كل المصريين – باستثناء الجاهل أو المعتوه – يتمنى أن يرى مبارك متدليا من حبل المشنقة إذا تمت محاكمته بصفته المدنية كرئيس مخلوع، أو أن يراه معصوب العينين أمام فرقة الإعدام إذا تمت محاكمته عسكريا. لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يبدو غير واع لهذه البديهية. فما هو السبب؟
المجلس على رأسه مشير بلغ من العمر أرذله ولا يجوز له أن يستمر في مثل ذلك الموقع الحساس مهما كانت قدراته في شبابه، ومعه أربعة برتبة فريق نعلم جميعا أنهم من اختيار مبارك الحريص على أمنه وسلامته الشخصية. نحن نعلم تماما أنه كان يشترى ولاءهم برفع مرتباتهم وتسهيل حصولهم على مزايا عينية من أموال الشعب، وليس من جيبه الخاص المملوء بأموال الشعب. وهناك تسعة آخرين برتبة لواء، لا بد وأن مبارك أيضا قد انتقاهم ممن يضمن ولاءهم له، ولابد وأن يكون أيضا قد أغدق عليهم من أموال الشعب. أقول ذلك وأنا لا أشكك في وطنية أي منهم، فقد خلق الإنسان محبا للمال خاصة إذا جاء ذلك المال في صورة "حلال" مثل المكافآت والبدلات، أو جاء في صورة "شبه حلال" في صورة "بدل ولاء"، والولاء هنا لحسني مبارك لكن أيا من شيوخ السلطة يمكن أن يقسم لك على كتاب الله ويعطيك فتوى بأنه بدل ولاء للوطن، بناء على فتوى أخرى بأن مبارك يفدي الوطن بالروح والدم.
سنفترض جدلا أن ذلك المجلس الأعلى للجيش كان على درجة من الولاء لمبارك وأن على عيونهم غشاوة تفرض عليهم استمرار ذلك الولاء، خاصة وأنهم ربما كانوا على اعتقاد بأن مبارك لم يملأ السجون بالأبرياء ولم يعذب أحدا ولم يتسبب في موت أي مصري، مثل الشاب البرئ خالد سعيد الذي مثل موته تجسيدا لأخلاقيات مبارك وحكمه الدكتاتوري المقيت. سنفترض كل ذلك على سبيل الجدل، ولكن ألا يعلم أعضاء ذلك المجلس أنهم في مكانهم لتمثيل إرادة الشعب والجيش، وليس لفرض إرادتهم أو أهوائهم الخاصة؟
إن تأخر القبض على مبارك ووضعه في زنزانة على ذمة التحقيق يثير الكثير من الشكوك، ليس فقط حول المسببات والدوافع، بل في وطنية ونوايا ذلك المجلس. وهناك من الأسباب ما يعزز تلك الشكوك، مثل الإبطاء في عمليات التطهير، وتعيين الوزراء ذوي السمعة الرديئة، رغم أن مصر تفيض بالشخصيات العامة من ذوي القدرات الممتازة في شتى المجالات. الأمثلة الصارخة على ذلك كثيرة وخطيرة أهمها حاليا هو تلك الوزارة المشبوهة برئيسها أحمد شفيق الرفيق الحميم لسيده مبارك في رحلة الخسة والخيانة، ثم السيد أبو الغيط وأقل ما يمكن أن أقوله بشأنه هو أنه مثل مبارك تافه بلا كفاءة وأنه "عرة" وفي حاجة إلى إعادة تدريب لكي يصلح لوظيفة ملحق بسفارة مصرية، وأخيرا وليس آخرا وزير الداخلية الجديد السيد اللواء محمود وجدي الذي بدأ حياته الوزيرية بالكذب الفاضح على الناس والتمسك بالأسلوب التقليدي البالي لأمن الدولة بإنكار كل المخالفات البوليسية الخطيرة والاعتداء بالذخيرة الحية على المتظاهرين بميدان التحرير.
أعود وأسأل: ما سبب كل ذلك؟ ولأن لكل سؤال جواب فسوف أطرح الاحتمالين المرجحين:
الاحتمال الأول هو أن ذلك المجلس استمرار للحكم الدكتاتوري العسكري البالي وينوي كسب الوقت بتغييرات شكلية يعتقد أنها كافية لإرضاء الناس، ولكي يضمن عودة الجيش إلى ثكناته وإحكام القبضة على حرية حركتة وتوفر الذخيرة له، حيث يشكل انتشار الجيش خطورة على أي قيادة يثور الشك في وطنيتها. بعد ذلك يختار المجلس من بين أعضائه من تختاره أمريكا لاستمرار دور التبعية والعمالة ويبقى كل شيء على حاله، لنرى مثلا الفريق سامي حافظ عنان وعلى رأسه تاج الجمهورية الوهمية، أو يتم تزوير الانتخابات تحت رعاية طاقم الشرطة القديم ليأتي أي عميل آخر تختاره أمريكا وإسرائيل.
الاحتمال الثاني هو أن ذلك المجلس لا يمتلك المعرفة أو القدرة السياسية الكافية لإدارة دولة، وبالتالي فإنه رغم وطنيته يقف عاجزا عن القدرة على ترتيب الأوراق بالسرعة الكافية، ويأبى لصلفه وغروره العسكري إشراك مدنيين في اتخاذ القرارات التي يشرف على تنفيذها، حيث رفض منذ البداية الاقتراح بأن يكون تشكيل مجلس إدارة الدولة المؤقت من مندوب واحد عن الجيش وأربعة أو أكثر من المدنيين الأكفاء من فقهاء القانون والتكنوقراط القادرين على فهم الأمور، لكي نكفي البلاد المزيد من المعاناة تحت حكم العسكر الذي ثبت عقمه على مدي ما يربو على نصف القرن.
سوف تتضح الصورة عما قريب وليعلم ذلك المجلس – موقرا كان أو غير موقر – أن مصر الآن مختلفة تماما، وأن شباب مصر من المدنيين والعسكريين - وأكرر والعسكريين - قد وصل من الوعي والنضج السياسي والقدرة على التخطيط والحركة إلى درجة لم نصلها نحن العجائز، سواء كنا من عامة أفراد الشعب المثقف أوغير المثقف، أو كنا من عجائز ضباط الجيش والشرطة الذين نشأوا وترعرعوا في فترة الانحطاط والانهيار التي بدأت مع بداية حكم العسكرعام 1952.
مطالب الشعب الفورية المشروعة الملحة هي:
· القبض على عميل الصهيونية الأمريكية السفاح اللص محمد حسني مبارك ومحاكمته.
· القبض بسرعة على كل رؤساء المؤسسات الفاسدة لمحاكمتهم قبل انتهائهم من تدمير مستندات إدانتهم. ثم التفرغ بعد ذلك لمن كان دون ذلك من الفاسدين المفسدين.
· إسناد الحكومة إلى وجوه جديدة من خيرة شباب البلاد.
بغير ذلك لن يكون هناك اطمئنان للوضع القائم وسيصبح المجلس "سندوتش" ما بين شباب الشعب وشباب الجيش الذي لا يملك ترف العجائز في مضيعة الوقت. الشعب الذي أسقط الطاغية مبارك لن يعجز أمام دستة أو دستتين من كبار الضباط، عزلوا أنفسهم مبكرا عن نبض الشارع فأصبحوا اليوم في عداد من يمثلون أنفسهم فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق