إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

الجمعة، 30 مايو 2008

مقالين عن الحجاب



بقلم: محمد عبداللطيف حجازي
تمت كتابتهما في ثمانينيات القرن العشرين

المقال الأول:
حينما تتحجب العقول
أعرف أن الخوض في هذا الموضوع الشائك سوف يثير حفيظة الكثيرين، لكن ذلك أمر لا يهمني ولا يغير الحقائق. لقد تخلفنا نحن العرب من مسلمين ومسيحيين في شتى المجالات منذ هبت علينا رياح التخلف السياسي. لقد أدى التخلف السياسي إلى التخلف الاقتصادي ثم التخلف الثقافي والاجتماعي فالتخلف الديني ، بهذا الترتيب والله أعلم.

الحجاب ليس مجرد نمط للملبس فحسب وإنما يصحبه حجاب على الفكر والعقل. لقد جالست الكثيرين من المتزمتين دينيا فوجدت أنه بمجرد الحديث عن ماهية الخالق وبعض أوجه القصور في الكتب "السماوية" تنغلق العقول تلقائيا وتفتح أبواب جهنم لمجرد "الخوض في الدين"، مجرد البحث ومحاولة الفهم يصبح جريمة كبرى تؤدي إلى تهمة الردة والتكفير. أصبح شغلنا الشاغل الآن هو الحجاب وكم تغطي المرأة من شعرها أو مدى "تحزيق" خصرها. تعالوا معي إلى أستراليا لتروا عرضا هزليا لما يسميه البعض "الزي الإسلامي" الذي هو في حقيقة أمره استعارة لزي ارتداه الفرس والعرب والتركمان في السنين الغابرة إلى أن زحفت علينا الأزياء الغربية منذ مطلع القرن العشرين. هنا في أستراليا تجلس المحجبات – زيا وعقلا – أمام ماكينات الميسر (بوكر ماشينز) ويتنطع الرجال من ذوي اللحى في جلابيب وسراويل رثة تثير الاشمئزاز. وفي بلادنا العربية تتواجد محلات تجارية تتخصص في "أزياء المحجبات" ممن يتفنن في إبراز تفاصيل أجسادهن ويحرصن على تغطية شعورهن حيث ترتفع تكلفة صيانة الشعر ورعايته إذا أريد له أن يبدو في أبهى صورة. أيهما أفضل، امرأة في زي غربي محتشم وقد أبدت من زينتها ما يوضح جمال صنعة الخالق دون بهرجة أو استثارة، أم تلك المحجبة التي مشت تتلوى وقد أعادت صياغة وجهها بالمساحيق والألوان المسرفة؟ ما الذي أصابنا؟ إن أمي وجدتي لم ترتديا هذا الزي المنفر، لكنني وجدت معظم أخواتي وقد ارتدين هذا "الحجاب" اللعين منذ السبعينيات.

لا شك عندي أن هذا تخلف وخطوة إلى الوراء فمتطلبات الدين لا يمكن أن تكون بمثل هذا التزمت ويجب أن يتم تطويرها بتطور الزمن، فالرسول لو كان قد نزل في عصرنا هذا لارتدى حلة "كرستيان ديور" أو "إيف سان لوران"، لكن الرجل ارتدى زي أهل عصره، ومن البديهي أن علينا أن نرتدي زي أهل عصرنا.
أما ما اصطلح على تسميته بالحجاب فإنه كان زيا لأهل المنطقة في غابر الزمن وكان قاصرا على من أسموهن "الحرائر"، أما الجواري فكن يعاقبن إذا ما ارتدينه. فإذا كان "الحجاب" محرما على الجواري، وطبقا لهذا المنطق الأعوج الذي يربط هذا "الحجاب" بالإسلام، فإن الإسلام يصبح محرما علي الجواري. وللعلم فإن الإسلام حتى موت الرسول لم يحرم الرق تحريما قاطعا، وما زال آل زيد وسعود يتفننون في وسائل اقتناء الرقيق الأبيض.

اختلف المفسرون على مدى العصور في تفسير الآيات القرآنية التي ورد بها ذكر الحجاب، بل إن كلمة "الحجاب" ذاتها قد اختلف تفسيرها، فلعل الأفضل لنا اليوم هو الاهتمام بالجوهر وليس المظهر، ولعل الأفضل ألا يختلف مظهر العربية المسلمة عن مظهر العربية المسيحية فنحن العرب لسنا مسلمين فقط، وإن كره المتزمتون. لقد لعب الاستعمار على تلك الأوتار طويلا وما زال يلعب بنا، وربما كان تنشيط لعبة "الحجاب" هذه إحدى الوسائل الخبيثة لتفتيت هذه الأمة، فقد لاحظت أن معظم النساء المتزمتات ببلادنا العربية اليوم يقعن في فئتين، فإما أن تكون المرأة "محجبة" أو أن يتدلى على صدرها صليب ذهبي ضخم فتبدو كلتيهما مثل إعلان ديني سخيف يحث على الخلاف والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فأين ما يجمعنا من تسامح ولغة ومصير واحد؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولهن!

المقال الثاني :
الحنقـــاب (من أدب المهجر الأسترالي)

"الحنقاب" يا عزيزي القارئ كلمة لا وجود لها في قاموس اللغة العربية والمقصود بها هنا هو "الحجاب" أو "النقاب"، فأما "الحجاب" فإنه في لغة التزمت غطاء لرأس المرأة، وأما النقاب فهو غطاء أسود للرأس والوجه يشبه إلى حد بعيد ما كان يلبسه " زورو " ونجله في أفلام رعاة البقر القديمة عندما لا يودان الكشف عن شخصيتهما في صولاتهما وجولاتهما، وفي منطقة الوجه يوجد ثقب لعين واحدة أو ثقبين للعينين، مع إضافة "جوانتي" أسود لليدين لا أظن أنه كان قد تم اختراعه في الأزمنة الغابرة. وإذا عدت بذاكرتك يا عزيزي القارئ إلى سنين الخمسينيات والستينيات - إن كنت قد عاصرتها - فإن ما يسمى الآن بالحجاب كان هو الزي الرسمي بالمدن المصرية للغسالة وبائعة الفجل وزوجة بواب العمارة، وكان أيضا الزي الشائع للفلاحات في ربوع الريف، أي انه كان قاصرا على الطبقة الاجتماعية والاقتصادية الدنيا، وأما النقاب فإنه كان نادرا وقاصرا على بعض العجائز من بقايا العهد العثماني بالإضافة إلى بعض النساء من الأعراب اللاتي كن يفدن من الصحراء عندما يشتد الجدب وتضيق بهن سبل العيش فكان سبيلهن للكسب هو "ضرب الودع" أي العرافة واستقراء المستقبل.

لابسة الحنقاب عادة إنسانة غبية ضيقة الأفق، يزداد غباؤها يوما بعد يوم، ربما لأن الحنقاب يطمس على مخها ويقلل من كفاءته وقدرته على أداء وظيفته الأساسية من التدبر والتفكر، وهى عادة إما جاهلة أو نصف متعلمة من خريجات جامعاتنا غير المثقفات. وقد انتشر لبس الحنقاب في وطننا الأم منذ السبعينيات انتشارا إن دل على شيء فإنما يدل على انخفاض معدلات الذكاء لدرجة تعجز معها المرأة عن التدبر في كيف أن أمها وربما جدتها لم تلبسا مثل هذا الزي المنفر، وكيف أن شوارع القاهرة والمدن الكبرى كانت يوما ما خالية تماما من تلك الغربان الآدمية المحنقبة.

دلفت إلى مكتب الضمان الاجتماعي امرأة محنقبة تتشح بالسواد ولا يبدو من وجهها سوى عينيها. توجهت من تلقاء نفسي تجاه الموظف الذي استقبلها، حتى أوفر عليه مشقة استدعائي لأداء واجبي كمترجم اللغة العربية بالمكتب. أذهلني أن الشبح الأسود كان لفتاة صغيرة تتكلم الإنجليزية بطلاقة النتاج المحلي لقدماء المهاجرين ... كانت صغيرة الجسد نظراتها غير مستقرة ولديها إحساس بأن ملبسها شاذ فتترقب بعينيها انطباعات الآخرين الذين يدفعهم الفضول إلى اختلاس النظر إليها. أما قصتها مع الموظف فتتلخص في أن الضمان الاجتماعي قد صرف لها بالزيادة وبطريق الخطأ حوالي ثلاثين دولار وأنها تود إرجاع هذا المبلغ. أخذ الموظف يشرح لها كيف أن استرجاع هذا المبلغ الصغير يكلف الضمان الاجتماعي أزيد منه، لكنها أصرت على رأيها ... كان واضحا أن القصد الأساسي للفتاة هو الاستعراض الرخيص لعفة النفس ومحاولة لتأكيد أن من يلبس مثل زيها لابد وأن يتصف بحسن الخلق والأمانة وليس بضيق الأفق والعفانة ... وقفت الفتاة تستمتع بكل دقيقة أثناء قيام الموظف بعمله متأففا بينما الطابور يزداد طولا من خلفها.

بعد انصرافها تسللت خلف الموظف وقلت له مازحا بما يناسب عقليته:
- وقفت قريبا منك حتى أهرع لمساعدتك إذا ما رأيت مسدسا مصوبا إلى رأسك! فرد مبتسما :
- نحن لا نحتفظ هنا بأي نقد سائل وكل تعاملاتنا بالشيكات والتحويل المباشر للبنوك.
- كنت أسترق السمع ... لعل الأمر كان يختلف إذا ما كان المبلغ ثلاثين ألفا!
- بالتأكيد! ... لقد عجزت تماما عن إفهامها بأنه من الأفضل أن تحتفظ بالمبلغ، وأننا لن نفتش عنه نظرا لضآلته ... يبدو أنه من الأسهل أن تتكلم مع حائط من القرميد!

بعد أيام من تلك الواقعة وقع بصري على حافلة صغيرة مليئة بفتيات في عمر تلامذة المدرسة الابتدائية وعلى رؤوسهن جميعا أغطية للرأس ... وهنا تكشف لي لغز فتاة الضمان الاجتماعي ... إن غسيل المخ باسم الدين يبدأ في هذه السن المبكرة، فيتم إرهاب أو إقناع تلك الضحايا بان الله يأمر بهذا الزي العجيب، وأن الشيطان - تلك الشخصية الأسطورية الرهيبة - يكمن لهن في كل ركن ليوسوس لهن بكشف رؤوسهن على الملأ، وهنا يبدأ أيضا تعلم الكذب والزيف والنفاق باسم الدين، فلا يوجد بين تلك البراعم الصغيرة من تستطيع فلسفة أو استيعاب سر إصرار أهلها على الانفصام عن المجتمع الذي اختاروا العيش به. ولا يدرى أي من هؤلاء الأهل مبلغ ما يسببونه لبناتهم من عقد نفسية نتيجة الإصرار على ذلك المفهوم الغريب الذي يجعل من المرأة عورة يجب وضعها وراء حجاب، ليتم تهميش نصف المجتمع المنتج ووضعه خلف الجدران، فلا يمكن لامرأة ترتدى زي العصور الوسطى أن تكون طبيبة أو مهندسة، وعليها أن تقنع بذلك الدور المحدود للأم المتفرغة. أما زوجها فإنه ربما تزوج عليها ثلاثا أخريات من المحنقبات وربما تقدم بطلب منحة إضافية من إحدى دول النفط التي تموله لكي يشتري عددا آخر من غير المحنقبات، على سبيل التغيير وفى نطاق ما يسمح به نمط القرون الوسطى الذي اختاره لحياته. وغالبا ما تحاول تلك الفتيات الخلاص من نمط الحياة المفروض عليهن فيهربن من أهلهن ويتزوجن من الأجانب، بل إن بعضهن يذهبن إلى أبعد من ذلك فيعايشن الأجانب بلا زواج. ما الذي حدث لنا في عالم الهجرة؟ ألم نكن يوما أمة وسطا؟

يذكرني ذلك بواحد من ذوي الجلابيب واللحى والرؤوس الجوفاء يضع أمواله في البنك في حساب خاص بدون فوائد، وحجته في ذلك أن "الفوائد حرام"! وعجزت عن إقناعه بان التعاليم الصحيحة لدينه قد حرمت الفوائد الباهظة التي اصطلح على تسميتها "ربا" وكان يتقاضاها من يستغل الحاجة الشديدة للناس فيفرض عليهم الفوائد الكبيرة لقاء إعارة ماله لفترة قصيرة. أما فوائد البنوك التي نعرفها فإنها لم تكن أساسا معروفة كاصطلاح أو ممارسة في زمن كان اقتناء دستة من الخراف يعد من أبرز صور النشاط التجاري، فلم توجد في صدر الإسلام مثل هذه البيوت التجارية التي تؤدى خدمة عامة للناس وتنظم أمورهم الاقتصادية لقاء نسبة مئوية معقولة، تتقاضاها كأجر للخدمة وكحماية من التضخم دون أدنى نية للاستغلال أو فرض الإتاوات الباهظة على المحتاجين إلى خدماتها، إذا ما استثنينا تغالي بعض المرابين اليهود في رفع سعر بعض الخدمات المصرفية. لكن العقل والمنطق ليسا جزءا من قاموس مثل هذا الجاهل المتزمت الذي يرفض كل ما يخالف بيئته الفكرية الصحراوية.

إن التطرف في الملبس أو الخروج على العرف والمألوف في بلاد أجنبية لا يخدم أية أهداف دينية أو اجتماعية، والمثل الدارج يقول "إذا كنت في روما اسلك سلوك أهلها" أي كن معقولا وتشبه في سلوكك وملبسك بالناس من حولك، فلا يكون مظهرك شاذا أو خارجا عن المألوف ... كان الله في عون أهل هذه البلاد! ... لقد بدأت افهم ما يبدو عليهم أحيانا من مظاهر النفور منا نحن الأجانب بعد طول ترددي على "سيدنى رود"*.

* "سيدني رود" هو أحد شوارع مدينة ملبورن الأسترالية الذي تزداد به كثافة اللبنانيين والأتراك ومحال بيعهم ويرتاده الكثير من العرب بهدف التسوق، ويعادله حي "لاكيمبا" في مدينة سيدني.

ليست هناك تعليقات:

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.