إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

الفتوى


قصة مصرية (قديمة منقحة)*
بقلم: محمد عبد اللطيف حجازي

     يحكى أنه في سالف العصر والأوان - حيث يتوه الزمن وتضيع الأيام - حدث في دولة ما من دول العالم الثالث اسمها "كنانارابيا" أن شاعت الفوضى واستشرى الفساد في ظل نظام حكم كريه قضى سلاطينه تماما على ما أسماه المحدثون "التعددية الحزبية" فأصبح يحكم كنانارابيا مجلس واحد يقوم بالتزوير وتجديد البيعة لكبير اللصوص لكي يبقى على أنفاس تلك البلاد. ولكي تمنع تلك الدولة الهمجية شعبها من التجمع لبحث أموره فإن اجتماع بضعة أفراد معا أسموه "تجمهرا" يمنعه فرمان دائم الفعل والمفعول أسموه "قانون الطوارئ" فرضته لعشرات السنين سلطات القمع بتلك الدولة العجيبة الفريدة ويسمح بالقبض على "المتجمهرين" والتنكيل بهم دون حسيب أو رقيب بعد أن تم القضاء على ما أسماه الأجداد "مؤسسات المجتمع المدني" التي كان من الجائز أن تطالب أمراء السلطان بالتحقيق والمساءلة عما يجري من تحقير للبشرية وامتهان للآدمية.

**********

جلس جحا يفكر في أمر بلاده تلك وكان بمجلسه بعض المفكرين من ذوي العمائم الضخمة وجرى بينهم بحث وشد وجذب ونقاش طويل:

-لابد من ثورة شعبية تطيح بذلك الحكم القمعي القهري.

- كيف نثور ونحن لا نستطيع التجمع أو "التجمهر"؟ هذا بالإضافة إلى أن كلاب السلطان المدربة لديها تهم جاهزة لنا بدءا من الأصولية الإسلامية وانتهاء بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.

- موجز القول أننا لا نستطيع الفتك بكبارهم، فمن يحمي هؤلاء الكبار؟

- الكبار يحميهم صغار.

- وهل تتوفر الحماية لهؤلاء الصغار؟

- لا أعتقد إلا إذا كان لديهم من هم أصغر من الصغار.

- نعم … نعم …لديهم أصغر الصغار.

- من هم؟

- هم الذين يعذبون الناس بالسجون دون جريرة.

- هل هم معروفون للناس؟

- أعتقد ذلك.

- فلنفتك بصغار الصغار إذن.

- كيف؟

- لقد سمعت من العراف أن إحدى دول المستقبل واسمها فلسطين يقوم الواحد منهم بتحويل بدنه إلى فرقعة هائلة فيصير أشلاء تزهق أرواح أعدائه الذين أسموهم "الصهاينة"، فهل لدينا مثل هؤلاء الرجال الأشداء … أو حتى النساء؟

- ربما .. ولكن ماذا تقصد؟

- أقصد أن صغير الصغار الذي يعذب الأبرياء يستحق الموت لأنه يشكل القاعدة الأساسية للنظام الجائر التي لن يستطيع النظام العيش بدونها.

- تقصد أن صغير الصغار هذا مثل الصهيوني في دولة المستقبل تلك؟

- نعم أقصد أنه أشد أعداء الشعب فاعلية في ترسيخ القهر والقمع، وبما أنه لا تتوفر له الحراسة فإنه يكون هدفا سهلا.

- كيف ذلك ونحن لا نستطيع التخطيط أو التجمهر؟

- الأمر لا يحتاج إلى تخطيط أو تجمهر. يكفي أن يكون لدى الفرد ثأر لموت أبيه أو أخيه بالمعتقلات والسجون لكي يكون لديه الدافع لنيل الفاعل الذي لا تناله يد العدالة. إن مثل هذا الناقم ثروة قومية لو أحسن استخدامها.

- كيف يكون ذلك؟

- يمكن عمل قوائم غير مكتوبة من آن لآخر بمن عرف عنه الوحشية من صغار الصغار ثم يتم التخطيط للقضاء عليه بعد مراقبته ومعرفة برنامجه اليومي. لن يحتاج الأمر إلى سلاح يصعب الحصول عليه ولن يحتاج لأكثر من بضعة أفراد من الشجعان الناقمين، لا يمكن اعتبارهم من المتجمهرين.

- لكن الأمر سيتبعه تحقيق وقبض وتعذيب.

- لا أظن ذلك فالأمر يكون أصغر من أن تترقبه العيون. يمكن أيضا القيام بعمليات بأحزمة الفرقعة يموت فيها فرد واحد لقتل عدد كبير من صغار الصغار، أو حتى من كبار الصغار الذين لا تتوفر لهم الحراسة فيكونون عبرة لغيرهم وتستقيم الحياة بدونهم. إن دولة المستقبل تلك التي أسموها فلسطين قد وضعت لنا مثلا واضحا فعالا يمكن تطبيقه على صهاينة هذا العصر ببلادنا.

**********

وتدخل جحا قائلا بأن الأمر يلزمه فتوى لأن العصر سابق لعصر نبوءة فلسطين المستقبل.

ذهب جحا إلى دار الإفتاء وجاء بشيخ على رأسه عمامة تجمع ألوان علم فرنسا الأبيض والأحمر والأزرق، يقال أن جنديا اسمه نابليون قد أهداه إياها، سألوا الشيخ فأجاب قبل أن يسمع السؤال:

- أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم.

فلما سألوا الشيخ عما يقصد بذلك أفتى بقوله:

- الله موجود ولكن لا تلمسه الحواس وطاعته تكون في الدين بإقامة المناسك والانصراف عن أمور العاجلة والعمل للآجلة، أما الرسول فقد مات ومن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ولا يبقى اليوم لكم سوى طاعة أولي الأمر منكم.

وهنا تدخل جحا قائلا:

- لكن ولي الأمر يوالي الأعداء ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

- تلك قضية أخرى يلزمها فتوى أخرى، ولكن لا تنسوا أن الله في السرائر وأن الرسول في الضمائر ولا يبقى لكم سوي ولي الأمر الحاضر الظاهر، فأطيعوه يستقم أمركم ولا تبدلوا الكلم ينالكم عذاب شديد من رجال ذوي بأس وحديد.

- أحسنت يا مولانا وفي الغد نلقاك لمزيد من الدرس.

**********

أسقط في يد جحا وطار من عينه النوم فتناسى كلمات الشيخ وأخذ يسترجع قول العراف وهو يرى رجال بلاده ينامون كالخراف، وبات يفكر في فلسطين المستقبل ورجالها الأشداء وكيف أنهم سوف يهزمون الصهاينة الأعداء. جلس في الصباح مع أحد المقربين وبادره قائلا:

- قال العراف أن فلسطين المستقبل تلك قائمة لا محالة لأن أهلها يموتون في سبيل الحياة بينما الناس هنا في كنانارابيا يعيشون ليموتوا موتا بطيئا. كيف يتسنى لي تغيير الناس وشحذ همتهم؟

- أنت لا تستطيع ذلك يا جحا فقد قيل عنك ما يشين وأنت رمز الكفاح والمقاومة.

- عني أنا؟ .. ماذا قالوا عني؟ إن شائعاتهم تملأ البلاد طولا وعرضا ..

- قالوا أنه حينما اشتد البلاء وسألك أحدهم "يا جحا .. العيب في دارك فماذا أنت فاعل؟" رددت بقولك "ليس هناك ما يدعو للقلق ما دام العيب بعيدا عن عيني."

- أنا قلت ذلك؟ .. هذا هراء.

- هكذا تقول الشائعات والفولكلوريات.

- والله إن هذا لزمن العجب .. إنه زمن رديء أحلك من وجه الجمل الأهوج وأنور الساعاتي وحسني البارك والحصان الصغير الغبي في سالف العصر، يوم كان الناس حقا في خسر.

- كل أزماننا رديئة في كنانارابيا منذ أن وعي علينا التاريخ.

- لكن دوام الحال من المحال.

- لا أرى إلا دواما للمحال.

- تشاؤمك كريه.

- والتفاؤل ضد الريح.

هنا دق الباب دقات سريعة عنيفة وأسرع جحا ليجد أمامه واحدا من عسكر السلطان بادره بصوت عال:

 - هل أنت جحا؟

- نعم يا سيدي الباشا.

- تعال معي.

- إلى أين؟

- ستعرف في الطريق وستعود قريبا.

**********

يقال أن جحا ذهب ولم يعد بعد أن أخذوه إلى بناية ضخمة بلا نوافذ، داخلها مفقود والخارج منها موءود والناس فيها يهيمون كالأشباح يودون لو تذروهم الرياح، وفوق البناء الغامض ترفرف أعلام ثلاثة أولها تقاسمته الألوان السوداء والبيضاء والحمراء، وقيل أن السواد رمز للحاضر وأن البياض لون للمستقبل البعيد وأما الأحمر فهو رمز لدماء لا بد وأن تفيض. وأما العلم الثاني فكان ناصع البياض تلطخه نجمة سداسية مثل ذبابة زرقاء بلون خط من فوقها وخط آخر من تحتها قيل أنه علم حلفاء الشيطان، وكان العلم الثالث ذا خطوط بيضاء وحمراء فوقها مستطيل بلون أزرق قاتم كئيب تنتشر فوقه نجوم بيضاء كثيرة كالمساحيق تبرز القبح على وجه شمطاء، قيل أنه علم حلفاء السلطان أو ربما كان علما لدار كبرى للدعارة يسعى إليها سلاطين العالم لأداء طقوس سرية.

**********

قيل أن مريدي جحا كانوا يحومون حول البناية الغامضة فيسمعون صرخات وأنات تبدو كما لو كانت آتية من أعماق جب التاريخ، وقيل أن جحا قد مات وقال البعض أنه قد رفع إلى السماء بينما قال البعض الآخر أنه قد أسري به إلى هيكل سليمان الرابض فوق أنقاض المسجد القديم، لكن أيا من تلك الأقوال ليس مؤكدا والأكيد هو أن أهل كنانارابيا قد يبقون علي حالهم يسمعون ويتكلمون عن فلسطين المستقبل وكيف أن رجالها على وشك تحريرها وأن نساءها سوف يأتين يوما لنصرة كنانارابيا وتحريرها هي الأخرى، أو أنهم قد ينتفضون من سباتهم فيتدلي الحصان الصغير من حبل بساحة التحرير.

---------------------------------------------------------------------------------------------

* القصة الأصلية على هذا الرابط:
https://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/19904.html

ليست هناك تعليقات:

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.