامتد ذلك إلى مراجعة البرامج الدراسية التي يكتبها والتقارير الكتابية المتعلقة بوظيفته كنائب رئيس قسم العلوم بمدرسته ... لم أتضجر من تلك المساعدة التي قدرني المولى علي إعطائها في أوج شبابي وتوفر نشاطي ومثابرتي.

وجاء يوم أراد فيه الأخ نفيس التقدم لوظيفة محاضر بأحد المعاهد العليا! فجاء يستشيرني، أو ربما للتأكد من مدى الدعم الأخوي في مثل ذلك الموقف ... قلت له أن هناك فارقا بين "العك" لصغار الطلبة في فصل مغلق بالمدارس الثانوية وبين مخاطبة الشبان الكبار بالمحاضرات المفتوحة بالمعاهد العليا ... الوضع الأول "مستور" بينما الوضع الثاني "مكشوف ساتره"! لكن الأخ نفيس لم يسمع النصيحة، وانتقل إلى الوظيفة الأكثر بريقا والتي لا تناسب إمكانياته المحدودة، لكي يبدأ رحلة عذاب لابد وأنها انتهت بالكثير من مواقف "البهدلة" التي منعه كبرياؤه من سردها وتطلبت الإنقاذ بالتقاعد المبكر.

عاد الأخ نفيس إلي مصر، ومصرنا دولة عربية "تموت في" حرف الدال الذي تزركش به مقدمات الأسماء فوق الكروت وينادى حامله بلقب "دكتور" منطوقا  "دُكتر"، وكأن ذلك يسبغ على حامل اللقب قدرات إضافية خارقة لا تتحقق بدونه ... وكأن من لا يحمل اللقب قد حرمه الله من العلم والكفاءة، فإذا أضفت إلى ذلك ولعا طبيعيا لدى نفيس بالتميز وحب الظهور أمكنك أن تفهم المبررات والدوافع لما تطور عليه حال الأخ نفيس بالإسكندرية ... حينما طلبته تليفونيا ردت على التليفون إحدى قريباته:
- ممكن أكلم الأستاذ نفيس؟
- تقصد دكتر نفيس ؟
- .... آ..آ.. ... أيوه
واستنتجت أن الأخ نفيس قد أنعم على نفسه بالدكتوراه الفخرية اللازمة للحياة في دولة عربية.

جاء الأخ نفيس في زيارة لأستراليا - التي لم تنقطع صلته بها - لدراسة ذلك الحلم الذي راودني قديما وما زال يراود الكثيرين، وهو العمل بالتصدير والاستيراد دون رأسمال!  ذلك الحلم الذي انتهى بموت مهنة الوسيط التجاري في عصر ثورة المعلومات. كنت في ذلك الوقت في أوج تشبثي بذلك الحلم البعيد، وطلب مني الأخ نفيس أن أكتب له عقدا مع مكتب التصدير والاستيراد المسجل باسمي كوكيل للمكتب عن منطقة الشرق الأوسط ... لم يكن مضمون أو مفهوم هذا التوكيل هاما بقدر ما كانت أهمية توقيعي وختم المكتب علي التوكيل بما يوضح دون لبس أو إبهام أن ذلك التوكيل يخص "الدكتور نفيس العنقي" ، وكان هذا التوكيل بمثابة شهادة دكتوراه عرفية  de facto لكي يضعها الأخ نفيس على حائط مكتبه بالإسكندرية ... هل أدركت الآن تلك القيمة العظيمة ببلادنا العربية التي نعطيها لحرف الدال غير الدال؟ 
-----------------------------------------------------------
* إضافة: هذا مقال قديم تمت كتابته في ثمانينيات القرن الماضي أود أن أضيف إليه مقارنة واضحة بين  محمد مرسي العياط وعبد الفتاح السيسي. الأول يحمل حرف الدال الذي ربما كان أيضا "مضروبا" أي مزورا بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية في فترة إعداده لمهمته الخاصة بتدمير مصر. رأينا جميعا كيف أن ذلك الرجل - إذا افترضنا حسن نيته - لم يكن يمتلك أي قدرة أو معرفة بالصورة الكاملة للموقف المصري وكيفية التخطيط لمعالجة أي مشكلة من المشاكل الاقتصادية العديدة المتشابكة. أما إذا افترضنا سوء نيته - بحسب زعم المخابرات المصرية المرجح صحته - فإن الأمر يكون أشد بلاء. قارن ذلك بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي يستعين بالخبراء - كل في مجال تخصصه - ثم يضع تلك الخبرات في خريطة أو خطة متكاملة التفاصيل تحدد الإمكانيات ومراحل التنفيذ وغير ذلك مما يمكن أن نسميه القدرة على رؤية الصورة الكاملة والتعامل المنظم معها. شتان بين هذا وذاك. نعم هناك فرق بين الجهل وضيق الأفق وبين التفكير المرتب المدعوم بالعزيمة والوطنية التي تصل إلى درجة التفاني وبذل النفس في سبيل الهدف. وأزعم أن الأيام ربما تثبت لنا مدى وطنية هذا الرجل، ولا أقول عظمته حتى لا يتملكه الغرور (بضم الغين)، فهو أبعد ما يكون عن ذلك الغرور (بفتح الغين) الذي تملك مرسي العياط.                                        

الأحد، 7 سبتمبر 2014

مصر والاستقطاب السياسي


اتضحت الأمور بعض الشيء بما يسمح بشيء من الفهم لما يجري اليوم على أرض المحروسة. لا أدري سبب تسمية مصر بالمحروسة، فقد قضت عمرها "متعوسة" بحكم موقعها الجغرافي الذي جعلها هدفا لكل من هب ودب، وكتب على أهلها على مر العصور ذلك "التخلف الوبائي" الذي كلما ازدهرت وأوشكت على الشفاء منه عاد واستشرى. هذا التخلف أورثها اليوم عدة مشاكل هي على سبيل المثال لا الحصر:



- التخلف الديني إن صح التعبير. وأقصد بذلك، التقوقع في فكر ديني ضيق ينبذ الآخر ويعكر القدرة على الفهم أو التفاهم.
- التخلف الاقتصادي بسبب الجهل المستشري الذي يجعل الحاكم والمحكوم يعجزان عن  رؤية الصورة الكاملة،  فيدفع بالدولة نحو مشاكل معقدة يصعب توفير الحلول لها.
- المنظومة التعليمية الفاشلة التي تبلد العقول وتجعل الحصول على الشهادة أهم من الدراسة ذاتها. يحضرني هنا قول قريب لي في آخر زيارة لي لمصر منذ نحو 30 سنة "لماذا لا تحصل على الدكتوراه وأنت في الخارج؟". ما زلت أتذكر دهشته حينما أجبته بأنها لا تلزمني في عملي الحالي. ويذكرني ذلك بمن "كافح" من المصريين في المهجر وحصل على "الدكتوراه" السحرية التي تجعل منه عالما في كل شيء من منظور كل المصريين والعرب، ثم التحق بعد ذلك بصفوف العاطلين الباحثين عن وظيفة. لي مقال قديم في هذا الشأن سوف أعيد نشره، وعنوانه "حرف الدال غير الدال".

أعود إلى أصل الموضوع وهو محاولة فهم الأمور في مصر الآن. يقع المصريون اليوم في ثلاثة فئات سياسية لا رابع لها:



- الإخوان المسلمين ومن يدور في فلكهم من أنصار الرجعية والتخلف. تلك مجموعة متحجرة لا قدرة لديها على الفهم، ولا يمكنها ضيق أفقها من رؤية الصورة الكاملة أو إجراء أي حسابات عملية على أرض الواقع. كل همها هو التشدق بالشرعية وكيف أن مرسي وعصبته أو عصابته قد اختارهم الناس وخلعهم العسكر في انقلاب غير شرعي. يتناسى هؤلاء عدة عوامل هامة هي أن الظروف دفعت بالناس إلى اختيار ذلك الحمار الشرعي الذي كان على وشك الدفع بمصر إلى نفس المستنقع العراقي الليبي ولكن الله سلم. هذه الفئة الضالة سوف تثوب إلى رشدها طوعا أو كرها في المستقبل القريب.



- الفئة الثانية هي أنصار الحكم العسكري الحالي. أنا هنا أسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية دون تجميل مضلل. وربما قد تدهش لأنني أصرح الآن وبكل قوة أنني من هؤلاء. لا تنس - قبل أن تلعنني - أنني لعنت عبد الناصر وهو في أوج قوته، وهربت منه ومن نظامه وما زلت ألعنه، ولعنت السادات في حياته وبعد مماته، وما زلت ألعنه لأنه كان امتدادا لنفس النظام الدكتاتوري الفاشل، ولعنت مبارك ومازلت ألعنه، لأنه تفوق على كل سابقيه في الجهل وزاد. تذكر بعد كل ذلك أن عبد الفتاح السيسي لا يملك لي نفعا ولا ضرا، لكنني أؤيده في كل مساعيه الوطنية، وأغفر له كل ما خفيت أسبابه عني والتي سوف يكشفها التاريخ مستقبلا. والسبب بسيط جدا وهو أن الجيش المصري اليوم بما اكتسبه من خبرات مدنية منظمة هو الأقدر على تحقيق النتائج العملية، بعد أن كانت مصر تنزلق بسرعة في طريقها إلى مصير الدول الفاشلة. لقد ساقتنا الأقدار اليوم إلى منظومة تشبه المنظومة التي دفعت بدولة هزيلة مثل إسرائيل إلى التفوق. كل الإسرائيليين يصبحون جنودا في وقت الحرب. المرادف المصري اليوم هو أن كل جنود مصر يعملون بالأعمال المدنية لبناء مصر بعد انهيارها. الحديث بغير ذلك ترف واستنزاف لا نملكه. ثم تعال معي لنرى ما حققته الديمقراطية الغربية لأمريكا: الديمقراطية الغربية جعلت الأقلية الصهيونية تحكم الشعب الأمريكي وتذله وتفقره وتحرمه من العلاج الصحي والتعليم وتبدد ثروته من أجل إسرائيل. المعادل المصري هو أن الديمقراطية الغربية التي نحلم بها قد تأتينا – بل لا بد لها وأن تأتينا لو طبقناها اليوم - بالمعادل للصهيونية الأمريكية وهو الرجعية الدينية الإسلامية.




أما المعسكر الثالث والأخير من المصريين فهو هؤلاء الكادحين الذين لا يهمهم هذا أو ذاك، وقد سرق الفقر منهم كل شيء. إنهم يشكلون السواد الأعظم من أهل مصر، يهيمون كالأشباح بحثا عن لقمة العيش في بلد لا يجوز له أن يكون فقيرا. وأعتذر مسبقا عن تشبيه كل منهم بالحمار أو البغل "بوزه في مخلته، إن لكزته سار، وإن تركته وقف يمضغ". لكن تلك الدواب البشرية تتحول إلى بشر سوي في البيئة المناسبة، وهي مصر المستقبل الناهضة بعد سنوات من الحكم العسكري الفعال الذي يبني ولا يهدم، يخطط ولا يتآمر على ممتلكات الوطن بهدف فرض شرعية للفقر والتخلف الحضاري.





هذا هو الموقف المصري الآن بصفة عامة. أما التفاصيل الدقيقة فلا علم لي بها. لماذا يحاكم مرسي ويرتع مبارك؟ علمه عند ربي، وعند أهل العلم. كم سرق مبارك؟ لا علم لي بالتفاصيل، فكل ما أعلمه هو أن هذا النكرة كان مفسدا في الأرض، مهما أعطانا المنظرون من مبررات سخيفة. ماذا فعل البرادعي وماذا كان دوره؟ لا علم لي بالتفاصيل، ولكن هناك قاعدة عامة هي أن من يعمل ويرتقي بالمؤسسات الدولية يتم تجنيده قبلها بالمخابرات الأمريكية. وقد كان المخطط الأمريكي الذي أشرف عليه البرادعي في صالح مصر والمصريين، على غير توقع من العدو الصهيوني الأمريكي. الذي مازال يحلم "بلبينة" كل من سوريا ومصر. ما هو حجم جرائم الإخوان وهل كان قادتهم فعلا من الخونة المتآمرين؟ الله وحده أعلم، ولكن الخلاص منهم ومن كفرهم بالوطن والمواطنة كان بلا شك فتحا مبينا. هل التفجيرات وعمليات التدمير الممنهجة لأبراج الكهرباء من فعل الإخوان المضللين أم من فعل جهات مخابراتية أجنبية؟ الله أعلم، وهي في غالب الأمر من فعل جهات مخابراتية أجنبية، لكنها بالتأكيد ليست كما يشيع الأعداء من فعل "الانقلابيين" لتمكينهم من الفتك بالإخوان الضالين. هل السيسي جزء من المنظومة الأمريكية؟ لا أستطيع الجزم برأي، لكن الشواهد تقول بأنه حاليا الرجل القوي في منظومة مصرية تبقي على مبارك في منتجع طرة ولا تحاسبه المحاسبة الثورية التي لو تمت لانتهى متدليا من عمود نور في ميدان التحرير. لكن رأيي الذي يخصني وحدي هو أن السيسي أحق الناس بالموالاة والتأييد لأن كل البدائل الأخرى غير صالحة في ظروف البلاد الحالية، لا اليوم ولا في المستقبل القريب. هذا الرجل يستحق البقاء في الحكم لفترتين، الثانية منهما تكون بإذن الله بتأييد شعبي سليم ضد من تكون له حينئذ شعبية وندية للسيسي. أكرر أن هذا هو رأيي الشخصي، وأكرر أيضا على سبيل الفكاهة أنه صواب يحتمل الخطأ.

ختاما أتمنى أن يكون في هذا التحليل بعض الفائدة، وإلا فإنني والعياذ بالله أصبح مثل محمد حسنين هيكل الذي يتكلم كثيرا ولا يقول شيئا والقراءة له - بصراحة - مضيعة للوقت.


  

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.