أعتقد – والله أعلم – أن عبد الفتاح السيسي هو
أكبر خدعة في تاريخ مصر الحديث. لا هو برجل الدولة الذي يفقه الكثير عن إدارة شئون
دولة ولا هو بالوطني الفذ مبعوث العناية الإلهية. كانت تلك أوهام تمسكنا بها إلى
أن أثبتت المتغيرات على أرض الواقع أنه لا يزيد عن عسكري جهول مثل كل سابقيه.
قد تسألني: ما هو دليلك على ذلك؟
أقول لك أن استخدام العقل يؤدي إلى الاستنتاج
السليم. السيسي لم ينشأ من فراغ ولم يهرع لإنقاذ مصر على ظهر حصانه، بل هو جزء من
منظومة الحكم العسكري البشع الذي أصاب مصر منذ عام 1952 فجاءنا بخفي الذكر جمال
عبد الناصر وتوابعه طوال النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي
والعشرين.
اندلعت الثورة الكبرى الحقيقية بمصر يوم 25
يناير 2011 . كانت شيئا مختلفا تماما عن "هوجة عرابي" عام 1881أو ثورة سعد زغلول في 1919 أو
الانقلاب العسكري على النظام الملكي في عام 1052 والذي ما زالت مصر تعاني من
تبعاته حتى يومنا هذا. الشرارة التي أوقدت تلك الثورة ما زالت مبهمة وأغلب الظن
أنها كانت بتدبير أمريكي غير مقصود. أعتقد – وهذا مجرد رأي لا أدعي به علما أو معرفة – أن وسائل
الاتصال الحديثة سهلت لمجموعة من الشبان المصريين اليائسين من أحوال الوطن الوقوع
في أحابيل المخابرات الأمريكية فأصبحوا جنودا لها ربما دون انتباه أو وعي حقيقي منهم.
ربما كان كل هم بعضهم تخليص مصر من نظام حسني مبارك بأي وسيلة متاحة حتى لو تحالفوا مع الشيطان، فقد سدت في وجه الوطن كل السبل، وربما وجد البعض
الآخر في ذلك منفعة مزدوجة كعمل وطني وكمصدر للحصول على المال في وقت انتشرت فيه البطالة وتمكن اليأس من الجميع، لكن ذلك لا يمكن
بحال أن يصمهم بالخيانة للوطن كما يصورهم لنا نظام السيسي اليوم، في احتكار كاذب
للوطنية وحب الوطن، ورغبة مستميتة في احتكار السلطة. ولو كان هؤلاء الثوريون بالفعل عملاء للمخابرات الأمريكية فإن جريمتهم تتضاءل أمام جريمة محمد حسني مبارك الذي دمر مصر وشعبها.
أيا كانت دوافع ووسائل "شباب الثورة"
المتهم اليوم بالخيانة، فإنهم كانوا سبب اشتعال الثورة التي أبهرت العالم عند
قيامها وخروج الملايين من المصريين استجابة لندائها. فمهما كذبت علينا أبواق
السيسي يبقى هؤلاء الشباب الملقى بسجون حكم العسكر وقود الثورة التي تأكل أبناءها.
ماذا أرادت ثورة 2011 وماذا تحقق من أهدافها ؟
الإجابة على تلك التساؤلات تؤدي بنا إلى معرفة كيف خدعنا العسكر ومن هو عبد الفتاح
السيسي ولماذا ترك منصب قائد الجيش إلى منصب رئيس النظام الدكتاتوري العسكري.
عبد الفتاح السيسي وصل إلى منصب قيادة المخابرات
الحربية في أوج فساد نظام مبارك الذي لم يجمع حوله سوى الفاسدين والمرتزقة، ومن
النادر أن يصل أي إنسان سوي إلى منصب رفيع في نظام فاسد، وبالتالي فإن السيسي ليس
بالصورة التقية الورعة التي تصورها مخيلة المعجبين ومعظمهم من نساء مصر الطيبات،
بل لابد وأنه مخادع وذو عقلية تآمرية مكنته من الوصول إلى الرتب العالية التي لا
توصل إليها الكفاءة وإنما تكون وسيلتها التبعية والتملق والولاء للرئيس وليس بالضرورة
للوطن.
إذا عدنا إلى ما حدث تحت حكم مجلس طنطاوي
وتأملناه بدقة لوجدنا أنه كان حاميا لمبارك وخادعا ومخادعا للشعب، فأضاع سنوات من عمر فرصة مصر للخلاص، واختلق
نظاما انتخابيا أجبر المصريين على المفاضلة بين لص وحمار أي بين شفيق ومرسي. كيف
سمح مجلس طنطاوي لمرسي بالترشح للرئاسة بعد أن كان مجرما هاربا من سجن وادي
النطرون؟ العسكر ومخابراتهم كانوا يعلمون جيدا من هو مرسي فلماذا لم يمنعوه من الترشح حينما
كانت السلطة بيدهم حينئذ؟
هل كان العسكر يريدون أن يفشل مرسي فيهرولون في
وطنية مصطنعة لإنقاذ البلاد منه؟ ما حدث بالفعل يؤيد ذلك، وكان غباء مرسي الشديد
هو وإخوانه أكبر عامل مساعد، بالإضافة إلى مناوءة كافة أجهزة الدولة له لكي يفشل.
لذلك فشل الإخوان واكتشف الناس عقم تفكيرهم وأسلوب حياتهم الذي ينتمي للقرون
الوسطى فيسمح على سبيل المثال بالآذان للصلاة في اجتماع لمجلس نيابي، دون أي ذكاء أو مراعاة للقول بأن لكل مقام
مقال. وهكذا لم يبق على الساحة سوى العسكر.
جاء عبد الفتاح السيسي ومضى له في الحكم ما يزيد
على العام فماذا حقق؟ استمرار الانقضاض على شباب الثورة واستمرار المحاكمات
الهزلية والبراءة التدريجية لكل من قامت الثورة من أجل الخلاص منهم ومحاسبتهم.
القائمة تشمل مجرمين يستحقون الإعدام مثل محمد حسني مبارك الذي باع مصر للصهيونية
الأمريكية وحبيب العادلي المسئول الأول عن
قتل أحمد سعيد وسيد بلال وإشعال الفتنة بتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية. تشمل
القائمة كبير المعرصين صفوت الشريف وأبناء مبارك واللص أحمد عز وغيرهم من كبار
الفسدة والمفسدين الذين لا تعي الذاكرة أسماءهم. كلهم يرتعون تحت نظام السيسي وادعائه الكاذب باستقلال القضاء.
باختصار شديد استمر العسكر يشكلون دولة داخل
الدولة، أبشع في سطوتها واحتكارها للثروة من أي مستعمر أجنبي. وما زالت تركة
"أمن الدولة" التي أسسها عبد الناصر تقتل المصريين منذ اندلاع الثورة
عام 2011 حتى يومنا هذا في 2015، وأثبت عبد الفتاح السيسي بما لا يترك أي مجال
للشك أنه مجرد الحلقة الأخيرة في سلسلة الحكام العسكريين وأن نهايته آتية لا ريب
فيها لأنه لم ولن يحقق الإصلاح ولا قدرة له على تحقيقه، فهو جزء من منظومة الحكم
العسكري الفاشي الذي لا يترك السلطة مختارا. ولن يصلح السيسي الأمور حتى لو أراد،
لأنه امتداد لذلك النظام الفاشي الذي أسسه خفي الذكر جمال عبد الناصر، ولأنه جزء
من منظومة القيادات الفاسدة لجيش مصر التي تخضع للصهيونية الأمريكية وإن أبدت غير
ذلك. أعتقد أن اتصالات السيسي الأخيرة مع بيوتن مجرد مناورة بعلم وتحت رقابة
المخابرات الأمريكية.
أتمنى بكل جوارحي أن يكون تحليلي هذا مخطئا، لكنه للأسف قد لا يكون
كذلك. قد يستمر نظام السيسي لسنوات قد تطول قبل أن تتوحد كلمة المصريين فيرى
الجميع ضرورة الخلاص من نظامه العسكري الفاشل، ويومها قد يسيل المزيد من دماء المصريين في ثورة جديدة
تكون منظمة وواعية فتنصب المشانق الفورية في ميدان التحرير، وتحرر مصر من الاستعمار العسكري الداخلي.
قد نتساءل: ما هو البديل الذي نتمناه؟ أقول لك أنه لا بديل في الوقت الحاضر أو في السنوات القليلة القادمة، فلو تخيلت نظاما وطنيا فوريا بالحكم فإن ذلك النظام لن يستطيع تقليم أظافر القادة العسكريين الذين لا يريدون الخضوع لنظام مدني كما هو الحال بكل الدول المتقدمة، ولا يريدون المساءلة المالية التي تكشف كل عوراتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق