نظام العسكر الحالي المتعثر بمصر يريد طمس ذاكرة المصريين ويريد
إقناع الناس بأن ثورة 25 يناير 2011 كانت مجرد "هوجة" من صنع "شوية
عيال" مرتزقة بتمويل أمريكي. هذا هو أسلوبهم الذي اتبعوه في السنوات الأخيرة وتروج
له أبواقهم الرسمية أو غير الرسمية التي تمولها عصابات رجال الأعمال التي نهبت
الثروة المصرية وأفقرت عامة الناس. يريدون لنا أن نصدق أن الحكم العسكري هو أصلح
شيء لمصر رغم 64 سنة من التجارب العقيمة والخراب الذي يحتار المرء في محاولة تخيل
سيناريو إصلاحه. ولكي نرى المشكلة يجب أن نتوافق على بعض الأمور الأساسية التي
خبرناها بالتجربة:
(1)
حكم العسكر خراب لأن
العسكر بطبيعتهم لا يصلحون لإدارة الدول فهم بطبيعة تعليمهم الضحل جهلة وقادتهم
أجهل من الدواب في مجالات مثل الاقتصاد والعلاقات الدولية، لذلك تجد السيسي الجهول
لصا وسفاحا في الداخل و"عرة" وفضيحة وأضحوكة المحافل الدولية بالخارج،
ولا يليق لتمثيل مصر الحضارة والأصالة.
(2)
الإخوان أيضا خراب في
الحكم لأنهم مصابون بالنرجسية والهوس الديني الذي لا يؤهلهم لقيادة دولة تتنوع
فيها الهوية الدينية بين المسلمين السنة والشيعة، والمسيحيين الأقباط والكاثوليك والإنجيليين،
والمتشككين والملحدين. لكن ذلك لا يعطي رخصة لسفاح مثل السيسي لكي يتولى إبادة
البعض كما فعل في رابعة وغيرها.
(3)
صغار الإخوان ينصلح
حالهم في ظل نظام تعليمي سليم، وهم في نهاية الأمر جزء من النسيج الاجتماعي المعقد
للشعب المصري، لهم ميزاتهم وسيئاتهم ويجب التحلي بالصبر في التعامل معهم إلى أن
يتم نضج تفكيرهم الذي يرفض الآخر تماما.
(4)
بعد عودة الوعي وتنبه
معظم الناس إلى حقيقة ما حدث فيما أطلق عليه زورا اسم "ثورة 30 يونية 2013"،
اتضح للمخدوعين - وكنت منهم - أن السيسي
"المنقذ" مجرد عميل صهيوني بامتياز والخلاص منه ضروري ولو أراد لنفسه
ولوطنه الخير فعليه بعصيان أوامر سادته والتحرك السريع لعمل انتخابات نزيهة مبكرة،
لكنه أجبن من أن يفعل ذلك لأنه دكتاتور انقلابي ضحل، ليس على قدر من الوعي والفهم
يسمح له بالتفكير المنظم، وكل ما يخشاه هو أن خروجه من الحكم يعني محاكمته ومحاكمة
أسياده من اللصوص الآخرين أمثال مبارك وطنطاوي وغيرهم من القائمة الطويلة.
إذا تعمقنا في المشهد الحالي نستطيع أن نفهم أن السيسي مجرد عرض
لمرض، والمرض هو المؤسسة العسكرية بتركيبتها الحالية التي تتحكم في المشهد من وراء
ستار، والمشكلة الكامنة هي أن الجنرالات هم الذين يحكمون البلاد وأن السيسي ماهو
إلا صبيهم الذي يأتمر بأمرهم وإن بدى وكأنه كبيرهم. لذلك فإن الخلاص من السيسي في حد ذاته لا
يختلف كثيرا عن الخلاص من مبارك. الخلاص الحقيقي يجب أن يكون من المؤسسة العسكرية ذاتها
ومن جنرالاتها الحاليين والقدامي الذين ينتشرون كالسرطان في صورة محافظين ورؤساء
لكبار مؤسسات الدولة، فكيف يمكن لذلك أن يحدث؟ هناك عدة سيناريوهات محتملة.
إذا قامت الثورة في صورة فوضى ثورة الجياع المتوقعة في ظل
الصعوبات الاقتصادية التي تفرض نفسها، فقد ينتهي الأمر بتدخل الجيش مرة أخرى
وحينما تستقر الأمور نجد جنرالا آخر على أنفاسنا من جديد.
إذا جاء من رحم تلك الفوضى عملية منظمة تقوم بتطويق واستئصال من
لم يفر خارج البلاد من هؤلاء الجنرالات فربما يقوم عقلاء الأمة بتكوين مجلس رئاسي
يتولى إدارة البلاد إلى أن تستقيم الأمور وتستأنف الدولة حياتها بعد إجراء
انتخابات نزيهة.
الحلم البديل هو أن يحدث انقلاب عسكري بقيادة وطنية تحيل كل
الجنرالات إلى التقاعد وتقوم بالمحاكمة السريعة والتجريد من الأموال المنهوبة والإعدام للمجرمين منهم ثم تسلم البلاد إلى مجلس رئاسي يقوم بتصويب الأمور وعمل
انتخابات حقيقية بضوابط صارمة تنجح في تسليم البلاد لقيادة سياسية تكون قد وعت
الدرس فنصبح مثل باقي الأمم ونستنسخ بعض محاسن الديمقراطية التي استقر رأي العالم
المتمدين على أنها أقل نظم الحكم سوءا.