إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com

السبت، 17 مايو 2008

نكتة مصرية


نكتة مصرية

بقلم: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com

عرف عن الشعب المصري عمق النكتة السياسية ، ويقال أن جمال عبد الناصر كان يدس عيونه بين الناس لجمع النكات لكي يتعرف من خلالها على نبض الشارع المصري . أعتقد والله أعلم أن ذلك أجدى من الاستفتاءات واستطلاعات الرأي المكلفة . أقدم نكتة سمعتها منذ أربعة عقود كانت أن أحدهم رفع يديه إلى السماء هاتفا "الله يخرب بيتك يا عبد الستار" فأمسك مندوب أمن الدولة بتلابيبه ناهرا إياه "وكمان مش عارف اسم الريس؟". تلك كانت نكتة قديمة ولا شك عندي أن القريحة المصرية الساخرة لابد وأن تكون قد جادت بما هو أحدث . أما آخر نكتة سمعتها على البعد – وليغفر لي القارئ قلة درايتي لأنني أعيش على الجانب الآخر من الكرة الأرضية – هي أن أحد السلاطين العرب جاء بوزيره وشكا له من انخفاض شعبيته كسلطان طالبا منه البحث عن حل ، فتمخض ذهن الوزير عن فكرة مؤداها أن الوزير يعمل عملا سيئا يكرهه الشعب فيقوم السلطان بإلغائه بعد أن يجأر الشعب بالشكوى وبذلك ترتفع شعبية السلطان.

قام الوزير ببناء جسر على طريق رئيسي وأقام عليه نقطة مرور لجمع ضريبة قدرها مائة ريال لكل بعير يمر فوق الجسر . مرت شهور ولم يشكو أحد فرفع الوزير الضريبة إلى مائتي ريال فلم يشكو أحد . وتفتق ذهن الوزير عن حيلة أخرى لمضايقة الناس فرفع الضريبة إلى خمسمائة ريال، وخصص عقيد شرطة بوظيفة "ضابط تشهيلات" مهمته أن يفحص إيصال توريد الخمسمائة ريال لنقطة المرور ثم يضرب المواطن على قفاه قبل أن يسمح له بالتوجه إلى بعيره لاستكمال مشواره. مرت شهور أخري ولم يشكو أحد ، إلى أن وقف السلطان يخطب في الناس بمجلس ديوان الشعب ذات يوم وفي نهاية خطابه طلب ممن لديه شكوى أن يتقدم بها ، وهنا انبرى مواطن شاكيا "يا مولانا السلطان إن وزيرك يسبب اختناقا للمرور على الجسر الجديد لأنه يرفض تعيين أكثر من ضابط تشهيلات واحد على الكوبري".

النكتة بسيطة ولاذعة ومؤداها أن عامة الناس قد اعتادوا الظلم والقهر بشتى صوره وفقدوا القدرة على الاعتراض . ورغم أن النكات السياسية المصرية ليست إلا صورا كاريكاتورية فيها قدر كبير من المبالغة إلا أنني كمواطن مصري في مطلع القرن الحادي والعشرين أحس بشيء من الألم خلف أذناي . يزداد الألم ويأخذ صورة لسعات متكررة حينما أٌقرأ على سبيل المثال أن اليهود على الحدود عند رفح قد أصابوا شرطيا مصريا بعيار ناري وأن العيار كان "طائشا" ، وكأن الأعيرة النارية الموجهة إلى صدور الفلسطينيين شيء طبيعي من سمات العصر وهي في نطاق الأمور التي يجب علينا تحملها من الأصدقاء الذين وقعنا معهم معاهدة استسلام تسمح لهم بقتل الفلسطينيين كضرورة من متطلبات الحياة اليومية . أما ما "طاش" من أعيرة شاردة تصيبنا نحن فإنها من قبيل "العشم" بين الأصدقاء ويكفي لها الاعتذار أو التعويض المادي لأسرة الفقيد ، وأما نحن بقية أفراد الشعب المصري فيكفينا كمادات على القفا ، ولنعلم جميعا أن السلام الشامل والعادل هو خيارنا الوحيد الذي ليس له بديل والذي يجب علينا أن نستجديه من عدونا في ذل وصمت .

لقد خلت بلادنا العربية من المنابر السياسية التي تعبر تعبيرا حقيقيا عن آراء الناس فيعلم الحاكم عن طريقها رأي المحكوم ، لكي يشكل سياسته بحيث ترضي عنها الأغلبية التي فوضته ممثلا لها. الحاكم أولا وأخيرا خادم للشعب ويستمد منه سلطاته وليس سيدا على الشعب يأمر فيطاع بلا حساب أو مساءلة. ذلك هو أساس كل النظم السياسية النيابية. وكلمة النيابة في حد ذاتها تعني التفويض وأن الفرد ينوب عن المجموع باختيار ذلك المجموع ورضاه. هذا المجموع يفوض ذلك الفرد إلى أجل مسمى فإن تهاون الفرد أو فرط في الأمانة كان من حق ذلك المجموع سحب الثقة منه وتفويض فرد آخر عن طريق الانتخاب. وكلمة الانتخاب ذاتها تعني اختيار أفضل الأفراد لتمثيل المجموع. والمتأمل اليوم لقاموسنا السياسي يجد أنه في حاجة ماسة إلى إعادة التبويب والإسهاب في التفسير. تلك هي مسئوليتنا كجيل قديم تجاه أجيال لم ترى ولم تمارس ولم تتعلم وشغلتها أمور الحياة ففرطت في حقوقها إلى أن عم الفساد على كافة المستويات.

الأعجب من ذلك هو أن من يضربني على قفاي لا يعدم هو الآخر من يضربه على قفاه، والفارق بيني وبينه هو أنني أشعر بألم الضربة بينما يبدو أنه قد فقد الإحساس والكرامة معا. قد يبدو كلامي مبهما لكنه ربما يصبح مفهوما إذا ما تأملنا الأوضاع من حولنا ، فحينما وقف شارون معلنا رفضه المطلق لمبدأ المراقبين الدوليين بين الفلسطينيين واليهود أسرع بوش الصغير بتأييده بكل قوة بالمحافل الدولية . هذا مفهوم لنا نحن العرب لأن إسرائيل صناعة أمريكية وبقاؤها ضروري لإذلالنا، لكن غير المفهوم هو أن يخرج علينا من بين صفوف العرب من يردد نفس المقولة مشككا في جدوى وجود المراقبين الدوليين . ذلك أمر غريب لا يدع مجالا للشك لأن البديهي هو أن مهمة المراقبين الدوليين الأساسية – من وجهة النظر العربية - تكون رصد العدوان الإسرائيلي والإعلام عنه فلا يتم في الخفاء ولا يشار إليه إلا عن طريق أبواق الدعاية من وكالات الأنباء اليهودية التي تصور مستعمرات الاستيطان اليهودية على أنها مستوطنات شرعية تتعرض للقصف الفلسطيني وأن "العنف الفلسطيني" هو سبب البلاء … ارحموا أقفيتنا وأقفيتكم يرحمكم الله.

ليست هناك تعليقات:

هذه المدونة

هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.


أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

ملبورن, فيكتوريا, Australia
أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.