مصر يحكمها مجلس عسكري استمد شرعيته من شرعية الثورة التي انحاز لها راضيا أو كارها. أجمع المحللون على أن القيادة العسكرية لم يكن بوسعها الأمر بفتح النار على الناس طبقا لأوامر سيدهم التي أنكروا صدورها منه ويقولون لنا اليوم أنهم يجهلون من أصدر الأوامر أو حتى من نفذ الأوامر. لم يكن بوسعهم الأمر بإطلاق النار لأنهم كانوا يعلمون تماما أن مثل ذلك الأمر كان كفيلا بتوجيه النار إلى صدورهم هم، فجيش مصر لم ولن يوجه نيرانه إلى شعب مصر لأن شعب مصر ببساطة هو آبائهم وأبنائهم وإخوتهم.
هل يصعب معرفة من أطلق النار على الثوار؟ لا أعتقد ذلك، فكل شيء موثق بالمستندات وبالصوت والصورة، وإذا ما عرفت من أطلق النار فإنه يوصلك لسلسلة من أعطى الأوامر وصولا إلى المجرم الأول محمد حسني مبارك. لكنهم لا يريدون ذلك لسيدهم الذي انتقاهم على شاكلته وأجزل العطاء لهم وأبقى بعضهم بالخدمة إلى ما بعد سن التقاعد. هم يقومون اليوم بدور الحامي لسيدهم الذي يستطيع الوشاية بهم. فإلى متي يمكن التسويف والمماطلة والمحاكمات الوهمية التي تمتد لآجال مطولة خلف ستار الدقة وتجنب الظلم؟
كافة الجرائم الكبرى في حق الشعب تتم بسهولة فتقوم مافيا مبارك بحرق الكنائس ويتم ترويع الناس في ظل فساد قيادات شرطة باقية منذ عهد مبارك. مبارك نفسه مطمئن وزوجته ترتع طليقة لتدبير المزيد من المكائد. لقد فاحت الرائحة النتنة للمجلس العسكري وآن وقت الحساب، فإما أن تقوم قيادة الجيش بتطهير صفوفها وإما أن يفرز جيشنا العظيم من أبنائه من يتولى تخليصنا من تلك القيادات المتآمرة.
إن ما يجري بمصر الآن يستحق القبض على أعضاء المجلس العسكري ومحاكمتهم وتسليم الحكم إلى مجلس مدني من عقلاء الأمة من كبار رجال القضاء المعروف عنهم النزاهة وعدم الانسياق في الماضي إلى أهواء الحاكم، وتشكيل حكومة من التكنوقراط الذين لا ينتمون لمافيا الحكم السابق. كلما مر الوقت كلما زادت الفوضى التي تشتد بإرادة وتدبير المجلس العسكري المتقاعس المرتعش خوفا من كشف أمره. لكن الشعب الذي خرج من القمقم لن يصبر على الاستهتار به ومحاولة استغفاله بهذا الشكل الفاضح .
يمكن بعد التخلص من المجلس العسكري وتسليم الحكم لسلطة مدنية شريفة أن يتم تمشيط وزارة الداخلية وتنظيفها من الكلاب التي دربها نظام مبارك وما أسهل ذلك إذا تم استدعاء العقيد محمد الغنام من منفاه بسويسرا لكي يعمل وزيرا للداخلية. يمكن بعد ذلك عمل دورات تدريبية سريعة للعاطلين من خريجي الحقوق لكي يصبحوا عاملين بالشرطة في كادر واحد لا يفرق بين الجندي والضابط وبزي جديد يسمح للناس بنسيان شكل ودور رجال الشرطة القدامى الذين تدربوا على العمل ضد أبناء الشعب وتلفيق التهم للأبرياء.
علاج مشاكل مصر معروف وكلما تأخر التخلص من حكم العسكر كلما تخلفت البلاد وازدادت صعوبة العلاج. لقد فهمنا الآن الدور القذر للمجلس العسكري الذي يمهد لترسيخ نظام مبارك واستنساخه في صورة أخرى تحميهم من المساءلة عن دورهم في الماضي والحاضر، فماذا نحن فاعلون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق