هذه المقالات تعكس المأساة التي عاشتها مصر ابتداء بالدكتاتور الأول جمال عبد الناصر - الذي انتزع السلطة من سيده محمد نجيب - وانتهاء بالحمار المنوفي الغبي اللص محمد حسني مبارك. وأخيرا عملية تدمير مصر تحت حكم الصهيوني الحقير بلحة بن عرص المعروف أيضا باسم عبد الفتاح السيسي English blog: http://www.hegazi.blogspot.com
الأحد، 22 نوفمبر 2009
التاريخ في سلسلة مقالات - الجزء الثالث
(18)
التاريخ في سلسلة مقالات
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
تاريخ المقال: 10/5/2002
جاءت رسالة مندوبي الصنداي تايمز Sunday Times في 5/5/2002 كالنبوءة قبل وقوع التفجيرات الاستشهادية الأخيرة، مع كثير من المبالغة عن حجمها وأثرها. كتبت الصحيفة عن مراسليها أوزي ماهنايمي Uzi Mahnaimi في تل أبيب وتوني ألان ميلز Tony Allen Mills تحت عنوان "إسرائيل تخشى من هجمات إرهابية هائلة لهدم جهود السلام":
( سيتم هذا الأسبوع تقديم مقترحات إسرائيلية جديدة للسلام للرئيس جورج دبليو بوش، وسط مخاوف من أن المتطرفين الفلسطينيين سوف يشنون "هجمات رعب هائلة" بهدف إعاقة الخطة الأمريكية لعقد مؤتمر دولي عن المنطقة هذا الصيف.تحدد يوم الثلاثاء القادم موعدا لزيارة أريل شارون رئيس وزراء إسرائيل للبيت الأبيض، وتقول المصادر الإسرائيلية أنه ينوي أن يقدم للرئيس بوش "خطة سلام أكثر تفصيلا عن أي خطة تقدم بها أي رئيس وزراء إسرائيلي"، لكن الرسميين الأمريكيين لا يتوقعون أي انفراج جاد للموقف.
وافق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أيضا على استشارة القادة العرب بشأن اقتراح عن مباحثات دولية تقدم به كولن باول سكرتير الدولة الأمريكي. رغم التفاؤل الحذر عن احتمال قرب استئناف المفاوضات المباشرة فإن الخوف من حدوث معوق إرهابي قد ازداد بعد أن اكتشفت مخابرات الجيش الإسرائيلي خطة لنسف مبني برج أزرييلي في تل أبيب وهو أعلى بناية بالشرق الأوسط. فقد عثرت قوات الكوماندوز الإسرائيلية على نصف طن من المتفجرات في مدينة قلقيلية على بعد 20 ميل من تل أبيب. وقد ادعى الرسميون الإسرائيليون أن جماعة حماس كانت تخطط لهذا الهجوم. حذر البريجادير جنرال يهيام ساسون Yehiam Sasson مستشار شارون لمقاومة الإرهاب من أن استراتيجية "الهجوم الضخم" قد تمضي إلى ما هو أبعد من التفجيرات الانتحارية للأشهر الماضية، وصرح لجريدة محلية بقوله " نحن نتكلم عن هجمات قد تخلق تغييرا استراتيجيا لصورة الإرهاب".تقول المصادر الإسرائيلية أن شارون مستعد لقبول الدولة الفلسطينية لكنه يرفض تسليم أرض تكفي لإرضاء عرفات. كما أنه من غير المحتمل أن ينبهر الفلسطينيون بإصرار شارون على أن يقدم لبوش وثيقة من 100 صفحة تبين تفاصيل ادعائه عن الدعم المادي من عرفات للإرهابيين.
تحد الضغوط المحلية المؤيدة لإسرائيل من قدرة بوش على المناورة، وإن كان قد استطاع أن يضع ضغطا كافيا على شارون لكي يطلق سراح عرفات من مجمع رام الله الذي كان حبيسا به. كانت أصوات الكونجرس في الأسبوع الماضي تبين تأييدا هائلا لخط شارون المتشدد، حيث يرى كثير من رجال مجلس الشيوخ والكونجرس أن خطر الإرهاب يبرر تشدده.
يقر الرسميون الأمريكيون بأن مقاومة العرب لجولة أخرى من "المباحثات بشأن المباحثات" تعني أن أي مؤتمر قادم للسلام يجب أن يعالج القضية الأساسية بشأن الدولة الفلسطينية.
ومع ذلك فإن محاولة باول المتواضعة لخلق مجال لتجديد المباحثات تعرضت بالأمس لهجوم شديد من صقور واشنطون. وقد قلل أحد الرسميين الكبار من شأن الاقتراحات القائلة بان المبادرة ترقى إلى مستوى مؤتمر للسلام.)
كانت افتتاحية الجارديان البريطانية The Guardian في 7/5/2002 عن مقتل بيم فورتيوين Pim Fortuyn بعنوان "الحق والباطل". تقول تلك الافتتاحية:
(يبدو أن بيم فورتيوين كان ضحية المشاعر العنيفة التي اجتاحت أوربا بسبب الارتفاع المفاجئ لشعبية سياسيي اليمين المتطرف الذين أفصحوا عن آرائهم المعادية للهجرة والمتخوفة من الأجانب. كان هذا الهولندي القريب من الجماهير معروفا باسم "البروفيسور بيم" وقد بزغ نجمه في أوائل هذا العام بعد أن حصل على 35% من تأييد الناخبين في انتخابات روتردام المحلية. كان مقتله ليلة أمس لاحقا لنتيجة استطلاع رأي تنبأت بأن حزبه الجديد سيفوز بالمركز الثالث في الانتخابات العامة المزمع عقدها في 15 مايو، وهو نفس مستوى التأييد الذي حصل عليه جان ماري لوبان قائد "الجبهة الشعبية" في فرنسا. كان فوز حزب فورتيوين بنسبة 25% - أو أكثر - من 150 مقعد بالبرلمان يعني ثورة في عالم السياسة الهولندية المغلق. يبدو أن احتمال حدوث ذلك في أعقاب نتيجة الانتخابات الفرنسية كان فوق طاقة تحمل ذلك الرجل الذي حمل مسدسه في هلفرسم Hilversum.
قد لا يشارك معظم قراء هذه الجريدة الرأي مع السيد فورتيوين إلا أنه لا شك في أن من حقه أن يعبر عنه في نطاق حملة انتخابية تجرى بأسلوب ديمقراطي. وليس من الصواب أن نضعه في سلة واحدة مع السيد لوبان وأمثال جورج حيدر بالنمسا. كان فورتيوين يحبذ سياسة هجرة تحدد حصصا دقيقة لدخول البلاد، وكان تأكيده على الاندماج وليس الانفصال. كانت شكواه هي أن المسلمين على وجه التحديد قد يعادون الأفكار الهولندية التقليدية المتحررة فيما يتعلق بالحرية الجنسية وحقوق المرأة. كان شأنه شأن غيره من أفراد اليمين الأوربي المتشدد في ربط العرق والهوية مع مخاوف التغيرات الاجتماعية السريعة وفرص العمل والجريمة والخدمات العامة المنهكة وخاصة قوائم الانتظار بالمستشفيات والتي تشكل بؤرة اهتمام انتخابية. كانت آراؤه في ذلك خاطئة وخطيرة، لكنه لم يكن مجرما مغرورا مثل لوبان ولم يكن مغفلا وهو الأكاديمي والكاتب والماركسي المتطرف الذي انقلب إلى تطرف آخر معاكس وهو الداعية الفخور لحقوق المبتهجين gay rights <"المبتهجين" هو المصطلح الإعلامي اليهودي للشواذ جنسيا والذي تبنته اللغة الإنجليزية لتلك الفئة الكئيبة>. ربما كانت مبادئ فورتيوين تستحق اللوم لكن ذلك الهجوم الجبان عليه كان أشد سوءا.)
وعن نفس الموضوع نشرت الجارديان أيضا مقالا لكاتبها جوناثان فريدلاند Jonathan Freedland في 8/5/2002 تحت عنوان "راقب وارتعد" يقول فيه:
(حل الخلاف محل الوئام والشك مكان الثقة وسرى في البلاد القلق بعد أن كان الهدوء والصفاء أمرا طبيعيا. كان ذكر هولاندا في الماضي يقترن دوما بالاستقرار الرتيب لكن السياسة بها اليوم قد أضحت ساخنة وعاصفة، وكأنما لم تكفها الاستقالة الجماعية للحكومة منذ شهر مضى. تترقب هولاندا الآن عواقب أول حادث اغتيال سياسي يقع بها منذ القرن السابع عشر. وكما يحدث في حال الكثير من الاغتيالات المتعلقة بالمبادئ فإن الصدمات اللاحقة تسري خارج هولاندا لتمس كل أوربا وموقعها من العالم الواسع.
يستطيع الهولنديون مواساة أنفسهم بأنهم قد نجحوا في أول امتحان لهم، ذلك الامتحان الذي وضعهم فيه مقتل بيم فورتيوين يوم الاثنين الماضي. كان فورتيوين شخصية متألقة وكان مرشحا معاديا للهجرة. اتحد زعماء هولاندا وقرروا عدم تأجيل انتخابات الأسبوع القادم لكي يوضحوا أن الديمقراطية لا يمكن زحزحتها، فالتأجيل كان يعني نصرا فوريا للقاتل يبرهن على أن العنف السياسي يؤتي ثمارا.)
يمضي المقال إلى التكهن بأن مقتل فورتيوين قد يعطي حزبه شعبية لا يستحقها كنوع من التعاطف مع رئيسه المقتول، وخاصة من جانب الأصوات التي لم تتحدد رغبتها بعد. على كل حال إن وجود أية قوى بجانب الحزبين الرئيسيين اللذين يسيطر عليهما اليهود يعد انتصارا للديمقراطية الحقيقية. أسوأ ما كان في فورتيوين هو أنه كان من أنصار حقوق الشواذ وأن عداءه لليهود لم يكن واضحا وقال عن الإسلام أنه "دين متخلف".
كان جان ماري لوبان في فرنسا معادلا لفورتيوين في هولاندا لكن اليهود لم يقتلوه وإنما أثبتوا مدى قوة سيطرتهم بالتوحد خلف جاك شيراك، لكن الأمر في فرنسا سوف يكون مختلفا وسيسقط هذا الحلف اليهودي بعد أيام حين تجرى الانتخابات الحقيقية على مقاعد البرلمان وليس على رئاسة الجمهورية الفرنسية حيث لا يستطيع الحزبان عندئذ التوحد ضد لوبان، بعدها سوف يجد جاك شيراك صعوبة شديدة في تطويع البرلمان وقد تنتهي رئاسته قبل الأوان بعد أن يسيطر حزب الأقلية على تمرير القرارات في البرلمان. يستمر فريدلاند إلى القول:
(كانت صحيفة دي فولكسكرانت De Volkskrant محقة في إعلانها أن "هولاندا فقدت بكارتها" لن يكون بإمكان السياسيين الهولنديين السفر بالباص والقطار والحماية بينهم وبين الناخبين لا تزيد عن المصافحة باليد.
قد يفوز فورتيوين بعد موته بأن يتسبب في حدوث ميل حاد نحو اليمين، فقد تنبأ أحد كبار قادة حزب العمال بأن الأصوات المتعاطفة ستكون من القوة بحيث تتسبب في نجاح أعداد كبيرة من قائمة بيم فورتيوين إذ سيقول الناس أن "هذا رجل كانت لديه الشجاعة لأن يقول الحق فأخرسوه" وأضاف أنه يخشى من أن تلك الأصوات المترددة سوف تعطي جيش فورتيوين ما بين 30% إلى 40% يوم الأربعاء القادم. بل إنهم ربما يصبحون أكبر حزب في هولاندا ومعظمهم من السياسيين المبتدئين. وقد تكون رئاسة الوزارة من نصيب نائب فورتيوين الأسود الذي لا يعرفه الكثيرون ويرأس تحالفا قطع على نفسه عهدا بمعاداة الهجرة. قد يثير ذلك أزمة دستورية فأغلب الظن أن الملكة "بياتريس" سوف تتردد في ترشيح مثل هذا الرجل لرئاسة حكومتها. هذه هي أوربا تسمع جرس الإنذار مرة أخرى يدق بعنف مخيف. أصبح اليمين المتطرف في حالة من القوة والنشاط لم تحدث خلال الخمسين سنة الماضية. فقد استرعى الانتباه أيضا فوز جان ماري لوبان في فرنسا بستة ملايين صوت إلى جانب جورج حيدر في النمسا والموقف القوي لليمين المتطرف في بلجيكا والدنمارك. لا يمكن تجاهل كل ذلك الآن.)
يستمر الكاتب إلى القول في موضع آخر:
(إن نجاح فورتيوين مثل نجاح لوبان هو آخر حلقات سلسلة تمرد الناخبين على سياسة النخبة المستريحة التي يشعر المواطنون بأنهم معزولون عنها. كان أول الظواهر هو إعراض الدنماركيين عن التصويت في استفتاء بشأن العملة الموحدة، ثم جاء تصويت الأيرلنديين ضد اتفاقية توسع الاتحاد الأوربي. وكل من لوبان وفورتيوين وحيدر يحمل نفس الرسالة وهي أن الناخبين يركلون نظاما اقتنعوا بأنه لا ينصت إليهم.)
يعيب الكثيرون منا على اليمين الأوربي المتطرف عداءه المعلن للعرب والإسلام لكنني أعتقد أننا نحن العرب يجب أن ننظر إلى هذا الأمر بطريقة أخرى. كانت أوربا دائما ضد العرب والمسلمين نظرا لانفراد اليهود بالسيطرة على الحكومات الأوربية. أما اليمين المتطرف فهو ضد العرب والمسلمين واليهود. وبحسبة بسيطة نجد أن اليمين المتطرف أفضل لنا نحن العرب لأنه يسعى إلى دمار النفوذ اليهودي الكريه. حينما يتم تدمير النفوذ اليهودي يمكن لأوربا بعد ذلك أن تكتشف نبل أخلاقيات العرب والمسلمين في غياب التشويه الإعلامي اليهودي القذر. أوربا أكثر وعيا وتجربتها المريرة مع اليهود أعداء البشرية ليست بعيدة عن الأذهان. أما أمريكا فأمامها وقت طويل لكي تفهم ما فعله بها اليهود في سعيهم الإعلامي الدؤوب لتدمير كل القيم والأخلاقيات بالمجتمعات البشرية.
أجمعت الصحف وقنوات التلفاز اليهودية الأمريكية على أن ياسر عرفات هو العقبة الرئيسية على طريق السلام الذي ينشده ويسعى إليه أريل شارون، ذلك الفارس المغوار وحامي حمى الحق والعدل والرغبة في السلام الذي لا يقتل الأبرياء عامدا وإنما يسعى إلى تدمير "عشوش الزنابير" بالمناطق الفلسطينية ويعصره الأسى لموت بعض الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين الذين لم يزد عددهم عن بضعة آلاف وكانوا على أي حال يعيشون حياة أقرب إلى الموت منها إلى الحياة بمخيماتهم المكتظة. على عكس عرفات، ذلك الإرهابي السفاح الذي يرسل "القتلة الإرهابيين" لاصطياد الأبرياء من الشيوخ والأطفال الإسرائيليين. إن الملعون يعطي تعليماته بشفرة سحرية عجيبة أثناء حصاره رغم قطع الاتصال عنه ومراقبة خطواته داخل سجنه والتصنت على كل محادثاته الهاتفية. إنه داهية وسفاح عجوز متمرس.
تركز تلك الوسائل الإعلامية ليل نهار على إصرار بوش على الإبقاء على عرفات في مقابل رفض شارون أن يكون عرفات المجرم شريكا في مباحثات للسلام. ويصنعون من تلك القصة السخيفة ملحمة يكتبونها بسيناريو ضعيف أشبه بمسلسلات التليفزيون المصري المطولة التي تدفع أجورها بالدقيقة وليس بالقيمة الأدبية لمضمونها الهزيل.على هذا المنوال كتب مايكل كلي Michael Kelly بالواشنطون بوست Washington Post معقل الصهيونية مقالا بتاريخ 8/5/2002 تحت عنوان "شريك إسرائيل المزيف" يقول فيه:
(في يوم 6 يونيو 1967 وهو اليوم الثاني من أيام حرب الستة أيام وقف "أبا إبان" وزير خارجية إسرائيل أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فشرح قضية لجوء إسرائيل إلى الضربة الوقائية في الحرب التي فرضتها الدول العربية وسعت إليها.
كما ورد في الوصف الجديد الممتاز للمؤرخ مايكل أورن عن هذا الصراع بعنوان "ستة أيام من الحرب وكيف صنع الشرق الأوسط الحديث" نظر إبان إلى كل سفير أمامه وقال "انظروا حول هذه الطاولة وتخيلوا أن قوة أجنبية قامت عنوة بإغلاق نيويورك أو مونتريال أو بوسطون أو مرسيليا أو طولون أو كوبنهاجن أو ريو أو طوكيو أو ميناء بومباي، كيف ترد حكوماتكم؟ ماذا تفعلون؟ كم من الوقت تنتظرون؟
تظل هذه الكلمات صيحة إسرائيل التي تعود إلى الطاولة هذا الأسبوع فتتردد من جديد وبإلحاح. هل يجب أو لا يجب على إسرائيل أن ترى في ياسر عرفات "شريكا للسلام"؟ كما تقول تلك العبارة الرشيقة الأثرية.
مازالت الولايات المتحدة تؤمن بذلك، رسميا على الأقل. وهكذا فإنه قبل وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون إلى واشنطون قام عدد من الرسميين الكبار بإدارة بوش بإصدار التصريحات في الجرائد وبرامج نقاش الأحد للشئون العامة لكي يضغطوا على شارون حتى يفعل ما صاغه سكرتير الدولة كولن باول في عبارة حساسة بأن شارون يجب أن "يعترف بمن يراه الشعب الفلسطيني رئيسا له" بغض النظر عن "ازدياد خيبة أملنا فيه بمضي الوقت."
نعم نحن قد خاب أملنا فيه قليلا، أليس كذلك؟ لقد أعطينا الرجل عملية سلام ممتازة – ناهيك عن جائزة نوبل للسلام – ومعظم الأرض التي طلبها وميزانية شهرية قدرها 90 مليون دولار، وسمحنا له ببناء جيش على أرض إسرائيلية، وأخيرا – كما كشف دنيس روس المفاوض الأمريكي السابق في حديث فريد بقناة فوكس نيوز – جعلنا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس وزراء إسرائيل يعدانه بكل غزة وبكل الضفة الغربية تقريبا كدولة فلسطينية متصلة ومستقلة مع حق افلسطينيين في العودة إليها، بالإضافة إلى صندوق تعويضات متعدد الملايين من الدولارات فماذا فعل؟ ذهب إلى محاربتنا. نعم لقد خيب أملنا جميعا.)
سأتوقف هنا عن ترجمة بقية هذا المقال السخيف. هذه هي قمة الصفاقة اليهودية والكذب والتدليس. تلك هي طباع اليهود في إعلامهم ومفاوضاتهم وحتى في حروبهم. يحاولون دائما تزييف الحقائق وكتابة التاريخ على هواهم. عرفات لم يحصل في أي مرحلة تفاوض على دولة مستقلة وأقصى ما تمخضت عنه أية مباحثات أو مفاوضات كان وعودا جوفاء بدولة تدريجية منقوصة السيادة تتخللها المستعمرات اليهودية في كل مكان منذرة بإضاعة الوقت لكي تتم لها الاستدامة وضمان البقاء بفعل الأمر الواقع، ولم يكن اليهود أبدا جادين في أي مفاوضات. كانت المفاوضات والمؤتمرات وما زالت حتى اليوم وسيلة سهلة يضحكون بها علينا نحن العرب لإضاعة الوقت وتثبيت الوضع القائم. يخطئ الفلسطينيون خطأ تاريخيا لو توقفوا عن ضرب العمق الإسرائيلي بعملياتهم الاستشهادية الباسلة التي سيكتب عنها تاريخ الحرية والتحرير نصوصا من نور ونار في المعاني السامية للتضحية والفداء بالنفس من أجل الوطن ولن تخدع أحدا تلك الصيغة اليهودية الخبيثة الحقيرة عن "الإرهابي المتفجر suicidal bomber" أو "القاتل المتفجر homicidal bomber" التي تتم محاولة تسويقها عبر الفضائيات الأمريكية اليهودية بل والعربية أحيانا. لقد ابتدع الفلسطينيون الموت سلاحا فرضته ظروفهم العسرة وهو دليل تاريخي دامغ على أنهم شعب يستحق الحياة. إنهم يموتون لكي يحيوا “They die to live"، أي أن الواحد منهم يستشهد في سبيل المجموع. إن شعبا بهذه الروح لا يمكن أبدا لأعداء الإنسان السيطرة عليه مهما طال الزمن.
اليهودي على أرض فلسطين مغتصب معتد حتى لو كان طفلا أو شيخا أو امرأة. اليهود جميعا لديهم أرض الله الواسعة ويمكنهم الهجرة إلى معظم دول العالم، لكنهم يفضلون أرض فلسطين المغتصبة طبقا لأسطورة يهودية متعصبة عن أرض الميعاد الزائف. أما الفلسطيني فإنه صاحب الحق كل الحق في أرض أجداده من شرق الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، ولن يحصل على أرضه ما لم يروها بدمائه ويريق فوق ثراها دماء أعدائه وأعداء البشرية. لا عيش مع اليهود على أرض فلسطين. السلام أسطورة وهمية ولا بد لأحد الطرفين من الرحيل أو الفناء، ولن يرحل الفلسطينيون أبدا.
كتب ريتشارد كوهن Richard Cohen في الواشنطون بوست بتاريخ 9/5/2002 تحت عنوان "شاهد إثبات وجود عرفات في غير موقع الجريمة":
(يتم إدراج الموتي بعد التفجير الانتحاري في فئتين: الضحايا الأبرياء في فئة ثم تأتي الفئة الثانية وهي المتفجر الانتحاري نفسه كنوع من الاستدراك أو التفكير المتأخر. أما التفجير الأخير الذي حدث قريبا من تل أبيب فإنه يتطلب فئة ثالثة هي "مصداقية شارون". لقد تم تمزيقها إربا. وبصراحة أنا لست واثقا من أن "المصداقية" هي الكلمة الصحيحة فمن الجائز أن شارون يصدق ما يقول. لكن أن يصر شارون على أن التفجير قد أثبت "النوايا الحقيقية لذلك الشخص الذي يقود السلطة الفلسطينية" فإنه يكون مصرا على ما يشك في صحته معظم سكان العالم، أي كل من كان لديه جهاز تلفاز.
كان ياسر عرفات حتى وقت قصير محدد الإقامة في رام الله. كان محاطا بالجنود الإسرائيليين. لم يدخل عليه أحد ولم يخرج من عنده أحد دون أن يراه الإسرائيليون. وأظن أن كل محادثاته التليفونية كانت تحت المراقبة، فقد كان هذا هو الحال مع عرفات حتى قبل حصاره في رام الله. لذلك فليس من الممكن أن يكون قد أعطى أمرا ولو بشفرة فائقة التعقيد بينما هو سجين.
ماذا لو كان ذلك قد تم بعد الإفراج عنه؟ ما زال هذا مستبعدا. إلا إذا كانت المخابرات الإسرائيلية التي يتباهون بها قد أصبحت فاشلة. أفترض أنهم قد وضعوه تحت عيونهم طول الوقت وأن هاتفه كان مراقبا وسيارته مدسوس بها آلة تصنت ولو كان بداخله جهاز لضبط ضربات القلب وشاء الإسرائيليون إطفاءه لفعلوا.
هناك بالطبع احتمال ضئيل جدا لأن يكون عرفات قد أعطى أمرا بالتفجير أو غض الطرف عنه. لكن شارون لم يرفع مثل تلك الدعوى ولم يقدم أي دليل يهدئ من تشككنا. لا أقول ذلك لأني أعتقد أن عرفات ليس إرهابيا ولم يقم في الماضي بتدبير التفجيرات الانتحارية أو السكوت عنها وإنما لأن شارون هذه المرة يبدو كما لو كان يحيط بالمشتبهين المعتادين.
التفجيرات الانتحارية شيء كريه وهي المذابح الحقيقية في المعركة الإسرائيلية الفلسطينية وليست تلك المذبحة المفتعلة في جنين. القتل المتعمد للأبرياء واضح هنا ولا يلزمه تحقيق من الأمم المتحدة. هذا هو ما يجب على العالم أن يدينه. الانتحاريون المتفجرون هم ما يجب على العالم أن يخشاه وليست التجاوزات العسكرية الإسرائيلية المحدودة من وقت لآخر.)
يستمر الكاتب في لعن عرفات لكنه يشرح كيف أنه ليس مستفيدا من التفجير الأخير لأنه يعرف جيدا رد فعل شارون في هذا الموقف وأن بمقدوره أن يخطفه وأن ينفيه مرة أخرى أو أن يدمر القليل الذي تبقى من السلطة الفلسطينية. ويختتم الكاتب مقاله بقوله:
(لقد خسر شارون الحرب الوحيدة التي تهم على المدى البعيد. لقد خسرت إسرائيل في الولايات المتحدة وأوربا جولة علاقات عامة مفاجئة، وقائدها يبدو متعنتا بينما يظهر الفلسطينيون بمظهر الضحايا الأبرياء. يحصل عرفات الفاسد على تأييد هؤلاء السذج الذين لا يثقلهم حمل المعرفة بالتاريخ ويغمرهم أحدث ما يعرضه التلفاز من صور، وأما المجتمع اليهودي بأمريكا الذي يرعبه شبح أعداء السامية فإنه قد فقد القدرة على التمييز بين إسرائيل وقيادتها الحالية، وأصبح يتقبل الفشل كما لو كان نجاحا.
الانفجارات تصيب الجميع بالهوس. تمزيق الأجساد والرعب المذهل لرؤية الأبدان تتلاشى يصيبنا جميعا بشيء من الجنون، لكننا لا نستطيع الإفصاح عما نعرفه. حينما تتعاون إسرائيل مع السلطة الفلسطينية تكاد التفجيرات الانتحارية أن تختفي، وعملية السلام الجدية لا تشجع على الإرهاب. المخرج الوحيد من هذه الفوضى ليس بالمزيد من العنف وإنما يأتي عبر الطاولة.)
ريتشارد كوهن كاتب يهودي لا يعميه تعصبه ليهوديته أحيانا عن رؤية بعض الحقائق الواضحة، وإن كان مثل بقية الكتاب اليهود مقيدا ببروتوكولات كتاب صهيون المعاصرين من حيث العجز التام عن رؤية دوافع "الشهيد المتفجر" الذي تغطي عليه أكذوبة "الإرهابي المتفجر". هو يرى من منظوره اليهودي أن مقتل المئات من الفلسطينيين في جنين وغيرها أمر هين ومجازر بسيطة أو وهمية لم تحدث لأن حدوثها لم يتم إثباته ولا تعادل في أهميتها موت حفنة من الصهاينة في عملية استشهادية. ويقلل الكاتب من شأن الهول الذي عرضته الشاشات على الناس فيتهمهم بأنهم ضحايا دعاية الصور التلفازية المتكررة وأنهم يجهلون التاريخ وكأنما الصور الواقعية لجرائم الجيش الإسرائيلي التي عرضت على الناس أمر يجب إغفاله ونفيه من مجال الرؤية ومن الأذهان. هذا هو التبجح اليهودي بعينه. إنهم يريدون من الناس إنكار ما تراه عيونهم على أرض الواقع وأن يصدقوا الفبركة التاريخية لليهود. يريدون تزييف التاريخ المعاصر بحجب الحقائق عن الناس. لماذا رفض اليهود التحقيق في جنين إن لم يكن هناك ما يخشون اطلاع العالم والتاريخ عليه؟ دعك من أعذارهم الواهية وأن العالم كله ضدهم ويسعى لاتهامهم بما لم يفعلوه.
أما الأهرام المصرية فقد نشرت التالي في 9/5/2002 :
(أكد الرئيس حسني مبارك أن المهم في أي جهود تبذل من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط, هو تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وقال: لقد عقدنا مؤتمرات كثيرة، لكن المهم أن ننفذ، فهناك مؤتمرات واتفاقات كثيرة جدا, لكنها لم تنفذ، وإذا تم تنفيذ قراراتها فلن نحتاج إلي أي مؤتمرات.)
أقر وأعترف أن هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها أن الرئيس محمد حسني مبارك قد تفوه بقول معقول يقترب بعض الشيء مما يراه عقلاء العرب، وإن كان لدي بعض التحفظ على أن الرئيس المصري ربما لا يكون مستوعبا تماما لما توحي به تلك العبارة الهامة، وربما أراد كاتب تصريحاته تمريرها عامدا متعمدا مستغلا قلة الدراية السياسية لصاحب الخطاب. فالعبارة تعني في لغة السياسة توبيخا لسكرتير الدولة الأمريكي كولن باول الذي اقترح مؤتمرا جديدا للسلام كحلقة جديدة في سلسلة عديد مؤتمرات السلام التي لا تنتهي. توحي هذه العبارة زورا بذكاء شديد للرئيس المصري يدلنا على أن عصر المعجزات لم ينته بعد.
(19)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
تاريخ المقال: 17/5/2002
كتب ستيفن كاسلStephen Castle من بروكسل في 14/5/2002 بجريدة الإندبندنت Independent تحت عنوان "6 دول أوربية توافق على أخذ المسلحين". الكلام هنا عن المجاهدين الفلسطينيين الذين تم ترحيلهم من كنيسة المهد إلى قبرص بسبب الدلال الإسرائيلي والميوعة الدولية في مواجهة انتهاكات تلك الدولة الجرثومة لكل الأعراف والقوانين الدولية، وما تبع ذلك من وضع هؤلاء المجاهدين في موقف قانوني شاذ، فلا هم بالمسجونين ولا هم بالمعتقلين تحت التحقيق طبقا لاتفاقيات البوليس الدولي "الإنتربول" ولا هم بالسياح، وإن كانت إقامتهم المؤقتة في فندق 5 نجوم تدل على أن الفئة الأخيرة أنسب لهم. يقول المراسل:
(وافقت ست دول أوربية يوم أمس على أن تكون ملاذا للفلسطينيين الذين تم إخراجهم من كنيسة المهد في بيت لحم، لكنها أجلت اتخاذ قرار بشأن وضعهم القانوني.
قالت كل من اليونان وأيرلندا وأسبانيا وإيطاليا والبرتغال وبلجيكا أنها على استعداد لقبول 13 رجل يقيمون حاليا بقبرص بعد الإسراع في إخراجهم من بيت لحم التي حوصروا فيها لخمسة أسابيع. صرح رسميون من الاتحاد الأوربي بأنه من الواضح أن هناك عدد كاف من الدول لأخذ هؤلاء الرجال وإن كانت بلجيكا قد أشارت مؤخرا إلى احتمال وجود صعوبات قانونية.
لكن وزراء خارجية الاتحاد الأوربي قد أقروا في محادثاتهم يوم أمس بأن الأمور غير محددة ولم يتمكنوا من حسم التساؤلات القانونية الهامة عن كيفية معاملة هؤلاء الرجال الذين تدمغهم جهات الأمن الإسرائيلية بأنهم إرهابيون. كما أنهم لم يحددوا بعض الأمور العملية مثل عدد الرجال الذين يأخذهم كل بلد مضيف.
تم التوصل إلى اتفاق الاتحاد الأوربي بعد الحصول على تأكيدات من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأنه قد أعطى أوامره لهؤلاء الرجال بأن " يحترموا ويطيعوا كل قوانين وتعليمات الدولة المضيفة."
قال جاك سترو وزير الخارجية أن "الاتحاد الأوربي تمكن من الوصول إلى حل بشأن الموقف في بيت لحم مما كان له أهمية كبيرة لدفع عملية السلام. لقد وافق الاتحاد الأوربي على أخذهم." من المتوقع إعطاء هؤلاء الرجال حماية مؤقتة وليس لجوءا كاملا. لم تتقدم بريطانيا بعرض لقبول الفلسطينيين، وإن كان بعض الرسميين قد صرح بأنها قد تبحث ذلك إذا تطلب الأمر.)
الصحافة الصهيونية الأمريكية تكشف لنا المستور من سلوكيات بعض الحكام العرب فبينما تقول لنا الأهرام وغيرها من وسائل الطبل والزمر الحكومية أن مصر تقوم بجهود خارقة من أجل السلام نجد الصحافة الصهيونية تكشف لنا عن تعهدات من ياسر عرفات وحسني مبارك بالانقضاض على المقاومة الفلسطينية التي يدمغونها بالإرهاب تمشيا مع أفكار أسيادهم من الصهاينة الأمريكان. أما الثمن في المقابل فهو واضح. عرفات يود البقاء على أنفاس الفلسطينيين بعد أن انكشفت أوراقه واتضح أن سجنه الوهمي في رام الله كان بهدف محاولة تصفية المقاومة مع إعطاء الانطباع بأن ذلك قد تم دون موافقته وهو مغلوب على أمره في سجنه. أما مبارك فهو يود التعجيل بكتم أنفاس المقاومة الفلسطينية لأنها تكشف موقفه الذليل الذي يخدم الصهيونية ويسعى إلى تثبيت قدم العدو الصهيوني على أرض فلسطين بالعمل على تصفية المقاومة الفلسطينية. يؤدي استمرار مقاومة الاحتلال اليهودي إلى إعطاء المقاومة المصرية دفعة قوية للغضب والتظاهر اليوم ضد النظام الفاسد في مصر، والنظام المصري الفاشي يرى أن ذلك قد يتطور إلى الثورة عليه في الغد. مبارك يعلم جيدا أن جميع أجهزة الدولة بمصر "مخترقة" من القوى الوطنية التي تريد الخير لمصر وشعبها، وأن تلك القوى لا تحتاج إلا إلى الشرارة لكي تنفجر فتفتك بلصوص المال العام وبأبنائهم الذين أثروا على حساب الشعب واعتقدوا أن ملكهم أبدي ناسين أو متناسين دروس التاريخ وما تفعله الشعوب باللصوص والأفاكين والطغاة. فلنتفحص على مهل ما ورد بقلم اليهودي وليام سافير William Safire بجريدة النيويورك تايمز الصهيونية بتاريخ 13/5/2002 تحت عنوان "الخداع العربي" ولنقرأ ما هو واضح وما هو بين السطور:
( قامت إسرائيل بعمل الآتي بعد إقناع أمريكي دبلوماسي:
(1) سحبت قواتها من الضفة الغربية والتي كانت قد أرسلت لاصطياد الإرهابيين الذين تقوم السلطة الفلسطينية ليس فقط بالسكوت عنهم وإنما بإثارتهم ودعمهم.
(2) أفرجت عن ياسر عرفات الذي كان رد فعله الأول هو قوله أن الإسرائيليين "نازيين".
(3) أفرجت عن الإرهابيين المسلحين الذين اخترقوا أبواب كنيسة مسيحية في بيت لحم لكي يهربوا من الإمساك بهم.
(4) أمسكت عن الثأر من الهجوم الانتحاري الدموي الذي تم توقيته بهدف إرباك اجتماع بوش وشارون في واشنطون.
إذا ما تراءى للإرهابيين أن هذا النموذج من ضبط النفس يعد دليل ضعف يدعوهم إلى إنهاك الإرادة الإسرائيلية فإن إسرائيل سوف تضطر إلى الرد بقوة. إسرائيل تستعد لضرب المركز الرئيسي لحماس ومصانع القنابل الانتحارية في غزة بينما تنتظر لترى ما إذا كان بإمكان الرئيس بوش أن يجعل السعوديين والمصريين يقومون بواجبهم في "صفقة الضغط".هذا يضع مسئولية إنهاء الحرب على أكتاف أصحاب الجلالة. لقد تعهد الحكام العرب في الرياض وعمان والقاهرة ببذل الضغوط على الفلسطينيين لكي يهزموا حماس ومراكز الإرهاب المتصلة بها، والآن يواجه هؤلاء الحكام لحظة اختبار صدقهم.عمليات الاعتقال المزيفة التي يقوم بها عرفات وسجونه ذات الأبواب الدوارة والشجب الورع لم تعد تخدع أحدا. لن ينهي القتل ويفرض النظام سوى الانقضاض من الداخل. إذا لم يتمكن العرب من التصدي للإدارة الفلسطينية وإجبارها على عمل ذلك فإن الحديث عن السلام والدولة <الفلسطينية> يكون مضيعة للأرواح.)
لاحظ هنا أن الكاتب لا يخفي سرا أن مثلث التخاذل العربي الذي ذكره قد وعد بالضغط على الفلسطينيين بهدف تعطيل الكفاح المسلح الفلسطيني، أي أنهم يقولون "نحن هنا قاعدون ولكن لا تذهب أنت ولا ربك للقتال، واتركها لقمة سائغة لليهود، لأن كبيرنا هذا في الولايات المتحدة يريد ذلك وقد وعدنا بالحل السلمي منذ عشرين عام أو يزيد." من حقي كمواطن عربي أن أوجه اللوم لهذا المثلث المتخاذل لكنني كمصري سوف أكتفي بتوجيه الخطاب إلى السيد محمد حسني مبارك: إذا كنت قد فشلت على كافة الأصعدة فلماذا تتمسك بالرئاسة الأبدية لشعب لا يريدك حاكما له؟ إذا كنت خائفا من البقاء بمصر بعد ترك الحكم فلماذا لا تحمل حقائبك وترحل إلى أمريكا كما فعلت جيهان السادات؟ تستطيع العيش أنت وأبناؤك في بحبوحة أبدية، فالإحصائيات الأجنبية عن الأغنياء تكشف أنك شخصيا قد "هبرت" ما يجعلك واحدا من أغنى أغنياء العالم، بينما الشعب المسكين يعاني الفقر والمرض. إن ثروتك وثروة أبو غزالة وآخرين من سماسرة السلاح ربما تكفي لسداد ديون مصر والتكفير عن الجرائم السياسية التي ارتكبت في حق هذا الشعب المسكين ففرضت عليه التخلف بدل التقدم واللحاق بركب الحضارة والازدهار الاقتصادي. إذا كنت تخشى علينا وتعتقد أنك الأوحد الذي سيسير بنا بحكمته إلى بر الأمان فنحن نقول لك: "الله الغني .. متشكرين .. مع السلامة يا سيدي .. اتكل على الله انت." يستمر كاتب النيورك تايمز اليهودي قائلا:
(أبدى رئيس الوزراء أريل شارون - في مقابلة مع ثلاثة من كبار الصحفيين الأمريكيين قبل أن يسرع بالعودة في الأسبوع الماضي – ثقة غريبة في أن ما أسماه بالدول العربية المعتدلة سوف تنفذ تعهدها للرئيس بوش بدفع عرفات إلى قبول مشاركة السلطة. قال لنا شارون:
- "إن الإصلاح الشامل للسلطة الفلسطينية شرط أساسي لكي يتم الوصول إلى اتفاق للسلام. نحن على علم بأن هناك من يطالب بالتغيير من بين أفراد تلك السلطة. إنهم سوف يتعاونون مع قادة الدول العربية المعتدلة لكي يتم تحويل وضع عرفات إلى قائد رمزي تضمحل سلطته تدريجيا".
- لماذا يوافق عرفات على ذلك؟
- "لن يوافق إلا إذا ضغطت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا والدول العربية. نحن على اتصال بالأردنيين والمصريين من حيث المبدأ وليس التفاصيل"
- والسعوديين؟
- "المشكلة مع السعوديين هي أنهم يأتون بتصور عن سلام بين العالم العربي وإسرائيل، لكن الوثائق التي أمسكنا بها توضح كيف أن وزير داخليتهم يعضد إرهاب حماس حتى بعد 11 سبتمبر. يجب عليهم التوقف عن ذلك."
- كيف يمكن إقناع عرفات أن الإصلاح الفلسطيني حقيقي؟
- "يجب الضغط عليه لكي يتبين له أن الأمر متعلق بالنظام الاقتصادي وليس بأجهزة الأمن فقط. لا يجوز أن تكون كل الوسائل المالية في يد رجل واحد. يجب إنشاء أجهزة لتطبيق القانون والنظام القضائي مع رئيس للوزراء ذو تبعية ظاهرية لعرفات ويكون نقطة الاتصال الوحيدة مع المعونات الأجنبية وموظفي الأمن."
ولما سأله جيم هوجلاند من الواشنطون بوست عن إمكان حدوث مفاوضات مع الفلسطينيين أولا عن طريق اجتماع للمنطقة أجاب بقوله:"يجب تطبيق الإصلاح فورا. يجب أن يقال لعرفات: لن نسمح لك بأي وسائل مالية إلا إذا وافقت على هذه الإصلاحات. لقد حان الوقت الآن لكي تتم مواجهة تحالف الحرب إيران والعراق وسوريا بتحالف السلام إسرائيل ومصر والأردن والسعودية - بعد أن تتخلى عن تموين الإرهاب - وواحدة أو اثنتان من الإمارات وربما المغرب والفلسطينيين الراغبين في السلام. لقد اتفقنا بوش وأنا على أن إصلاح السلطة الفلسطينية هو أهم الأمور."
يريد شارون من العرب أن يوفروا له قيادة فلسطينية يستطيع التعامل معها. أما في إسرائيل فإن أقران شارون في حزب الليكود قد صوتوا ضد القبول بدولة فلسطينية. وأشاروا إلى أن "الدولة منزوعة السلاح" هي ضرب من الخيال كما تبين في ألمانيا بعد معاهدة فرساي، وأن دولة فلسطين تلك تكون خطيرة حينما تكون قادرة على إبرام معاهدات مع إيران والعراق وعلى استيراد السلاح على مركب الإرهاب "كارين" وعلى منع الطائرات الإسرائيلية من تفتيش مجالها الجوي.ذلك يضع شارون في موقع الوسط وسوف يتمسك بخطته: وقف الإرهاب والاتفاقيات المرحلية والحلول الوسط فيما يتعلق بالتنازل عن الأرض والبناء التدريجي للثقة. إن الجنرال السابق على ثقة من أنه يستطيع التعامل مع شماله اللين ويمينه المتشدد وهو الآن يترك الأمر للعرب لكي يوفروا له شريكا حقيقيا للسلام.)
مثل هذه المقولات من الكتاب والمراسلين اليهود تحاول فرض ثوابت لا أساس لها تصبح من فرط تكرارها أمرا واقعا عند التطرق إلى المشكلة. فيهود الإعلام ومن ورائهم قادة الغرب ثم بعض القادة العرب يتحدثون مثلا عن "حق إسرائيل في الوجود" كما لو كان أمرا إلهيا غير قابل للنقاش، بحيث يصعب على أي مفاوض عربي القول بأن مولد إسرائيل في 1948 كان سفاحا وأن المجتمع الدولي قد ارتكب حينئذ خطأ كبيرا بوضع بذرة هذا السرطان الخبيث في وسط مجتمع عربي، فليس من قبيل الصدفة أن إسرائيل محاطة من جميع جوانبها بشعب عربي، فسبب ذلك هو أن إسرائيل قد أقيمت فوق أرض عربية ليس لها أي حق في الوجود عليها. إسرائيل جسم غريب محكوم عليه بالفناء مهما طال الزمن.
يحاول الإعلام اليهودي الآن فرض ثوابت جديدة هي أن السلطة الفلسطينية فاسدة وغير قابلة للإصلاح ويجب استبدالها بتشكيل من الفلسطينيين الصالحين أي المتعاونين أو العاملين مع الموساد الإسرائيلي. والإعلام الأمريكي الصهيوني لا يقبل عرفات ويرحب بسفاح ومجرم حرب مثل شارون. هل هناك من المفاوضين أو المتحدثين العرب من يستطيع الخوض في ذلك؟
أما فيل ريفز Phil Reeves من الإندبندنت أيضا فقد كتب في 14/5/2002 بعنوان " الليكود يقدم هدية لأعدائه العرب بالتصويت ضد إقامة الدولة <الفلسطينية>". يقول الكاتب:
(ليس لحزب الليكود اليميني الإسرائيلي من عدو ألد من ياسر عرفات، ومع ذلك فقد أسدى الحزب إليه معروفا. كان الرسميون الفلسطينيون يقولون دوما أن حكومة أريل شارون ليس لديها أي نية للسماح للفلسطينيين بإقامة دولة - مهما كانت أقوال المتحدثين الإسرائيليين - وإلا فلماذا كانت كل هذه الجهود من جانب الجيش الإسرائيلي لتدمير المؤسسات الوليدة لبنية الدولة خلال غزوهم للمدن الفلسطينية؟
لقد أضاف حزب الليكود الذي أنشأه السيد شارون وزنا لحجتهم، بالموافقة على قرار بعدم السماح بدولة فلسطينية غرب نهر الأردن . كان رد فعل الفلسطينيين على القرار هو الغضب العام. كان القرار قد تم اتخاذه في الساعات الأولى من يوم أمس بالتوقيت المحلي بواسطة اللجنة المركزية لحزب الليكود، تحديا للسيد شارون الذي فشل في تأجيل التصويت فسار قبل فرز الأصوات خارجا من قاعة تل أبيب وسط صيحات الاستنكار.
قال السيد عرفات أن هذا التصويت كان إعلانا عن "تدمير اتفاق أوسلو" وكأن هذا الاتفاق لم يتم بعد تمزيقه إربا. لكن الفلسطينيين يعلمون أيضا أن ذلك قد ساعد على إثبات وجهة نظرهم. إن تصويت الليكود يتضاد مع موقف السيد شارون المعلن، فهو يقدم نفسه للناس كصانع للسلام لا يهمه سوى أن يوفر لأمته الأمان من الإرهابيين. وقد أشار عدة مرات إلى إمكان قيام دولة فلسطينية، وإن كان نقاده يتشككون في صدق ذلك ويرونه مجرد كلام لإرضاء المجتمع الدولي.
يتعارض هذا القرار أيضا مع سياسة الولايات المتحدة وهي أقرب حلفاء إسرائيل. فقد جعلت إدارة بوش من إقامة دولتين اللحن الرئيسي في أغنياتها التي تسعى إلى تهدئة الأوضاع بالشرق الأوسط.
أعلنت ليمور ليفنات Limor Livnat - وهي وزيرة من الليكود - موقف رئيسها في أعقاب التصويت فقالت أن "القضية هي كيف تنظر إسرائيل إلى العالم. عرفات يقف عمليا خلف الأعمال الإرهابية الوحشية لكنه نظريا يقدم نفسه في صورة من له موقف معتدل، أما نحن الذين سعينا للسلام كأمة دون أن نكل فإننا نقدم موقفا قد يضعنا خارج الصورة في كل المفاوضات." إذا ما كانت استطلاعات الرأي صادقة فإن القرار يسير أيضا ضد رغبة الإسرائيليين، فعند استطلاع الرأي يستمر ما يزيد عن ثلثي الإسرائيليين في القول بأنهم يوافقون على دولة فلسطينية كجزء من صفقة سلام.
إن قرار الليكود لا يمثل السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية وهو لا يلزم السيد شارون بأي موقف معين. لكن موعد الانتخابات القادمة لن يتأخر عن العام القادم، وقد قام غريمه بنيامين ناتنياهو بإعطاء الإنذار بأن المعركة لزحزحته قد بدأت، فقد كان ناتنياهو القوة الدافعة وراء هذا القرار. سوف يتم استخدام أي اقتراح بإقامة الدولة الفلسطينية كسلاح في صراع الجبابرة بين هذين الغريمين.)
يتخصص اليهود في عمليات النصب للحصول على تعويضات مادية، فقد حلبوا ألمانيا وأوربا لعدة عقود على حساب أكذوبة الهولوهوكس ( أي الهولوكوست أو المحرقة النازية) التي ادعوا فيها أن هتلر قتل منهم ستة ملايين يهودي. وحقيقة الأمر - في ضوء ما نراه اليوم من أفعال اليهود - هي أن اليهود يستحقون ستة ملايين هتلر يريحون العالم من شرورهم وإتلافهم للبشرية. لقد نشر اليهودي دانيل بايبسDaniel Pipes في ناشيونال بوست National Post اليهودية الأمريكية مقالا بتاريخ 14/5/2002 بعنوان " قاضوا السعوديين عن الإرهاب إلى أن يؤلمهم ذلك":
(كتبت في شهر فبراير كيف أن التورط البالغ للمملكة العربية السعودية في موت 3000 أمريكي يوم 11 سبتمبر سبب يدعو الضحايا وعائلاتهم إلى مقاضاتها وطلب تعويضات. حدثت منذ ذلك الحين ثلاثة تطورات كل منها يدفع بتلك الفكرة إلى الأمام.
لن تخفض التعويضات الأمريكية، فقد صدر في 22 سبتمبر 2001 قانون بدا وكأنه يشترط أن صرف تعويضات من الاعتماد غير المحدود - الذي خصصته الحكومة الأمريكية لضحايا 9/11 وعائلاتهم - يتطلب التنازل عن حق مقاضاة السعوديين أو غيرهم. فقانون "سلامة النقل الجوي وأجهزته التنظيمية" ينص على أن من يصرف له التعويض يجب أن يتنازل عن "حقه في التقاضي أمام أي محكمة فدرالية أو محكمة ولاية بشأن أضرار وقعت نتيجة لحوادث ارتطام الطائرات المتعلقة بالإرهاب في 11 سبتمبر 2001".
لكن كينيث فربيرج Kenneth Feinberg < يهودي> الرئيس الخاص المسئول عن صندوق توزيع التعويضات غير المحدودة والتي قال أنها سوف تبلغ 4 مليار دولار قد أخطرني بأن تشريعا جديدا قد عكس تفسيري للقانون. ففي 19 نوفمبر صدر القانون العام رقم 107-71 معدلا للجملة السابقة كالآتي: "العبارة السابقة لا تنطبق على التقاضي الخاص باسترداد الحقوق جانبية المصدر أو مقاضاة أي شخص يكون مشتركا عن علم بأي مؤامرة لاختطاف أي طائرة أو اقتراف أي عمل إرهابي."
إن أثر هذا التعديل القانوني يعني تحديدا أكثر للقانون فهو يفرق بين المشارك في 9/11 عن غير علم مثل المطارات وشركات الطيران، والمشارك عن علم مثل الإرهابيين أنفسهم أو من رعاهم أو قام بتمويلهم. القانون يعفي الفريق الأول ويسمح بمقاضاة الفريق الثاني.)
يمضي المقال إلى ذكر السعودية بالاسم وكيف أن القانون الأمريكي يسمح للضحايا بصرف التعويضات من الحكومة الأمريكية ثم مقاضاة السعودية للحصول على المزيد من التعويضات، وهي فكرة يهودية الشكل والمضمون. يمضي المقال إلى القول بأن الجيش الأمريكي قد حصل على مستندات إلكترونية من كمبيوتر بمكتب "هيئة الإغاثة السعودية العليا للبوسنة والهرسك" في سراييفو. ويتكلم المقال أيضا عن ضلوع السعودية في مساعدات عسكرية للقاعدة والطالبان. ويذكر المقال الاستحقاق القانوني لضحايا طائرة اللوكربي الذي يربو على 10 مليار دولار ويسوق ذلك كسابقة قانونية يقاس عليها استحقاق ضحايا 11 سبتمبر من السعودية والذي يقدره الكاتب بما يزيد عن 100 بليون دولار.
وهكذا يود يهود أمريكا حلب السعودية التي أوشك ثديها على الجفاف بعد أن أسلم حكامها الزمام للإمبريالية الأمريكية وقواعدها العسكرية التي تستدير الآن نحو السعودية نفسها وليس نحو أعدائها الوهميين بالمنطقة لكي تطبق القول العامي المصري "حاميها حراميها".
أما الأهرام القاهرية فقد نشرت التالي في 14/5/2002:
(قام الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات صباح أمس ـ في أول جولة له خارج رام الله منذ أكثر من خمسة أشهر ـ بزيارة كنيسة المهد ومسجد عمر الذي يقع في الجهة المقابلة لها بمدينة بيت لحم. وقد وصل الرئيس ياسر عرفات إلي بيت لحم علي متن طائرة هليكوبتر أردنية في مستهل جولة شملت أيضا مدينتي جنين ونابلس.)
يبدو أن محرري الأهرام يمضغون القات ولا يدرون بما يجري من حولهم في عالم الأخبار. عرفات لم تطأ قدمه أرض جنين الطاهرة فقد تهرب من زيارتها خوفا على حياته بعد أن تربص له المسلحون الفلسطينيون فوق أسطح المنازل. قدرة ياسر عرفات على زيارة جنين هذه الأيام ليست أفضل من قدرة محمد حسني مبارك على زيارة الزقازيق أو المنصورة في أي وقت. وكلاهما يحمل الآن توكيلا من الصهيونية العالمية للعمل على تصفية الانتفاضة الفلسطينية بدعوى توفير المناخ لمباحثات السلام، والسلام.
وكتبت طهران تايمز Tehran Times في 16/5/2002عن زيارة جورج بوش المرتقبة إلى ألمانيا خلال الأيام القليلة القادمة:
(عبر نواب البرلمان الفدرالي من أعضاء الأحزاب الحاكمة عن تأييدهم لقيام مظاهرة ضد زيارة جورج دبليو بوش. تضم تلك الأحزاب الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر.
قالت صحيفة فرانكفرتر رندشو Frankfurter Rundschau أن عددا من الفنانين وممثلي اتحاد العمال الألماني ورئيس الاتحاد الألماني للصناعة والمعادن كانوا ضمن الموقعين على بيان صادر عن الحركة الألمانية للسلام التي دعت إلى القيام بالمظاهرة. وقالت الصحيفة على لسان ممثل عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي أن عددا كبيرا من أفراد الشعب الألماني يعارض سياسة الولايات المتحدة التي تشن الحروب على الدول الأخرى بحجة محاربة الإرهاب.
وقد نشرت إحدى الصحف اليومية الألمانية الأخرى يوم الثلاثاء أن زيارة بوش لبرلين قد يصاحبها هجوم على مكاتب ممثلي الشركات الصناعية الأمريكية بمبنى "البيت الأمريكي US House " في برلين وقد يتم إضرام النار في السيارات المصنوعة بأمريكا.
تحدد يوم 22 مايو موعدا لوصول الرئيس الأمريكي وسط احتياطات أمن مشددة، بينما يقوم المعارضون للسياسة الأمريكية بالدعوة عبر الشبكة الدولية "الإنترنيت" إلى المشاركة في التظاهر بحيث أن معارضة زيارة الرئيس الأمريكي تزداد قوة يوما بعد يوم. يتوقع خبراء الأمن أن أعدادا كبيرة من الناس من مختلف المشارب سوف تشارك في التظاهر ضد بوش وأن تلك الأعداد قد تشمل مشاركين من دول أوربية أخرى.)
وكتب روبرت فسك Robert Fisk في الإندبندنت بتاريخ 17/5/2002 مقالا بعنوان "رئيس لا يستطيع الهرب من احتقار شعبه". ورغم أن العنوان ينطبق بصفة عامة على أي ملك أو رئيس بمصر والدول العربية إلا أن المقصود هنا هو ياسر عرفات في ملابسات معينة تخصه. يقول فسك:
(جلس الفلسطيني متوسط العمر بمكتبه المتسخ وكرشه أكبر قليلا مما كان عليه منذ عشرين عام حينما كانت بيروت محاطة بجيش أريل شارون، لكنه كان أشد احتقارا لياسر عرفات عن أي وقت مضى. صاح الرجل "ما هذا الذي يفعله بتركه الإسرائيليين ينفون 13 رجلا؟ هل كانت تلك مجرد صفقة لإخراجه من رام الله؟ ألا يعلم أنه بذلك قد أعطى سابقة؟ سيطلب الإسرائيليون في المرة القادمة نفي 30 ثم 300 بعد ذلك."
السخرية والتهكم من عرفات تسري في كل مكان من العالم العربي، بين الفلسطينيين اللاجئين في لبنان وفي دول الشيوخ بالخليج وفي مصر وسوريا. ذلك الرجل الذي وعد كاذبا بإصلاح السلطة الفلسطينية منذ 18 شهرا يقول الآن أخيرا أنه سوف يفي بوعده، ولكن بعد أن أمره الإسرائيليون والأمريكيون بذلك.)
يمضي المقال إلى شرح تذمر رجال السلطة الفلسطينية من أن عرفات يقرر شئونها المالية بمفرده. ثم يسرد مقتطفات من الجرائد العربية كان أهمها ما جاء بجريدة الخليج الإماراتية:
( اقترحت جريدة الخليج أن الهدف من الإصلاحات التي تطلبها إسرائيل والولايات المتحدة هو تحويل السلطة إلى نسخة من "جيش الجنوب اللبناني" الذي كان عصابة من رجال المليشيا تعمل نيابة عن إسرائيل إلى أن انسحبت من لبنان منذ عامين.
إذا ما كان السيد عرفات قد خذل وامتهن أمام قومه فإن اللوم يقع عليه وحده. كان المقربين وأصدقاؤه العجائز القدامى ينفردون بالأعمال والإعلام بالضفة الغربية. كان رجال عرفات العجائز المتعبين حتى وقت قريب هم الوحيدون الذين يظهرون على شاشات الفضائيات ببرامج مناقشة الأخبار فيتكلمون إنجليزية رديئة كريهة ويهزمهم المتحدثون الإسرائيليون دائما.
قامت "ديانا بولو Diana Boulou" المستشارة القضائية للسلطة بالظهور على شاشة CNN فأثبتت أن الفلسطينيين يمكن أن يمثلهم شباب ذكي يتحدث الإنجليزية بطلاقة. قال لي أحد الفلسطينيين بحسرة في بيروت بالأمس " الآن وقد عاد عرفات فإنها لن يسمح لها بالكلام نيابة عن الفلسطينيين بعد الآن، وسوف يعود العجائز القدامى إلى الشاشة قريبا." لم تهبط أسهم عرفات إلى هذا الدرك منذ وقت بعيد. حدث بعد رحيل عرفات عن لبنان في 1983 أن إسرائيل حذرت من أن "الإرهابيين" الفلسطينيين يخفون القنابل داخل ثمار البطيخ، فما كان من جريدة السفير البيروتية إلا أن نشرت رسما كاريكاتوريا لعرفات جالسا فوق كومة من البطيخ وتحتها الكلمات "ملك البطيخ". حتى النكات لا يطلقونها عليه هذه الأيام.)
لا أعتقد أن روبرت فسك يدرك المغزى المستتر والمعاني المجازية لكلمات عربية مثل البطيخ والقرع والكوسة والباذنجان. لا أعتقد أنه يدرك أن البطيخ يعني التسيب والفوضى وأن القرع والكوسة يقصد بهما المحسوبية أو أن الباذنجان يعني والعياذ بالله الجنون وفقدان العقل. لقد لمس على أي حال وترا حساسا وهو أننا لا بد وأن نستخدم الصالح من الشباب المثقف اللبق لكي نكسب الحرب الإعلامية ضد اليهود. نحن لا نعاني نقصا بأي دولة عربية في هؤلاء المجيدين من شبابنا المثقف الذين تعلموا وقضوا سنينا طوالا بالخارج فأجادوا اللغات الأجنبية كأبنائها، بدلا من "التهتهة" التي يقوم بها عرفات أو مبارك فيعجزون عن مقارعة بنيامين ناتنياهو أو تيم ساباستيان على سبيل المثال. فلنترك التهتهة لشارون وباراك وغيرهما من بعض المتحدثين الإسرائيليين، وإذا ما كان لظهور عرفات أو مبارك أمام الأجانب ضرورة تليفزيونية فإن الصحيح هو أن يتحدثوا العربية برفقة مترجم متمكن من العربية والإنجليزية. لا يعيب الإنسان عدم إجادته لغة أجنبية ولكن العيب كل العيب أن يحاول من لا يجيد تلك اللغة أن يتخاطب بها في المحافل العامة. إن ذلك يقتل قضايانا العادلة.
(20)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
تاريخ المقال: 24/5/2002
كتبت مادلين بنتنج Madeleine Bunting بالجارديان البريطانية في 20/5/2002 مقالا بعنوان "تلك الحملة العقيمة" عن الحرب في أفغانستان تصدرته العبارة البارزة "حقق التدخل الغربي في أفغانستان القليل للأفغان وحقق أقل من القليل لهزيمة الإرهاب". إليك النص الكامل للمقال:
(كان في صوت البريجادير روجر لين Roger Lane بعض الارتياح وهو يدلي بحديثه صباح الجمعة في برنامج "اليوم" قائلا أنهم قد عثروا أخيرا على بعض أفراد القاعدة والطالبان وقتلوهم بالوديان الجبلية البعيدة شرق أفغانستان. لقد اشتبكوا مع عدوهم الذي كان حتى ذلك الحين أشبه في مراوغته بفهد الجليد ، وقد نقلت الطائرات إلى الميدان قرابة ألف جندي بريطاني. بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة بدت "عملية النسر الأمريكي Condor" - كما أسموها – هزلية مثل كل عمليات أفغانستان الأخرى خلال الأشهر الستة الماضية.
يمكنك أن تختار بنفسك واحدا من ثلاثة تفسيرات لتلك العملية. التفسير الأول من أهل البلاد المحليين وهو أن تبادل النيران كان مع بعض أفراد القبائل حول منطقة غنية بالأخشاب وليس مع قوات من الطالبان أو القاعدة. التفسير الثاني جاء من وكالة الأنباء الأفغانية في باكستان وهو أن بعض رجال القبائل كانوا يحتفلون في عرس بإطلاق النيران في الهواء. أما التفسير الثالث فكان النسخة المنقحة الصادرة عن وزارة الدفاع مساء السبت وهي أن النيران كانت من القاعدة والطالبان وأن قوات المارينز لم تشتبك معهم بعد.
مشكلة التفسير الثالث هي كيف تسنى لوزارة الدفاع في لندن التأكد من أنهم من القاعدة والطالبان إذا ما كان الآخرين جميعا قد وجدوا صعوبة في تمييزهم. تعاطفك مع أحد أفراد المارينز يكون في محله حينما يقول "هذا مستحيل .. كلهم متشابهون وكلهم يحملون السلاح." لقد استنتج أنتوني لويد Anthony Loyd مراسل التايمز مؤخرا أنك إذا ما حملت السلاح في المكان الخطأ بأفغانستان ووجهت فوهته بطريق الخطأ نحو واحد من أفراد قوات التحالف الخاصة فإنك لا محالة تموت بسرعة. وإذا ما تم ضربك بالنار فإنك تصبح واحدا من أفراد القاعدة أو الطالبان طبقا لتعريفهم. إذا ما علمنا أن نصف أهل أفغانستان من الذكور يحملون السلاح وأنهم معتادون على الإسراف في استخدامه فإن المجال يصبح واسعا للرماة من الرعاة.
يبدو التفسيران الآخران أيضا غير مقبولين. كلاهما خرج إلى الوجود منذ بضعة أسابيع عندما ردت القوات الأمريكية على إطلاق النار بالقصف بالقنابل وقتل عشرة من الأفغان على الأقل. إما أن الأفغان لديهم ميل مستديم للشجار حول مناطق الأخشاب أو أن الولايات المتحدة لن تكسب الكثير من الأصدقاء إذا ما كان إسهامها في الأفراح والليالي الملاح لأهل القرى هو الضرب بالقنابل. لا خير إذن في إعطاء التعليمات لطياري الشينوك بأن يلوحوا بأيديهم لكل من يصادفونه - نظرا لما للعلاقات الودية من أهمية - إذا ما كنت ستضرب العريس بالقنابل.
إن الاستنتاج الوحيد الذي يقبله العقل هو أننا نعلم أقل القليل عن عملية "النسر الأمريكي"، شأنها شأن ما كان من قبلها من عمليات مثل " ثعبان الأناكوندا Anaconda" و "طائر التارميجان Ptarmigan" و "طائر الشنقب Snipe" ومن قبلها "تورا بورا". إذا ما تتبعت التقارير على مدى الستة أشهر الماضية لوجدت نموذجا هزليا من ادعاء النصر، يتبعه التسرب البطيء لبعض التفاصيل المتضاربة، ثم يأتي الاعتراف بالفشل في النهاية. وعلى ذلك فنحن نعلم الآن أن تورا بورا كانت واحدا من " أكبر أخطاء الحرب"، حيث اعتمدت الولايات المتحدة على المحاربين الأفغان الذين لا يمكن الاعتماد عليهم، فهرب أسامة بن لادن وهرب أيضا العديد من محاربي القاعدة والطالبان.
وقيل لنا أن عملية "الشنقب" قد كالت "ضربة هامة" للقاعدة والطالبان بنسف مخزون من الأسلحة، بعدها خرج علينا أحد القادة الأفغان معلنا في عناد أن هذا كلام فارغ وأن ذلك المخزون يخصه هو من أيام الحرب ضد السوفييت. لقد تعلمنا نوعا جديدا من الحرب، حيث لا يقاس النجاح بعدد أكياس الجثث. ذلك نوع مسل من أنواع الحروب. لم تشأ الولايات المتحدة في البداية موت أي من رجالها، بعدها قررت القاعدة والطالبان بحكمة أن يحذوان حذوها، فكانت النتيجة حربا تخلو من الموت. إن مفهوم "الحرب المسالمة" هذا جديد تماما.
حتى جنود المارينز يعلمون سخف ذلك. هناك خطورة من أن تصبح أفغانستان أكثر الصفحات إحراجا في التاريخ الحديث للاشتباكات العسكرية البريطانية. لقد زحف على التصريحات العسكرية نوع من التأفف والميل إلى الشكوى فالبريجادير لين يشكو من أن القاعدة والطالبان " لا يبدون ميلا إلى التجمع وإعادة تنظيم صفوفهم لشن عمليات هجومية علينا". إنهم لا يريدون التقدم واللعب معنا. وهل تفعل أنت ذلك إذا ما كان المكان حافلا بأحدث الأسلحة في العالم؟ إن الأفضل من ذلك أن تنخفض منبطحا وترعى عنزاتك أو أن تزور قريبا لك عبر الحدود في ميرام شاه Miram Shah إلى وزيرستان Waziristan في باكستان لكي تعاود مراجعتك للتدرب على تلاوة القرآن.
إن أي قائم بتخطيط استراتيجية القاعدة والطالبان يستطيع الاعتماد على أن صبرهم والتزامهم يفوق بجلاء صبر والتزام الجنود الغربيين الذين تتثاقل خطواتهم بين صعود وهبوط على جبال شرق أفغانستان. فالقاعدة - شأنها شأن أي تنظيم إرهابي - لا يلزمها قاعدة في أفغانستان لكي تشن هجماتها، بينما يستطيع الطالبان القبوع في هدوء وإعادة التجمع وضم أعضاء جدد إلى صفوفهم قبل العودة إلى ساحة السياسة الأفغانية. إنها نهاية مخزية لنشوة الشعور بالانتصار التي سادت عند سقوط كابول منذ أكثر من ستة أشهر. فنحن الآن نناقش عدوى معوية ومراحيض حربية وما إذا كان جنودنا يستخدمون أدوات المائدة التي تستعمل مرة واحدة. وبعد ذلك كنا نحتفل بظهور الموسيقى في الشوارع وعودة النساء إلى تقديم الأخبار على التلفاز.
لقد وفرت أفغانستان الحل الأمثل لمشكلة 11 سبتمبر. فهي تكفير هائل لغضب الولايات المتحدة وتكفير ضمني مستتر عن الذنب. أعطى إسقاط كل تلك القنابل شعورا مزدوجا بالارتياح، فقد كان أخذا بالثأر لجريمة نكراء وكان أيضا خلاصا من نظام شرير. كان الاندفاع العاطفي هو كل شيء. لكن ذلك المفعول قد تلاشى وفقد الناس اهتمامهم. كل ما سيبقى بالذاكرة التي تختار هو أن بعض النسوة في كابول قد خلعن البراقع في نوفمبر وليس أن عددا أكبر من النسوة قد اغتصبن في شمال أفغانستان منذ ذلك الحين في موجة من الثأر العرقي ضد البشتون. ولن يهتم أحد بأن الفوضى قد عمت منذ سقوط الطالبان وعاد إلى الطرق قطاعها ومن يفرضون الإتاوات غير القانونية ثمنا للمرور بها. ولن يهتم أحد بأن الأشهر القليلة الماضية قد شهدت صراعان كبيران على الأقل بين لوردات الحرب في مزار الشريف وقرديز حيث تسود هدنة مترددة في انتظار نتيجة اجتماع المجلس الأعلى لرؤساء القبائل "لويا جرجا loya jirga" الذي سينعقد في الشهر المقبل. ومن الغريب أن فشل وقف زراعة الخشخاش لم يحظ بالكثير من الاهتمام. لقد كاد الطالبان أن يقضوا على تلك الزراعة التي كانت توفر حوالي 75% من الإنتاج العالمي للأفيون. لكن الزراع الأفغان الماكرين عادوا إلى زراعته فور علمهم بفرار الملا عمر، مفترضين أن أي حكومة جديدة لن تكون لديها القدرة أو الإرادة لوقفهم. أثبتت الأيام صحة موقفهم، فقد تراجعت حكومة كرزاي رغم المنح الضخمة من الاتحاد الأوربي لأنها تعلم أنها أضعف من أن تخوض تلك الجولة غير المرغوبة. لن يكون بالإمكان تجاهل تراكم كل تلك التفاصيل المحرجة عندما يحين الوقت لإحياء ذكرى مرور عام على سقوط كابول وسوف نخجل عندما تتم تذكرتنا بشعورنا الساذج بنشوة النصر. لقد كانت تلك الحرب تدخلا فجا أخرقا لم يحقق الكثير للأفغان التعساء وحقق أقل من القليل في الصراع ضد الإرهاب.
لقد صدرت مذكرة من داوننج ستريت في شهر ديسمبر توبخ هؤلاء المراهنين الذين أخطأوا الحساب. تقول تلك المذكرة أن الحرب قد جعلت من العالم "مكانا أكثر أمنا لك ولعائلتك". حاول أن تقول ذلك لأرملة بيرل <دانيال بيرل Daniel Pearl هو الصحفي الأمريكي الذي تم اختطافه وذبحه في باكستان> أو لعائلات المهندسين الفرنسيين الذين نسفوهم في كراتشي في الأسبوع الماضي. حاول أن تقول ذلك للأمريكيين الذين تم تحذيرهم من خطر هجوم إرهابي على منشأة نووية في 4 يولية <عيد الاستقلال الأمريكي>.)
تمتاز مادلين بنتنج بأسلوب رشيق ورؤية واضحة ونقد لاذع وهي أمور لا يتوفر نموها الصحي بأسلوب الكتاب والمعلقين إلا في جو من الديمقراطية والحرية واحترام الآدمية. الكاتب في الدول التي تحترم فيها آدمية الإنسان ليس مجبرا على التزلف للسلطة لأنها لا تملك له شيئا. إذا ما قارنت أسلوب كثير من كتاب الغرب والطريقة التي يتم بها استجواب كبار المسئولين على شاشات التلفاز بالغثاء الذي تقرأه بصحفنا وتراه على شاشاتنا العربية لشعرت بالكثير من الحسرة. حينما يحمر وجه توني بلير مثلا خجلا من صعوبة سؤال مباشر يوجهه إليه صحفي بريطاني فإن المقارنة تتوقف تماما، فليس لدينا مثلا من يجسر على المخاطرة بتوجيه سؤال محرج للسيد محمد حسني مبارك رغم وفرة المادة لمثل هذا النوع من الأسئلة التي يمكن توجيهها إليه. صحيح أن وجهه لن يحمر خجلا - نظرا لنقص الإمكانيات اللازمة لتوفير مثل ذلك التفاعل - إلا أن الحرية الإعلامية كان من الممكن أن تؤدي إلى معرفتنا للكثير من الأمور التي تؤثر على حياتنا ويتم التعتيم عليها. كم من المصريين مثلا يعلم الحقيقة عن وضع القواعد الأمريكية على التراب الوطني المصري أو حقيقة شروط التصرف في المعونات الأمريكية التي تعيد تلك المعونات الوهمية إلى البنوك الأمريكية؟ من هنا كان الفشل الذريع للإعلام العربي الذي يدفع بنا إلى استقاء الأخبار الصحيحة عنا من إعلام أعدائنا.
نشرت الإندبندنت البريطانية Independent عن مراسلها في القدس المحتلة بتاريخ 22/5/2002 مقالا بعنوان "شارون في مهب الريح السياسية بسبب فصل الوزراء" هذا نصه:
(لم يبد أريل شارون – رجل إسرائيل العنيد – أية بوادر واضحة بالأمس عن نية للتراجع عن قراره بطرد أربعة وزراء من حكومته. إذا ما تم تأكيد هذا القرار بفصل وزراء حزب شاز الأربعة فإن تحالف رئيس الوزراء ينكمش، لكن مساعديه يبدون على ثقة من أن الحكومة سوف تستمر بقاعدة أقل قوة. ربما نرى اليوم تداولا مكثفا لخيول السلطة يقوم فيه السيد شارون برأب الصدع مع حزب شاز شديد التعصب أو ربما يقوم بمحاولة تجنيد عدد من الأحزاب الأخرى الصغيرة لمساندة حكومته.
قال رئيس الوزراء الغاضب أنه ليس لديه النية لتغيير رأيه، وقد أرسل للوزراء الأربعة خطابات بالفصل اعتبارا من الغد بعد أن خسرت الحكومة يوم الإثنين - على غير توقع - أول قراءة بالكنيست لخطة الإصلاح الاقتصادي بفارق ثلاثة أصوات. انتقصت الخطة المقترحة من بنود الميزانية لتأخذ في الحسبان الأثر الاقتصادي الهائل للصراع الذي مضى عليه 19 شهرا بما في ذلك تكلفة الحملة العسكرية بالمناطق المحتلة.
كان حزب شاز قد صوت ضد الحكومة، وهو يضم وزير الداخلية إلي ييشاي Eli Yishai بعد أن أزعجهم احتمال خفض المعونة العائلية للموظفين الذين يشكلون غالبية أعضاء الحزب. شمل ذلك التذمر أيضا حزبا دينيا أصغر هو حزب "يهود التوراة المتحدين" مما قد يخفض من عدد الأصوات المعضدة للحكومة من 82 إلى 60 من بين أعضاء الكنيسيت البالغ عددهم 120 مقعدا.
يعرض ذلك السيد شارون من الناحية النظرية إلى خطر الخسارة في حالة التصويت على فقدان الثقة، مما يزيد من خطورة احتمال إجراء انتخابات مبكرة إذا لم يتمكن من دعم تحالفه. من المحتمل أن يتجه إلى حزب شينوي Shinui وهو حزب علماني من أحزاب الوسط وإلى كتلة أقصى اليمين المشكلة من حزبي الاتحاد القومي National Union وإسرائيل بيتينيو
Yisrael Beitenu
أثارت تلك الأزمة تكهنات عن احتمالات الانتخابات المبكرة وصيحات عن أزمة تذكرنا بأحداث عام 2000 عندما انشق حزب شاز عن حكومة إيهود باراك وهو سلف السيد شارون. لا شك أن هزيمة اقتراحات تعديل الميزانية يعد انتكاسة لكن تلك الاقتراحات سوف يتم التصويت عليها للمرة الثانية مساء اليوم. إن مجرد الحديث عن أزمة سياسية يثير البلبلة وقد يكون نبوءة تحقق نفسها على الساحة السياسية الإسرائيلية المتقلبة. ولكن ليس هناك بوادر تذكر لوجود الرغبة في انتخابات جديدة، فالمنافس الرئيسي للسيد شارون - وهو حزب العمل - شريك في الحكومة وتنقصه الزعامة الشعبية فما زال في حالة اضطراب بعد الهزيمة الساحقة التي مني بها السيد باراك في العام الماضي.
إنهم يعلمون جيدا أن السيد شارون يتمتع بارتفاع مذهل لمستوى شعبيته بين الإسرائيليين الذين يؤمنون بأن ضرب الفلسطينيين قد أثبت فاعليته. أما بنيامين ناتنياهو "بيبي" - منافسه الرئيسي اليميني بالداخل - فقد أساء لشعبيته على غير توقع بتزعمه لتمرد ضد السيد شارون في اللجنة المركزية لتحالف الليكود تسبب في التصويت ضد قيام الدولة الفلسطينية، وهو أمر يخالف وجهة نظر غالبية الإسرائيليين، كما أن حزب شاز مكروه من الغالبية العلمانية بإسرائيل نظرا لما عرف عنه دائما من أنه يبذل محاولات بغيضة للضغط على الحكومات لكي يحصل على المال لدعم شبكاته التعليمية والاجتماعية الخيرية.
الاعفاء من الخدمة العسكرية لليهود الأرثوذكس المتشددين يضر أيضا بشعبية حزب شاز لذلك فإنه أيضا لا يبدي رغبة في الانتخابات. ليس من قبيل المفاجأة أن تكون الضوضاء التي تصدر عن معسكره تميل إلى الوفاق.)
نحن لا يهمنا كثيرا أمر السياسة الداخلية للكيان الصهيوني، فالأمر ببساطة يتلخص في أن يهودي ملعون يخرج من الحكم ليأتي مكانه يهودي ملعون آخر. لا يهم من يكون في الحكم في أي وقت لأن الخطوط العريضة لسياسة تلك الدولة الجرثومية العنصرية قد تحددت منذ قيامها، والحديث عن أي تغيير لسياستها يكون دائما من قبيل الخداع والتمويه وكسب الوقت. لكن ما يحز في النفس هو رؤية تلك الممارسات الديمقراطية التي حرمنا منها تجري بمعسكر الأعداء فتتغير وزاراتهم على فترات قد تكون قصيرة بينما لا تتغير الأمور بأي دولة عربية لفترات طويلة وقد يظل الحاكم الواحد لعدة عقود من الزمن، حيث يتميز الحكام العرب بالكثير من "التناحة" التي قد يكون لها ما يشبه المبرر في حالة من يدعي لنفسه حقوقا وراثية ملكية، رغم أن ذلك أيضا محل تحفظ وجدل شديد، فكل هؤلاء الذين يدعون الانحدار من عائلات مالكة قد انحدروا من صلب عملاء عينهم المستعمر الغربي قبيل رحيله لكي يرعوا مصالحه، ولا تضرب تلك العائلات الدعية في مضمار الملكية والإمارة أبعد من الربع الثاني من القرن العشرين، والدليل على أنهم وكلاء لرعاية المصالح الاستعمارية هو أن بلادهم تعطي لرعايا تلك الدول الاستعمارية حق دخول البلاد بدون تأشيرة دخول والإقامة الدائمة بها لمن يحمل جواز سفر تلك الدول الاستعمارية. أي أنهم يربطون بلادهم العربية بعجلة الاستعمار القديم بحجة "تبادل المصالح الاقتصادية". وهي ذريعة زائفة في علاقة غير متكافئة تسهل بقاء النفوذ الاقتصادي الاستعماري، بل والنفوذ العسكري في معظم الأحيان. وحقيقة الأمر هي أن ذلك النفوذ الأجنبي يحمي تلك السلطات غير الشرعية وغير الشعبية من غضب شعوبها.
أما رؤساء "الجمهوريات" العربية الوراثية فقد ابتدعوا نظام البقاء على أنفاس شعوبهم إلى أن يتدخل سيدنا عزرائيل لفض المشكلة، وبلادهم لا تحمل من النظام الجمهوري الذي يعرفه العالم سوى الاسم. ويبدو أن سيدنا عزرائيل قد أسقط مصر تماما من دائرة أعماله رغم توسلاتنا وابتهالاتنا ودعائنا المستمر بطلب الفرج. وإمعانا في "التناحة" فإن بعض هؤلاء الرؤساء المزمنين يجهز أبناءه لوراثته، بل ان البعض منهم قد نجح في ذلك بالفعل بمساعدة نظم القهر والإذلال لشعوبهم التي استكانت وتم تدجينها فأصبحت عاجزة عن تغيير مسارها أو تقرير مصيرها وأصبح اللعب بنصوص الدساتير بتلك البلاد عملية سهلة وميسورة. نحن كمصريين ليس لنا حق التدخل في شئون الدول العربية الأخرى وإنما نذكر ذلك على سبيل "العشم". ونحن على أي حال لسنا مثالا يحتذى فالسيد محمد حسني مبارك قد استراح واسترخى تماما بعد أن تحولنا إلى عبيد نسبح بحمده ليل نهار في أبواق إعلامية ينفخ فيها مرتزقة يجزل لهم العطاء من قوت الشعب وكده، ويقال أن بعض هؤلاء الصحفيين المرتزقة قد تحولوا من معدمين إلى مليونيرات رغم أنهم من ذوي العاهات المهنية فبعضهم لا يملك المقومات الأساسية للكتابة، وإفراز عقولهم لا يختلف كثيرا عن إفراز بطونهم.
كانت افتتاحية الواشنطون بوست Washington Post في 23/5/2002 بعنوان "إنذار سيء التوقيت". تبدأ الافتتاحية بتمجيد مناقب جورج بوش وحسن إدارته "للأزمة" بعد 11 سبتمبر، ذلك التاريخ الذي فاقت شهرته وغطت على "أيلول الأسود" الذي عرفناه والذي قام فيه جيش الملك حسين – غفر الله له عديد ذنوبه – بالمرور فوق مخيمات الفلسطينيين بالدبابات في سابقة تفوق تطلعات شارون نفسه. تقول الافتتاحية:
(تنبأ تشيني Cheney نائب الرئيس يوم الأحد بأن هجوما إرهابيا جديدا "يكاد يكون مؤكدا" . وقال روبرت مويلر Robert Mueller مدير مكتب التحقيقات الفدرالية FBI لمجموعة من مدعي العموم يوم الاثنين أن وجود المتفجرين الانتحاريين داخل الولايات المتحدة "أمر لا مفر منه". وفي يوم الثلاثاء أخبر وزير الدفاع دونالد رمزفيلد Donald Rumsfeld إحدى لجان مجلس الشيوخ أن الإرهابيين المسلحين بالقنابل الذرية أو غيرها من وسائل الدمار الشامل أمر لا مفر منه أيضا. وقد جاءت تصريحاتهم العامة وسط موجة من التحذيرات الأخرى، فقد صدرت تقارير من كبار المسئولين عن ازدياد مفاجئ للاتصالات بين المشتبه في انتمائهم للإرهاب، وحذر مكتب التحقيقات الفدرالي من احتمال حدوث هجمات على البنايات السكنية. وقيل أن هناك تهديدا للمعالم المميزة لمدينة نيويورك.)
تمضي الافتتاحية إلى القول بأن تلك التصريحات لا تخرج عما صرحت به الإدارة الأمريكية بصفة مستمرة - وما يجب عليها أن تحذر منه دائما – وهو أن الخطر حقيقي وقائم ومن الصعب التصدي له. وتمضي الصحيفة إلى القول:
(قال آري فليشر Ari Fleischer المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرسميين يتبعون نفس التوجيهات التي اتبعوها في الماضي بنقل التحذيرات إلى الناس، لكن دق الطبول بهذه الصورة المنذرة بالسوء يهدد بالتغطية على أمرين هامين. أولهما هو المناقشة الأمينة المتفحصة لأسباب الفشل في توقع هجمة 11 سبتمبر وما يجب عمله لتجنب مثل ذلك الفشل مستقبلا. الأمر الثاني هو النقاش الممتد عن كيفية الاستمرار في عالم قد تغير. الحفاظ على يقظتنا وحذرنا - بالإضافة إلى تأييد الحرب الأوسع على الإرهاب - سوف يكون واجبا شاقا في ظل توفر أفضل الظروف. ولن يساعدنا فتح الباب للشك في أن بعض تلك التحذيرات تدفعها عوامل سياسية أو أن نعطى للناس الإحساس بأن كل ما نفعله - مهما فعلنا - لن يكون كافيا.)
لابد وأنك يا سيدي القارئ قد لاحظت أن أسماء جميع كبار المسئولين الذين ورد ذكرهم هي أسماء يهودية. وهكذا يستمر صهاينة الإدارة الأمريكية في إدخال الرعب إلى نفوس الأمريكيين البسطاء، حيث تستمر وسائل الإعلام اليهودية في ترديد نفس الأقوال والمخاوف التي تبث الرعب في الداخل حتى يتم اختلاق مبررات للسياسة الخارجية الأمريكية الخرقاء التي تدعو إلى ضرب "الإرهاب" خارج أمريكا قبل أن يتمكن من التحرك إلى داخلها. لا تنقل تلك الوسائل الإعلامية إلى الشعب الأمريكي حجم الرفض الشعبي الأوربي للسياسة الخارجية الأمريكية. لم أر عدسة واحدة لكاميرات التلفاز تركز مثلا على حجم المظاهرات التي قامت مؤخرا ضد جورج بوش في زيارته الأخيرة لألمانيا وروسيا، فكل ما تم عرضه بنشرات الأخبار كان لقطات سريعة على استحياء تركز على جانب صغير من أي مظاهرة. لم أر لقطة واحدة على البعد توضح أعداد الناس مثلما يفعلون عند عرض مظاهرات نيويورك المؤيدة لإسرائيل.
أما الأهرام المصرية فقد نشرت على صفحتها الأولى في 24/5/2002 كلاما غليظا تحت "المانشيت" العريض " الرئيس يزور واشنطون لإجراء مباحثات مهمة مع بوش حول عملية السلام - بوش يتطلع إلى الاستماع لتقويم الرئيس للموقف وتصوره للتحرك في المرحلة المقبلة".
يا سلام يا جدعان .. رئيسنا العظيم محمد حسني مبارك يتعامل بندية تامة مع جورج بن بوش … وإيه كمان يا رجاله .. بوش يتطلع إلى "تقويم" الرئيس للموقف .. أي أن جورج بن بوش هذا سوف ينصت في لهفة إلى "تقويم" أي إصلاح وليس "تقييم" رئيسنا الملهم للموقف .. أي أن الفالح الأخير سوف يقوم اعوجاج الموقف ويصلح من شأنه .. مش كده وبس .. بوش يريد معرفة تصور مبارك للتحرك في المرحلة المقبلة .. تقدر تخمن ليه؟ .. طبعا علشان يكون أساس يبني عليه سياسة أمريكا في الشرق الأوسط .. ياه .. فاتتني الحتة دي .. استنى لما أشد كمان نفس .. ده احنا بقينا آخر منجهة على الصعيد الدولي ياولاد .. إيه العظمة دي؟ .. وغلاوتك عندي بكره مبارك يجيب شارون شرم الشيخ ويضربه على قفاه.
إياك أن تصدق كلام المغرضين الذين يدعون أن جورج بوش يقول لسكرتيرته "شوفيلي ربع ساعة فاضي في الأجندة للجدع ده اللي قارفنا رايح جاي زي ما يكون بأستك" أو أنه كان يهمس لأحد مساعديه أثناء الزيارة "بيقول إيه الجدع ده؟" أو أنه ابتسم عند وداعه قائلا "سي يو نكست يير". إياك أن تصدق مثل هذا الكلام المغرض، وإن صدقت فإن ذلك يكون على مسئوليتك، شأنك في ذلك شأن كل من يدرك الحقيقة المرة.
(21)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
تاريخ المقال: 31/5/2002
نشرت برافدا Pravda الروسية في 25/5/2002 خبرا بعنوان "العالم الإسلامي يعلن الحرب على الكوكاكولا". تقول الجريدة:
(ما هو سبب الكراهية الشديدة للأمريكيين؟ إذا سألت عن جريمتهم فسوف تسمع إجابات نمطية مثل أنهم يريدون فرض إرادتهم على العالم بأسره وأنهم قاموا بمحاربة فيتنام وأنهم قصفوا بالقنابل كلا من العراق ويوغوسلافيا ويدسون أنفهم في كل مكان. ويقول البعض الآخر أن الأمريكيين يصدرون أسلوب حياتهم من سيكولوجية الاستهلاك وعبادة المال وانعدام الروحانية .. إلخ. والأمثلة تشمل مضغ اللادن وماكدونالد وكوكاكولا. وعلى ذكر الكوكاكولا فإن العالم الإسلامي قد بدأ الحرب على أمريكا وكان محور عملهم العسكري هو الكوكاكولا التي تمثل رمز أمريكا.فقد أفادت وكالة أنباء "إسلام رو Islam Ru " أن البديل الإيراني للكوكاكولا المسمى "زمزم كولا" قد انتشر في قطر والبحرين. وقال متحدث باسم شركة زمزم أن النتائج فاقت توقعاتهم وأصبح الطلب على مشروبهم هائلا واضطرت إدارة الشركة إلى زيادة إنتاج الكولا.أخذ البديل الإيراني في طرد المشروب الأمريكي العالمي من السوق آخذين في الاعتبار أن الإيرانيين يربطون الكوكاكولا بأمريكا وإسرائيل. الاسم الإيراني مصدره نبع ماء بمكة هو عين زمزم.)
نشرت صحيفة صنداي تلغراف Sunday Telegraph الأسترالية خبرا يوم 26/5/2002 هذا نصه:
(تداولت الجامعات الأسترالية التماسا يدعو إلى المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وقد وجهت الحكومة لهذا الالتماس توبيخا شديدا. وقع على الالتماس أكاديميون من كافة الجامعات الكبرى. لكن جاري هاردجريف Gary Hardgrave وزير شئون تعدد الحضارات صرح بأن الالتماس عنصري وأن الأكاديميين يجب أن يرفضوه. وقال "ليس من الصفات الأسترالية أن نحكم على الناس إلا من خلال محتواهم الأخلاقي" وأضاف "إن هذا يتضارب مع السلوك المعتاد للأكاديميين، وهو في حد ذاته نوع من الرقابة في أسوأ صورها"، وقال السيد هاردجريف أن الالتماس يجرح أحاسيس الكثير من الأستراليين.)
ولأننا في هذه البلاد نستطيع أن نقول ما شئنا دون خوف - حيث لا يوجد هنا معادل للكلاب الضالة التي تملأ أجهزة القمع المتعددة بالدول العربية المتخلفة سياسيا واجتماعيا - فقد أرسلت للسيد هاردجريف رسالة قصيرة بالبريد الإلكتروني تعمدت أن تصله عن طريق المشرف على موقع البرلمان الأسترالي حتى يراها آخرون هذا نصها:
"السيد جاري هاردجريف - أعتقد أن اعتراضك على الالتماس الموقع من الأكاديميين الأستراليين والخاص بمقاطعة دولة إسرائيل الطفيلية العنصرية يخالف المشاعر والقيم الأخلاقية الأسترالية العامة. إن تفسيري الوحيد لذلك هو أنك لابد وأن تكون من أصل يهودي، يعميك انحيازك الشخصي"
أما الصحيفة الإسرائيلية "جيروسالم بوست Jerusalem Post فقد نشرت في 29/5/ 2002 تحليلا بعنوان "الطريق الذي لم تسلكه إسرائيل" بقلم إرياه أوسلفان Arieh O’Sullivan. يقول التحليل:
(كان عمي يقول "إذا ما كنت لا تعرف إلى أين أنت ذاهب فإن أي طريق يصلح للغرض"، لدينا الآن موقف تحاول فيه الجماعات الإرهابية الفلسطينية أن تثبت أن عملية الدرع الدفاعي لم تدمرهم، وهم يبذلون قصارى جهدهم لشن الهجمات. لقد قاموا حتى الآن بشن 40 هجوما. ورغم أن معظم تلك الهجمات قد تم إفشالها إلا أن الأربع هجمات الانتحارية التي نجحت قد تسببت في قتل 22 إسرائيلي. قام المسلحون الفلسطينيون أيضا بقتل أربعة آخرين في هجوم على المساكن بمستوطنة أدورا.
لقد مرت الهجمات رغم سيطرة جيش الدفاع على المدن الفلسطينية أو الانتشار على مشارفها. لقد نجحت بينما الجيش يدخل ويخرج خلال الأيام الخمسة الماضية من طولكرم وقلقيلية وبيت لحم وجنين كما لو كان يعمل في وظيفة دائمة من التاسعة إلى الخامسة.لقد خلق ذلك حلقة مفرغة، فالمتفجرون الفلسطينيون ينسفون داخل إسرائيل وجيش الدفاع ينقض على المدن الفلسطينية ويحيط بالمشتبه فيهم ثم يعود مع "شين بيت" للقبض على قادة العصابات ورؤساء التفجيرات.وفي نفس الوقت يقوم المزيد من المتفجرين بضرباتهم. بينما تقوم قوات الأمن باقتناص رؤساء الإرهاب والمتسببين في حدوث الهجوم على ريشون ليزيون Rishon Lezion في 23 مايو أثناء الانقضاض على بيت لحم يوم الاثنين، وسوف يتمكنون في النهاية من وضع أيديهم أيضا على من كانوا وراء التفجير في بيتح تكفا Petah Tikva.
ورغم أن الشين بيت يعملون بهمة فوق طاقتهم لمعرفة المتسببين والقبض عليهم فإن هناك في هذه اللحظة آخرون يدبرون للهجوم القادم. لقد أصبحت التفجيرات الانتحارية - ودخول جيش الدفاع إلى المدن الفلسطينية - القاعدة وليس الاستثناء.وهكذا فإن الحقيقة المؤسفة تأتي إلى النور بوضوح وألم. كل الإرهابيين يتم في النهاية قتلهم أو اعتقالهم. هناك مخزون لا يفرغ من الإرهابيين والانتحاريين المتفجرين. لذلك فإن الإرهاب يمكن معاقبته والحد منه والانتقام منه ولكن يستحيل إيقافه بالأسلوب الذي نتبعه الآن على الأقل.لا بد من عمل شيء لكسر هذه الدائرة، لكن الجيش لا يفهم ذلك. ففي كل مناسبة بعد عملية الدرع الدفاعي يقوم كبار ضباط جيش الدفاع والقادة الميدانيين بكيل المديح ورصد قوائم النجاح والنتائج العظيمة. إنهم يزعمون أنهم قد كالوا ضربات هائلة لبنية الإرهاب التحتية.يقولون بأن إنذارات التأهب قد انخفضت إلى 20% عما كانت عليه في شهر مارس ويقول وزير الدفاع أن جيش الدفاع قد منع 90% من الهجمات. ويكرر جيش الدفاع القول بأن ما حققه يفوق توقعاته وأن الخسائر أقل مما كان متوقعا وأنهم قد أعادوا الزهو لآلة قتال جيش الدفاع الإسرائيلي.هل هذا صحيح؟ لقد رأى هذا الصراع على مدى 20 شهرا الكثير من المراحل والتجارب التكتيكية. لقد رفع الجيش من تكتيكاته درجة فدرجة بصورة مطردة. لقد حارب ضرب النار من السيارات المارقة بالكمائن، وضرب مراكز الشرطة الخالية بالصواريخ، ثم اغتال رؤوس الإرهابيين المدبرة. تم تخصيص فرقتين لحماية الخط الفاصل عند أضعف نقاطه ثم صدر الأمر بسحبهما بينما البلاد تتخبط لتحديد كيفية فرض الفصل. جاءوا بالدبابات والطائرات المقاتلة وأخيرا نشروا 30 ألف جندي في خمس كتائب للسيطرة شبه التامة على السلطة الفلسطينية.يزعم الجيش أن مهمته للمدى البعيد هي منع السلطة الفلسطينية من بلوغ أي من أهدافها الاستراتيجية عن طريق العنف والإرهاب. لكن الجيش كثيرا ما يجد نفسه في وضع رد الفعل وليس خلق الواقع. وغالبا ما كانت معظم مهماته لا تزيد عن رد فعل وقتي للإرهاب الفلسطيني ورغباته السياسية وليست طبقا لخطة مرسومة نحو نصر حقيقي.لقد قال الجيش أن هدفه من عملية الدرع الدفاعي التي استغرقت ستة أسابيع كان "خلق واقع أفضل لإسرائيل وإلحاق الضرر بقواعد الإرهاب". قالوا أن ذلك قد تحقق. وقال أحد كبار العسكريين أن الموجة الحالية من الهجمات الانتحارية سوف تهبط لأن عدد القنابل المتاحة محدود وأن الجيش قد دمر القدرات الفلسطينية على صنع القنابل. لكن الكثيرين من عامة الناس ليسوا على هذا القدر من الثقة في ذلك.صرح الفريق شاؤول موفاز Shaul Mofaz القائد العام للأركان هذا الأسبوع بأنه من الضروري ألا يفقد جيش الدفاع الإسرائيلي أي مواجهة ولو واحدة مع الفلسطينيين.وقال موفاز "من الهام لنا جدا أن ننتصر في أي مكان نقابلهم فيه". إن هذا هو نفس موفاز الذي يعتقد أن إسرائيل يجب أن تتخلص من ياسر عرفات قائد السلطة الفلسطينية، لكن عرفات يكسب المعركة بمجرد قدرته على البقاء.إذا ما تطلعنا اليوم إلى الطرق التي سلكها جيش الدفاع الإسرائيلي وإلى واقع التفجيرات الانتحارية في الحاضر وإلى مدى نمو الكراهية وفقدان الثقة بين الشعبين فإن ذلك يشير إلى أنه ربما يلزمنا محاولة تجربة طريق آخر يكون جديدا وربما شديدا.)
هذا المقال يصور مدى البلبلة التي تعم المجتمع الإسرائيلي الذي يستعصي عليه أو لا يريد فهم أصل المشكلة بعد أن عاش طويلا على التسويف والمماطلة إلى أن نفذ صبر الشعب الفلسطيني بأسره، يستوي في ذلك المعتدل منه والمتشدد. حتى الانهزاميين من أفراده الذين أرادوا العيش على ما يسمح لهم الإسرائيليون به من فتات قد عجزوا عن مقاومة المد الشعبي الفلسطيني أو القدرة على الاستمرار في تلبية طلبات أسيادهم الصهاينة.
تشكل التجربة الفلسطينية العظيمة نموذجا بجب أن يتأمله مليا كل هؤلاء الانهزاميين بالعالم العربي، هؤلاء المطبعين المستسلمين الذين يؤمنون بصواب الطاعة العمياء لقادتهم الخونة والأسياد الأمريكان أو وكلاء الأسياد من البريطان. هؤلاء الذين يطبلون لمن باعوا كل شيء لعدونا الذي يعيش الآن بين ظهرانينا وعلى ترابنا لكي يضرب مكانا ما من العالم العربي من مكان آخر بنفس هذا العالم العربي الممزق المتخاذل، بدعوى أننا لا نملك القوة. وما زال بيننا من القادة الكاذبين والمراوغين من يستمر في الادعاء بأن صدام حسين أخطر على جيرانه من جورج بوش. لقد أصبح هؤلاء القادة الجبناء الآن بين فكي الرحى مثل ياسر عرفات تماما، فلا هم قادرون على استمرار الضغط على الشعوب التي أوشكت على الانفجار ولا هم قادرون على تلبية طلبات أسيادهم بالكامل. جورج بوش مثلا يريد ضرب العراق وأي كلب من القادة العرب يوافق على ذلك سيكون مصيره الزوال مهما ظن من سطوته. لقد فات ذلك الوقت الذي كانت تستطيع فيه تلك الكلاب الضالة إرسال الجيوش لضرب العراق. كل عربي حر يعلم الآن أن قوة العراق تشكل عنصرا من مجموع عناصر القوة العربية مهما قيل ومهما زيفوا من ذرائع. كلنا نعلم اليوم أن الإمبريالية القديمة التي عاشت على تمزيقنا وضرب بعضنا البعض قد كشفت كل أوراقها ولم يبق أمامنا سوى المثال الفلسطيني لكي نحذو حذوه. لقد لقنتنا المقاومة الفلسطينية الدرس الأول في حروب التحرير وهو أن قوة عدونا مبعثها ضعفنا نحن واستسلامنا، سواء كان هذا العدو يتهددنا من الداخل في صورة وكيل للإمبريالية يحكمنا أو من الخارج في صورة من يتوعد بضربنا.
و نشرت الأهرام المصرية الخبر التالي بتاريخ 28/5/2002 تحت عنوان "مبارك يستعرض في اجتماع وزاري استراتيجية العمل البيئي":
(من المنتظر أن يستعرض الرئيس حسني مبارك ـ في اجتماع وزاري, بحضور الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء ـ استراتيجية العمل البيئي في مصر حتى عام 2017 ، وتتضمن الاستراتيجية عددا من البرامج التنفيذية التي تعمل علي إدخال البعد البيئي في خطط التنمية، وتهدف إلي خفض معدلات التلوث ورفع مستوي المنتجات المصرية, وزيادة القدرة التنافسية للمنتج المصري في الأسواق الخارجية.وصرحت مصادر مسئولة لمندوب الأهرام أسامة عبدالعزيز بأن الاستراتيجية البيئية تتضمن خطة للتشجير, وزيادة المسطحات الخضراء في جميع المدن, وتخريج الكوادر المؤهلة للتعامل مع مشكلات وقضايا البيئة ومستجداتها, والتعامل مع المخلفات, وإدارة المحميات الطبيعية.)
ونحن إذ يثلج صدورنا مجرد الحديث عن التشجير ومقاومة التلوث البيئي نعجب لضرورة إقران هذا العمل بمبارك شخصيا رغم إيماننا الذي لا يتزعزع بأن مبارك امتداد للحكم الدكتاتوري الذي بدأ في 1952 وبدأت معه فوضي القضاء على اللون الأخضر بالمدن وفشل خطط التشجير، حيث كانوا يزرعون الأشجار والغابات في كوم أوشيم وغيرها ثم يهملون ري تلك الأشجار بعد انتهاء الخطب والاستعراضات. ألا يوجد بكل وزارة مسئول عن تنظيم ومتابعة كل عملية من تلك العمليات؟ لماذا كل هذه المركزية الفاشلة. الأجانب ينجحون لأن كل تلك التفاصيل تقوم بها المجالس المحلية في نطاق خطط أو إرشادات عامة من الوزارات المختصة. ونحن نفشل لأن كل شيء يلزم له موافقة مبارك وإشراف مبارك وتوجيهات مبارك ورعاية مبارك ومباركة مبارك – وربما أيضا جهود سوزان مبارك وأنجال سوزان مبارك – علما بأنك لو سألت أيا من المختصين عن مدي فهم مبارك لأمر ما من أمور وزاراتهم لتلعثموا جميعا. وهناك إشاعة – يشفع لها أنها أقرب إلى الواقع – تقول أن الجنزوري تمت إقالته عندما أشاد بكفاءة الرئيس محمد حسني مبارك في اجتماع وزاري مثبت به أجهزة للتصنت. يقال أن إشادة الجنزوري كانت لها علاقة مجازية بمراعي البرسيم الخضراء وما يخلقه الله من ذكور الأنعام التي ترعى بها. ويقال أيضا أن الجنزوري قد ناله من ألفاظ السباب في ذلك اليوم ما لا يخرج من بين شفتي إنسان مهذب نال حظا ولو يسيرا من الرعاية الأسرية في طفولته تصدق معها نظرية بيت الشعر المعروف "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق".
ونشرت الأهرام أيضا في 30/5/2002 خبرا يقول:
(أكد مجلس نقابة الصحفيين, في اجتماعه أمس برئاسة الأستاذ إبراهيم نافع نقيب الصحفيين، التزام جميع الزملاء والمؤسسات الصحفية بآداب المهنة، واحترامه وتقديره لزعماء مصر جميعا وأدوارهم التاريخية. جاء ذلك في بيان للمجلس في ضوء استعراضه لواقعة نشر صحيفة الميدان لصورة جثمان الرئيس الراحل أنور السادات بعد اغتياله وهي عارية، مؤكدا تفهمه لما أدي إليه نشر الصورة من صدمة لمشاعر قطاع كبير من القراء، خاصة أسرة الرئيس الراحل، إلا أن المجلس يري أن نشر الصورة لا ينطوي علي مخالفة لصريح نصوص الدستور والقانون, ويحبذ استمرار التعاون المشترك مع المجلس الأعلى للصحافة لمعالجة مثل هذه القضايا، لدعم حرية الصحافة. وأعرب المجلس عن تضامنه مع الزميل الأستاذ سعيد عبدالخالق بعد فصله من رئاسة تحرير الجريدة دون سند قانوني.)
غريب والله أمر بلادنا. هل كان نشر صورة جثة مواطن عادي تحت ظروف مشابهة يثير كل ذلك الجدل؟ هل رؤساء الجمهورية من طينة وبقية الناس من طينة أخرى؟ متى نكف عن عبادة الأصنام؟ أليس من الأصوب أن نفكر في مدى ما تقدمه الصورة من درس للآخرين لعلهم يفقهون؟
أما روبرت فسك Robert Fisk من الإندبندنت Independent فهو على عهدنا به يضرب دائما على أوتارنا العربية الحساسة، ففي مقال له بتاريخ 29/5/2002 تحت عنوان "انتصار بن علي سخرية من التوانسة". يقول فسك:
(والآن يؤيد زين العابدين بن علي 99.52% من أهل تونس. لم تصل سذاجة الديمقراطية العربية الوهمية مثل هذا المستوى من قبل. فبعد التصويت على "التعديلات الدستورية" يستطيع السيد بن علي أن يبقى في الحكم مدى الحياة تقريبا. تذكر أن أباطرة الرومان قد حكموا تونس ذات مرة وأن السيد بن علي ما زال في الخامسة والستين.
تقول الإحصائية أن 0.48% فقط من الأصوات تعارض السيد بن عالي، وهذا يدل على أنه إما أن الناخبين التونسيين أطفال أو أنهم يعاملون معاملة الصغار. والأغلب أن الاحتمال الأخير هو الأرجح. تذكر أن المصريين المساكين مصابون بنفس الداء الهزلي، فالرئيس المصري مبارك عادة ما يحصل على 98% من الأصوات متفوقا على صدام حسين الذي يحصل على 97%. إن التزييف والهزل والغباء تشهد عليه الأرقام.
لا يبقى للنقاش سوى التساؤل عن سبب إصرار تلك الأنظمة على إجراء تلك الانتخابات الواضح سخفها. من المؤكد أن السبب ليس الشرعية فالجيوش العربية وفرق الاستخبارات الأكبر منها قادرة تماما على حماية الرؤساء. الشعوب العربية لم تعد شعوبا منذ وقت طويل. إن حماية واستمرار تلك النظم أهم من حماية الدولة. يتذكر الكثير من السوريين أنه بينما كان الجيش السوري يحارب الإسرائيليين فوق هضبة الجولان في 1973 كانت قوات الاحتياط الهامة تحرس المقر الرئيسي لحزب البعث في دمشق، وربما كان بإمكان تلك القوات الاحتياطية إنقاذ عمليات الجيش الهجومية.هذه هي أسباب "حالات الطوارئ" والقانون العسكري التي توجد في الكثير من البلدان العربية. فهي في مصر منذ 1981 وفي سوريا منذ 1963 ونحن في الغرب نؤيد تلك النظم الدكتاتورية. فالحكومة الأمريكية تلاحظ تأييد الرئيس بن على "للحرب على الإرهاب" وهو أمر يعرفه جيدا أهل بلاد السيد بن علي ويلمسونه جيدا.
يطير إلى شواطئ تونس كل عام خمسة ملايين سائح كثير منهم من بريطانيا وقد قتل بعضهم حينما هاجم متفجر انتحاري معبدا يهوديا بإحدى الجزر في الشهر الماضي.المشكلة الحقيقية هي أن تلك الانتخابات الهزلية تمنع التطور السياسي بالدول العربية. البلاد العربية ليست من الدول الحديثة، وبيروقراطيتها تخدم أنظمتها بدلا من خدمة أناسها.هؤلاء الذين يودون النقاش السياسي الجدي يتم اعتقالهم أو يلجئون إلى الاختباء. لماذا لاقت مصر المتاعب مع الإسلاميين في التسعينيات؟ ولاقتها سوريا في 1982؟ والجزائر في 1992؟ إذا ما كان حزب السيد بن علي يشغل 148 مقعدا من 182 مقعد بالبرلمان وإذا ما كانت منطقة سيدي بوزيد قد أعطته 99.98% من مجموع الأصوات بها فأي مستقبل هذا للدولة لكي يملكها شعبها بدلا من رئيسها؟
وهكذا فإن السيد بن علي وهو في مقتبل الخامسة والستين من عمره سيظل معنا حتى عام 2014 وأما الأمريكيين الذين يبدو أنهم يريدون الديمقراطية في العراق وإيران وأفغانستان وفي كوبا فإنهم لن يقولوا شيئا.سيأتي الخطر لتلك الأنظمة حينما يقول الرؤساء العرب أن السلام قد تم مع إسرائيل، لأنه إذا لم يكن هناك حروب أخرى فماذا تكون الذريعة لحالات الطوارئ والحكم العسكري إذن؟ ماذا ستفعل الأنظمة عندئذ؟ هل تبحث لها عن عدو جديد؟ أم أنها ستواجه الناس. أو كما قالت سهير بلحسن نائبة رئيس اللجنة التونسية لحقوق الإنسان في شجاعة "لقد بلغ الهزل درجة قبيحة لأن أشد النظم الدكتاتورية جنونا لا يمكن له أن يعلن مثل هذه الأرقام.")
مقال فسك في مجمله يمثل الواقع وإن كان قد فاته أن أكثر الأرقام هزلا وقبحا وسخرية كان من نصيب من ابتدع نظام انتخابات المرشح الوحيد وهو السيد جمال بن عبدالناصر فقد كانت النتيجة في "انتخاباته" 99.99% وكان مجموع عدد المعارضين إن لم تخني الذاكرة 16 فردا على مستوى مصر كلها من البحر الأبيض المتوسط وحتى جنوب السد العالي. أتذكر جيدا يوم أدليت بصوتي كيف أن واحدا من الجلوس خلف صندوق الاقتراع انتزع الورقة من يدي وتفحصها ثم نظر إلي مصعوقا وهو يقول "انت مجنون؟" فرددت عليه متلعثما في ثقة "ده رأيي، مش دي انتخابات؟" سحب الرجل من أمامه ورقة أخرى وضعها نيابة عني بالصندوق. كل ذلك رغم أن تلك الصناديق لم يكن يتم فرزها على أي حال ويقال أنها كانت تحرق بأقسام الشرطة. أتذكر أيضا كيف انطلقت يومها مسرعا إلى بيتي وأنا أنظر خلف كتفي مرعوبا وقد تخيلت كشاب صغير أن يدا سوف تمسك به لتلقي بي في أحد غياهب معتقلات "الثورة".
نعم، كان جمال عبد الناصر مبتدع هذا الزيف الذي أدى بالمنطقة العربية إلى ما هي عليه اليوم من الذل والهوان. لكن جمال عبد الناصر رغم كل مساوئه كان رجلا، كان عنيدا أو صعبا أو متهورا، تستطيع أن تكرهه دون أن يفقد احترامك له. ربما أخطأ الطريق لكن هويتنا العربية كانت واضحة تماما في ذهنه لم يفرط فيها حتى وهو على فراش الموت. إذا كان من الهوان بد فإن الأكرم لنا أن نتجرعه تحت حكم الرجال وليس الأغوات والخصيان ممن يلعقون الحذاء الأمريكي في خسة وهوان لم يعرفهما تاريخنا العربي الأبي على مدى ماضيه المثقل الحافل الطويل.
أما التايمز Times اللندنية فقد نشرت مقالا لمحررها الدبلوماسي ريتشارد بيستون Richard Beeston في 31/5/2002 بعنوان "رئيس المخابرات المركزية الأمريكية يبدأ مبادرة سلام جديدة بالشرق الأوسط" يقول فيه:
( سوف تعود إدارة بوش اليوم من جديد إلى العمل الجاد في الشرق الأوسط ، حيث سيبدأ جورج تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية مهمة صعبة لمحاولة إعادة بناء الارتباطات الأمنية بين إسرائيل والفلسطينيين.
سيبدأ رئيس الجواسيس الأمريكي محاولة إحياء أحد المكونات الرئيسية للسلطة الفلسطينية وسط الاتهامات بأن واشنطون لم تبذل بعد جهودا للسلام بأسلوب صحيح لكي تنهي قرابة عامين من سفك الدماء. لقد أجل السيد تينيت رحلته هذه عدة مرات ويبدو أن سبب ذلك هو قلقه من أن يعود من المنطقة خالي الوفاض كما حدث هذا العام للبعثات السابقة التي قام بها كل من ديك شيني نائب الرئيس وكولن باول سكرتير الدولة الأمريكية.لكن السيد شيني قد وافق على مساعدة الفلسطينيين على إصلاح خدماتهم الأمنية وإعادة بناء علاقاتهم مع الإسرائيليين وذلك بعد أن ضغطت الدول العربية المعتدلة وأوربا على إدارة بوش.
تقوم حتى الآن دستة من وكالات الأمن الفلسطينية المتنافسة بالعمل تحت سيطرة القائد الفلسطيني ياسر عرفات. نجح هذا النظام في إبقائه بالسلطة لكنه لم يفعل الكثير للمحافظة على الأمن بالضفة الغربية وغزة أو لمنع المتفجرين الانتحاريين. يريد الأمريكيون الآن هيكلا أبسط ذو تسلسل رئاسي واضح يمكن الفلسطينيين من توفير الأمن لمجتمعهم وقمع المسلحين.
تتزامن مهمة السيد تينيت مع زيارة مشابهة يقوم بها وليام بيرنز مساعد سكرتير الدولة لشئون الشرق الأوسط الذي سيضغط على السيد عرفات لتطبيق الإصلاح السياسي الذي يشمل إجراء الانتخابات التي حل موعدها منذ ثلاث سنوات.إذا ما نجحت المهمتين المتزامنتين فإن السيد بوش قد ينتهز فرصة اجتماع القمة الذي سيعقده الأسبوع القادم في كامب دافيد مع الرئيس المصري مبارك لكي يعلن عن موعد ومكان لمؤتمر السلام بالشرق الأوسط الذي اقترحه بوش لهذا الصيف.
ورغم توقع إمكان حدوث تقدم الآن فإن واشنطون في وضع متناقض تعرف فيه ما تريد في المدى القريب وتعرف هدفها النهائي لكنها لا تعرف الطريق الموصل بينهما. واشنطون تريد أن ترى في المدى القريب إصلاحا يتم للسلطة الفلسطينية وانتخابات لقيادة جديدة. وترى في المدى البعيد انسحابا للقوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وقطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع جارتها اليهودية.كان الرئيس بوش حريصا على ألا يحدد خطا زمنيا لمبادرته. لقد أوضح تماما أنه لا يثق في السيد عرفات كشريك يعتمد عليه للتفاوض. وهو يعلم في المقابل أن القائد الإسرائيلي أريل شارون يعارض من الناحية الأيديولوجية الانسحاب من المناطق المحتلة وأي تفكيك للمستوطنات اليهودية القائمة فوق الأرض العربية.
أوضحت واشنطون تماما رغبتها في استبدال السيد عرفات، وتقول التقارير داخل إسرائيل أن أعضاء أساسيين بإدارة بوش قد أبدوا إعجابا بمحمد دحلان رئيس الأمن الفلسطيني في غزة الذي كان بواشنطون الأسبوع الماضي في مباحثات مع السيد تينيت. ويعد جبريل الرجوب - القائم بنفس العمل بالضفة الغربية – اختيارا ممكنا أيضا لخلافة عرفات.المشكلة هي أن الفلسطينيين يرون في الحصول على الرضا الأمريكي نقطة سياسية سوداء. أما القائد الجديد الذي يحظى بأقصى شعبية فهو مروان برغوتي قائد جماعة فتح الفلسطينية الرئيسية بالضفة الغربية والذي اعتقلته القوات الإسرائيلية في نهاية مارس الماضي وما زال محتجزا.في استفتاء أجراه المركز الفلسطيني للبحث السياسي الشهر الماضي فاز السيد عرفات بتأييد نسبته 35% وهو رقم أقل قليلا من الماضي، بينما حصل السيد برغوتي على 19% في زيادة كبيرة، أما الشيخ ياسين القائد الضرير لحركة المقاومة الإسلامية المسلحة حماس فقد حصل على 13%. يمكن أن يكون المخرج من ذلك هو أن يترك عرفات رئيسا للدولة بينما يتم تعيين رئيس للوزراء يكون له مهمة التحكم والإشراف اليومي على الحكومة.)
من هذا نرى أن المخطط الإسرائيلي-الأمريكي-الانهزامي العربي يتلخص في استبدال السلطة الفلسطينية الحالية بسلطة قمعية تشبه الحكومة المصرية مثلا، ترتبط بتبعية مباشرة للمخابرات المركزية الأمريكية وعلاقات مودة مع الموساد الإسرائيلي وتكون مهمتها الرئيسية قمع الشعب الفلسطيني العربي وقتل روح النضال والمقاومة التي اشتعلت به، مثلما يتم قمع الشعب المصري العربي أو أي شعب عربي إن شئت الدقة. لذلك فإن أصلح من وجدت الإدارة الأمريكية للتفاوض بهذا الشأن كان كبير جواسيسها جورج تينيت. الإدارة الأمريكية لا تضيع وقتها فقد حددت البديل لعرفات من بين عملاء الموساد الفلسطينيين الذين يحظون بالقبول الإسرائيلي. ولم يبق سوى أن يضع العملاء من الرؤساء العرب بعض الرتوش في صورة رحلات ومقابلات ومؤتمرات قمة وبعض الطبل والزمر بوسائل الإعلام لكي يظهر العملاء كما لو كانوا أندادا لجورج بوش يستشيرهم ولا يعطيهم التعليمات. وفي هذا الخضم الهزلي تعلم المقاومة الفلسطينية دورها وهدفها تماما وهو استعادة أرض فلسطين السليبة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وليذهب الانهزاميون والمطبعون والقابعون والأغوات والعملاء إلى الجحيم.
(22)
من أقوال الصحف العالمية
ترجمة وعرض: محمد عبد اللطيف حجازي
mehegazi@yahoo.com
تاريخ المقال: 07/06/2002
نقلت صحيفة الإندبندنت Independent البريطانية الآتي عن مراسلها في القدس بتاريخ 2/6/2002 تحت عنوان "القوات الإسرائيلية تهاجم البيوت بمعسكر للاجئين":
(رأى الفلسطينيون في "البلاطة" بالأمس مشهدا أصبح معتادا في ألمه على مدى الستة أشهر الماضية، وهو مرأى الجنود الإسرائيليين يكسرون الجدران لينفذوا إلى بيوتهم خلال اكتساح آخر للمخيم بحثا عن أفراد المقاومة.
كان ذلك الهجوم هو الثالث من نوعه على هذا المخيم القريب من مدينة نابلس بالضفة الغربية خلال ستة أشهر. كان معظم المتفرجين من النساء والمسنين والأطفال، فقد تم تطويق العديد من الرجال في اليوم السابق لكي يتم استجوابهم وربما احتجازهم.
وعلى عكس عمليات الغزو السابقة لم تصادف دبابات الجيش الإسرائيلي وجنوده مقاومة مسلحة تذكر أثناء اكتساحهم السريع ووضعهم المعسكر تحت الحظر وإعلانه "منطقة عسكرية مغلقة"، وهذا يعني منع الصحفيين الأجانب من الدخول. لكن مجموعة تزيد عن دستة من نشطاء السلام الدوليين تمكنوا من النفاذ إلى داخل المخيم. وقال عدد منهم أن فلسطينيا قد قتل وأن أما لطفل عمره أسبوعين قد أصيبت في ساقها بجرح رصاصة.
كان هذا الاكتساح واحدا من عدة عمليات هجومية للجيش الإسرائيلي داخل المدن والقرى الفلسطينية بالضفة الغربية. في محاولة أخرى لاستخدام القوة العسكرية لإخضاع المجموعات الفلسطينية الوطنية العنيفة، ولكي توقف على وجه الخصوص المتفجرين الانتحاريين من الذهاب لقتل المدنيين داخل إسرائيل. شهد الأسبوع الماضي عمليات دخول وخروج روتينية للدبابات الإسرائيلية والجنود الإسرائيليين بمعظم المدن الفلسطينية بالضفة الغربية فيما أسموه "المنطقة A" المحددة كمنطقة تحت الحكم الذاتي الفلسطيني.
أما الفلسطينيون في بيت لحم الذين ما زالوا يحاولون استعادة الحياة الطبيعية بعد 39 يوما من حظر التجول أثناء حصار كنيسة المهد فقد وجدوا أنفسهم مرة أخرى تحت الحظر في الأسبوع الماضي. إذ قام الجيش الإسرائيلي بالتوغل داخل بيت لحم ثلاث مرات لاعتقال المشتبه في أنهم من أفراد المقاومة وذلك بعد أن قام الجيش بعمليات اعتقال داخل مخيم الدهيشة يوم أمس.
تعد عمليتي نابلس والبلاطة من بين أكبر العمليات في الأيام الأخيرة. قال شهود عيان فلسطينيين أن الجنود الإسرائيليين قاموا يوم الجمعة بجمع الرجال الفلسطينيين الذين تبلغ أعمارهم 15 – 45 سنة وقاموا بترحيل حوالي 100 منهم في شاحنات إلى قاعدة عسكرية قريبة. وقام الجنود يوم أمس بعمل جولات بشوارع نابلس المهجورة وهي أيضا تحت حظر التجول، وقاموا أيضا بعمليات اعتقال بمنطقة سكنية بالقرب من جامعة النجاح.
قال الشهود أن بعض الرجال تحدوا حظر التجول وذهبوا للصلاة بمسجد مدينة نابلس القديمة فقامت حاملة جنود إسرائيلية بإطلاق النار عليهم أثناء خروجهم من المسجد. يقول الأطباء الفلسطينيون أن الجنود قتلوا شابا فلسطينيا في الرابعة والعشرين اسمه طارق الخراز. قال الجيش الإسرائيلي أنهم يفحصون التقرير.)
هكذا يعيث الإسرائيليون فسادا بالمناطق الفلسطينية تحت مظلة مقاومة الإرهاب التي أعطتها لهم الإدارة الأمريكية الصهيونية. تريد تلك الإدارة مساواة المقاومة المشروعة بالإرهاب، ويسير الحكام العرب على هواهم بالسكوت أو الاعتراض المتردد على استحياء. وقد استمرت القوات الإسرائيلية في التوغل داخل المدن الفلسطينية وهدم البيوت في أعقاب كل عملية استشهادية. لكن ذلك لن يوقف المقاومة التي استمرت رغم اجتماعات التهريج ومؤتمرات التآمر على القضية الفلسطينية. لقد بلغت المقاومة سن الرشد ولم تعد بحاجة إلى وصاية مبارك أو غيره ولا تهمها في شيء مؤتمرات النصب والاحتيال التي يلعب فيها "القادة" أو القوادين العرب دور العمالة.
كتب جورج مونبيوت George Monbiot مقالا بالجارديان The Guardian البريطانية يوم 4/6/2002 تحت عنوان "أعلنوا السلام وليس الحرب" يقول فيه:
(هناك ما يشبه الأحلام في تأملنا للنزوع نحو الحرب في كشمير. فبينما تحرك كل من الهند وباكستان صواريخها إلى مواقعها نجد أن اهتمامنا في بريطانيا منصب على إخلاء رعايانا وعلى وجهة اللاجئين المحتملين واحتمال منع فريق الكريكت الهندي من زيارة إنجلترا في نهاية الشهر. أما احتمال أن يتبخر في الهواء 12 مليونا من البشر فإن ذلك يكون أمرا مؤسفا لكنه ليس من شأننا.
هذا الانفصام يبدو أكثر وضوحا في الولايات المتحدة، فقد قال الرئيس بوش للأمة يوم الأحد "أننا لا يمكن أن نثق في أقوال الطغاة الذين يوقعون بهيبة ووقار على معاهدات منع انتشار الأسلحة ثم يقومون بانتهاكها بانتظام. إذا ما انتظرنا حتى يتحول التهديد إلى واقع فإننا نكون قد انتظرنا أطول من اللازم." لكنه لم يكن يتكلم عن الهند أو باكستان وإنما كان يتحدث عن "الدول المنحطة rogue states" التي قد تهاجم الولايات المتحدة في يوم من الأيام. جاء ذكر"جنوب آسيا" مرة واحدة لكن ذلك كان فقط كمثال لمنطقة تم تجنيد رؤسائها لقضيته.
عندما يعلن بوش وبلير الحرب فإنهما يكونان منتفخان بنبل الهدف والزعامة الأخلاقية، وعندما يعلنان السلام فإنهما يبديان الوهن والتردد. فهم يرسلون المندوبين في مهام غير متحمسة لكي يسألا كلا من الحكومتين التفاوض، لكن أيا منهما لا يقترح الخطوات الضرورية لمنع ما قد يصبح أشد الصراعات دمارا منذ الحرب العالمية الثانية. إن "اللوازم الأخلاقية" التي كثيرا ما تستثار عند قصف أفغانستان تصبح مجرد سياسات القوة القديمة. أما الآن وليس هناك خطورة على أي مصالح محلية واضحة فإن القادة الأخلاقيين للنظام العالمي الجديد يديرون أنظارهم.
حتى لو لم يكن لبريطانيا والولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى أي مشاركة في هذا الصراع فإن واجبنا الأخلاقي هو التوصل إلى رد عالمي. فما بالك ونحن في هذا الصراع حتى الآذان. إن خلاف شبه القارة هو خلافنا وقد يشكل انصرافنا عنه أكبر تقصير جماعي منذ فشل الشعب الألماني وقوى التحالف في التدخل لمنع الإبادة الجماعية (الهولوكوست).
كان مهراجا كشمير من الهندوس الذين عينهم البريطانيون. وقد حدث في عام 1947 أنه لم يسعى إلى الاستقلال أو الانضمام إلى باكستان - رغم أن معظم أبناء شعبه كانوا من المسلمين – وإنما اختار تسليم المنطقة للهند. لم يصر اللورد مونباتن Lord Mountbatten على شيء سوى ضرورة إجراء استفتاء عام بين أهل كشمير، لكن ذلك لم يحدث وقد كان بإمكان بريطانيا أن تطلب من الأمم المتحدة الإصرار على تنفيذ ذلك الوعد، لكن بريطانيا تركت الهند وباكستان لكي تمزقا المكان شر ممزق.
استمدت كلتا الدولتين مؤخرا القوة من الرخصة التي منحتها لهما الولايات المتحدة. فقد أعلن الرئيس كلنتون في 1998 عن "طفرة كبيرة" في علاقات الولايات المتحدة مع الهند. وفسرت حكومة الهند ذلك بأنه تصريح لها باستئناف التجارب النووية. وتم رفع الحظر النووي عن باكستان في العام الماضي مقابل تعاونها في الحرب على الإرهاب، ووصف الرئيس بوش الجنرال مشرف بأنه " يتمتع بالشجاعة العظيمة وبعد النظر"، علما بأنه يتمتع بنفس الدرجة من الشرعية الديمقراطية التي يتمتع بها صدام حسين، وقد وعده بوش بدفعة جديدة من المساعدات مقدارها 200 مليون دولار. وقد خفف مشرف قبضته عن أفراد المقاومة المسلحة المتسللين إلى الهند.
لكن الولايات المتحدة قد منعت تصدير السلاح إلى كل من الهند وباكستان على الأقل. أما المملكة المتحدة فقد قامت في المقابل بعمل كل ما تستطيع لتشجيع بيع السلاح لهما. ولأن بلير لا يريد أن يلوث يديه فقد أرسل وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء إلى دلهي لكي يبيع طائرات هوك. واستمرت المملكة المتحدة في تزويد الهند بقطع غيار نفاثات جاجوار التي صنعت بترخيص من شركة BAE البريطانية. قد تستخدم الهند تلك الطائرات في إسقاط القنابل. إن زعيمنا الأخلاقي يفوض موظفيه لكي يشرحوا كيف أننا إذا لم نقم بذلك تولى غيرنا القيام به.
ويتعلق بالأمر بصورة أوضح أن ابتداء برنامجي الأسلحة النووية في كل من البلدين كان بمساعدة من الغرب. وقد قام معهد المراقبة النووية بتوثيق كيف أن نشأة البرنامجين كانت من الصناعة المدنية التي بدأتها الولايات المتحدة بمشروع "الذرة من أجل السلام". استخدمت أول وسيلة نووية هندية البلوتونيوم المنتج من مفاعل أبحاث كندي، وتم استخلاصه في وحدة إعادة معالجة تم بناؤها بمساعدة من الولايات المتحدة، وقامت ألمانيا بتوفير التريتيوم والبليريوم ووحدات الماء الثقيل ومكونات إعادة المعالجة، وقامت فرنسا بتوفير اليورانيوم وتقنية التوليد السريع، وباعت النرويج لها الماء الثقيل، ووفرت لها الولايات المتحدة اليورانيوم المخصب وعددا من المفاعلات التجارية، ووزعت المملكة المتحدة الوقود والأفران وأول مفاعل أبحاث هندي. جاءت وحدات الماء الثقيل الباكستانية من كندا وبلجيكا، وجاءها من ألمانيا تقنية تخصيب اليورانيوم والبريليوم والتريتيوم والأفران وماكينات الطحن، وجاءها من الولايات المتحدة مفاعل الأبحاث، وجاءتها تقنية إعادة المعالجة من فرنسا والمملكة المتحدة. تصلح كل تلك المكونات للاستخدام في برامج التسليح النووي، ويبدو أن معظمها قد قامت الهند والباكستان باستخدامه لهذا الغرض بالفعل.
تشير الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى أن المواد النووية الجديدة التي يستخدمها الغريمين تأتي من الصين. هذا صحيح بالفعل ويبدو أن الصين أيضا تعتقد أن لديها ترخيص بالعمل. وافق كلينتون في 1998 على اتفاقية تعاون نووي مع الصين، رغم تصريحات المخابرات بأن الصين تزود كلا من إيران وباكستان بالمكونات النووية. بدأت الصين - خلال شهر من توقيع الاتفاقية وفي مخالفة صريحة لها - في شحن الماء الثقيل إلى باكستان بكميات تزيد كثيرا عن احتياجات برنامجها المدني، وبقيت الاتفاقية قائمة.
هناك الكثير من الوسائل التي يمكن للمجتمع الدولي استخدامها لمنع قيام حرب نووية. يمكن أن يشرح المجتمع الدولي لكل من الهند وباكستان أنه في حالة تصعيد إياهما للحرب - حتى لو كانت حربا تقليدية - فإن على رئيسها أن يتوقع محاكمته أمام محكمة جرائم الحرب. ويمكن للمجتمع الدولي ليس فقط أن يوقف بيع السلاح بل أن يوقع جزاءات عقابية على أي شركة تساعد الصناعة الحربية بأي من البلدين. وأهم من كل ذلك يمكن إرسال مراقبين للسلام للفصل بين الطرفين والإشراف على نزع السلاح. يجب على بلير وبوش أن يكونا الآن في قزاخستان لمساعدة بوتن على تحذير الطرفين من الخطر.
لا توجد صناعة للسلام تعادل صناعة الحرب بهذا العالم. ليس هناك من المنفعة الضمنية ما يغري. ليس هناك ما يمكن الحصول عليه من مساعدات انتخابية عند العمل على منع استخدام الأسلحة وليس تشجيعها. ونتيجة لذلك لا يمكن تجهيز مئات الآلاف من قوات المحافظة على السلام التي يلزم انتشارها في كشمير، بينما يتم التخطيط للحرب بالتفصيل والعناية. لا توجد خطة سلام عالمية للمنطقة رغم 55 عام من الصراع.
إن النظام العالمي الجديد الذي تحدث عنه بوش وبلير يجعل من التعضيد الدولي للحروب - التي تتم متابعتها لأهداف داخلية - ضرورة أخلاقية. أما منع دولتين من إبادة سكانهما المدنيين فإنه ترف أخلاقي ليس له أهمية حفلات الشاي في اليوبيل أو الزيارة القادمة لفريق الكريكت الهندي. عند مواجهة الواجب المعقد المرعب لشن السلام بدلا من شن الحرب تتحول تلك القيادة الأخلاقية إلى فرار من الأخلاقيات.)
لا يعيب هذا الكاتب المبدع سوى أن يهوديته تغلب عليه من آن لآخر فهو يؤمن بأسطورة الهولوهوكس وكثيرا ما يسوقها ويحشرها حشرا ودون مناسبة كمثال للمعاناة الإنسانية. ولأن عالم الإنترنيت يسمح ويغري بسرعة الاتصال بالبريد الإلكتروني فقد كتبت له خطابا مؤدبا بأن مقالاته ممتازة وأنها لا يعيبها سوى حشره لأسطورة الهولوهوكس كحقيقة تاريخية، وكيف أنه يجب عليه إن ظل مؤمنا بتلك الأسطورة أن يحتفظ بها لنفسه، لأن الإنسان يشعر بالغثيان كلما جاء ذكر هذا الهولوهوكس الوهمي في ضوء الأحداث التي تجري على أرض فلسطين.
كتبت جريدة جلوب Globe التجارية الإسرائيلية في 5/6/2002 عن زيادة البطالة في إسرائيل بعنوان "البطالة تصل الرقم القياسي 10,6% في الربع الأول من العام". تقول الجريدة:
(أعلن مكتب الإحصاء المركزي اليوم أن نسبة العاطلين المعدلة موسميا كانت 10,6% في الربع الأول من عام 2002 وهي أعلى نسبة منذ عام 1993 . كانت نسبة البطالة 10,4% في ربع السنة السابق وكانت النسبة 8,7% في ربع السنة المقابل من العام الماضي.كان متوسط عدد العاطلين خلال يناير- مارس 2002 هو 270600 منهم 146500 من الرجال بينما كان عدد النساء 124100 وقد ارتفع عدد العاطلين بنسبة 3,7% عن ربع السنة السابق وارتفع بنسبة 26,2% عن الربع الأول من عام 2001 وقد استجد 56200 من العاطلين خلال عام شاملا ذلك 10000 في الربع الأول من العام.بلغ متوسط عدد العاطلين 2,27 مليون في الربع الأول منهم 1,23 مليون من الرجال ومن النساء 1,04 مليون امرأة.)
تعد درجة البطالة بإسرائيل عالية جدا بالمقاييس الغربية، وقد بدا أثر الانتفاضة الفلسطينية العظيمة واضحا على زيادة تلك الأرقام خلال العام الأخير حيث يتردى الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة مصروفات الحرب الباهظة والتي اتضح أثرها في تعديلات الميزانية الإسرائيلية مؤخرا. لا تستطيع إسرائيل الحياة دون المعونة الأمريكية، وهو حمل على أمريكا يزداد سوءا مع ازدياد تردي أمريكا في المستنقع الأفغاني الذي سيستمر لسنوات طويلة يستنزف الموارد الأمريكية المادية والبشرية.عندما يستمر ضغط الانتفاضة الفلسطينية فإن أمريكا تكون أحرص على إيجاد حل للمشكلة وأحرص على بقاء إسرائيل من الإسرائيليين أنفسهم. من هنا كانت المسرحيات الهزلية التي يقوم بها حسني مبارك وياسر عرفات بفعل التعليمات الأمريكية للعمل على قتل حرب التحرير الفلسطينية.
نشرت الإندبندنت البريطانية Independent في 6/6/2002 خبرا بقلم مراسلها تري جد Terri Judd بعنوان "عاملة إغاثة بريطانية تضرب عن الطعام بأحد سجون إسرائيل". يقول الخبر:
(أضربت باحثة جامعية بريطانية عن الطعام في أحد سجون إسرائيل بعد القبض عليها أثناء قيامها بمهمة إنسانية.كانت جوسي ساندركوك Josie Sandercock وعمرها 32 عاما ضمن مجموعة من ناشطي حركة التضامن العالمية في محاولة للعمل كدروع بشرية بمخيم بلاطة لللاجئين وذلك بالإقامة مع العائلات الفلسطينية لتسجيل الأحداث ومصاحبة سيارات الإسعاف. كانت عائدة مع سبعة آخرين من المحتجين بأحد الأزقة ليلة السبت فحاصرهم الجنود الإسرائيليين وقبضوا عليهم ثم ألقوا بهم في الشاحنات.
تعمل ساندركوك كباحثة بقسم الصحة العامة والأمراض الجلدية بجامعة برمنجهام وهي الآن محتجزة بسجن الرملة للنساء بالقرب من تل أبيب ومعها اثنتان من نفس الجماعة هما الأمريكية دارلين ولاش والفرنسية فاليري كوريجزز وقد قبض أيضا على خمسة رجال من أستراليا والأردن واليابان وأيسلاند والدنمارك.
قالت الدكتورة أماندا برلز إحدى زميلات ساندركوك بالجامعة أن الأخيرة قد تمكنت من الاتصال بها في مكالمة تليفونية وأضافت "لقد أخطرتني بأنها أضربت عن الطعام مع آخرين بسبب احتجازهم غير القانوني إذ لم توجه لهم أي اتهامات. كانت تتكلم بسرعة نظرا لضيق الوقت على الهاتف وطلبت مني أن أطمئن أمها. كان باديا أن حالتها ليست سيئة وإن كانت مكتئبة وثائرة بعض الشيء لكنها لم تكن خائفة. كانت هادئة جدا. كانت تلك أولى بعثاتها الإنسانية بالخارج. لقد اشتركت في المظاهرات من قبل لكن هذه هي المرة الأولى لنشاطها المكثف."
يعمل الدكتور توم مارشال محاضرا وهو أحد زملاء ساندركوك التي تعيش بضاحية بيروود في برمنجهام. وقد وصفها بأنها صادقة المشاعر تؤدي عملها بإخلاص وقد واجهها ذلك الظلم. وأضاف "الناس هنا ليسوا قلقين ونحن نعلم أنها لا تواجه خطرا مباشرا. إن الناس الذين ذهبت لمساعدتهم يواجهون أخطارا أشد كثيرا وأعتقد أنها تعلم ذلك. نتوقع عودتها عن قريب."
كانت ساندركوك مع 17 آخرين من زملائها من المحتجين الذين كانوا يعملون كدروع بشرية بمخيم اللاجئين الفلسطينيين بمنطقة نابلس المختلف عليها. كانت قد سافرت إلى المنطقة يوم الثلاثاء الماضي مستخدمة عطلتها السنوية لقضاء مهمتها التي تستغرق ثلاثة أسابيع.تقوم ساندركوك الآن بعمل استئناف للحكم بترحيلها ويساعدها محام من الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة.
قالت إلينا وزلي Elena Wesley إحدى ناشطات السلام أنها قد تحدثت مع ساندركوك بعد اعتقالها بوقت قليل وأنها تبدو بحالة معنوية حسنة نسبيا. رفضت ساندركوك الطعام ومعها أيضا ولاش التي تشاركها نفس الزنزانة وهما لا تقبلان سوى الماء. وأضافت وزلي "إن حالتهما حسنة في مثل تلك الظروف ولا خوف عليهما حتى الآن."
قام الرسميون من القنصلية البريطانية بزيارة ساندركوك يوم الثلاثاء طبقا لتصريح بالأمس من متحدث باسم وزارة الخارجية.)
نشطاء السلام معروفون ويحملون جوازات سفر من دول محترمة تقوم على رعايتهم وهم عادة يعرفون بعضهم البعض ويصعب اختفاء واحد منهم دون علم الآخرين، لذلك فإن الحكومة الإسرائيلية تحاول الاحتفاظ بشيء من حسن السمعة بعدم التعرض الشديد لهم، لكن المسجونين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية يلاقون أسوأ أنواع المعاملة التي تكاد في بشاعتها تقارب ما يلاقيه الوطنيون المصريون في سجون محمد حسني مبارك. وليس لنا اليوم إلا أن نبتهل إلى الله وأن ندعو بالفرج للفلسطينيين والمصريين. لكن الدعاء وحده لا يكفي فالله لا ينصر الكسالى والمتخاذلين. وقد هب الشعب الفلسطيني بعملياته الاستشهادية التي سيدخلها التاريخ صفحات الخلود وسيأتيه الفرج يوما بعد أن دب الرعب في قلوب أعدائه. أما أنت يا شعب مصر فماذا أنت فاعل؟ هل تنتظر حتى يحررك الشعب الفلسطيني بعد أن يسترد وطنه ويأخذ حريته؟
الفرج لا يمكن أن يأتيك يا شعب مصر في ظل قانون الطوارئ، وبما أن الرئيس المصري هو الحاكم العسكري وفق قانون الطوارئ فإن الحل البديهي لإلغاء قانون الطوارئ هو أن يقوم الشعب المصري – وهو مصدر السلطات – بإلغاء الحاكم العسكري. هذا الإلغاء لا يتم قانونيا إلا عن طريق الانتخابات الدورية، وبما أن الانتخابات معطلة أو مزورة فإن على مصدر السلطات أن يبحث عن طريقة قانونية أخرى للإلغاء. هناك سابقة قام الشعب المصري فيها بإلغاء محمد أنور السادات ذات يوم من أيام شهر أكتوبر عام 1981، والشعب المصري لا يلجئ لقانون الغاب إلا بعد أن تنهشه الذئاب. وقد أعملت الذئاب مخالبها وأنيابها من جديد والشعب صابر، فهل يفهم الغبي؟
نشرت الجارديان البريطانية مقالا لكاتبها هيوجو ينج Hugo Young في 6/6/2002 بعنوان " حديث هون Hoon عن الضربة الوقائية قد يكون مصيبة". المقال منصب على احتمالات قيام المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة باستخدام الأسلحة النووية في حروبهما التي لا تنتهي. الكلام خطير حيث أن الآلة العسكرية الغربية التي فقدت صوابها قد تلجأ في لحظة يأس إلى استخدام ما أسموه بالأسلحة النووية التكتيكية محدودة المفعول. ونحن لا ندري مدي الأضرار المتخلفة عن التفجيرات النووية وآثارها الإشعاعية التراكمية الضارة على الجو والتربة والتي تبقى لسنين طويلة. لكن تلك القوى الغربية المتغطرسة قد تجعل من بلادنا حقل تجارب لمثل هذا النوع من الأسلحة، خاصة وأن الآلة الأمريكية الصهيونية لا تكف عن دق طبول الحرب ضد العراق. يقول الكاتب:
( قام جاك سترو Jack Straw متأففا بتجاهل الإجابة عن سؤال هام قبل أن يرحل إلى شبه القارة لكي يعطي المحاضرات للهند وباكستان عن تبعات الحرب النووية. فحينما سأله جون همفريزJohn Humphrys عن السبب الذي يبرر إنصات تلك البلاد إلى بلد لم يستنكر احتمال مبادرته باستخدام الأسلحة النووية أجاب بأن الجميع يعلم أن احتمال استخدام بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا للأسلحة النووية "أبعد من أن يستحق المناقشة". لقد بدا كلامه كمحاولة جوفاء لبث الطمأنينة. إنها في واقع الأمر إجابة مضللة لا مثيل لها في سجل سلوك بريطانيا كقوة نووية.
الوزراء البريطانيون لا يتكلمون عادة عن أسلحتهم النووية، وإذا ما سئلوا فإن الإجابة النمطية هي القول بأننا لا نستبعد أي شيء إذا ما هاجمنا أحد. لقد تغير كل ذلك الآن. أول من قال بأن استخدام الذرة يستحق النقاش هو وزير الدفاع جيف هون زميل سترو. ففي شهر مارس قال هون في معرض الحديث عن العراق "أنا على ثقة تامة من أننا مستعدون لاستخدام أسلحتنا النووية في الظرف المناسب."
لقد أصيب بالذهول كل من سمعه يقول ذلك بما في ذلك بعض المستشارين من الخبراء. فقد تجاوز ذلك الوضوح قاعدة عامة، حتى واشنطون عادة ما سارت عليها. وكان الظن أن تلك كانت فلتة عارضة جاءت في نهاية اجتماع لجنة خاصة ودون سابق تفكير ولن تتكرر. ولكن حدث بعد أيام أن أعطى هون مزيدا من التفاصيل لجوناثان دمبلباي Jonathan Dimbleby مصرا على أن الخيار النووي يمكن اتخاذه كضربة وقائية إذا ما اعتقدنا أن القوات البريطانية على وشك أن تواجه هجوما عراقيا بالأسلحة الكيماوية أو البيولوجية. وقد كتب زميلي ريتشارد نورتون تايلورRichard Norton-Taylor عن ذلك وعلق عليه في حينه دون أن يثير ذلك الكثير من النقاش السياسي.
وحتى يتأكد فهمنا للأمر قالها هون للمرة الثالثة، عندما قال لمجلس العموم "يجب أن تكون الحكومة البريطانية قادرة على القول بأنه لابد في النهاية من أن تستخدم الأسلحة النووية في الظروف القصوى للدفاع النفس." هذا الإصرار المؤكد على حق بريطانيا في استخدام القنابل الذرية كضربة وقائية إذا تطلب الأمر ضد دول تعنينا ولا تمتلك هي تلك القوة النووية قد مر بهدوء رغم أنه ليس له سابقة في تخطيط أي حكومة للعمال أو المحافظين.)
يمضي المقال إلى الحديث عن خطورة مثل هذا المسلك وكيف أن حكومة ماجور لم تلجأ إلى التهديد باستخدام الأسلحة النووية ولم تكن لديها نية استخدامها ضد العراق. ثم يستنتج من ذلك أن الأمر قد يكون من قبيل التهديد والوعيد حيث يعتقد أن العراق في طريقه إلى امتلاك السلاح النووي بصورة أسرع من الحسابات السابقة وأن البريطانيين ربما يتبعون نفس السياسة الأمريكية التي تردد مثل ذلك التهديد والوعيد في تقارير سرية يتم تسريبها إلى العلن ضد ليبيا وسوريا والعراق وإيران وكوريا الشمالية وأي تهديد صيني ضد تايوان. يستمر الكاتب قائلا:
(تتحدث تلك التقارير عن خطة أمريكية لبحث إنتاج أسلحة نووية جديدة صغيرة "ذكية" يدعون أنها ذات أثر محدود يتم استخدامها ربما لضرب الخنادق. يمكن في النهاية أن تستخدم ضد كهوف القاعدة ومعامل صدام أيضا.
لا تمتلك بريطانيا مثل تلك الأسلحة. قنابلنا الذرية الصالحة للاستعمال تكاد تكون كلها مركبة في مقدمة صواريخ ترايدنت العابرة للقارات. هل هذه هي القنابل التي يقصدها هون عند قوله أننا يمكن أن نستخدمها ضد بغداد؟ ماذا يمكن أن تكون أهدافنا المحددة؟ ما هو مبلغ تفكيرنا العميق في الخسائر البشرية العراقية؟ أو ما يمكن أن نقوله عندما يتضح أن صدام استمرت به الحياة بعد ضربتنا النووية؟ يجب على وزير الدفاع الإجابة على تلك التفاصيل الدقيقة. لكن هناك أيضا مسائل أخرى ذات طابع عام يثيرها مثل هذا الغليان الاستراتيجي الذي حل محل التعقل النووي إبان الحرب الباردة.
أولا ما هو المفترض حدوثه لمعاهدة منع الانتشار النووي وهي الأساس الوقائي الذي يعتمد عليه الكثير من الأمور؟ كان هناك عنصر هام من عناصر المعاهدة هو تعهد الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي في عام 1978 بعدم استخدام السلاح النووي ضد دولة غير نووية إلا إذا بدأت تلك الدولة الحرب متحالفة مع دولة نووية. وقد انضمت فرنسا والصين ورددتا هذا القول في 1995 ، وقد قبل تلك الصفقة ما يربو على 180 دولة غير نووية. فإذا ما اتخذت الولايات المتحدة أو بريطانيا من العراق ذريعة لنقض هذا التعهد، ماذا يمنع العديد من الدول الأخرى إلى الاندفاع إلى امتلاك السلاح الوحيد الذي يعتقدون أنه قد يقيهم؟ ثانيا وهو الأهم نحن نشهد ابتذال الأسلحة النووية التي يبدو فجأة أنها قد فقدت رعبها الفريد. باكستان والهند أصبحتا في حاجة إلى دروس عن الواقع وربما لم تتعلما بعد رغم انهما قد وضع أمامهما للفحص عرض باحتمال موت 12 مليون. إن القضية البريطانية أشد سوءا، فالتحدي المغرور من وزير الدفاع يجعل الخيار النووي يبدو كما لو كان مجرد درجة أعلى من درجات السلاح العادي للمعارك. وكلما لوح بالخيار النووي في زهو وعدم اكتراث كلما جعله يبدو عاديا وليس أكبر وأسوأ كارثة يمكن أن تصيب العالم أيا كانت القوة التي تستخدمه وأيا كان الوقت الذي يستخدم فيه. ما الذي أصاب هذا الزمن الذي يسمح لوزير بحكومة العمال – نعم .. بحكومة العمال .. – أن ينسى ذلك؟)
يقوم عدد من الصحفيين البريطانيين الأمناء بدورهم في التحذير من الجنون الأمريكي البريطاني، ولا تصدر مثل تلك التحذيرات عادة من الصحافة الأمريكية المنقوعة في القذارة الصهيونية. لكن دوام الحال من المحال وربك لهم بالمرصاد.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هذه المدونة
هذه المقالات كتبت على مدى ثلاثة عقود وهي أصلح ما تكون في سياقها التاريخي، فمثلا مقالي عن الحجاب المكتوب في ثمانينيات القرن الماضي يصف من ترتديه بضيق الأفق لأن تلك الغربان كانت أعدادها قليلة، أما اليوم فإن من ترتدي ذلك الزي السخيف لا يليق وصفها بضيق الأفق إذا ما كانت مكرهة على لبسه خوفا مما قد تعانيه من مشاكل في مواجهة الغوغاء الذين يريدون فرض هذا الزي الوهابي بالقوة بحجة أنه "فرض عين" أو أنف أو أذن، وأن من واجبهم تغيير المنكر بأيديهم مفترضين أن نساء القاهرة الجميلات كن كافرات في الخمسينيات والستينيات، وأن ذلك أهم من القضاء على حسني مبارك وعصابته ممن أودوا بمصر إلى التهلكة.
أرشيف المدونة الإلكترونية
- مايو 2008 (17)
- يوليو 2008 (4)
- أكتوبر 2008 (1)
- ديسمبر 2008 (1)
- يناير 2009 (5)
- فبراير 2009 (3)
- مارس 2009 (2)
- أبريل 2009 (7)
- مايو 2009 (2)
- يونيو 2009 (2)
- نوفمبر 2009 (2)
- ديسمبر 2009 (3)
- يناير 2010 (1)
- فبراير 2010 (2)
- مارس 2010 (2)
- أبريل 2010 (1)
- مايو 2010 (3)
- يوليو 2010 (1)
- نوفمبر 2010 (1)
- ديسمبر 2010 (1)
- يناير 2011 (2)
- فبراير 2011 (6)
- مارس 2011 (3)
- أبريل 2011 (2)
- مايو 2011 (2)
- يونيو 2011 (2)
- يوليو 2011 (3)
- سبتمبر 2011 (2)
- أكتوبر 2011 (3)
- ديسمبر 2011 (4)
- يناير 2012 (2)
- فبراير 2012 (1)
- أبريل 2012 (1)
- مايو 2012 (1)
- نوفمبر 2012 (1)
- يونيو 2013 (1)
- يوليو 2013 (2)
- أغسطس 2013 (1)
- يناير 2014 (1)
- فبراير 2014 (1)
- يوليو 2014 (1)
- سبتمبر 2014 (3)
- ديسمبر 2014 (1)
- فبراير 2015 (2)
- مارس 2015 (1)
- أبريل 2015 (1)
- مايو 2015 (1)
- أغسطس 2015 (1)
- سبتمبر 2015 (2)
- مارس 2016 (1)
- يوليو 2016 (1)
- أغسطس 2016 (2)
- سبتمبر 2016 (4)
- أكتوبر 2016 (2)
- نوفمبر 2016 (1)
- يناير 2017 (1)
- فبراير 2017 (1)
- مارس 2017 (1)
- أبريل 2017 (1)
- مايو 2017 (1)
- يونيو 2017 (2)
- يوليو 2017 (3)
- سبتمبر 2017 (1)
- أكتوبر 2017 (4)
- نوفمبر 2017 (2)
- ديسمبر 2017 (4)
- يناير 2018 (4)
- فبراير 2018 (6)
- مارس 2018 (4)
- أبريل 2018 (2)
- مايو 2018 (5)
- يونيو 2018 (2)
- يوليو 2018 (2)
- أغسطس 2018 (1)
- سبتمبر 2018 (1)
- أكتوبر 2018 (2)
- ديسمبر 2018 (2)
- يناير 2019 (1)
- فبراير 2019 (2)
- مايو 2019 (4)
- يونيو 2019 (3)
- يوليو 2019 (2)
- سبتمبر 2019 (1)
- أكتوبر 2019 (1)
- ديسمبر 2019 (1)
- يناير 2020 (1)
من أنا
- Mohammed A. Hegazi
- ملبورن, فيكتوريا, Australia
- أنا واحد من آلاف المصريين الذين فروا من الدولة الدكتاتورية البوليسية التي يرأسها السوائم ولا يشارك في حكمها سوى حثالة أهلها من اللصوص والمرتزقة والخونة وينأى الأشراف بأنفسهم عن تولى مناصبها الوزارية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق