إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

الجمعة، 30 مايو 2008

الفشل الدائم والشامل

جريدة الشعب المصرية

بقلم: محمد عبداللطيف حجازي

29/06/2001


الدول تحركها المصالح والحسابات وليس الخداع والكلام والشعارات . لقد عشنا نحن العرب على زيف الكلام عقودا من الزمان بينما أعداؤنا يدرسون ما نفعل ويخططون لهزيمتنا الدائمة عبر السنين . من الواضح لأي محلل على درجة متواضعة من الذكاء أن اليهود لهم مخطط بالمنطقة العربية سواء كان دافعهم دينيا أو اقتصاديا أو استعماريا استيطانيا . لم يغير اليهود من هدفهم وإنما عدلوا قليلا من وسيلتهم إليه على مر السنين . أما نحن العرب فقد تمكن منا مترفونا فعاثوا فسادا وتحالفوا مع الأعداء ضدنا عن علم أو عن جهل.

اليهود يعملون حسابات الحرب والسلام على أسس اقتصادية بحتة ، وإن تستروا خلف مبررات استراتيجية أو دينية أو تاريخية . واليهود بمنتهى البساطة ليست لهم مصلحة اقتصادية في عمل اتفاق سلام دائم مع الفلسطينيين . وقد كانت لتحركات السلام الوهمية دائما مبررات ودوافع اقتصادية ، فحينما زادت عزلة "إسرائيل" الاقتصادية في أواخر الثمانينيات وجدت نفسها مضطرة إلى الجلوس على مائدة المفاوضات ذرا للرماد في العيون دون أن تكون لديها أدنى نية للوصول إلى اتفاق تقوم بتنفيذه ، وقد تم لها الخروج من عزلتها بعد أن قامت بدورها المسرحي في مؤتمر مدريد عام 1991 والذي على إثره تمت مكافأتها باتساع نطاق تعاملها التجاري مع دول آسيا العملاقة مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وحينما هز ياسر عرفات على يد إسحاق رابين في 1993 مبتسما في سذاجة وبلاهة حقيقية أو مفتعلة مع قولته الشهيرة عن "سلام الشجعان" تمت مكافأة إسرائيل بفتح باب التعامل على مصراعيه بينها وبين تركيا ودول الاتحاد الأوربي.

مع استمرار مسرحية "السلام الدائم الشامل والعادل" الذي لا يوجد إلا في مخيلة الخانعين المستسلمين من القادة العرب انتهت المقاطعة العربية للكيان الصهيوني العنصري وبدا وكأن المنطقة قد سادها الهدوء وأن "إسرائيل" قد وصلت مرحلة الاستقرار السياسي والتجاري . كانت النتيجة مزيدا من الازدهار والاتفاقيات التجارية بينها وبين الاتحاد الأوربي وتركيا والمكسيك وكندا ودول أوربا الشرقية ، وتدفق رأس المال إلى الكيان الصهيوني بحيث زاد معدل نمو الصناعات الإلكترونية المتقدمة إلى درجة وضعت هذا الكيان العنصري في مصاف الدول البارزة في هذا المضمار ، ومع هذا الازدهار زاد الانبهار وأصبحت تل أبيب مزارا لموظفي يوسف والي بوزارة الزراعة المصرية وأغرقت الأسواق المصرية والعربية بالمنتجات الزراعية والصناعية الإسرائيلية دون وعي أو خجل أو حياء من جانب الحكومات العربية الغافلة المستكينة.

إذا تفحصنا لغة الأرقام لوجدنا من الإحصائيات الإسرائيلية أن معدل التبادل التجاري بين "إسرائيل" ودول آسيا قد ارتفع من 3 بليون دولار أمريكي عام 1990 إلى 8 بليون عام 1999 بينما ارتفع معدل التعامل مع الهند وتركيا إلى ستة أضعاف وامتلأت الشوارع الإسرائيلية بسيارات "تويوتا" . وهكذا تغير الحال وتحولت "إسرائيل" من دولة منبوذة إلى عضو بالمجتمع الدولي بفضل مسرحية هزلية - أطول من مسلسلات التليفزيون المصري المملة السخيفة - قام القادة العرب فيها بدور "الكومبارس" على خير وجه وما زال البلهاء منهم يقولون لنا أن السلام "خيار" ليس له بديل وأننا نحن الشعوب ينبغي أن نقبل هذا "القرع" في صمت لأنهم أعلم منا بمصالحنا.

ما يحدث الآن على أرض الواقع هو أننا نحن العرب ببلاهتنا وسذاجتنا قد أسهمنا في الوصول إلى تلك الحال وبدلا من مقاطعة مسرحية مباحثات السلام الوهمي المطولة ساعدنا "إسرائيل" عليها لأن مطالبنا انحصرت في مجرد الجلوس على مائدة المفاوضات دون استراتيجية واضحة أو مطالب محددة . وبالتالي فإن إسرائيل لم يكن لديها الدافع للتنازل عن مواقفها طالما أن كل الأطراف المعنية تود الاشتراك في لعبة المفاوضات المطولة بحيث تبدو إسرائيل دوما في صورة الباحث عن السلام الذي ينوي استمرار البحث عنه والسعي الحثيث إليه بهمة ونشاط إلى الأبد.

على عكسنا نحن العرب فإن استراتيجية "إسرائيل" في التعامل مع الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي واضحة وضوح الشمس منذ البداية ، وتتركز في إعطاء الفلسطينيين أقل القليل مع تدعيم بناء مستعمرات الاستيطان على أرضهم ومحاولة تغيير وجه القدس والمناطق المحيطة بها لتسهيل استيعابها مستقبلا كعاصمة . أما كسب الوقت فإنه يتم بحيلة بسيطة هي إعطاء الوعود إذا تأزمت الأمور مع إحدى حكوماتهم في وقت ما ثم نقض هذه الوعود بمعرفة الحكومة التالية بحجة إعادة تقييم الموقف . أوضح مثال لتلك السياسة هو حكومة باراك الذي جاء واعدا بالوصول إلى اتفاق نهائي خلال 15 شهرا ثم استمر في بناء المستوطنات الاستعمارية طوال فترة حكمه واتضح فيما بعد أن وهم الحل النهائي الذي تحدث عن ضرورة الوصول إليه لم يكن سوى ذريعة لاستمرار البقاء بالضفة الغربية بهدف التوسع في بناء المزيد من مستعمرات الاستيطان.

حينما ظن العرب أن الاتفاقية التي تمت تحت إشراف كلنتون قد ضمنت لهم ذلك "الخيار" الأوحد أثبت لهم اليهود أن دنيا العرب فعلا كالخيارة التي لم تمسك بها أيديهم في أي يوم من الأيام . لم يكن بالاتفاقية أية مكاسب اقتصادية للكيان الصهيوني وتعارضت تماما مع مخططهم الثابت . فما هي الفائدة الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق لهم بالانسحاب من معظم أجزاء الضفة الغربية واقتسام القدس؟ لقد انتهت عزلتهم الاقتصادية العالمية وسجد العرب لهم سياسيا دون القيام بعمل مثل تلك التنازلات.

السلاح الأساسي الذي سيقضي على إسرائيل هو عودة الوعي لنا نحن العرب . إذا استثنينا بعض الدول العربية النفطية ذات الأعداد الضئيلة فإن الغالبية العظمي من الشعوب العربية لم تفقد الوعي أو الذاكرة ، رغم كل برامج التطبيع والتعتيم عبر الأقمار الصناعية أمام الأعين وملأ السمع ليل نهار . اسأل أي طفل عربي بفلسطين أو مصر أو سوريا أو العراق عن "إسرائيل" وسيأتيك الرد دون تردد بأنهم أعداء وسيبقون أعداء مهما طال الأمد . من هذا المنطلق تم تحجيم التبادل التجاري بين العرب والكيان الصهيوني بفعل الإرادة الشعبية رغم قيام الحكومات العربية بتسهيل إغراق الأسواق بالمنتجات الإسرائيلية الرخيصة . وتوارى أنصار التطبيع مذمومين مدحورين.

لقد خسر الفلسطينيون حوالي بليون دولار خلال أشهر الانتفاضة الأخيرة وآلاف الضحايا والجرحى لكنهم وضعوا الكيان الصهيوني في مأزق لا يتحمل استمراره أطول من ذلك إذ أن "إسرائيل" تطمح إلى زيادة معدل صناعة وتصدير المنتجات الإلكترونية المتقدمة وفي سبيل ذلك فإنها بحاجة إلى الاستقرار واستمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية ولن يتأتى ذلك إلا بالعودة إلى فصل جديد من فصول مسرحية التفاوض وهو ما بدأت إسرائيل بالفعل في التمهيد له بتخفيف الحصار على الفلسطينيين بعد أن فشلت محاولة قهرهم .

استراتيجية إسرائيل واضحة ومستمرة تحت قيادة أي حكومة وأي رئيس إسرائيلي ، وهي الدخول في مفاوضات مطولة لا تنتهي دون التنازل عن أي أرض ، فإذا تأزم الموقف فلا بأس من التوقيع على مشروع اتفاق تقوم الحكومة التالية بنقضه والبدء من جديد ، ويظل القادة العرب في حالة تفاوض وانتظار وترقب ومحاولة دائمة للإمساك بأيديهم بذلك "الخيار" الأوحد الذي استكانوا إليه ، بينما أعداؤنا يسيرون على طريقهم الواضح.

ليست هناك تعليقات:

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.