بقلم: محمد عبد اللطيف حجازي
هناك أزمة حقيقية أجلت محاكمة مبارك وأبنائه لثلاثة أشهر منذ اندلاع الثورة المصرية. كان المجلس العسكري خلالها بين فكي كماشة، فمن ناحية كان القبض على مبارك ومحاكمته هو المطلب البديهي لأهل مصر جميعا، ومن ناحية أخرى كان الإحجام عن ذلك هو الدرع المؤقت لكل قوى الظلام الدكتاتوري والمحتمين به من أهل الفساد المعروفين، وغيرهم ممن أفسدهم المناخ العام ، ربما كان منهم بعض من الجلوس على مقاعد المجلس العسكري الذين تربحوا - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - من النشاطات الاقتصادية المتشعبة للجيش والتي لم تخضع بالكامل للأجهزة الرقابية وتفشت بها أعمال السلب والنهب المنظمة من كبار ضباط الجيش الذين يديرون تلك النشاطات التجارية.
لا أدري على وجه التحديد أسباب تأخر وضع مبارك وعائلته خلف القضبان رغم أن شباب الثورة قد بح صوته مطالبا بذلك. هل كان السبب هو الخوف من الثورة المضادة بقيادة أجهزة القمع الضخمة الموالية لمبارك؟ فكان لزاما على قيادة الجيش الانتظار والعمل بهدوء على تصفية القيادات الفاسدة لتلك المؤسسات. لقد شاهدنا بالفعل تمشيطا منهجيا سقطت خلاله تلك القيادات العفنة واحدا تلو الآخر، بينما كانت عائلة مبارك تربض بثقة وتدير عملياتها من شرم الشيخ في حرية تامة تحت مراقبة المخابرات العسكرية الذكية، ولكن تلك العمليات كانت تتم في توقيت متخلف عن تطور الأحداث بحيث كانت كل ترتيباتها ينتج عنها مفعول عكسي يزيد من تضييق الخناق علي مافيا مبارك يوما بعد يوم.
الاحتمال الثاني هو أن بعض أعضاء المجلس العسكري الذي لا أشك لحظة في وطنية أعضائه كان من بينهم من يخشى بعض الفضائح المالية - وأتمنى أن يكون ظني خاطئا – فكان يعرقل العمليات لكسب الوقت ولا يود التعرض لرأس النظام الذي قد يوشي بهم ويحتفظ زبانيته لهم بما يمكن أن يشوه سمعتهم، خاصة إذا ما علمنا أن العقل المدبر لزبانية مبارك كان ذلك القواد صفوت الشريف المعروف بالمكر والدهاء في تجميع ما يمكن أن يلوث سمعة نبي. لذلك فإن المجلس العسكري لم يتحرك خطوة واحدة للأمام إلا تحت الضغط الشعبي وقوة مليونيات أيام الجمعة المتتالية. ما لم يدركه المجلس العسكري هو أن شعب مصر كان بكل تأكيد مستعدا لأن يغفر لهم وأن يحملهم فوق الأعناق لو كانوا أودعوا مبارك خلف القضبان في بداية الثورة.
أيا كانت أسباب تردد المجلس العسكري فإنه قد وجد نفسه بعد ثلاثة أشهر في موقف لا يستطيع معه الصمود دون القبض على مبارك ومحاكمته، وقد كان. المضحك المبكي هو أن مبارك مازال في حالة إنكار لواقعه البائس لدرجة أنه صاح في وجه أحد المحققين بأنه في حضرة "رئيس الجمهورية"! مما دعا الأخير إلى تذكيره بأنه فرد عادي يخضع للتحقيق وأن عليه ألا يرفع صوته. بصراحة أنا أحسد هذا المحقق على صبره ورباطة جأشه.
السؤال الآن هو: ماذا بعد؟ أعتقد - والله أعلم - أن الخطوة التالية هي التخلص من مبارك طبيا بطريقة لا يكشفها التشريح ثم ادعاء إصابته بنوبة قلبية أدت إلى وفاته. جاذبية هذا الحل ترجحه ظروف جميع الأطراف المعنية فهو يسكت مبارك إلى الأبد بدون فضائح إضافية قد تمس بعض أعضاء المجلس العسكري، ولا يدفع بجماهير الثورة إلى المزيد من الاحتجاجات، ويرضي الشعب الصابر الذي يتنفس الصعداء بعد أن ذاق الأمرين على يد هذا الدكتاتور الغبي، ويطوي صفحته السوداء في نهاية تشبه نهاية سابقيه السادات وعبد الناصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق