المقال أدناه للمحلل السياسي القدير نصر شمالي يوضح التشابه بين ما يحدث لأهل فلسطين اليوم وما حدث بالشام والعراق نتيجة لاتفاق سايكس- بيكو الشهير من حيث خلق كيانات عربية عاجزة صغيرة منزوعة السلاح تابعة للغرب. ويعجب كما نعجب من سلوك الحمار المصري الخائن محمد حسني البارك وأمثاله من حثالة الدكتاتوريين بالخليج تجاه إيران.
نزع سلاحنا الحربي، والسلمي أيضاً
بقلم: نصر شمالي
لطالما تردّد خلال العقود الثلاثة الماضية، منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، القول بأن الفلسطينيين يمكن أن يحظوا بوطن أو دولة! إنّ بدايات ظهور هذا الطرح، الذي تبلور بعد حرب عام 1973 وبعد التوجه نحو كامب ديفيد، ترافقت مع بدايات ظهور الواقعيين (المعتدلين) من الحكام العرب، الذين لم يتردّد كبيرهم في زيارة القدس المحتلة وفي تطبيع علاقاته مع الإسرائيليين، ولكن رغم بداية تبلور تيار فلسطيني نخبوي منذ ذلك الحين، وهو التيار الذي بدا مستعدّاً للتفريط إلى أبعد الحدود، ومتلهّفاً لتحقيق الوعد الأميركي الصهيوني، فقد بقيت "الدولة الفلسطينية" الموعودة مجرّد عنوان عام فضفاض يفتقر إلى التفاصيل الأولية الأساسية، ثمّ بدأوا في المرحلة الأخيرة يلمّحون إلى إمكانية أن تكون "الدولة" بهذا الحجم أو ذاك، وأن تضم هذا الحيّ أو ذاك، وهذه القرية أو تلك، إضافة إلى بقاء المستوطنات الصهيونية في جنباتها جزئياً أو كلياً، في أماكنها أو في أماكن أخرى..الخ! وفي جميع الأحوال كان الواضح الصريح دائماً هو عدم الوضوح والصراحة، والقاطع المحدّد دائماً هو عدم القطع والتحديد، بينما "عصارة المعدة" عند النخبة الفلسطينية، المتلهفة لنيل "الدولة"، يتصاعد اضطرابها ليبلغ اليوم درجات عالية من الهيجان!
غير أنّ ما بدا دائماً محسوماً بصراحة تامة، وبوضوح كامل، وبقطع حادّ، هو أنّ "الدولة الفلسطينية" الموعودة، في حال قيامها، سوف تكون "دولة" منزوعة السلاح إنّما قابلة للحياة! لقد تكرّر هذا التأكيد على ألسنة جميع المسؤولين الأميركيين، وآخرهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون (3/2/2009) وإنّ الربط بين "نزع السلاح" و "قابلية الحياة" يبدو مثيراً ومحرّضاً للخيال، وموحياً أنّنا بصدد مخلوق مصطنع، سوف يعيش حكماً في ظلّ خالقه وتحت إشرافه، كي لا يحدث الكوارث كما في رواية "فرنكشتاين" الشهيرة!
بكلمة واحدة: إنّ "الدولة الفلسطينية" الموعودة، في حال قيامها غير المؤكّد بعد، سوف تكون مندمجة جغرافياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً في الكيان الإسرائيلي، وسوف تكون غير متصلة جغرافياً بالدول المجاورة إلاّ بمعرفة وموافقة وإشراف الإسرائيليين، أما إذا قال أحدهم أنها سوف تكون متصلة بمصر فإنّنا نذكّره أنّ سيناء ليست حرّة، وشبه محتلة عسكرياً من قبل الأميركيين، وحركة المصريين مقيّدة فيها إلى حدّ كبير، ثمّ ألم نسمع المصريين وهم يردّدون متهكّمين متألّمين: "يا سادات كفاية نصر/ رجعت سينا وراحت مصر؟!
جدير بالذكر هنا أنّ فكرة إقامة دول منزوعة السلاح وقابلة للحياة ليست جديدة على منطقتنا، فهي تعود إلى العقد الثاني من القرن العشرين، حيث تضمّنت اتفاقية "سايكس/بيكو" الإنكليزية/الفرنسية مشروعاً يقضي بتحويل بلاد الشام والعراق إلى عدد من الدول "المنزوعة السلاح والقابلة للحياة"! وقد نصـت الاتفاقية المذكورة في بندها الحادي عشر على تخصيص أربع محافظات سورية يقيم عليها الملك فيصل "مملكته"، هي دمشق وحمص وحماة وحلب، على أن يتحقّق ذلك بمعرفة وموافقة وإشراف الإنكليز والفرنسيين، ونصّ البند الثاني عشر من الاتفاقية على تعهّد الدولتين المتحضّرتين السيدتين بمنع تهريب السلاح إلى المملكة الموعودة، تماماً كما هو الحال اليوم مع قطاع غزّة وفلسطين عموماً، أمّا المناطق السورية الأخرى، مثل الساحل وجبل العرب وغيرهما، فقد كانت تؤهّل بدورها كي تكون "دولاً" منزوعة السلاح وقابلة للحياة!
وعندما تعاظمت المقاومة الشعبية لتلك المشاريع الاستعمارية (قبل حوالي قرن!) حيث استهجنها ودحضها في ذلك الزمن بسطاء الناس قبل قادتهم، ثمّ أعلن السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون قيام دولتهم المستقلة بصورة لا تتفق مع ما جاء في اتفاقية "سايكس/بيكو"، عندها قرّرت الحكومة الفرنسية احتلال سورية بكاملها! وفي الإنذار الذي وجّهه الجنرال الفرنسي "غورو" من بيروت إلى حكومة دمشق كان هناك طلباً واضحاً محدّداً هو: حلّ القوات السورية وتجريدها من السلاح، وملاحقة من ارتكب "جرم" مقاومة المحتلين من أفرادها! وبينما كان الشعب السوري ينظر بفخر واعتزاز إلى قائد جيشه الباسل، الشهيد يوسف العظمة بطل موقعة ميسلون الخالدة الذكر، كان الفرنسيون يتحدّثون عن الموقعة باعتبارها عملاً إرهابياً من أعمال الرعاع، وعن القائد الشهيد يوسف العظمة كإرهابي مجرم خارج على القانون!
وفي ما بعد، بعد الحرب العالمية الثانية وجلاء جيوش الاستعمار القديم، وظهور "الدويلات المستقلّة"، التي شاركت في تأسيس هيئة الأمم ويا للعجب العجاب، تبيّن أنّ المقصود بنزع السلاح ليس الأسلحة الحربية تحديداً فقط، إنّما كلّ ما من شأنه تحقيق الاستقلال الفعلي والنهوض الاجتماعي، بل تأكّد أنّهم يمكن أن يوافقوا بحماسة على تسليح دولة ما بأحدث الأسلحة، حتى بطائرات الأواكس العملاقة العالية القيمة والخطورة، شرط أن تدفع أثمانها الباهظة وأجور خبرائها الفاحشة، وأن تكون لهم السيطرة المضمونة على أوجه استخدامها، لصالحهم أو لصالح الحكومة "الصديقة"! أمّا الأسلحة غير الحربية، العلمية والتكنولوجية الحديثة، فقد ثبت أنّهم لا يتساهلون في تملّكها أبداً من قبل غيرهم مهما كان صديقاً وموالياً، إلى حدّ العزل وإحكام الحصار وشنّ حروب التدمير الشامل ضدّ من يحاول تملّكها، ولا ريب أنّ العراق دفع غالياً جدّاً ثمن محاولاته في هذا الاتجاه، كذلك لا ريب أنّ إيران تتعرّض لمحاولات العزل والحصار وللتهديد بالحرب بسبب امتلاكها للأسلحة السلمية قبل الحربية، فليس مسموحاً لأيّ بلد عربي أو مسلم، تحديداً وتخصيصاً، أن يمتلك مثل هذه الأسلحة، وإنّ المفترض والطبيعي أن نرى في نجاح إيران ثأراً للعراق وغيره، ونجاحاً لنا جميعاً.
ترى، وبناءً على ما عرضناه، هل لا يزال يوجد في هذا العالم حقاً من يجهل وجود مثل هذه الثوابت في الاستراتيجية الاستعمارية ضدّ الأمم الأخرى؟ هل يعقل أنّ هناك في أمتنا، وعلى أعلى المستويات الرسمية، من يعترض على تسليح الشعب الفلسطيني، المعرّض للإبادة بالقتال أو من دون قتال، بل يساهم في محاصرته وحرمانه من أبسط الأدوات الحربية، أقلّه للدفاع عن نفسه بشرف حتى لا يقتل كما تقتل الحيوانات؟ وهل يعقل أنّ هناك في أمتنا، على مختلف المستويات، من ينظر جدّياً بعين الريبة والقلق إلى استقلال إيران وتعاظم قوتها الذاتية، ويعتبرها هي الخطر، وليس الأميركيين والصهاينة؟ وعندما يتطلّع الشعب الفلسطيني إلى تأييد إيران، وإلى دعمها المتاح بسخاء، وقد خذلته الأنظمة العربية، يتهم بالعمالة لإيران؟ وعندما تناصره تركيا شعباً وحكومة ينظر إلى مناصرتها بغيظ مكتوم؟ هل هذا معقول؟ كلاّ، هذا غير معقول، واللامعقول غير حقيقي ولا يدوم!
بقلم: نصر شمالي
لطالما تردّد خلال العقود الثلاثة الماضية، منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، القول بأن الفلسطينيين يمكن أن يحظوا بوطن أو دولة! إنّ بدايات ظهور هذا الطرح، الذي تبلور بعد حرب عام 1973 وبعد التوجه نحو كامب ديفيد، ترافقت مع بدايات ظهور الواقعيين (المعتدلين) من الحكام العرب، الذين لم يتردّد كبيرهم في زيارة القدس المحتلة وفي تطبيع علاقاته مع الإسرائيليين، ولكن رغم بداية تبلور تيار فلسطيني نخبوي منذ ذلك الحين، وهو التيار الذي بدا مستعدّاً للتفريط إلى أبعد الحدود، ومتلهّفاً لتحقيق الوعد الأميركي الصهيوني، فقد بقيت "الدولة الفلسطينية" الموعودة مجرّد عنوان عام فضفاض يفتقر إلى التفاصيل الأولية الأساسية، ثمّ بدأوا في المرحلة الأخيرة يلمّحون إلى إمكانية أن تكون "الدولة" بهذا الحجم أو ذاك، وأن تضم هذا الحيّ أو ذاك، وهذه القرية أو تلك، إضافة إلى بقاء المستوطنات الصهيونية في جنباتها جزئياً أو كلياً، في أماكنها أو في أماكن أخرى..الخ! وفي جميع الأحوال كان الواضح الصريح دائماً هو عدم الوضوح والصراحة، والقاطع المحدّد دائماً هو عدم القطع والتحديد، بينما "عصارة المعدة" عند النخبة الفلسطينية، المتلهفة لنيل "الدولة"، يتصاعد اضطرابها ليبلغ اليوم درجات عالية من الهيجان!
غير أنّ ما بدا دائماً محسوماً بصراحة تامة، وبوضوح كامل، وبقطع حادّ، هو أنّ "الدولة الفلسطينية" الموعودة، في حال قيامها، سوف تكون "دولة" منزوعة السلاح إنّما قابلة للحياة! لقد تكرّر هذا التأكيد على ألسنة جميع المسؤولين الأميركيين، وآخرهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون (3/2/2009) وإنّ الربط بين "نزع السلاح" و "قابلية الحياة" يبدو مثيراً ومحرّضاً للخيال، وموحياً أنّنا بصدد مخلوق مصطنع، سوف يعيش حكماً في ظلّ خالقه وتحت إشرافه، كي لا يحدث الكوارث كما في رواية "فرنكشتاين" الشهيرة!
بكلمة واحدة: إنّ "الدولة الفلسطينية" الموعودة، في حال قيامها غير المؤكّد بعد، سوف تكون مندمجة جغرافياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً في الكيان الإسرائيلي، وسوف تكون غير متصلة جغرافياً بالدول المجاورة إلاّ بمعرفة وموافقة وإشراف الإسرائيليين، أما إذا قال أحدهم أنها سوف تكون متصلة بمصر فإنّنا نذكّره أنّ سيناء ليست حرّة، وشبه محتلة عسكرياً من قبل الأميركيين، وحركة المصريين مقيّدة فيها إلى حدّ كبير، ثمّ ألم نسمع المصريين وهم يردّدون متهكّمين متألّمين: "يا سادات كفاية نصر/ رجعت سينا وراحت مصر؟!
جدير بالذكر هنا أنّ فكرة إقامة دول منزوعة السلاح وقابلة للحياة ليست جديدة على منطقتنا، فهي تعود إلى العقد الثاني من القرن العشرين، حيث تضمّنت اتفاقية "سايكس/بيكو" الإنكليزية/الفرنسية مشروعاً يقضي بتحويل بلاد الشام والعراق إلى عدد من الدول "المنزوعة السلاح والقابلة للحياة"! وقد نصـت الاتفاقية المذكورة في بندها الحادي عشر على تخصيص أربع محافظات سورية يقيم عليها الملك فيصل "مملكته"، هي دمشق وحمص وحماة وحلب، على أن يتحقّق ذلك بمعرفة وموافقة وإشراف الإنكليز والفرنسيين، ونصّ البند الثاني عشر من الاتفاقية على تعهّد الدولتين المتحضّرتين السيدتين بمنع تهريب السلاح إلى المملكة الموعودة، تماماً كما هو الحال اليوم مع قطاع غزّة وفلسطين عموماً، أمّا المناطق السورية الأخرى، مثل الساحل وجبل العرب وغيرهما، فقد كانت تؤهّل بدورها كي تكون "دولاً" منزوعة السلاح وقابلة للحياة!
وعندما تعاظمت المقاومة الشعبية لتلك المشاريع الاستعمارية (قبل حوالي قرن!) حيث استهجنها ودحضها في ذلك الزمن بسطاء الناس قبل قادتهم، ثمّ أعلن السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون قيام دولتهم المستقلة بصورة لا تتفق مع ما جاء في اتفاقية "سايكس/بيكو"، عندها قرّرت الحكومة الفرنسية احتلال سورية بكاملها! وفي الإنذار الذي وجّهه الجنرال الفرنسي "غورو" من بيروت إلى حكومة دمشق كان هناك طلباً واضحاً محدّداً هو: حلّ القوات السورية وتجريدها من السلاح، وملاحقة من ارتكب "جرم" مقاومة المحتلين من أفرادها! وبينما كان الشعب السوري ينظر بفخر واعتزاز إلى قائد جيشه الباسل، الشهيد يوسف العظمة بطل موقعة ميسلون الخالدة الذكر، كان الفرنسيون يتحدّثون عن الموقعة باعتبارها عملاً إرهابياً من أعمال الرعاع، وعن القائد الشهيد يوسف العظمة كإرهابي مجرم خارج على القانون!
وفي ما بعد، بعد الحرب العالمية الثانية وجلاء جيوش الاستعمار القديم، وظهور "الدويلات المستقلّة"، التي شاركت في تأسيس هيئة الأمم ويا للعجب العجاب، تبيّن أنّ المقصود بنزع السلاح ليس الأسلحة الحربية تحديداً فقط، إنّما كلّ ما من شأنه تحقيق الاستقلال الفعلي والنهوض الاجتماعي، بل تأكّد أنّهم يمكن أن يوافقوا بحماسة على تسليح دولة ما بأحدث الأسلحة، حتى بطائرات الأواكس العملاقة العالية القيمة والخطورة، شرط أن تدفع أثمانها الباهظة وأجور خبرائها الفاحشة، وأن تكون لهم السيطرة المضمونة على أوجه استخدامها، لصالحهم أو لصالح الحكومة "الصديقة"! أمّا الأسلحة غير الحربية، العلمية والتكنولوجية الحديثة، فقد ثبت أنّهم لا يتساهلون في تملّكها أبداً من قبل غيرهم مهما كان صديقاً وموالياً، إلى حدّ العزل وإحكام الحصار وشنّ حروب التدمير الشامل ضدّ من يحاول تملّكها، ولا ريب أنّ العراق دفع غالياً جدّاً ثمن محاولاته في هذا الاتجاه، كذلك لا ريب أنّ إيران تتعرّض لمحاولات العزل والحصار وللتهديد بالحرب بسبب امتلاكها للأسلحة السلمية قبل الحربية، فليس مسموحاً لأيّ بلد عربي أو مسلم، تحديداً وتخصيصاً، أن يمتلك مثل هذه الأسلحة، وإنّ المفترض والطبيعي أن نرى في نجاح إيران ثأراً للعراق وغيره، ونجاحاً لنا جميعاً.
ترى، وبناءً على ما عرضناه، هل لا يزال يوجد في هذا العالم حقاً من يجهل وجود مثل هذه الثوابت في الاستراتيجية الاستعمارية ضدّ الأمم الأخرى؟ هل يعقل أنّ هناك في أمتنا، وعلى أعلى المستويات الرسمية، من يعترض على تسليح الشعب الفلسطيني، المعرّض للإبادة بالقتال أو من دون قتال، بل يساهم في محاصرته وحرمانه من أبسط الأدوات الحربية، أقلّه للدفاع عن نفسه بشرف حتى لا يقتل كما تقتل الحيوانات؟ وهل يعقل أنّ هناك في أمتنا، على مختلف المستويات، من ينظر جدّياً بعين الريبة والقلق إلى استقلال إيران وتعاظم قوتها الذاتية، ويعتبرها هي الخطر، وليس الأميركيين والصهاينة؟ وعندما يتطلّع الشعب الفلسطيني إلى تأييد إيران، وإلى دعمها المتاح بسخاء، وقد خذلته الأنظمة العربية، يتهم بالعمالة لإيران؟ وعندما تناصره تركيا شعباً وحكومة ينظر إلى مناصرتها بغيظ مكتوم؟ هل هذا معقول؟ كلاّ، هذا غير معقول، واللامعقول غير حقيقي ولا يدوم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق