جريدة المحرر الأسترالية - القسم العربي - العدد 157 لعام 2003
بقلم: محمد عبد اللطيف حجازي/كاتب من مصر يقيم في أستراليا
mehegazi@yahoo.com.au
صدرت تكهنات بأن الحكومة السورية تنوي إرسال بعثة دبلوماسية للعراق. وهو نبأ لم تؤكده أية جهة رسمية سورية. عملية "تسريب" الأخبار لعبة قديمة تستعمل لجس النبض ومعرفة رد الفعل لحدث ما، وغالبا ما يكون مثل ذلك التسريب مقدمة حقيقية لوقوع ذلك الحدث، وهنا يجب علينا أن نضع الخطوط الحمراء وأن نوضح معالمها بما لا يترك مجالا للبهلوانيات التفسيرية من نظم العمالة العربية..
لقد اعترفت الحكومة الإيرانية بالنظام العراقي العميل الذي عينه العدو الأمريكي بالعراق، فكان ذلك لفتة سيئة لا تبشر إلا بسوء نية مبيت، حتى لو كان ذلك من قبيل الانتهازية "البراغماتية" ومحاولة للتقرب من الولايات المتحدة لدرء العدوان، وهو ما نستبعده لأن التصريحات الإيرانية طوال السنوات الماضية لم تكن لتحفل بالتهديدات الأمريكية وكانت ترد عليها دون خوف، وتكيل الصاع صاعين لكل متحدث صهيوني متهور من ثعالب صهاينة البيت الأبيض، لذا فإن الحكومة الإيرانية بفعلتها الشائنة تلك لا تترك أمامنا سوى استنتاج سوء النية تجاه العراق وشعب العراق، ويكون من البلاهة القول بأن الحكومة الإيرانية قد فعلت ذلك من منطلق عداوتها لصدام حسين، فهناك فرق بين العداوة لنظام حكم صدام حسين وبين الانحياز للصهيونية الأمريكية على أرض العراق بهذا الشكل السافر. لا يملك المرء سوى أن يرى أن إيران تريد تفتيت العراق تمهيدا لضم الأغلبية الشيعية بجنوبه من منطلق طائفي سياسي سيئ النوايا إلى أبعد الحدود. كنت أود الوصول إلى استنتاج آخر لأن عدو الفرس والعرب واحد ولا مكان هنا للطائفية والخلافات التاريخية، إلا أن هذا الفعل الشائن لا يترك مجالا للكثير من الاحتمالات، وأرجو من صميم قلبي أن أكون على خطأ، فقد تبنت إيران الكثير من القضايا التي تخلت عنها الحكومات العربية العميلة. وما زلنا نحمل لإيران الإعجاب لدعمها لـ(حزب الله) بالجنوب اللبناني، ولا يمكن أن نتصور أن يكون هذا الدعم من منطلق طائفي ضيق النظر.
أما بالنسبة الحكومات العربية العميلة التي تسجد دوما للصهيونية الأمريكية للحفاظ على كياناتها الهشة ضد إرادة شعوبها فإن حسابها يكون عسيرا لو بدرت منها مثل تلك النوايا لأن المخطط الأمريكي واضح ومعروف ويمكن بسهولة ويسر تتبع خطواته المتخبطة بعد الفشل العسكري أمام قوة وصمود المقاومة العراقية التي - وإن كانت كافية في حد ذاتها لدحر الهجمة الصهيونية الأنغلو-أمريكية – قد استقطبت كل عناصر المقاومة للعدو الصهيوني الأمريكي بالمنطقة ومن خارج حدود المنطقة.
تتبدل وسائل المخطط الأمريكي مع تبدل المتغيرات على أرض الواقع المر. هناك محاولة لتجنيد العملاء العراقيين لخلق كيان بوليسي عسكري يتصدى للمقاومة الوطنية بهدف حماية جيش الغزاة، وقد استيقظت المقاومة العراقية لذلك فوجهت نارها لكل خائن عراقي تسول له نفسه التعامل مع العدو تحت ضغط الظروف الاقتصادية بالبلاد. إن تكوين شرطة وجيش تحت سيطرة الاحتلال هو أمر من بقايا إمبريالية القرن التاسع عشر وقد جربه الصهاينة بفلسطين في ظروف مختلفة ولم يكلل بالنجاح التام، فقد عاشت المقاومة الفلسطينية جنبا إلى جنب مع السلطة الفلسطينية (...) في علاقة غريبة قد لا يكتب لها الاستمرار إذا ما اختلطت خطوطها الحمراء التي تحف بها الظلال الرمادية من كل جانب. أما في حالة الوضع العراقي الراهن فإن الخط الأحمر واضح لا لبس فيه، وقد بينه بوش الصغير دون أن يدري حينما قال في بلاهة بأنك "إما معنا أو علينا".
حاول العدو الأمريكي الاستمرار في استيراد الآخرين من الخارج، وقد انتبهت قيادة المقاومة العراقية لذلك وبدأت تصفية الطليان والأسبان والأسترال الذين يحاولون في سذاجة لئيمة إيهام العالم بأن دورهم يقتصر على المساعدة اللوجستية من أجل "الإعمار" وهم أول من هلل وساعد على الهدم والتخريب بتأييدهم المطلق للغزو.
الدعم اللوجستي ليس إلا صورة من صور العدوان السافر لأنه عمليا يساعد العدوان ويحمل عنه بعض مسؤولياته. شعب العراق ليس في حاجة إلى أي مساعدة خارجية وأي أجنبي على أرض العراق جاسوس أو عميل حتى لو ارتدى عباءة الجماعات الإنسانية من أمم متحدة أو صليب أحمر، وقد وعى العراق درس "الدروع البشرية" التي كانت تساعد على توجيه طيران العدو الأمريكي. لذلك فقد تم أيضا توجيه إنذارات للأتراك واليابانيين فهموها بسرعة.
يمكن القول بأن أمريكا ستفشل أيضا في محاولاتها تلك ولن تتغير جنسية الشكائر البلاستيكية التي تحوي الجثث الخارجة من أرض الرافدين، وسيستمر فيضان "الجرحى" من العينات البشرية منقوصة الأطراف ليملأ عنابر مستشفيات الجيش الأمريكي. هؤلاء الجرحى الذين بلغت أرقامهم الأمريكية الرسمية ما يربو على الألفين – وما خفي كان أعظم من الأرقام غير المعلنة – يقولون عنهم أنهم جرحى وهم في واقع الأمر ليسوا إلا موتى نفسيا وأسوأ حالا من المئات القليلة التي أعلنوا موتها رسميا.
إن أعدادهم تتزايد بسرعة مهولة وقد فاضت بهم عنابر مستشفيات أمريكية بعينها.
يصل هؤلاء الأحياء الأموات تحت ستار الليل إلى (قاعدة أندروز الجوية في ماريلاند) Andrews Air Force Base ثم يتم ترحيلهم في جنح الليل أيضا إلى عدة مستشفيات منها:
جناح الأطراف الصناعية بمركز (والتر ريد) Walter Reed Army Medical Center
(المركز الطبي للبحرية الأمريكية) The National Naval Medical Center
(مركز بروك الطبي في تكساس) Brooke Army Medical Center
(الملحق الطبي في نورث كارولينا التابع لقاعدة فورت براج) Fort Bragg
(الملحق الطبي في كولورادو سبرنغز التابع لقاعدة فورت كارسون) Fort Carson
وغير ذلك من الأماكن التي يمنعون وصول الإعلام إليها حتى تستمر الدعاية والتهليل للنصر المزيف ويتم استمرار تضليل الشعب الأمريكي الأبله بإنكار الخسائر الفادحة. إنه نفس السيناريو المعاد كما حدث في فيتنام والمحصلة النهائية معروفة مسبقا، بعد أن يصعب استمرار الخداع والتضليل.
الحلقة الأخيرة في هذا المسلسل - والتي بدأ الإعداد لها – هي تأكيد اعتراف الحكومات العربية العميلة بالحكومة العراقية المزيفة تحت الاحتلال الأمريكي وتبادل التمثيل الدبلوماسي وتمييع الموقف ثم الخيانة السافرة بإرسال قوات عربية لحماية الغزاة تحت ستار المساعدة على "حفظ الأمن" بالعراق الشقيق وكأنما لا يوجد على أرضه محتل أجنبي. هذا المخطط الصهيوني الأمريكي اللئيم تتضح معالمه وسوف نسمع العملاء العرب قريبا يتباكون على "سوء الحالة الأمنية" بالعراق الشقيق وضرورة تقديم يد العون للشرطة العراقية والإسهام في "إعادة بناء الجيش العراقي"، ونحن نقولها مسبقا – نيابة عن العراق الشقيق - أن أي جندي عربي تابع لأي حكومة عربية هو أجنبي على أرض العراق ويستحق الموت على يد المقاومة الوطنية العراقية ولا فرق بينه وبين الأمريكي أو البريطاني أو الأسترالي أو الإيطالي أو الأسباني أو البولندي أو غيره من حثالة المرتزقة. كل مساعدة للعراق تحت الاحتلال هي مساعدة للاحتلال ذاته. والمساعدة الحقيقية للعراق - إن احتاجها – تكون بعد رحيل آخر جندي أجنبي عن أرض العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق