أزمة بين المقاومة والمساومة
لا بين الشيعة والسنة
يحيى القزاز
19/4/2009
من سوء الطالع أن تولد وتعي الأمور في حقبة يتقلص فيها حجم الوطن طولا وعرضا وارتفاعا، أو أن يمتد بك العمر وتشهد انحسار الوطن وضياع سيادته وتلاشي معالمه وأركان حدوده، وتَحَكُم عيال صغار القيمة قصار القامة في مصيره برعاية حكم غير شرعي انتهت صلاحيته الطبية. من سوء الطالع وذل الحاضر أن ترى المقاومة جريمة، والخيانة أمانة، ومن غرائب الزمن أن ترى صداقة مع العدو ولها حُرمة، ودم الأخوة على الحدود يستباح. ومن منغصات الحياة أن تُختزل الدولة في شخص الحاكم، وتختزل الأمة في أسرته، ويصير الحاكم هو الدولة والدولة هي الحاكم، والأسرة هي الأمة، والأمة هي الأسرة.
رضعنا العروبة –عفوا- استزدنا من رحيقها ونحن صغار، فكبرنا ونخوتها فينا، وجيناتها الوراثية قابعة في النخاع، وركائزها اللغوية والثقافية والجغرافية والتاريخية ماثلة أمامنا مثول شمس لا تغيب. هي الحقيقة لا ريب، وهى ركن لا يكتمل إيمان المرء إلا به، وهى شرف إلا من أبى. وتعلمنا أن نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا، واليوم نشهد حكاما يصادقون من يعادون شعوبهم، ويعادون من يدافع عن شرف عروبة حرة مستقلة من ذوى القربى وصلة الرحم.
عشنا لنرى أقزاما لم يعرفوا في حياتهم سوى الذل والهوان والخنوع، يتطاولون على سادة وهبوا حياتهم للنضال والكفاح والدفاع عن وطن عربي بمقدساته الدينية. رأينا في مصر العربية وفي العربية مصر من يجاهر بتجريم المقاومة ويطالب برأسها، ومن يتطاول على سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله أعزه الله وسدد خطاه وسحق المناوئين له ويطالب بعقابه وقتاله، وتحويل حزبه من حزب مقاوم إلى حزب إرهابي، خدمة لأسيادهم الصهاينة. يظنون أنهم يقدرون بضآلة العقل المتكلس في الرأس وثرثرة القول أن ما يصنعونه دفاعا عن سيادة وطن، هم وشلة الحكم أول من أهانوه، وغير مقدرين بافتقادهم العقل الواعي القابع خارج حدود جماجمهم الحجرية الهشة أنهم يسدون للعدو خدمة ما كان يحلم بها أو ترد له كخاطرة في زمن العروبة الصلب.
في مصر الآن، في عصر حسني مبارك، في زمان طال الحكم فيه فاستطال، تمدد فترهل فتجاذب الصبية أطرافه، يتدثرون بها ويتحكمون في مصير الشعب من خلفها. وينعق بوم الصحف الحكومية وخدمة نظام ترهل بمعاقبة حزب الله، وضرب قواعده، لما اقترفه "البطل سامي شهاب" من شرف تحمل الخطورة وتوصيل الدعم لأشقائنا المحاصرين في غزة في وقت أحكم النظام المصري فيه حصار غزة، وضرب واعتقل فئات الشعب المصري التي خرجت للتضامن ومساعدة أهل غزة. لم يفرقوا بين تسلل الشقيق المقاوم للحدود واختراق العدو المدمر لها. شقيق يخاطر ويتسلل خلسة ليرفع الحرج عن شقيق أكبر (مصر) كبلته الظروف بمعاهدة استسلام سيئة، يدعم قطاع غزة في وقت يُنحر فيه أهله بقصف صهيوني من البر والبحر والجو، وبلهاء العرب (حكامهم) يتفرجون على شاشات التلفاز، يمنعون شعوبهم من التحرك لنصرة إخوانهم في فلسطين بقطاع غزة، ماتت قلوبهم وجفت عقولهم ففقدوا نعمة التعاطف مع ذويهم، وقيمة الإحساس بمصابهم، ناهيك عن موت الرجولة فيهم منذ نسوا حق الأوطان وفكروا في حق الأبناء في وراثة العروش.
حزب الله يجب أن يُقدر من كل عربي حر شريف لأخذه على عاتقه مهمة المقاومة والمساعدة لأشقائه الفلسطينيين بغير ضجيج ولا مزايدة، وسامي شهاب يستحق التكريم لا العقاب، تسلل لدعم أشقاء تغتالهم الآلة العسكرية الإسرائيلية المتقدمة، والفلسطينيون يواجهونها بأسلحة بدائية ونووية العزيمة والإصرار على المقاومة والانتصار. تسلل نابع من حياء وحسن تقدير لموقف شقيق أكبر (مصر) كان دوره في الماضي دعم المقاومة من أجل التحرر، واليوم كسرته معاهدة كامب ديفيد وشلت حركة نظامه، لم يرد أن يحرج النظام ويزايد عليه احتراما لمشاعر الشعب المصري، شعب في دولة مارست هذا الفعل في الماضي، ظن "سامي شهاب" أن نظام مبارك الحاكم به ذرة من عقل وقطرة من دم يقدر بهما الفعل إن اكتشف الأمر. نبل في غير محله وحسن ظن لغير أهله. وليتني كنت مثل "سامي شهاب" أو أقدر على فعله أو أشاركه دعم الفلسطينيين في محنتهم، وأكون فخورا راضيا لو نلت الإعدام شنقا من خونة الوطن جزاء ما قدمته يداي من دعم للأشقاء العرب في فلسطين، هذا شرف المقاوم المشنوق ودليل خيانة للجلاد. نظام مبارك هو من فرط في الأرض والعرض وانتقص من سيادة الوطن من أجل توريث نجله حكم مصر.
ومن المضحكات المبكيات أن يُنسب لحزب الله التدخل في الشأن المصري وانتهاك السيادة المصرية وقلب نظام الحكم. دعونا من أن نظام الحكم المصري مقلوب بالفعل وهو بحاجة إلى من يعدله، ولن يكون من خارج مصر، أما الحديث عن التدخل وانتهاك السيادة، فيحتاج برهة لا أكثر، من الذي يتدخل في الشأن المصري، هل هو حزب الله الذي يضرب العدو الصهيوني أم الحقيرة إسرائيل التي تبيد الفلسطينيين، وتضرب الحدود المصرية عند رفح وتقتل الجنود والأطفال والنساء المصريين أثناء مجزرة غزة أوائل 2009، ولماذا لا يحتج بوم ومرتزقة نظام مبارك على الاعتداءات الإسرائيلية ويشمرون عن سواعدهم الأنثوية لمحاكمة بطل مقاوم داعم لأشقائه الفلسطينيين. ومن مساخر القدر أن يردد غلمان النظام المصري ما يردده العدو الصهيوني، ويستبدلونه بالعدو الإيراني. باختصار وفي السياق إذا كان لإيران مشروعها النهضوي أو قل التوسعي على حساب العرب، فلماذا لا يكون لمصر أو للعرب مجتمعين مشروع نهضوي وتوسعي يقوم على الديمقراطية وحماية استقلال الدولة والاهتمام بالتعليم وتطوير البحث العلمي، والمفاعل النووي الإيراني محل الخلاف والخوف الآن هو مُخرج أو منتج من منتجات البحث العلمي الجاد.
حزب الله لا يريد أن يقلب نظام حكم مصر، ولو أراد حكما لفعلها في دولته لبنان ولديه من الآليات الشرعية ما يحقق له ذلك، حزب الله حزب عقائدي ديني يعرف حق المواطنة وأسس الديمقراطية، يشارك المسيحيين اللبنانيين ويضعهم في الصدارة، حزب اله يكرس لدولة المواطنة، والحزب الوثني (المدعو الحزب الوطني الحاكم) يكرس الفرقة والطائفية في مصر ويستبعدهم من قوائمه الانتخابية.
أهم وأسوأ ما يلفت النظر في السجال الدائر عن حزب الله ومسخرة النظام المصري الحاكم هو التمادي في المطالبة بمحاكمة حزب الله، وتحويله من حزب مقاوم إلى حزب إرهابي. وليس بمستبعد أن يطالب الصهاينة بمساعدة الغرب بتحويل قادة حزب الله إلى محكمة الجنايات الدولية، كما فعلوها مع "الرئيس عمر البشير". وغدا ربما توجه هذه التهمة لحسنى مبارك وحبيب العادلي وقد يمتد الخيط على استقامته فتشمل المروجين للنظام والمدافعين عن ظلمه، ويمكن غلق ملف حزب الله بإشارة من أمريكا أو بطرفة عين من إسرائيل، فهل ساعتها ينقلب المطبلون على أعقابهم بغير حياء ويتحولون من النقيض إلى النقيض. ثانيا انزلاق بعض الأقلام المحترمة إلى تحويل النزاع السياسي (وهو مؤقت) إلى صراع طائفي وقد يطول، وصار الحديث عن تدخل "حزب الله" في مصر (وهوم وصف لا أقول ظالم بل كاذب) إلى تدخل جماعة الشيعة في أهل السنة والجماعة (والحقيقة لا أرى لهم أهل ولا كبير يرد عليه).
أخطر وأسوأ ما يُصنع الآن هو تحويل النزاع السياسي بين طرفين إلى صراع طائفي. الصراعات السياسية تحل بتوافق المصالح مهما اختلفت العقائد، والصراعات الطائفية لا تجمعها المصالح وتزداد احتقانا بمرور الأيام، وهذا ما نخشاه. القضية أو الموضوع هو أزمة بين فريق مقاوم وفريق مساوم، بين نضال وتخاذل، بين من يدافع عن المصالح العربية ومن يدافع عن المصالح الصهيونية. أشعر بالعار أنني أعيش في فترة حكم حسنى مبارك. وأشعر بالفخر أنني أرى زمن "حسن نصر الله" وأحياه، مفارقة مؤلمة لكن بها بصيص من أمل النصر والكرامة. المجد لك سيد المقاومة سماحة "السيد حسن نصر الله" والعزة لرجالك وجنودك، والخزي والعار لمن عاداك و "نحن من شيعتك".
تعليق:
أما آن الأوان يا مصر لكي تقوم ثلة من شباب جيشك الوطني بالتخلص من الكلب العميل محمد حسني مبارك؟ هل هناك حاجة للمزيد من الأدلة على أنه يفضل سلامته الشخصية على مستقبل كل أبناء مصر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق