عليك إذن بالمنجي الذي ينجيك بغزارة علمه فهو بكل تأكيد مطابق للمواصفات الشرعية التي تجعل منه واحدا من "الراسخين في العلم". هذه ليست دعابة مني فقد شاهدت على قناة النيل الإخبارية الرسمية إعلانا مدفوع الأجر يقول بأن فضيلة الشيخ "فرحات المنجي" مستعد لأن يصدر الفتاوى حسب الطلب بسعر جنيه ونصف للدقيقة. هكذا يتم الاتجار بالدين وهكذا تصبح تجارة الفتاوى سلعة مشروعة يقبل تليفزيون الدولة الرسمي إعلاناتها.
ما هي الدلالات البعيدة لذلك؟ هذا الترويج لفتاوى تجار الدين يجعل منا أمة لا تستخدم عقولها وتلجأ لكل من هب ودب من شيوخ التلفاز والمحمول لكي ينظمون لنا حياتنا ويطلعوننا على ما هو مسموح وما هو ممنوع وكأن عقولنا قاصرة ونحتاج إلى الشيوخ في كل خطوة نخطوها.
ما هو العلاج؟ إذا قلنا أن العلاج هو أن يعرض الناس عن كل أفاق يتجر بالدين على هذا النحو المتدني فإن ذلك قد لا يكون كافيا بعد أن أصبح الناس في مصر في مستنقع كرنفال ديني ما بين الحجاب والنقاب للنساء وقمصان النوم البيضاء للرجال المسمون بالسلفيين. أعادتنا هذه الظواهر الممجوجة إلى ما كان بمصر في أوائل القرن الماضي قبل أن ينحسر في الأربعينيات وينتهي تماما في الخمسينيات والستينيات، حيث لم تغطي رأسها بالمدينة حينئذ سوى زوجة البواب وبائعة الفجل وبنت البلد في زيها التقليدي المسمى "الملاية اللف" والذي بدأ أيضا في الانقراض حينئذ. أما هؤلاء الأدعياء المسمون بالسلفيين فهم ظاهرة وهابية وردت إلينا مؤخرا واستخدمتها مافيا مبارك في أعمال الفتنة الطائفية ضد أقباط مصر.
هل يكون الحل هو أن يرفض التلفاز الرسمي قبول مثل تلك الإعلانات؟ بصراحة لا أرى حلا سوى زيادة الوعي بتحسين مستوى التعليم بحيث يلفظ الناس تلك الظواهر الغريبة، فيصبح الترويج لها إعلاميا قضية خاسرة، لكن ذلك قد يستغرق عدة أجيال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق