بقلم: عبد الرحمن يوسف
ما أكثر الاستعباط في زماننا، ولكن خلال الأيام القليلة الماضية ظهرت حادثتان فيهما من العبط والاستعباط الكثير.. حادثتان هما قمة الاستعباط !
الحادثة الأولى:
ظهر المستشار حسن فريد يتلو حكمه الرصين ضد المتهمين في القضية الشهيرة المعروفة باسم قضية اغتيال النائب العام، والتخطيط لاغتيال شخصيات سياسية ودبلوماسية.
وبمقتضى الحكم استحق 28 متهما الإعدام شنقا، ونال 15 حكم السجن المؤبد، ونال 8 حكم السجن المشدد لمدة 15 عاما، ونال 15 حكم السجن المشدد لعشر سنوات.
هذه القضية اعتقل على ذمتها عشرات، وربما مئات، وقتل أيضا على ذمتها عشرات المساكين (تمت تصفيتهم حسب التعبير المفضل لوزارة الداخلية)، وفي النهاية لم نر كل هؤلاء ضمن المتهمين من الأصل، وهذا استعباط من الدولة لا مثيل له، ولكني سأتجاهل ذلك وأتحدث عن نقطة محددة.
حين تشاهد السيد المستشار وهو يقرأ الحكم ستدرك أنه حكم ملفّق، أملي عليه إملاء، وهو غالبا يقرأه للمرة الأولى في حياته!
لقد وصله هذا الحكم قبل الجلسة بدقائق أو ساعات، ولم يجد وقتا كافيا لمجرد الاطلاع عليه.
العبط أن تحاول أبواق النظام إقناعنا بأن الحكم عادل، وقمة الاستعباط.. أن يحاول أحد إقناعنا أن هذا المستشار هو كاتب هذا الحكم..!
* * *
الحادثة الثانية:
عملية مقاومة في كنف المسجد الأقصى، استشهد فيها ثلاثة فلسطينيين وقُتِلَ اثنان من أفراد شرطة الاحتلال الإسرائيلي وأصيب ثالث بجروح خطيرة.
الشهداء الثلاثة فلسطينيون من مدينة أم الفحم ويحملون الجنسية الإسرائيلية، وهم من عائلة واحدة، وهم محمد (29 عاما) ومحمد حماد (19 عاما) ومحمد فضل جبارين (19 عاما(.
تقرر إسرائيل بعدها أن تغلق المسجد تماما، وتستغل الحادث لتبدأ إجراءات "تأمين" جديدة، وتضع بوابات الكترونية على ما بقي مفتوحا من بوابات المسجد، لكي تكتمل خطوات السيطرة على المسجد !
يعتصم المقدسيون، ثم يعلنون عن جمعة غضب، وتمتنع المساجد عن صلاة الجمعة لكي يصلي أهل القدس كلهم إلى الصلاة في الأقصى.
تتعاطف شعوب العالم الإسلامي كله، ويقفون بدعائهم خلف المقدسيين.
الغالبية العظمى من الدول العربية تمنع خطباء المساجد من مجرد ذكر ما يحدث في الأقصى.
ينجح المقدسيون.. ويحبطون خطط الصهاينة، وحدهم.. بلا عون من أحد، ولا مِنّةٍ من نظام، ولا دعم من أي نوع، اللهم إلا دعوات مئات الملايين من المسلمين الصادقين.
كل ما يحدث كان تحت سمع وبصر أنظمة عربية هي أكثر صهيونية من الكيان الصهيوني ذاته، وكلنا يعرف أن دولة المؤامرات مثلا.. تساعد في شراء بيوت المقدسيين لصالح الصهاينة، فيبيع المقدسي بيته وهو مطمئن، ظانًّا أن العقار ما زال في حيازتنا نحن العرب والمسلمين، ثم يكتشف بعد ذلك أن المشتري الحقيقي صهيوني!
لم يستنكر أحد من الزعماء العرب ما حدث في القدس، والقائد الوحيد الذي حيّا صمود أهل القدس هو أمير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (هل يفسر ذلك سبب حصار قطر؟(!
العَبَط أن يحاول البعض إقناعنا أن تلك الأنظمة التي لم تنبس ببنت شفة رغم استمرار أزمة الأقصى أياما وأياما كانت غير راضية عن إجراءات إسرائيل المعتدية.
أما قمة الاستعباط فهو أن تحاول أبواق تلك الأنظمة إقناعك أن إسرائيل قد تراجعت عن إجراءاتها وفككت بواباتها الإلكترونية.. استجابة لمكالمة هاتفية من الملك الفلاني أو الرئيس العلاني!
فوالله لو أن أحدا منهم تكلم لأوصاهم بالصبر على تلك الإجراءات، ولحرضهم على ضرب المعتصمين بالنابالم الحارق أو بالبراميل المتفجرة، ولا تستبعدنّ أن يتطوع أحد هؤلاء الحكام الخونة بإرسال فرقة من القوات الخاصة (الوطنية) المتمرسة في فض الاعتصامات بغض النظر عن الخسائر البشرية.. فكلها في سبيل الوطن.
ستنقشع الغمة قريبا.. فما زال في الأمة خير كثير، وما زال فيها ملايين المقاومين، وما معركة بوابات الأقصى سوى فصل صغير في حرب ضارية ما زالت مستمرة.. وسينتصر فيها الخير والحق والعدل بإذن الله.